ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى المجلد 4

اشارة

سرشناسه : صافی گلپایگانی، علی، 1281 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : ذخیره العقبی فی شرح العروه الوثقی [محمدکاظم بن عبدالعظیم یزدی]/ تالیف علی الصافی الگلپایگانی

مشخصات نشر : قم: مکتبه المعارف الاسلامیه، - 1372.

شابک : 2500ریال(ج.1)

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

يادداشت : ج. 2 (چاپ 1372)؛ بها: 2500 ریال

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1374)؛ بها: 6000 ریال

عنوان دیگر : العروه الوثقی. شرح

موضوع : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337؟ق. العروه الوثقی -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن ق 14

شناسه افزوده : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337ق. العروه الوثقی. شرح

رده بندی کنگره : BP183/5/ی4ع40216 1372

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 74-5990

[الحمد و الثناء]

نحمدك يا ربّ على نعمائك و نشكرك على آلائك و نصلّي و نسلّم على محمّد خاتم انبيائك الّذي اعطيته دينا جامعا وافيا لهداية خلقك و سعادة عبادك صلّ اللّهم عليه و على آله افضل ما صلّيت على اوليائك لا سيّما على الامام الثاني عشر الكاشف للضرّ عن أحبّائك و المنتقم من أعدائك و اللّعن على أعدائهم الى يوم لقائك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 7

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة فصل المطهرات]

[الخامس من المطهّرات: الانقلاب]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الخامس من المطهّرات:

الانقلاب كالخمر ينقلب خلًّا فإنه يطهر سواء كان بنفسه أو بعلاج كإلقاء شي ء من الخلّ أو الملح فيه سواء استهلك أو بقى على حاله. و يشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية إليه، فلو وقع فيه حال كونه خمرا نجاسة من البول أو غيره أو لاقى نجسا لم يطهر بالانقلاب.

(1)

أقول: لا اشكال في الجملة في كون الانقلاب من المطهرات، كما إنه لا ينبغي الإشكال في عدم كون مطهرية الانقلاب من باب الاستحالة. و بعبارة أخرى ليس مطهرية الانقلاب من باب كونه من صغريات الاستحالة و لا من باب إن الاستحالة تبدل حقيقة شي ء بشي ء آخر حتى يستشكل و يقال بأن حقيقة الخمر غير حقيقة الخلّ. بل من باب إنه إن كان وجه مطهريّته هو الاستحالة لا يمكن الالتزام بطهارة الخلّ المنقلب عن الخمرية، لأن الظرف الواقع فيه الخمر صار نجسا بسبب ملاقاته مع الخمر و هو لا يطهر بالاستحالة. لأنّ ما يصير طاهرا بالاستحالة على فرض كونها مطهرا في المورد ليس إلّا الخمر باستحالته خلًّا لا الظرف الذي تنجس بالخمر. و بعد بقاء نجاسة ظرف الخمر تصير نجاسة الظرف موجبة لنجاسة ما صار خلًّا بسبب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 4، ص: 8

الاستحالة، فلا يمكن ان يكون وجه طهارة الخل المنقلب عن الخمر هو الاستحالة و عدم طهارة ظرف الخمر المستحيل خلًّا بسبب الاستحالة. كما إنّ الكلب إذا صار مستحيلا بالملح فنجاسة الكلب من حيث الكلبية ترفع بصيرورته ترابا ملحا لا نجاسته من حيث آخر. و لهذا لو كان في الملحيّة أعني موضع الملح نجاسة أخرى فينجس الكلب المستحيل بنجاستها مع السراية.

مضافا إلى أنّ الإشكال في كون حقيقة الخلّ غير حقيقة الخمر باق في المقام، فبعد ذلك فلا يبقى إلّا أن نقول بأن

الوجه في مطهرية الانقلاب هو بعض الأخبار.

فلا بد قبل الشروع في بيان حكم المسألة من ذكر أخبار الباب و مقدار دلالتها. فنقول بعونه تعالى إن ما يمكن أن يتمسّك به روايات:

الرواية الأولى: ما رواها ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج و ابن بكير جميعا عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلًّا، قال لا بأس «1».

الرّواية الثانية: ما رواها عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يأخذ الخمر فيجعل خلًّا قال لا بأس «2».

الرّواية الثالثة: ما رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال في الرّجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا، فقال إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به «3».

الرّواية الرّابعة: ما رواها جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يكون على الرّجل الدّراهم فيعطيني بها خمرا فقال خذها ثم افسدها قال عليّ و اجعلها خلا «4».

______________________________

(1) 1 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(2) 3 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(3) 5 من الباب 31

من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(4) 6 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 9

الرّواية الخامسة: ما رواها في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال سألته عن الخمر أوّله يكون خمرا ثم يصير خلًّا، قال إذا ذهب سكره فلا بأس «1».

الرّواية السادسة: ما رواها أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر يصنع فيها الشي ء حتّى تحمض، قال إذا كان الّذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس «2».

بناء على تكميل حملها على صورة انقلابه خلًّا، و إلّا لو كان المراد حموضة الخمر و استهلاك العلاج فيه بدون انقلابه خلا كان معنى عدم البأس عدم البأس بالخمر. فالرواية غير معمول بها و لهذا حكي عن الشيخ رحمه اللّه ان هذه الرواية شاذة نادره.

الرّواية السابعة: ما رواها أبو بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر يجعل خلا، قال لا بأس إذا لم يجعل فيها ما «3» (يغلبها)، فإن كان الصادر عنه عليه السّلام يغلبها بالغين، يكون معناه طهارته إذا لم يجعل فيها ما يغلب عليها فيكون المراد عدم الطهارة فيما غلب العلاج على الخمر، إمّا لأنه يوجب استهلاك الخمر في العلاج لا الانقلاب و إمّا من باب عدم الطهارة مع كون العلاج غالبا على الخمر و إن حصل الانقلاب، فعلى هذا لا يدل الخبر على عدم الطهار. إذا كان صيرورته خلا بالعلاج و إما إن كان الصادر يقلبها بالقاف، يدل الخبر على طهارته إذا لم يكن سبب الانقلاب جعل شي ء من العلاج فيه. فعلى هذا يدل الخبر على عدم الطهارة في صورة كون

حلية الخمر بالعلاج، فالرّواية ذو احتمالين، باعتبار اختلاف النسخة.

الرّواية الثامنة: ما رواها عبد العزيز بن المهتدي قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام

______________________________

(1) 9 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(3) الرّواية 4 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 10

جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصب عليه الخلّ و شي ء يغيره حتى يصير خلا قال لا بأس به «1».

الرّواية التاسعة: ما رواها محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا عن جامع البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الخمر تعالج بالملح و غيره لتحول خلًّا، قال لا بأس بمعالجتها، قلت فانّي عالجتها و طيّنت رأسها، ثم كشفت عنها فنظرت إليها قبل الوقت فوجدتها خمرا، أ يحل لي امساكها، قال لا بأس بذلك. إنما ارادتك أن يتحول الخمر خلًّا و ليس إرادتك الفساد «2».

الرّواية العاشرة: ما رواها محمد بن مسلم و أبي بصير و علي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن الخمر يجعل فيها الخل، فقال لا إلّا ما جاء من قبل نفسه «3».

هذا كله في الأخبار الواردة في المسألة، ثم بعد ذلك نقول بأنّ

الكلام يقع في جهات:
الجهة الأولى:

يستفاد من الروايات الواردة في الباب، طهارة الخمر إذا صار خلًّا بنفسه. و هذا هو القدر المتيقن من الأخبار.

الجهة الثانية:

هل يطهر الخمر بصيرورته خلًّا بعلاج مثل اختلاطه بالخل أو الملح أو غيرهما أو لا يطهر؟

اعلم ان المصرّح به في بعض أخبار الباب المتقدم ذكره قابلية تطهير الخمر بالعلاج مثل الرواية 8 و 9 من الروايات المتقدمة و بعض ما تقدم من الاخبار و ان كان مطلقا من هذا الحيث لكن اطلاقه كاف لشمول الحكم لما صار الخمر خلا بالعلاج.

______________________________

(1) 8 من الباب 21 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(2) من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(3) 10 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 11

بل ربما يتوهم ان مورد الروايات المطلقة هو صورة العلاج لأنه لا معنى لجعل الخمر خلًّا إلّا بالعلاج.

لكن يمكن ان يكون النظر في هذه المطلقات، وضع الخمر في مكان خاص و محلّ بارد أو حارّ حتّى ينقلب خلًّا و هذا غير العلاج بإلقاء شي ء فيه كالملح أو الخل أو نحوهما.

و على كل حال إطلاق بعض الاخبار و نصوصية بعضها الآخر يقتضي طهارة الخمر إذا صار خلًّا و لو كان ذلك بعلاج.

و في قبال ذلك بعض الاخبار المذكورة ما يمكن أن يقال بدلالته على عدم طهارة الخمر بانقلابه خلًّا إذا كان بعلاج ينقلب الخمر خلًّا مثل الرواية السابعة من الرّوايات المتقدمة بناء على الاحتمال الثاني و هو كون الصادر عن المعصوم عليه السّلام يقلبها (بالقاف) لا (يغليها) فيكون على الاحتمال مفاد الرواية عدم البأس به إذا لم يقلبها يعني إذا لم يجعل فيه ما يصير سببا لانقلابه خمرا.

الرّواية العاشرة من

الروايات المتقدمة ذكرها يدل على عدم طهارة الخمر بانقلابه خلا إذا كان ذلك بالعلاج. و فيه أنه على ما قيل أنّ هذه الطائفة من الاخبار تكون معرض عنها عند الاصحاب فليست بحجة. و لا تصلح للمعارضة مع الطائفة الاخرى من الاخبار الدالة على طهارة الخمر بانقلابه خلا، و ان كان ذلك بالعلاج و على فرض حجيتها فغاية ما تدلّ عليه هو النهي عن شرب خمر صار خلًّا بالعلاج و بعد دلالة بعض الروايات و نصوصيتها على الحلية و الطهارة إذا صار الخمر خلا بالعلاج و عدم البأس به في هذه الصورة، يحمل النهي في الطائفة الدالة على النهي على الكراهة بمقتضى الجمع العرفي فتكون النتيجة عدم البأس في صيرورة انقلاب الخمر خلا بالعلاج على كراهه.

الجهة الثالثة:

هل المعتبر في الصورة التي ينقلب الخمر خلًّا بالعلاج هو استهلاك العلاج فيه أو لا يعتبر ذلك؟ بل يكفي في طهارته، و انقلابه خلا حتى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 12

الصورة التي يكون العلاج باقيا فيه.

مثلا إذا اوقع الملح في الخمر للعلاج حتى ينقلب خلا تارة يستهلك الملح فيه بحيث لم يبق الملح فيه بعد صيرورته و انقلابه خلا حتى ذرة منه.

و تارة يبقى الملح بتمامه أو بعضه فيه بعد انقلابه خلًّا فهل يطهر بانقلاب الخمر خلا بالعلاج خلا في خصوص الصورة الأولى أو يطهر مطلقا حتى في الصورة الثانية؟

قد يقال باختصاص الحكم بالصورة الأولى لأن المنصرف إليه من الدليل هو بعض الاخبار المتقدمة في هذه الصورة.

أو أن يقال بأن هذا أي القول باختصاص الحكم بالصورة الأولى يكون طريق الجمع بين الطائفة الدالة على عدم طهارة الخمر بانقلابه خلًّا إذا كان بالعلاج و بين الطائفة الدالة

على طهارته بانقلابه خلا. و لو كان بالعلاج. لأنه يحمل ما دل على طهارته بالعلاج، على صورة عدم بقاء العلاج و استهلاكه في الخمر. و يحمل ما دل على عدم طهارته إذا انقلب خلا بالعلاج على صورة بقاء العلاج في الخمر و عدم استهلاكه فيه.

أو من باب إن ما يعالج به الخمر بانقلابه خلا إذا وقع في الخمر يصير نجسا فإذا انقلب خلا و بقى العلاج في الخمر و كان باقيا بعد انقلابه خلا يتنجس به الخل فلهذا لا يطهر الخمر بانقلابه خلا في صورة بقاء العلاج.

أقول: أما دعوى انصراف ما تمسك به على طهارة الخمر بالعلاج بصورة استهلاك العلاج فيه إذا صار خلا فمما لا يصغى إليه خصوصا مع كون الغالب في صورة ادخال ما يعالج به هو بقاء بعض اجزاء العلاج بعد انقلاب الخمر خلا خصوصا فيما إذا كان العلاج من الاجسام و اما كون ذلك طريق الجمع بين ما يدل على الطهارة بالعلاج و بين ما يدل على عدم الطهارة بالعلاج فغير تمام. لان الجمع بهذا النحو يكون جمعا تبرعيا، لا يساعده العرف. و قد بيّنا طريق الجمع العرفي بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 13

الطائفتين بحمل ما دل على النّهي على الكراهة، و بنصّ ما دلّ على الجواز و هذا على فرض وجود مقتضى الحجية فيما يدل على النهي عن العلاج و قد تقدم عدم وجود مقتضي الحجية في هذه الطائفة و أما ما يقال بأنه مع بقاء بعض أجزاء ما يعالج به فهو ينجّس الخل لصيرورته نجسا بادخاله فيه، في حال خمريته.

ففيه ان بعد دلالة الاخبار المتقدمة المصرح فيها بطهارة الخمر المنقلب خلا، و لو كان

بسبب العلاج، و كون المتعارف غالبا أو في موارد كثيرة و لو لم تصل بحد الغالب بقاء العلاج بتمامه أو ببعضه حال انقلاب الخمر خلا. فالدليل على طهارته بالانقلاب يدلّ على عدم تنجس الخل بهذه الاجزاء الباقية و إلّا يلزم لغوية الحكم بمطهرية الانقلاب في صورة العلاج.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أمران:

الامر الأوّل: ان وجه طهارة ما بقي من العلاج في صورة انقلاب الخمر خلا بالعلاج هو التبعية لما قلنا، من أنه لا معنى للحكم بطهارة الخمر المنقلب خلًّا بالعلاج، و بين الحكم بنجاسة ما بقي من العلاج فيه بعد انقلابه خلا لأنه لو لم يطهر ما بقي من العلاج، و بقي نجسا ينجس به الخل فلا معنى للحكم بطهارة الخل المنقلب عن الخمرية بالعلاج لأنه مع كون الغالب بقاء العلاج فلو لم نقل بطهارة ما بقي من العلاج لا بد من حمل بعض المطلقات الدالة على طهارة الخل المنقلب من الخمرية بالعلاج على المورد النادر، و هو الصورة التي لا يبقى من العلاج شي ء و جزء فيه بعد انقلابه خلا و هذا الحمل غير صحيح.

الأمر الثاني: بعد كون الميزان في طهارة ما بقي من العلاج، هو ما قلنا فلا بد من الاقتصار في طهارته بما هو المتعارف من بقاء العلاج غالبا لا أكثر من ذلك لما عرفت فلو بقي من العلاج مقدارا أزيد مما هو المتعارف لا يحكم بطهارته لعدم دليل على طهارة أزيد من المتعارف.

الجهة الرابعة:

هل يشترط في طهارة الخمر بانقلابه خلا عدم وصول نجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 14

خارجية فيه؟ فلو وقع فيه نجاسة خارجية حال كونه خمرا كالبول، أو غيره من النجاسات، لا يطهر أو لا

يعتبر ذلك.

اعلم إن النجاسة الخارجية الواقعة في الخمر تارة تكون باقية فيه حتى حال انقلابه خلا. مثل ما إذا أوقع فيه عين من الأعيان النجسة و بقيت فيه إلى أن انقلب خلا فلا اشكال في تنجّس الخل المنقلب من الخمرية بملاقاته لعين النجس مثل ما إذا وقعت عين النجس في مائع غير الخل.

و تارة لا تكون النجاسة باقية في الخمر بعد انقلابه خلا مثل ما إذا استهلك فيه حال خمريته أو وقعت فيه حال خمريته ثم اخرجت منه قبل انقلابه خلا أو انقلب بالخل قبل نش الخمر.

و ما يمكن ان يكون وجها لاشتراط الشرط في طهارة الخمر بالانقلاب بيان، مضى في المسألة التاسعة، عن المسائل المنعقدة في فصل كيفية تنجس المتنجسات فراجع و نقول بنحو الاختصار إن النجاسة الواقعة في الخمر إن كانت من سنخ نجاسة الخمر مثلا إذا وقع خمر آخر في هذا الخمر فالخمر الوارد في الخمر الأولى يصير أيضا طاهرا بانقلابه خلا و لا أشكال فيه.

و إن كان من غير سنخه فتارة يقع في الخمر نجاسة، ليس لها حكما زائدا على الحكم الثابت للخمر، مثلا. إذا كان الحكم الملاقي للخمر غسله مرة واحدة لا يجب في الملاقي لهذه النجاسة إلّا الغسل مرة، مثلا كوقوع الدم في الخمر.

و تارة يوجب حكما زائدا مثلا يجب فيهما الغسل مرتان.

فعلى كلا الفرضين أما أن يقال بعدم تداخل الاسباب من باب كونه موافقا للقاعدة و كون كل سبب مقتضيا لمسبب غير ما يقتضيه السبب الآخر، و لازمه اقتضاء كل نجس لغسل مستقل. و لم نقل بتداخل المسببات مقتضى القاعدة بمقتضى كلّ من النّجسين غسلا لاقتضاء كل علة لمعلول مستقل.

نعم فيما يكون للنجس الثّاني اثرا زائدا، مثل ما

إذا كان الأوّل مؤثرا للغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 15

مرة و الباقي لمرتين، لا يجب إلّا الغسل مرتين و هذا ليس من باب التداخل بل من باب حصول امتثال الامر الأوّل الغير المقتضي إلّا لطبيعة الغسل بهذا و قد بينا تفصيلا في المسألة التاسعة في فصل كيفية تنجيس المتنجس.

و لكن بعد تسالم الاصحاب فيما كان إذا النجسان من سنخ واحد كما إذا أصاب ثوب الشخص الدم مرتين بالتدريج فاصابه دم مرة، ثم أصابه دم آخر أو يكونا متحدين في الأثر و إن لم يكونا من سنخ واحد لا يوجبان إلّا أثرا واحدا فإذا تنجّس الثوب بالدم ثم بالعذرة فلا يجب بعد ازالة العين إلّا الغسل مرة واحدة، و لا يجب الغسل مرتين مرة للدم و مرة للعذرة.

و لكن وجه ذهابهم إلى ما ذكرنا غير معلوم. فهل كان اختيارهم عدم تعدد الاثر في هذا المورد؟ او يكون من جهة اختيارهم القول بتداخل الاسباب في المسألة بمعنى تداخل كل من السببين فإذا جمع السببان لا يقتضيان إلّا مسبّبا واحدا فلا يوجبان إلّا مسبّبا واحدا.

أو كان مختارهم في المسألة من باب القول بتداخل المسببات. بمعنى إنه و ان كان مقتضى سببية كل سبب لمسبب واحد، و لكن يتداخل المسببات بمعنى الاكتفاء بمسبب واحد في مقام جمع السببين فإذا نقول في المقام بأن مقتضى القاعدة عدم تداخل الاسباب فلا يمكن أن يقال بأن وجه تسالمهم هو القول بتداخل الاسباب.

فلهذا نقول بأن النجس ينجس ثانيا. فالخمر مع نجاسته ينجس ثانيا، بنجاسة أخرى مثل البول، أو العذرة، أو غيرهما. فلو وقع في الخمر حال خمريته نجاسة أخرى بعد انقلاب الخمر خلا و إن كان قابلا لأن

يصير طاهرا من حيث نجاسة الخمرية و لكن من حيث نجاسته بنجاسة أخرى يكون نجسا و لا يطهر بانقلابه خلًّا من حيث النجاسة الاخرى فتكون النتيجة نجاسة الخمر و ان انقلب خلا من حيث تنجّسه بالنجاسة الاخرى و لا دليل على مطهرية الخمر بالانقلاب من حيث غير النجاسة الخمرية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 16

و لكن يمكن ان يقال بعدم اشتراط عدم تنجس الخمر بنجاسة خارجية و عدم مضريتها بطهارته في انقلابه خلا لان مقتضى ترك استفصال الإمام عليه السّلام في الجواب، مع كون السؤال مطلقا يشمل صورة وقوع نجاسة اخرى في الخمر حال خمريته دليل على اطلاق الحكم، فالأقوى عدم اعتبار هذا الشرط، نعم فيما وقع في الخمر نجاسة و تصب عليها حال انقلابه خلا لا يطهر الخمر بالانقلاب لتنجس الخل بعين النجاسة الباقية و بناء على هذا يطهر الظرف الواقع فيه الخمر و ان وقع فيه نجاسة اخرى بالتّبع لانه بعد شمول الدليل لصورة طهارة الخمر بانقلابه خلا فيما وقع فيه نجس و لم يبق حال حليّته يطهر الظرف بالتبع و إلّا يلزم لغوية الحكم بالطهارة، فما عن بعض المحشين في تقييد الطهارة بما أخرج الخمر الواقع فيه النجاسة عن ظرفه المتنجس حال خمريته، لا وجه له. لأنه كما قلنا يطهر الظرف بالتبع مضافا إلى ان تغيير الظرف لا يفيد في طهارته لان التغيير إما يكون حال خمريته، فإذا وقع في ظرف آخر فحاله كحال الظرف الأوّل، و ان كان تغيير الظرف حال خليته، فمع قوله بتنجّس الخل فلا يفيد أيضا.

***

[مسئلة 1: العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلا لم يطهر و كذا إذا صار خمرا ثم

انقلب خلا.

(1)

أقول: اما فيما صار العنب أو التمر المتنجس خلا بدون صيرورته خمرا قبل أن ينقلب خلا لعدم الدّليل على طهارته بانقلابه خلا في هذا الفرض لأن المفروض في هذا المورد هو الخمر المتنجس. و لا دليل على طهارة الخمر بانقلابه خلا في هذا الفرض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 17

و أما فيما صارا خمرا ثم انقلبا خلا فوجه كلامه ما قالة سابقا باشتراط مطهرية الانقلاب و عدم نجاسته بالنجاسة الخارجية. لأن النّص الدال على طهارة الخمر بانقلابه خلا لا يشمل إلّا حيث النجاسة الخمرية و قد عرفت ما قلنا من شمول النّص حتى للمورد على الاقوى. و لهذا نقول بالطهارة فيما تنجّسا و صارا خمرا ثم انقلبا خلا.

***

[مسئلة 2: إذا صب في الخمر ما يزيل سكره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا صب في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر و بقي على حرمته.

(1)

أقول: لكون نجاسة الخمر و حرمته من احكام الخمر بما هو خمر لا من باب سكره كما يدل على ذلك النّص و الفتوى.

و لعل منشأ بيان ذلك دفع توهم كون الحكم بالنجاسة حال سكره مستفاد من بعض الروايات نذكر هنا الروايات حتى تظهر حقيقة الحال.

الرّواية الأولى: هي الرّواية الثانية المتقدم المتقدم ذكرها فيما استدل به على مطهرية الانقلاب بدعوى إن فيها بعد سؤال السائل عن جعل الخمر خلا؟ قال الإمام عليه السّلام: (إذا تحوّل عن اسم الخمر لا بأس فلا بأس «1» يدل على تحوله عن السكر لأن المراد من تحوله عن اسم الخمر، هو تحوله عن السكر و بعبارة أخرى عدم بقاء سكره.

و فيه ان الظاهر من هذه الجملة هو عدم صدق اسم الخمر عليه فإذا اطلق عليه الخمر فهو نجس. و إذا اطلق عليه الخل

فهو طاهر بمعنى انه مع صدق الخمر عليه لم يتحقق الانقلاب و هذا غير مربوط بكون صدق الخمر و عدمه دائرا مدار السكر و

______________________________

(1) و تمام الرّواية الرّواية 3 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 18

عدمه.

الرّواية الثانية: هي ما في الرّواية الخامسة المتقدم ذكرها في طي الرّوايات المستدل بها على مطهرية الانقلاب و فيها قال: (سألته عن الخمر يكون أوّله خمرا ثمّ يصير خلا؟ قال: إذا ذهب سكره فلا بأس «1». بدعوى دلالتها على كون النجاسة و الطهارة دائرة مدار بقاء السّكر و عدمه.

و فيه أن مفروض كلام السائل هو صورة صيرورة الخمر خلا و في هذا الفرض يعني صيرورة الخمر خلًّا قال عليه السّلام: إذا ذهب سكره فلا بأس. و هذا يشهد بأن ذهاب السكر معتبر في المطهرية فنقول يحتمل في هذه الفقرة احتمالان.

الاحتمال الأوّل: انه أن يكون المراد إن ذهاب السكر دليل على انقلاب الخمر و صيرورته خلًّا لأنه إذا انقلب خلا لا يكون مسكرا.

الاحتمال الثّاني: ان يكون المراد من هذه الفقرة ان المعتبر في طهارة الخمر مضافا إلى انقلابه خلا أن يذهب سكره ففي الحقيقة يكون المعتبر في طهارة الخمر أمرين: صيرورته خلا و ذهاب سكره.

و لكن لا يمكن الأخذ بالاحتمال الثّاني. لأن لازمه هو عدم كون الخلية بنفسها موجبة للطهارة و الحال إن ظاهر الاخبار و الفتوى كون نفس الخلية مطهرة له.

و أيضا يلزم كون رفع سكر الخمر موجبا لطهارته، و مقتضى ذلك كون الخمر نجسا في حال السكر و على هذا الاحتمال تكون الرواية غير معمول بها، و تكون معارضة مع ما دل على كون الخمر طاهرا بانقلابه

خلًّا مضافا إلى كون ظاهر الرّواية المذكورة هو الاحتمال الأوّل.

الرّواية الثّالثة: ما رواها علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي الجارود عن

______________________________

(1) و تمام الرّواية الرّواية 9 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 19

أبي جعفر عليه السّلام في قوله: إنما الخمر و الميسر (الآية) «1» أما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر (الخ) «2» بدعوى إن الخمر هو المسكر، فيكون حكم النجاسة دائرا مدار السكر، لأن الخمر هو المسكر على ما يستفاد من الرّواية.

و فيه مضافا إلى ضعف سند الرّواية بأبي الجارود، تدل على ان كل مسكر من الشّراب بعد تخميره فهو خمر. و هذا إما تنزيل كل مسكر منزلة الخمر بعد سكره في الحكم و إما كونه حقيقة خمرا موضوعا، و لا تدل على ان نجاسة الخمر لأجل الاسكار، فتأمل.

و مع قطع النظر عن كل ذلك لا أشكال في كون المتسالم عند الاصحاب، هو عدم كون نجاسة الخمر دائرا مدار الاسكار، فلا يمكن العمل بهذه الرّوايات على فرض دلالتها.

***

[مسئلة 3: بخار البول أو الماء المتنجس طاهر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: بخار البول أو الماء المتنجس طاهر فلا بأس بما يتقاطر من سقف الحمام إلّا مع العلم بنجاسة السقف.

(1)

اقول: قد مرّ الكلام في حكم البخار المتصاعد من النّجس أو المتنجس، في طي مسئلة الاستحالة، من إن البخار المتصاعد من النّجس أو المتنجس إذا اجتمع و صار ماء فالاحوط الاجتناب عنه إذا علم إنه هو البخار المتصاعد عن النّجس أو المتنجس فعلى هذا نقول بإن الاحوط الاجتناب.

*** «2»

______________________________

(1) المائدة، 90 و 91.

(2) ...

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 20

[مسئلة 4: اذا وقعت قطرة خمر في حبّ خلّ و استهلكت فيه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا وقعت قطرة خمر في حبّ خلّ و استهلكت فيه لم يطهر و تنجّس الخل إلّا إذا علم انقلابه خلا بمجرد الوقوع فيه.

(1)

اقول: اعلم إن الكلام إن كان في خصوص مفروض المسألة التي عنونها المؤلّف رحمه اللّه من وقوع قطرة خمر في حبّ خلّ، فلا اشكال في عدم طهارته، و نجاسة الخل بها، حتى فيما علم انقلابها خلا بمجرّد الوقوع فيه، لأنه لو اغمضنا عن بعض الاشكالات فلا اقل من قصور النّصوص الواردة في الانقلاب لهذا المورد، و إن كان الكلام فيما هو معنون في كلمات بعض الفقهاء رحمه اللّه و يكون مفروض المسألة من جزئياته.

فنقول بعونه تعالى للمسألة صورتان:

الصّورة الأولى: إذا ما وقعت قطرة خمر أو قطرات منه في حب خلّ، و استهلكت فيه

و علم بانقلابها خلا من جهة صيرورة الخمر المتقاطرة منه هذه القطرة خلا، أو من طريق آخر و فيها قولان: وجه الطهارة وجوه:

الوجه الأوّل: إطلاق النّصوص المتقدمة الدالة على طهارة الخمر بانقلابه خلا بعلاج، أو اطلاق يشمل ما كان العلاج أكثر من الخمر، مثل مفروض كلامنا و يشمل ما كان بوقوع العلاج في الخمر أو بوقوع الخمر في العلاج مثل ما نحن فيه لاطلاقها من هذا الحيث أيضا.

الوجه الثّاني: هو ان المستفاد من النّصوص إن الملاك في الطهارة انقلاب الخمر خلا بنفسه كان أو بعلاج و هذا الملاك و المناط موجود في الفرض.

الوجه الثّالث: الرّواية الثامنة من الرّوايات المذكورة في مكاتبة عبد العزيز بن المهتدي قال: كتبت إلى الرّضا عليه السّلام، جعلت فداك يصير خمرا فيصب عليه الخل و شي ء يغيّره، حتى يصير خلا، قال: لا بأس به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 21

بدعوى إن العصير بصبّ الخل في الخمر يدل على كونه كثيرا و كذلك قوله (و

شي ء يغيّره) يكون ظاهرا في كثرته لأنه لو لم يكن كثيرا لا يغيّر الخمر عن الخمرية فيستفاد من الرّواية اغتفار كون العلاج كثيرا مثل مفروض الكلام.

أقول: قبل الورود في جواب ما توهم دلالته على طهارة الخمر في هذا الفرض و عدم تنجّس الخل بسببه لا بد من التّنبيه على امر: و هو انه لا يعقل تصوير العلم بانقلاب الخمر خلا في هذه الصورة إلّا تقديرا، لأنه مع كون المفروض استهلاك القطرة الملقاة من الخمر في الخل، و مضى استهلاكه فيه صيرورته عرفا جزء له بحيث تتبدّل صفاته بصفات الخل مثل الماء المضاف المستهلك في الماء المطلق، أو الدم المستهلك في الماء. و مع فرض الاستهلاك لم يبق خمر حتى يقال انه انقلب خلا، فمعنى فرض انقلابه خلا ليس إن الخمر الموجود فعلا انقلب خلا، لعدم وجود له مع الاستهلاك، بل معناه إنه لو فرض ان هذه القطرة من الخمر كانت موجودة انقلبت إلى الآن خلا، لأن ما اخذ منه هذه القطرة انقلب خلا أو حصل العلم بذلك من طريق آخر.

إذا عرفت عدم تعقل هذه الصورة إلّا بما بيّناه لك و بعد كون نظر الشيخ رحمه اللّه في قوله في (يه) (إذا وقع شي ء من الخمر في الخل لم يجز استعماله إلّا بعد ان يصير ذلك الخمر خلا) إلى صورة استهلاك الخمر في الخل؛ بل لعل كلامه راجع إلى الصورة الثانية التي نتعرض له إن شاء اللّه.

نقول: بأن الأقوى عدم طهارة هذه القطرة من الخمر المستهلكة في الخل. بل تنجّس الخل بها، أما أوّلا: لما تلونا عليك من انه مع استهلاك القطرة المصبوبة في الخل فيه لا وجود له حتى يقال إن خمرا انقلب خلا فهذه

الصورة خارجة عن مفروض النّصوص المتقدمة، و أما ثانيا: لما يظهر من بعض الرّوايات المتقدمة الواردة في المسألة على اشتراط عدم كون ما يعالج به اكثر من الخمر، كالرّواية السادسة منها و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر يصنع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 22

فيها الشي ء حتى تحمض، قال: إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس به) «1» بناء على كون المراد من صيرورة الخمر حامضا صيرورته خلا بالانقلاب، فتدل الرّواية على أنه لا بأس إذا كان ما صنع فيه العلاج و هو الخمر غالبا على ما يصنع به العلاج، و أما على الاحتمال الآخر في الرّواية، و هو ان يكون المراد استهلاك العلاج في الخمر و صيرورته حامضا بدون الانقلاب فالرّواية غير مربوطة بما نحن فيه اصلا و غير معمول بها لدلالتها على عدم البأس بالخمر الحامض بالعلاج و لو لم ينقلب خلا.

و كالرّواية السابعة منها و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر تجعل خلا؟ قال: لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها) «2» بناء على كون (يغلبها) في الرّواية (بالغين) لا إلا أن يكون (يقلبها) (بالقاف) فمع اختلاف النسخة تكون هذه الكلمة ذي احتمالين و على هذا لا يمكن الاستدلال بهذه الرّواية فالعمدة هي الوجه الأوّل.

و اما ما يتمسك به على طهارة قطرة الخمرة المصبوبة في الخل و عدم تنجّس الخل بها.

فإن كان النظر إلى دعوى اطلاق الادلة من هذا الحيث:

فيقال: بانه لو تمت دلالة الرّوايتين المتقدمتين فيقيد بهما اطلاق الأدلة على فرض اطلاق لها، و مع

قطع النظر عن ذلك نقول: بانه انا لا نرى بين الاخبار المذكورة المستدلة بها لمطهرية الانقلاب خبرا يكون له اطلاق من هذا الحديث.

اعني من حيث شموله لمورد يكون العلاج اكثر من الخمر، و لما يكون الخمر مصبوبا في الخل لأنه غير الرّواية الرابعة و الثامنة منها اما يكون مورده عدم العلاج أو كون العلاج أقل أو عدم الجواز مطلقا في صورة العلاج، و قد حملنا هذه الطائفة الأخيرة

______________________________

(1) 2 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل./

(2) 4 من الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 23

على الكراهة. و هاتان الروايتان و إن كانتا تدل على صورة العلاج لكن موردهما الخمر فيعالج و ينقلب خلًّا و المنصرف إليه، بل الظاهر منهما أيضا صورة يكون الخمر أكثر من العلاج، خصوصا مع امكان دعوى عدم كون العلاج أكثر و على هذا لو كان اطلاق لا بد من تنزيله على المتعارف.

مضافا إلى انّه مع الاغماض عن ذلك كله نقول بان مورد الرّوايات على فرض اطلاقها هو الصورة التي انقلب الخمر خلا يعني يكون خمر موجودا ثم ينقلب خلا و في مفروض المسألة كما قلنا مع فرض استهلاك قطرة الخمر لا يكون خمرا موجودا حتى ينقلب خلا.

و أما الوجه الثّاني: و هو التمسك بالملاك و شموله للمورد.

فجوابه: يظهر مما مر من ان غاية ما يستفاد من الاخبار هو ان الملاك صيرورة الخمر خلا سواء كان بالعلاج أو بغيره و سواء كان بصب العلاج في الخمر، أو بعكسه و سواء كان الخمر أكثر من العلاج، أو بعكسه.

و لكنه لا بد من وجود خمر حتى ينقلب خلًّا خارجا فلا بد

من كون وجود الخمر مفروغا عنه، و في مفروض المسألة لم يبق خمر حتى ينقلب خلا.

و اما الوجه الثّالث: و هو التمسك بمكاتبة عبد العزيز بن المهتدي.

ففيه ان التعبير بصب الخل على الخمر لا يدل على كونه اكثر من الخمر و كذا شي ء غيره لا يدل على كون هذا الشي ء اكثر منه فتلخص ممّا مر عدم طهارة قطرة خمر او قطرات خمر في الخل بل ينجس الخل بها فافهم.

الصورة الثّانية: الصورة التي وقعت قطرة خمر أو أزيد منها في حبّ من الخل و انقلب خلا قبل استهلاكها فيه لها موردان:
المورد الاول: إذا وقعت فيه و انقلبت خلا قبل استهلاكها فيه

فهل تطهر هذه القطرة المنقلبة خلا أو لا تطهر بل ينجس الخل بملاقاتها؟

لا يبعد كون نظر الشيخ رحمه اللّه في (يه) من إنه إذا وقع شي ء من الخمر في الخل لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 24

يجز استعماله إلّا بعد ان يصير ذلك الخمر خلا (الخ) إلى هذه الصورة (و ان كان المحتمل كون نظره الشريف إلى جواز استعماله في هذه الصورة إلى انه لا يعتبر ورود العلاج على الخمر في مقام طهارته بالانقلاب).

و على كل حال ما يمكن ان يكون وجها لطهارة قطرة الخمر المصبوبة و عدم تنجّس الخل بها.

ما رواه في الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السّلام (ان صب في الخل خمر لم يحلّ اكله حتى يذهب عليه ايام و صيّر خلا).

و فيه: إنه قد بيّنا مكررا ضعف سند الفقه المنسوب إليه عليه السّلام و لا تكون منجبرة ضعف سندها فيما نحن فيه. و لا يصحّ دعوى إن النّصوص المذكورة الدالة على طهارة الخمر بانقلابه خلا بإطلاقها أو بالمناط المنكشف من النّصوص المذكورة يشمل المورد.

و قد يقال: في الجواب عنه، بانه أوّلا: تدل الرواية 6 و 7 من النّصوص المذكورة على اشتراط غلبة الخمر على العلاج فلا يطهر فيما يكون

بالعكس، و ثانيا:

قصور الادلة عن الشمول للمورد لعدم اطلاق لها حتّى يشمل المورد، أو لأن موردها ما يبقي الخمر المنقلب خلا بعد الانقلاب، و في مفروض الكلام استهلك في الخل بعد الانقلاب و بعد عدم الشمول لا وجه بالطهارة الخل بالتبع، لان التّبعية كانت من باب الاطلاق المقامي، و إنه لا معنى لطهارة الخمر و نجاسة الخل الواقع فيه بالإطلاق المقامي، حتّى نقول بطهارة الخل بالتبع، و فيه عدم شمول النّصوص للمورد لا دليل على طهارة الخمر المنقلب، حتى يقال بطهارة الخل بالتبع. و اما المناط فالقطعي منه غير معلوم و الظّني منه لا يفيد لعدم حجّيته.

أقول: اما الرّوايتان فقد عرفت انهما ذو احتمالين فلا يمكن الاستناد إليهما.

و على فرض دلالتهما على مسئلة طهارة الخمر بالانقلاب تفيدان فيما إذا كان الخل الواقع فيه الخمر اكثر من الخمر و اما لو كان متساويان بحسب المقدار او كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 25

الخل الواقع فيه الخمر انقص من الخمر بحسب المقدار و لو بمقدار قليل فلا يمكن التمسك بهما على الطهارة و اما ما يقال من قصور النّصوص عن شمولها لمفروض المورد فلا يبعد ذلك خصوصا مع كون المنصرف ورود العلاج على الخمر مضافا إلى عدم تعارف القاء كثير من الخل في الخمر و بالأخص فيما إذا كان الخمر قطرة أو قطرات و الخل يكون كثيرا مثل مقدار حبّ و أما المناط القطعي فغير معلوم.

مضافا إلى أن المشهور عدم طهارة الخمر بالانقلاب في هذه الصورة.

المورد الثاني: من الصورة الثانية

و هي الصورة التي وقع قطرة أو قطرات من الخمر في الخل و هو يعلم إنّها بمجرد ايقاعها في الخل انقلبت خلًّا و هذه الصورة هي الصورة

التي استثناها المؤلّف رحمه اللّه بقوله (إلّا إذا علم بانقلابه خلًّا بمجرد الإيقاع فيه).

فنقول: بعد ما قلنا في الصورة الأوّلى من الصورتين بعدم طهارة الخمر بالانقلاب، فكذلك في هذه الصورة خصوصا إذا فيما كان الخمر المصبوب قطرة أو قطرات لقصور الادلة الواردة في طهارة الخمر بانقلابه خلًّا عن شمولها لهذا الفرض مسلما، و لما يأتي من بطلان الوجهين المحتملين في توجيه كلام المؤلف رحمه اللّه، هذا بالنسبة إلى حكم المسألة.

و اما وجه استثنائه، فقد يقال بأن الوجه فيه هو انه حين ملاقاته للخل حسب الفرض انقلب خلا، فهو صار طاهرا بالانقلاب و لا ينجس الخل لعدم نجاسته في هذا الحال.

ان قلت ان القطرة التي قطرت كانت قطرة الخمر على هذا الفرض فهي نجسه، ينجس ملاقيها.

قلت ان نجاستها قبل الملاقات لا يكفي للتنجيس، بل لا بد من نجاسته حال الملاقات مع الملاقي، و هي على الفرض صارت طاهرة حال ملاقاتها للخلّ الملاقي لانقلابها خلا في هذا الحال.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 26

و استشكل عليه، بأن المعتبر في سراية النجاسة من النجس إلى ملاقيه هو نجاسته قبل الملاقات، فإذا كان شي ء نجسا قبل الملاقات، يكفي في تنجس الملاقي به، كما ان المعتبر في المطهر كالماء طهارته قبل ملاقاته لمحل المتنجس، فلا يضرّ تنجسه بالملاقات، و لهذا ترى إن الماء المستعمل في الطهارة ينجس بملاقاته لمحلّ المتنجس مع كونه مطهرا للمحل، و هذا ليس إلّا من باب كفاية طهارته قبل الاستعمال فعلى هذا يقال بانه و ان صار الخمر خلا بمجرد ملاقاته مع الخل، لكن ينجس الخل به لكفاية نجاسته قبل الملاقات في سرايته في تنجيس الخلّ ففي حال الملاقات ينجس الخمر الخل و

ينقلب عن الخمرية. فالملاقات علة تامة لأمرين في عرض واحد، تنجيس الخل و انقلاب الخمر خلا.

إن قلت انه لو كان للنجاسة امد، و هو الملاقات، بحيث يكون الخمر نجسا إلى زمان الملاقات و زمان الملاقات لا يكون نجسا، فلا يكون نجسا حتى يتنجس به الخل.

قلت لو كان سبب الانقلاب امرا آخرا غير ملاقات الخمر مع الخل بحيث يكون في ظرف الملاقات هذا السبب موجودا يصحّ ما قلت. لأنه على هذا ليس حال الملاقات حتى يقال لاقى النجس مع الخل و لكن في المقام يكون على الفرض سبب الانقلاب هو الملاقات، و هو نجس إلى ان يحصل الملاقات مثل بقاء طهارة الماء إلى زمان استعماله في التطهير فكما لا يضر بمطهريته نجاسته بسبب ملاقات المحل النّجس كذلك لا يضر في نجاسته و سراية نجاسته إلى الخل انقلابه خلا بالملاقات.

أقول: و هذا الجواب يفيد فيما يكون الملاقات للخل علة لانقلاب الخمر خلا. و إما اذا كانت العلة للانقلاب امرا آخرا مثلا كانت العلة مضيّ زمان يصير بعد مضي هذا الزمان خلا و هذا الزمان يحصل في آن. و هذا الآن هو آن ملاقاته مع الخل و وروده فيه و في هذه الصورة لا بد من ان يلتزم المستشكل بعدم تنجيس الخمر الملقى في الخل. و كلام المؤلف رحمه اللّه مطلق من هذا الحيث بمعنى انه لم يقيّد الطهارة بخصوص صورة العلم بانقلابه حال الملاقات حتى يكون الانقلاب مستندا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 27

بملاقاته للخلّ.

ثم انه ان كان مختار المؤلف رحمه اللّه هو كفاية نجاسة النجس قبل ملاقاته مع الشي ء، في سراية النجاسة كما يقول في طهارة المطهرات يكفي طهارة الماء قبل الاستعمال

في التطهير، و لهذا لا يضر نجاسته بالاستعمال.

فلا يمكن حمل كلامه هنا إلى ما قيل في وجه الاستثناء. و لو فرض كون نظره إلى ذلك فلم يتم كلامه. لأن ما يساعده العرف في صدق ملاقات النجس هو نجاسة النجس قبل الملاقات، فإذا كان شي ء نجسا قبل ملاقاته مع شي ء يحكمون بالسراية لأن هذا هو المعيار في السراية في نظرهم و لا دليل على اعتبار بقاء النجاسة في آن الملاقات.

و قد يقال في وجه نظر المؤلف رحمه اللّه في الاستثناء إلى ان هذه القطرة من الخمر المصبوب في الخل بعد فرض انقلابها خلا بمجرد الوقوع قبل استهلاكها فيه يطهر بالانقلاب خلا و يطهر الخل المصبوب فيه بالتّبع. و استشكل عليه بان مورد التطهير بالتبع للخمر هو بعد انقلاب الخمر خلا. لا ما إذا استهلك في الخل مثل مفروض الكلام و فيه أولا إنه لو فرض شمول اطلاق الادلة لما يصيب الخمر في الخل كما يشمل صورة اصابة الخل الخمر للعلاج فاستهلاكه. بعد الانقلاب لا يضر بطهارته لأنه حال انقلابه خمرا انقلب خلًّا.

و ثانيا على فرض عدم شمول الأدلة لمورد يستهلك الخمر بمجرد الملاقات في الخل فهو يتم في خصوص هذه الصورة و إما فيما انقلب خلا ثم بعد مضيّ زمان استهلك فيه فلا يجري هذا الإيراد و كلام المؤلف رحمه اللّه مطلق من هذا الحيث لأنه قال إلّا إذا علم انقلابها خلا بمجرد الوقوع فيه، و هذا أعم من ان يستهلك بمجرد الملاقات و ان يبقى خمرا زمانا، ثم يستهلك فيما يبقى من الخل.

و ثالثا لو كان نظره إلى ما قلت لا يلزم تقييد طهارة الخمر المصبوب و عدم نجاسة الخل الواقع فيه الخمر بما إذا

انقلب حال وروده في الخلّ. بل يطهر و لو كان الانقلاب بعد الوقوع بزمان، ثم انه بعد عدم وروده في الخلّ، بل يطهر و لو كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 28

الانقلاب بعد الوقوع بزمان، ثم إنه بعد عدم ورود ما اورد على هذا التوجيه، نقول ان كان نظر المؤلف رحمه اللّه إلى هذا الوجه لا يتم لما قلنا من عدم اطلاق الرّوايات حتّى يشمل المورد فلا يمكن الالتزام بطهارة الخمر و عدم نجاسة الخل.

***

[مسئلة 5: الانقلاب غير الاستحالة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: الانقلاب غير الاستحالة إذ لا يتبدل فيه الحقيقة النّوعية بخلافها و لذا لا يطهر المتنجّسات به و تطهر بها.

(1)

أقول: قد تقدّم في باب الاستحالة معناها، و حكمها، اعني مطهريتها و وجه ذلك ان فيها يتبدل الموضوع بموضوع آخر عند العرف. و لهذا لا يطلق على المستحيل عنه انه المستحال.

و إما في الانقلاب فهل المنقلب (بالفتح) موضوع آخر غير الموضوع المنقلب عنه أو هو هو غير انه تبدّل وصف بوصف آخر مثلا في الخمر المنقلب خلا هل تبدل موضوع بموضوع آخر أولا؟ بل تبدل وصف الخمرية بالخلية و إلّا هو هو و لم يتبدل موضوعه.

أقول: لا اشكال في ان الحكم بالطهارة في مورد الانقلاب ليس من باب كون الانقلاب فردا من افراد الاستحالة. و الشاهد على ذلك كون الانقلاب مخصوصا ببعض احكام لا يكون في الاستحالة و هو انه في الاستحالة إذا صار الشي ء قبل الاستحالة متنجسا فاستحال لا يقال بطهارته حتى من حيث ما يكون نجسا.

مثلا: إذا وقع كلب في مملحة رطبة و صارت هذه المملحة بسبب ملاقاتها مع الكلب نجسه فاستحال هذا الكلب ملحا في هذه المملحة المتنجسة، فلا يطهر بالاستحالة.

لأن الاستحالة تطهر الكلب من حيث النجاسة الكلبية لا من حيث لأن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 29

حيث النجاسة المتنجس بها الكلب من جهة ملاقاته مع الرطوبة المتنجسة، و ان كان منشأ نجاسة هذه الرطوبة هو ملاقاتها لهذا الكلب.

و لكن في الانقلاب لا يضر ذلك، فظرف الخمر يتنجس داخله بملاقاته للخمر فإذا انقلب الخمر خلا يطهر الخمر بالانقلاب و لا يضر نجاسة الداخل من الظرف بنجاسته الحاصلة سابقا، على الانقلاب بطهارة الخمر الحاصل بالانقلاب، بل يطهر داخل الظرف بالتبع أيضا.

و كذلك الاستحالة مخصوصة ببعض الاحكام ليس في الانقلاب، و هو ان المتنجسات تطهر بالاستحالة و لا تطهر بالانقلاب. و هذا شاهد على كون الانقلاب عنوان غير عنوان الاستحالة و ان فرض كونه منطبقا مع الاستحالة، بدعوى كون الخل غير الخمر حقيقة في نظر العرف، لكن لا اشكال في ان طهارته من باب الانقلاب لا من باب الاستحالة، لما قلنا من الفرق في الحكم، و ان كان لدعوى عدم كون الانقلاب موضوعا من صغريات الاستحالة مجال، لكن بعد اختلافهما في الحكم لا ثمرة في البحث في كون الانقلاب هو الاستحالة أم لا.

***

[مسئلة 6: إذا تنجس العصير بالخمر ثم انقلب خمرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا تنجس العصير بالخمر ثم انقلب خمرا و بعد ذلك انقلب الخمر خلا لا يبعد طهارته لان النجاسة العرضية صارت ذاتية بصيرورته خمرا لأنها هي النجاسة الخمرية بخلاف ما إذا تنجّس العصير بسائر النّجاسات فإن الانقلاب إلى الخمر لا يزيلها و لا يصيّرها ذاتية فأثرها باق بعد الانقلاب أيضا.

(1)

أقول: قد يقال في وجه الحكم بالطهارة في الفرض الأوّل المذكور في المسألة هو عدم جواز اجتماع المثلين و في المقام اجتماع النجاسة العرضية مع النجاسة الذاتية

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 30

يوجب اجتماع المثلين، لأن تنجس العصير بالخمر يوجب النجاسة العرضية، و صيرورة العصير خمرا يوجب النجاسة الذاتية فلا يمكن مع النجاسة الذاتية بقاء النجاسة العرضية فلا يمكن جمعهما، لأنه مع كون نجاستهما من سنخ واحد يلزم في اجتماعهما اجتماع المثلين و هو محال.

و قد يقال بان النجاسة لا تقبل التكرار فإذا كانت النجاسة من سنخ واحد مثلا لو تلوث المحل بفرد من الدم ثم تلوّث بفرد آخر من الدم فبعد صيرورة المحل متنجّسا بالفرد الأوّل فليس قابلا لتنجسه بالفرد الثّاني لأنهما من سنخ واحد لعدم قابلية النجاسة للتكرار، و لو لم نقل فرضا ببطلان اجتماع المثلين و لا بعدم الاجتماع مع كونهما من سنخ واحد لكن النجاسة غير قابل للتكرار إذا كانت من سنخ واحد.

و فيه: انه ان كان الوجه فيما فصّل المؤلف رحمه اللّه و اختار الطهارة في الفرض الأوّل لزوم اجتماع المثلين. فنقول: مع قطع النظر عن المناقشة في وجهه من استلزامه اجتماع المثلين بانّه لا يلزم اجتماع المثلين لكون موضوع الطهارة العرضية الجسم، و موضوع الطهارة الذاتية هو الخمر بما هو نوع من الانواع.

و انه يلزم اجتماع المثلين فيما تكونا نجاستين مستقلّتين، و إما إذا كانت النجاسة الثانية مؤكدة للأولى و لاشتداد ملك يوجب اجتماع المثلين.

كما إن ما قيل في الوجه الثّاني من عدم قابلية النجاسة للتكرار لا يلزم إذا كانت الثانية مؤكدة للأولى، بانه ليست الطهارة في مفروض الكلام دائرة مدار ما قاله المؤلف رحمه اللّه من ان النجاسة العرضية صارت ذاتية، و لهذا تتعب النفس في توجيه ذلك و بيان زوال النجاسة العرضية مع الذاتية بل يكون الحكم بالطهارة و عدمه مبنيا

على شمول اطلاق النّصوص الواردة في الانقلاب للمورد و عدمه حتى فيما التزمنا بزوال النجاسة العرضية مع طروّ النجاسة الذاتية.

أما فيما بقيت النجاسة العرضية فنشك في ان الانقلاب بالخل يطهر الخمر الذي تنجس حال عصيريته أم لا. فإن كان اطلاق النّصوص يشمل ما تنجّس الخمر، او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 31

العصير بالخمر قبل انقلابه خلا نقول بالطهارة و إلّا فلا.

كما انّه لو التزمنا بزوال النجاسة العرضية، فبعد صيرورة العصير خمرا نشك في طهارته بالانقلاب مع تنجّسه حال عصيريته بالنجاسة العرضية. يعني الخمر فإن قلنا بشمول الاطلاقات نقول بطهارته بانقلابه خلا و إلّا فلا، فالحكم بالطهارة في الصورة الأوّلى و هي الصورة التي تنجس العصير بالخمر، ثم انقلب خمرا، ثم انقلب خلا، مبنيّ على شمول اطلاق النّصوص لهذه الصورة و ليس مبنيّا على القول بزوال النجاسة العرضية بطروّ النجاسة الذاتية له و عدم القول به.

و على مختارنا في مسئلة مطهرية الانقلاب من شمول الادلة لما إذا تنجس الخمر بنجاسة غير الخمرية، يظهر لك طهارة الخمر بانقلابه خلا في هذه الصورة و ان التزمنا ببقاء النجاسة العرضية، مع طروّ النجاسة الذاتية عليها لأن اطلاق بعض النصوص الواردة يشمل حتى صورة تنجس الخمر بنجاسة غير الخمر قبل انقلابه خلا و ان كان بترك استفصال الإمام عليه السّلام بين صورة عدم تنجس الخمر بنجاسة أخرى و بين نجاسته بنجاسة اخرى في طهارة الخمر بانقلابه خلا.

و مما قلنا يظهر لك حكم الصورة الثانية من المسألة: و هي ما إذا تنجس العصير بنجاسة غير النجاسة الخمرية، فانقلب خمرا، ثم انقلب الخمر خلا، لأنه يطهر بانقلابه خلا لشمول اطلاق بعض نصوص الوارد في الانقلاب لها أيضا.

***

[مسئلة 7: تفرق الاجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة]

قوله

رحمه اللّه

مسئلة 7: تفرق الاجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة و لذا لو وقع مقدار من الدم في الكر و استهلك فيه يحكم بطهارته لكن لو خرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدة لمثل ذلك عاد إلى النجاسة بخلاف الاستحالة فانه إذا صار البول بخارا ثم ماء لا يحكم بنجاسته لانه صار حقيقة اخرى نعم لو فرض صدق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 32

البول عليه يحكم بنجاسته بعد ما صار ماء و من ذلك يظهر حال عرق بعض الاعيان النجسة أو المحرّمة مثل عرق لحم الخنزير أو عرق العذرة أو نحوهما فإنه إذا صدق عليه الاسم السابق و كان فيه آثار ذلك الشي ء و خواصه يحكم بنجاسته أو حرمته و ان لم يصدق عليه ذلك الاسم بل عدّ حقيقة اخرى ذات اثر و خاصية اخرى يكون طاهرا و حلالا و اما نجاسة عرق الخمر فمن جهة انه مسكر مائع و كل مسكر نجس.

(1)

أقول: اما ما قال من ان الاستهلاك غير الاستحالة فصحيح. لأن استهلاك شي ء في شي ء آخر عبارة عن صيرورة وجود شي ء مقهورا بشي ء آخر يوجب عدم ظهوره و عدم قابليّته لأن يصير مورد الاشارة الحسيّة و عدم ترتّب آثاره عليه عند العرف و عدة كالعدم بنظر العرف و ان لم يكن منعدما بحسب الواقع، بل هو موجود مستهلك.

و هذا بخلاف الاستحالة فإنّها كما بيّنا صيرورة موضوع، موضوعا آخر، فيكون المستحيل غير المستحيل عنه حقيقة و بحسب الواقع ففي الاستحالة في الحقيقة انعدام شي ء و وجود شي ء آخر محله. بخلاف الاستهلاك فإن فيه لا ينعدم شي ء بل استهلك شي ء في شي ء آخر.

إذا عرفت هذا يقع الكلام فيما قاله المؤلف رحمه اللّه (و

لذا لو وقع مقدار من الدم في الكر و استهلك فيه يحكم بطهارته لكن لو خرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدّة لذلك عاد إلى النجاسة).

أقول: اما ما قاله من الحكم بطهارة الدم المستهلك في الكر ففيه: إن الدم المستهلك ليس له موضوع بنظر العرف حتى يحكم بطهارته او نجاسته، لأنه مع فرض الاستهلاك ليس له موضوع و بحكم المعدوم في نظرهم، بل لو امكن الحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 33

عليه يحكمون بنجاسته.

نعم أثر وقوع الدم في الماء هو إن الماء الواقع فيه الدّم لو كان ماء غير عاصم ينجس به الماء، و ان استهلك فيه و لأجل صيرورة الماء الغير العاصم نجسا بملاقاته للدم قال المؤلف رحمه اللّه (لو وقع مقدار من الدم في الكر) لأنه لو وقع في الماء غير الكر يحكم بنجاسته بنظره الشريف لنجاسة الماء الغير العاصم بملاقاة النجاسة. و اما نحن نقول بأن الدم الواقع في الماء و كان عاصما إذا استهلك الدم فيه لا تحكم لا بطهارة الدم و لا بنجاسته. و اما إذا وقع في الماء القليل ينجس الماء و ان استهلك فيه.

اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه (بخلاف الاستحالة فإنّه إذا صار البول بخارا ثم ماء لا يحكم بنجاسته لأنه صار حقيقة أخرى نعم. لو فرض صدق البول عليه يحكم بنجاسته).

أقول: انه لو التزمنا في البخار المتصاعد من البول بالاستحالة، فمقتضاه تبدل البول بحقيقة اخرى، فإذا صار بعد ذلك بولا بحيث يصدق عليه البول فلا يمكن ان يقال بانه البول السابق المستحيل بخارا لأنه صار شيئا آخرا. ففي الحقيقة انعدم شي ء و وجد شي ء آخر فكيف يكون هذا البول هو البول

المتقدم فلا بد من الالتزام بان هذا بول وجد من البخار، لا انه البول السابق أو الالتزام بعدم الاستحالة من رأس لأن البخار ليس إلّا الاجزاء المتصاعدة من البول، أو الالتزام بعدم نجاسة هذا الماء و عدم كونه بولا.

و حيث امضينا بان البخار المتصاعد من البول لم يكن ممن صغريات الاستحالة و لذا يحكم بنجاسته حال بخاريته، و بعد صيرورته ماء، لو صدق عليه البول أو المتنجس، قلنا بأن الاحوط الاجتناب عنه نقول بأن الاحوط في المقام الاجتناب عنه. و إما عرق بعض الاعيان النجسة أو المحرمة مثل عرق لحم الخنزير أو العذرة و نحوهما فقال المؤلف رحمه اللّه (ان صدق عليه الاسم السابق و كان فيه آثار ذلك الشي ء و خصوصياته يحكم بنجاسته أو حرمته و ان لم يصدق عليه ذلك الاسم بل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 34

عدّ حقيقة أخرى ذات اثر و خاصية أخرى عليه يكون طاهرا و حلالا).

أقول: لم يختر رحمه اللّه نجاسة عرق بعض النجاسات، و عدمها، بل احال إلى العرف. و هو صحيح لأنه: إذا لم يستحيل شي ء نجس بشي ء آخر عند العرف فهو نجس. و لا يلزم بعد حكم العرف ازيد من ذلك مثل بقاء صفاته أو آثاره نعم قد يتوقف حكم العرف على مثل هذه الأمور، وجودا، و عدما حتى يحكم بحصول الاستحالة و عدمه، فالميزان نظر العرف فيما لم يبين الشارع موضوع حكمه، فمن عدم بيانه نكشف كون الموضوع عنده ما هو الموضوع عند العرف.

و أما عرق الخمر فهو نجس و محرّم شربه، و ليس حرمة شربه و نجاسته من باب كونه عرق النجس حتى يقال: بأن نجاسته أو طهارته مبنيا على

نجاسة عرق النّجس و عدمه، بل هو نجس و محرم شربه و لو لم نقل بنجاسة عرق الاعيان النجسة و حرمته.

بل يكون وجه نجاسته و حرمة شربه انه مسكر مائع، و كل مسكر مائع بالاصالة نجس و يحرم شربه فافهم.

***

[مسئلة 8: إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة.

(1)

أقول: الظاهر ان يكون مفروض الكلام في المسألة هو الشبهة المصداقية بعد تبين مفهوم الانقلاب، فيشك في حصول الانقلاب و عدمه، و في هذا الفرض يحكم بنجاسة المشكوك ببركة الاستصحاب.

هذا تمام الكلام في المسائل المتعلقة بمطهرية الانقلاب على الترتيب المذكور في العروة الوثقى و الحمد للّه و الصلاة و السلام على رسوله و آله الطاهرين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 35

[السادس من المطهرات: ذهاب الثلثين في العصير العنبي]

اشارة

قوله رحمه اللّه

السادس من المطهرات:

ذهاب الثلثين في العصير العنبي على القول بنجاسته بالغليان لكن قد عرفت ان المختار عدم نجاسته و ان كان الاحوط الاجتناب عنه فعلى المختار فائدة ذهاب الثلثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة و اما بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الاشكال لمن اراد الاحتياط و لا فرق بين ان يكون الذهاب بالنار أو بالشمس أو بالهواء كما لا فرق في الغليان الموجب للنجاسة على القول بها بين المذكورات كما ان في الحرمة بالغليان التي لا اشكال فيها و الحلية بعد الذهاب كذلك أي لا فرق بين المذكورات و تقدير الثلث و الثلثين أما بالوزن أو بالكيل أو بالمساحة و يثبت بالعلم أو بالبينة و لا يحكم بالظّن و في خبر العدل الواحد اشكال إلّا أن يكون في يده و يخبر بطهارته و حلّيته و حينئذ يقبل قوله و ان لم يكن عادلا إذا لم يكن ممن يستحله قبل ذهاب الثلثين.

(1)

أقول: مضي في المسألة الأولى من المسائل المتفرعة على نجاسة الخمر أن الأقوى كما عن المؤلف رحمه اللّه هو عدم نجاسة العصير بالغليان سواء كان الغليان، بالنار أو بالشمس أو بالهواء، فعلى هذا تظهر فائدة ذهاب الثلثين بالنسبة إلى الحرمة.

و أما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 36

بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الاشكال لمن أراد الاحتياط.

فما ينبغي ان يقع الكلام فيه امور:
الأمر الأوّل: يقع الكلام في أن العصير الغالي

بناء على القول بنجاسته يطهر بذهاب الثلثين أو تزيل حرمته بذهاب الثلثين فقط بناء على حرمته بالغليان، أم لا.

أعلم إن ذهاب الثلثين يكون سببا لارتفاع الحرمة الثابتة بالغليان في الجملة، كما انّه مطهّرا بناء على نجاسة العصير بالغليان، لدلالة بعض الرّوايات الواردة في المسألة و قد ذكرناها في المسألة الأولى من المسائل المتفرعة على نجاسة الخمر سابقا فراجع.

الأمر الثاني: كما مر منا في المسألة المشار إليها يكون ذهاب الثلثين مطهرا،

أو رافعا للنجاسة، على القول بها لخصوص ذهاب الحرمة إذا كان الغليان بالنار و أما، إذا كان بغير النار فلا يطهر بناء على صيرورته نجسا بسبب الغليان و لا يحلّ إلّا بانقلابه خلا خلافا لمختار المؤلف رحمه اللّه، لأن المتعين من كون ذهاب الثلثين مطهرا أو سببا للحلية ليس إلّا صورة غليانه بالنار بمقتضى الاخبار.

الأمر الثالث: أعلم إن ذهاب الثلثين يكون سببا لطهارة العصير

على القول بنجاسته بالغليان و سببا لحليّته، إذا كان ذهاب الثلثين لغليانه بخصوص النار خلافا لما اختاره المؤلف. لأن المتعيّن من مورد النّصوص ليس إلّا هذه الصورة فإن كان ذهاب الثلثين بغير النار و إن كان غليانه بالنار فلا يطهر و لا يحل، إلّا بما قلنا من صيرورته خلا لما قدمنا سابقا في طي المسائل المتفرعة على نجاسة الخمر أن العصير في هذه الصورة ان صار خمرا فمطهّره و محلله الانقلاب بالخلّ، و إن لم يصر خلا كما لا يبعد ذلك فنقول، بطهارته على القول بالنجاسة و نقول بحليته بعد انقلابه خلا لشمول أدلة حلية الخلّ له.

الأمر الرّابع: هل يكون التقدير في الثلث و الثلثين بخصوص الوزن

أو بخصوص الكيل، أو بخصوص المساحة، أو بكل منها على سبيل التخيير. أعلم إن في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 37

المقام كلاما في انّ التقدير بالكيل، يرجع إلى التقدير بالمساحة لأن الظرف الذي يكون آلة للكيل له مساحة مقدرة يقدّر بها المظروف. مثلا إذا كان ظرف طوله ثلاث أشبار و عمقه ثلاثة أشبار و عرضه ثلاثة و كان ظرفا و وعاء لكيل خاص مثلا ثلاث منّا فلو وقع فيه العصير و غلى، و ذهب ثلثاه بالنار، و بقي ثلثه يصير حلالا كذلك. لو قدر بالمساحة و هي على الفرض كانت ثلاثة أشبار فأيضا بالغليان و ذهاب ثلثيه بالنار يبقى شبرا فيكون التقدير بالمساحة بعين التقدير بالكيل، و هكذا في كل مورد فالتقدير بالمساحة مساو مع التقدير بالكيل فظهر ان التقدير بالكيل و الوزن متحدان و أما الوزن فلا يتّفق معهما اذ في المثال بقي مما في الظرف يكون ثلثه بحسب الكيل و ذهب ثلثاه أي الكيلان و ذهب و لكن بحسب الوزن لا يبقى

ثلثه. بل ما بقي في الظرف يكون أكثر من الثلث لأن ما نقص منه بالغليان بالنار هو بعض الأجزاء المائية من العصير الذي يكون له الخفّة، و ما بقي منه هو بعض أجزائه الثقيلة فقهرا ما ذهب منه بالغليان كان بحسب الوزن أخف مما بقي منه فيكون ما بقي منه في المثال المذكور أكثر من الثلث بحسب الكيل فما بقي في المثال يكون أزيد من الثلث بحسب الوزن مع فرض كونه بقدر الثلث بحسب الكيل و المساحة.

ثم بعد هذا يقع الكلام في أن العبرة في تقدير الثلث و الثلثين في المسألة المذكورة هل يكون في مقام التقدير بخصوص الوزن، أو بخصوص الكيل و المساحة بناء على كونهما متحدا، كما عرفت أو يكون التقدير بكل من الوزن. أو الكيل و المساحة مخيرا بينهما.

فنقول بعونه تعالى إن ما يمكن ان يستدل به على كون العبرة في مقام التقدير بالوزن روايات:

الرّواية الأوّلى: ما رواها عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصبّ عليه عشرين رطلا ماء، ثم طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلا و بقي عشرة أرطال أ يصلح شرب تلك العشرة أم لا؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 38

فقال: ما طبخ على الثلث فهو حلال «1».

تدل الرّواية على ان العصير إذ اذهب ثلثاه يحل ثلثه الباقي في صورة ذهاب ثلثيه بالوزن.

فأن قلت إن فرض كلام السائل و ان كان التثليث بحسب الوزن من باب ان الرطل وزن من الأوزان لكن جواب الإمام عليه السّلام ليس إلّا عن الحلية إذا طبخ على الثلث و اما كون الثلثين بالوزن أو بغيره فسألت عنه.

قلت الظاهر كون نظره

الشّريف كفاية حصول التثليث بالوزن كما هو نظر السائل في سؤاله و أما كون الاعتبار في التثليث بخصوص الوزن فلا يستفاد من الرواية لأن غاية ما دلّت عليه، هو ان التثليث بالوزن تثليث، و اما كون خصوصه تثليثا لا غير فلا تدل عليه، و هل يمكن ان يقال باستفادة الاطلاق من الرواية و ان مطلق التثليث كاف في الحلية، سواء كان بالوزن أو بالكيل أو و المساحة، و أجاب عليه السّلام جوابا مطلقا يكون مورد السؤال أحد أفراده أم لا.

الرّواية الثانية: ما رواها ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا زاد الطّلاء «2» على الثلث أوقية، فهو حرام «3» تدل على ان ما زاد الطّلاء على الثلث بحسب الأوقية فهو يكون حراما.

الرّواية الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق و نصف ثم يترك حتى يبرد فقد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه «4».

أقول إذا حمل الدّانق على السّدس من الشّي ء، ففي الرّواية احتمالان:

______________________________

(1) 1 من الباب 8 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(2) الطّلاء كالكساء ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه و يبقى ثلثه.

(3) 9 من الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة من ل.

(4) 7 من الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 39

الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد من قوله ثلاثة دوانيق و نصف، ثلاثة دوانيق و ثلاثة نصف و بعبارة أخرى يكون أربع دوانيق و نصف من ستة دوانيق فعلى هذا بعد ذهاب هذا المقدار، يكون الباقي أقل من ثلث الكل بنصف دانق لأن ثلث

ستة دوانيق يكون دانقين، لا دانق و نصف. فعلى هذا لا يكون مفاد هذه الرّواية التحديد الحقيقي بل يكون الفرض في الرّواية انه مع ذهاب هذا المقدار و بقاء هذا المقدار فقد تحقق ما هو موضع الحلية أو الطهارة على القول بالنجاسة) مسلما و انه بذلك وقع التثليث يقينا، و ان كان الباقي أقل من الثلث فالتحديد على هذا تقريبي و هذا الاحتمال خلاف ظاهر الرّواية لأن الظاهر من الرّواية كون ما بقي ثلث ما ذهب منه حقيقة لا انقص منه فهذا الاحتمال خلاف الظاهر من الرّواية.

الاحتمال الثاني: ان يكون المراد من ثلاثة دوانيق و نصف، هو ظاهره من ثلاثة دوانيق و نصف دانق. و على هذا يكون ما بقي أزيد من الثلث فكيف قال المعصوم عليه السّلام (ذهب ثلثاه و بقي ثلثه) إلّا أن يقال بما حكى عن صاحب الوافي بان قوله عليه السّلام بعد ذلك (ثم يترك حتى يبرد) بان نظره كان إلى أن البرودة تذهب ما بقي من الثلثين اللازم ان يذهبا، فلم يبق بعد البرودة إلّا ثلثه فقط. فعلى هذا لا يستفاد من الرّواية كون العبرة في ذهاب الثلثين و بقاء الثّلث بخصوص الوزن بل يكفي تحقق التثليث التقريبي في التثليث، لأنه بسبب البرودة يحصل التثليث التقريبي.

مضافا إلى ان غاية الأمر دلالة الرّواية على ان ما بقي بعد ذهاب ثلاثة دوانيق و نصف، و تركه حتى يبرد ليس إلّا الثلث و أما كون العبرة بخصوص الوزن فلا يستفاد من الرّواية. إذا عرفت ذلك نقول بان غاية ما يستفاد من الرّواية الأولى و الثالثة هو الاكتفاء في مقام التثليث بالوزن و هذا المقدار مما لا اشكال فيه و لو لم يكن نصا

حاكما عليه، لانّه بعد ما يكون المسلم من ان العبرة في التّثليث اما بالوزن و أما بالكيل و المساحة، و بعد ما يرى ان كل مورد حصل التّثليث بالوزن حصل التّثليث بالكيل و المساحة لما قلنا لك من انه ربما حصل التّثليث بالكيل و المساحة مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 40

عدم حصوله بالوزن بعد، فعلى هذا كلما حصل التثليث بالوزن فقد حصل التّثليث بالكيل و المساحة فلا مجال للاشكال في حصول التّثليث بالوزن.

انما الإشكال و الكلام في ان العبرة في تقدير التّثليث بالوزن متعينا، و لا يستفاد التعيين من الرّواية الأولى و الثالثة.

و اما الرّواية الثانية: و هي رواية ابن أبي يعفور و هي و إن دلت على ان ما يزيد على الثلث بحسب الاوقية حرام لكن الرواية ضعيفة باعتبار ان روى عن محمد بن عبد الحميد و هو غير معلوم. هذا كله بالنسبة إلى بعض الاخبار المستدلة على كون العبرة في التثليث بالوزن.

و اما ما يمكن الاستدلال به على كون العبرة في التّثليث بالكيل و المساحة روايات:

الرواية الاولى: ما رواها عمار بن موسى الساباطي قال: وصف لي أبو عبد اللّه عليه السّلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا فقال لي عليه السّلام تأخذ ربعا من زبيب و تنقّيه ثم تصبّ عليه اثني عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان أيّام الصيف و خشيت ان ينشّ جعلته في تنور سخن قليلا حتى لا ينشّ ثم تنزع الماء منه كله إذا اصبحت ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثمّ تغليه «1»، حتى يذهب حلاوته ثم تنزع مائة الآخر فتصبه على الماء الأوّل ثم تكيله كله فتنظر كم

الماء ثم تكيل ثلاثة فتطرحه في الاناء الذي تريد ان تغليه، و تقدره، و تجعل قدره قصبة أو عددا فتحدّها على قدر منتهى الماء ثم تغلى الثلث الآخر حتى يذهب الماء الباقي ثم تغلية بالنار فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث ثم تأخذ لكل ربع رطلا من عسل فتغليه حتى تذهب رغوة العسل و تذهب غشاوة العسل في المطبوخ، ثم تضربه بعود ضربا شديدا حتى يختلط، و ان شئت ان تطيّبه بشي ء من زعفران، أو شي ء من زنجبيل

______________________________

(1) في بعض النسخ ثقلبه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 41

فافعل، ثم اشربه، فان احببت ان يطول مكثه عندك فروقه «1».

الرّواية الثانية: ما رواها عمار أيضا «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و هي و ان لم تكن من حيث المتن موافقه مع الرّواية الأولى لكن مع ذلك لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة لكون الاختلاف الحاصل من راويهما و هو عمار لأنه مرمى بعدم الضبط و على كل حال يستفاد من الرّواية الثانية كون التحويل على الكيل و المساحة في تقدير الثلث.

و قد عرفت عند التّكلم في عدم حرمة العصير الزبيبي، ان الرّوايتين تكونان في مقام بيان الوظيفة في كيفية تحفظ العصير من ان يصير خمرا بالبقاء، لا انّه بالغليان يصير حراما، حتّى يحتاج في تحليله إلى التثليث فلا تكونان دليلا على اعتبار الكيل و المساحة في مقام تثليثه، و لا اقل من كون الروايتين قابلة الحمل بما قلنا، فلا يمكن الاستشهاد بهما.

الرّواية الثالثة: و هي ما رواها اسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3» و هذه الرواية لا تدل على الاكتفاء في مقام تثليث

العصير بالعود، لما قلنا في عدم حرمة العصير الزبيبي، من ان لسانها مثل روايتي عمار بحسب الظاهر تكون في مقام بيان علاج عدم صيرورة العصير حراما، و بعبارة أخرى تكون في مقام بيان دفع الحرمة، لا رفع الحرمة فلا يستفاد من هذه الرّوايات الثلاثة صيرورة العصير الزبيبي حراما حتى يحلّ بالتثليث. حتى يقال يكفي في تثليثه الكيل و المساحة، و لا أقل من كون الرّوايات قابلة الحمل على ما قلنا فلا يمكن الاستشهاد بها، مضافا إلى ان هذه الرواية باعتبار ان محمد بن الحسين روى عمن اخبره عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي و من اخبر عنه محمد بن الحسين مجهول فتكون ضعيفة

______________________________

(1) 2 من الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(2) 3 من الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(3) 4 من الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 42

السند.

هذا كله فيما يمكن ان يستدل بها على كفاية التثليث بالكيل و المساحة، و قد عرفت مما مر انه لا اشكال في الاكتفاء في مقام التثليث بالوزن بحسب النّص، كما انه لا اشكال في كفاية التثليث بالوزن في رفع الحرمة، لكونه المتيقن لانه إذا قدر بالوزن و بقي الثلث بحسب الوزن و ذهب ثلثاه بحسب المساحة و الكيل مسلما لما قلنا من ان التقدير بالوزن اخصّ من التقدير بالكيل و الوزن.

انما الاشكال في انه هل يصح الاكتفاء بالكيل و المساحة كما يصح الاكتفاء بالوزن أم لا.

أقول: ان قلنا بان اطلاق قوله عليه السّلام في الرّواية الأولى من الرّوايات الثلاثة المتمسكة بها على الاعتبار بالوزن بان (ما طبخ على الثلث فهو حلال) يشمل التثليث بالكيل

و المساحة أيضا، كما هو المحتمل فيكتفي بها كما يكتفي بالوزن، و ان لم نقل بذلك فنقول، بأن غاية ما تدل عليه الرّواية الاولى من الروايات الثلاثة (بعد عدم امكان التعويل بالثانية منهما لضعف سندها) هو جواز الاكتفاء في التثليث بالوزن و اما تعينه فلا يستفاد منها، و الرّواية الثالثة على فرض الاغماض عما استشكلنا على دلالتها، فلا يكون مفادها ازيد من كفاية الاخذ بالوزن في مقام التثليث و اما تعينه فلا يستفاد منها.

ثم بعد ذلك نقول، لو جعل الشارع شيئا أو عنوانا موضوعا لحكم و لم يعين موضوع حكمه بقيوده و شرائطه، فلا بدّ من الرجوع في تشخيص موضوعه إلى العرف بمقتضى الاطلاق المقامي، لأنه بعد كونه في مقام البيان و لم يبيّن ما هو موضوع حكمه، و يرى ما هو عند العرف موضوع بنظرهم العرفي فلو كان نظره غير ما هو عند العرف موضوع كان عليه البيان و إلّا لأخلّ بفرضه و هو قبيح تعالى شأنه عنه، فنحكم بمقتضى الإطلاق المقامي ان الموضوع عنده ما هو موضوع عند العرف ففي ما نحن فيه بعد ما جعل التثليث حدا للحلية و انه إذا ذهب ثلثاه و بقي الثلث فهو حلال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 43

و لم يعيّن ان الميزان في التثليث على الوزن أو على الكيل و المساحة، أو على كل منهما، فما يأتي بنظر العرف هو الموضوع و الميزان و لا اشكال في انه يكتفي بالتثليث بالكيل و المساحة بنظر العرف، فبالاطلاق المقامي نحكم بكفاية ذلك عند الشارع أيضا.

فأن قلت، إن الشّارع بمقتضى الرّوايات الثلاثة عيّن ما هو الضابط و الميزان في مقام التثليث و هو الوزن فلا

معنى بعد ذلك من الرجوع إلى العرف في تشخيص الضّابط. قلت، كما بيّنا اما الرواية الثانية منها ضعيفة السند فلا يعوّل عليها، و اما الأولى و الثالثة، فغاية ما يدل مفادهما، هو ان الامام عليه السّلام قرّر الاخذ بالوزن و اما كون الوزن فقط هو الضابط و انّه موضوع حكمه لا غيره فلا تدلان عليه، فنشك فيما هو الميزان و لم يعيّن الشّارع، فلا بدّ من الرّجوع إلى العرف، خصوصا مع ما نرى من كون العمل خارجا عند المتشرعة على الكيل و المساحة و صعوبة التثليث بالوزن، فعلى هذا نقول لا يبعد الاكتفاء بالكيل و المساحة كما يكتفي بالوزن و ان كان التثليث بالوزن احوط.

الامر الخامس: و يثبت ذهاب الثلثين بامور:

الأوّل: العلم لانه بنفسه طريق إلى الواقع

الثّاني: البينة لما قلنا من حجيّتها في طريق ثبوت نجاسة الماء، و طريق ثبوت مطلق النجاسات، و ثبوت الطهارة بها. و لا يثبت بمطلق الظّن لعدم حجّية مطلق الظّنّ. و لا يثبت بقول عدل واحد إلّا إذا حصل منه الاطمينان.

الثّالث: قول ذي اليد في الجملة فإنه يؤخذ بقوله إذا اخبر بطهارته و حلّيته. و تفصيل ذلك ان المستفاد من بعض الاخبار هو عدم حجية قوله مطلقا بل قوله حجة مع بعض الشرائط.

كالرّواية التي رواها عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرّجل يهدي إليّ البختج من غير اصحابنا، فقال: إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه و ان كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 44

ممن لا يتسحل فاشربه «1». يستفاد منها انه مع كونه مستحلا له يكون متهما في اخباره.

و كالرّواية التي رواها معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل من

أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و أنا اعرف انه يشربه على النّصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النّصف؟ فقال لا تشربه، قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النّصف يخبرنا: ان عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه، يشرب منه؟ قال نعم «2» يستفاد منها عدم كونه متهما في اخباره.

و الرّواية التي رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث انه سئل عن الرّجل يأتي بالشراب، فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال: إن كان مسلما ورعا مؤمنا فلا بأس ان يشرب «3».

و اعلم ان انحصار قبول القول إذا كان مسلما عارفا مؤمنا، ليس إلّا من باب عدم كونه متهما و لو ضمّ هذا الخبر و مع سائر الاخبار يستفاد كون الميزان عدم الاتهام في القول، خصوصا إذا كان متن الحديث ما حكى عن الوافي (أو ورعا مأمونا) لأنه يستفاد من الخبر اعتبار بقول المخبر اذا كان ورعا مأمونا في نقله و هذا عبارة أخرى عن عدم كونه متهما.

و الرّواية التي رواها علي بن جعفر (قال سألته عن الرّجل يصلي إلى القبلة لا يوثق، به اتى بشراب يزعم انه على الثلث فيحل شربه؟ قال: لا يصدق إلّا أن يكون مسلما عارفا) «4».

و لا يستفاد من هذه الرّواية إلّا كون الإسلام و المعرفة سببا لعدم كونه متهما.

______________________________

(1) 1 من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(2) من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(3) 6 من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(4) 7 من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من

ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 45

و الحاصل انه لا يمكن اعتبار ازيد من عدم الاتهام في قبول قول ذي اليد، و ما في المتن من قوله من تقييد اعتبار قول ذي اليد بعدم كونه ممّن يستحل شربه قبل ذهاب الثلثين، إن كان نظره إلى كونه متهما في اخباره من باب كونه مستحلا فتمام و ان كان نظره إلى انه لا يقبل قول المستحل و ان كان لا يشرب إلّا على الثلث و لا يكون متّهما في اخباره فهو غير تمام.

و مما بينا: يظهر لك ان بعض ما يدل بإطلاقه على قبول قول ذي اليد مطلقا و ان كان متهما كالرّواية التي رواها معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البختج؟ فقال إذا كان حلوا يخضب الاناء و قال صاحبه: قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه فاشربه «1». لا بد من تقييدها بقرينة الاخبار المتقدمة بما لا يكون متهما.

كما ان الرّواية التي رواها ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا شرب الرّجل النّبيذ المخمور، فلا تجوز شهادته في شي ء من الاشربة، و ان كان يصف ما تصفون «2».

فهي مربوطة بباب الشهادة، و لا يستفاد منها إلّا كونه متهما في اخباره باعتبار كونه شاربا للنّبيذ المخمور.

و قد تلخّص مما مر انه يقبل قوله ذي اليد إذا لم يكن متهما في اخباره و هذا مقتضي ضمّ الاخبار المذكورة بعضها ببعض.

***

[مسئلة 1: بناء على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: بناء على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن أو غيرهما يطهر بجفافه أو

______________________________

(1) 3 من الباب 7 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(2) 5 من الباب

7 من أبواب الاطعمة و الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 46

بذهاب ثلثيه بناء على ما ذكرنا من عدم الفرق بين ان يكون بالنار أو بالهواء و على هذا فالآلات المستعملة في طبخه تطهر بالجفاف و ان لم يذهب الثلثان مما في القدر و لا يحتاج إلى اجراء حكم التبعية لكن لا يخلوا عن اشكال من حيث ان المحل إذا تنجّس به أوّلا لا ينفعه جفاف تلك القطرة أو ذهاب ثلثيها و القدر المتيقن من الطّهر بالتبعية المحل المعد للطّبخ مثل القدر و الآلات لا كل محل كالثوب و البدن و نحوهما.

(1)

أقول: هذا الحكم على تقدير تمامية وجهه مبني على القول بكفاية ذهاب الثلثين حتى بغير النّار في مطهريته و اما من يقول: بعدم نجاسته إذا غلى أو يقول بعد نجاسته بالغليان بانه لا ترتفع النجاسة بذهاب الثّلثين إلّا إذا كان الذهاب بخصوص النار و أما ما غلى بغير النّار أو ذهب ثلثاه بغير النار فلا يكون مطهّره على تقدير نجاسته إلّا التخليل فلا يبتلي بهذا الفرع.

إذا عرفت ذلك نقول: فيتفرع على قول من يلتزم بكفاية ذهاب الثلثين في تطهير العصير المغليّ و ان كان ذهب ثلثيه بغير النار مثل المؤلف.

فرع و هو انه إذا قطرت قطرة من العصير بعد الغليان قبل ذهاب ثلثيه على الثوب أو البدن هل يطهر الثوب أو البدن بجفاف هذه القطرة، أو بذهاب ثلثيه مع كون الجفاف أو ذهاب ثلثيه بغير النار أم لا؟ و كذلك تطهر بعض الآلات المستعملة في طبخه بالجفاف و ان لم يذهب ثلثا ما في القدر من العصير أم لا، وجه الطهارة ان كان من باب ان الحكم بطهارة

ظرف العصير و الآلات المستعملة في طبخه لزوم لغوية طهارة العصير بذهاب ثلثيه، مع الالتزام ببقاء نجاسة القدر و ما هو مثله، لأنه لو لم يطهر القدر يوجب نجاسة العصير بملاقاته له فيقال ان هذا الملاك جار في البدن أو الثوب الواقع فيه قطرة من العصير و كذا في الآلات المستعملة في طبخه مع جفافها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 47

قبل تثليث ما في القدر من العصير.

فأن قلت المتيقّن من التلازم في الطهارة من باب اللغوية هو القدر و الآلات الواقعة فيه، بعد ذهاب ثلثي العصير مما في القدر و اما القطرة الخارجية عن القدر الواقعة في موضع من الثوب أو البدن فلا تلازم بين طهارة العصير و هذا الموضع.

قلت ان القطرة المغليّة من العصير قبل ذهاب ثلثيه لا اشكال في كونها عصير مغلى. و بعد ذهاب ثلثي هذه القطرة من العصير و جفافها و لو بالهواء تطهر على الفرض فنقول لا يمكن التفكيك بين طهارة هذه القطرة و بين محلّها فكما تطهر منشأ القطرة تطهر موضعها. نعم من يقول بعدم كون هذا القطرة من العصير مشمول حكم العصير من حيث النجاسة و الحرمة قبل ذهاب ثلثيه و مشمول لحكم الحلية و الطهارة بعد ذهاب ثلثيه له ان يمنع عن طهارة الموضع الواقع فيه الفطرة لكن لا وجه لهذه الدعوى.

مضافا إلى انه لو كان هذه القطرة خارجة عن موضوع العصير المحكوم باحكام فيقال: لا دليل على نجاسة هذه القطرة، و لا حرمته على هذا فيكون موضعها طاهرا أيضا.

ان قلت إنه مع بقاء ثلث القطرة من العصير في المحل و ذهاب ثلثيه نحن نسلّم ما قلت، و لكن في صورة جفاف القطرة

بالهواء و عدم بقاء شي ء منها فلا وجه لطهارة المحل الواقع فيه القطرة من العصير.

قلت: أوّلا: إن الحكم بطهارة ما بقي من الثلث من القطرة بعد ذهاب ثلثيها ليس متفرّعا على وجوده بل هذا الحكم ثابت له، و ان لم يكن موجودا فعلا مثل سائر الاحكام الثابتة للموضوعات، فالحكم بطهارة ما بقي لا ينفك من الحكم بالموضع للملازمة و إلّا تلزم لغوية الحكم بالطهارة للثلث الباقي من القطرة.

و ثانيا: بعد كون ذهاب ثلثي القطرة ثم جفا فها تدريجا إذا ذهب ثلثاها بالهواء مثلا و بقي ثلثها و لم يجفف بعد يحكم بطهارة ما بقي و مع الحكم بطهارته لا بد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 48

من الحكم بطهارة الموضع و الا يلزم لغوية الحكم بطهارة الثلث الباقي من القطرة من العصير المغلي و كذلك الحال في الآلات المستعملة في طبخ العصير التي يجفّ عصير الواقع عليها قبل ان يذهب ثلثا ما في القدر لما قلنا.

و إما ان كان وجه طهارة القدر و الآلات المستعملة في طبخ العصير هو الاطلاق المقامي، بان الشارع حكم بطهارة العصير بعد ذهاب ثلثيه، و سكت عن طهارة القدر و الآلات المستعملة، و عدم طهارته و لم يفهم العرف و لم يأت بنظرهم نجاسة القدر و الآلات بعد طهارة نفس العصير بذهاب ثلثيه كما ترى و عدم بنائهم على تطهير القدر و الآلات و عدم سؤال السائلين عن حكم القدر و الآلات شاهد على انهم لا يرون نجاستها فإن كان نظر الشارع على نجاسة القدر و الآلات كان عليه البيان. فمن عدم بيانه نكشف طهارة القدر و الآلات بتبع العصير بعد ذهاب ثلثيه، فهل يمكن ان يقال

بذلك في الموضع الذي وقع عليه قطرة من العصير المغليّ، أو بطهارة الآلات الجافّة بغير النّار قبل ذهاب ثلثي العصير الواقع في القدر أو لا يمكن ان يقال بذلك؟

أقول: يمكن على هذا المبنى الاشكال في الحكم بطهارة المحل الواقع عليه قطرة من العصير، أو الآلة المستعملة في طبخه مع صيرورته جافّا بالهواء أو بالشمس لعدم تسلم كون نظر العرف و السائلين إلى هذه الصورة، حتى يقال ان العرف و منهم السائلون لم يفهموا إلّا طهارة محل القطرة أو الآلة المستعملة الخارجة قبل ذهاب ثلثي العصير التي جفّت قبل ذهاب ثلثي العصير الواقع في القدر، و ان كان المحتمل عدم الفرق لكن مع هذا يكون الحكم بطهارة المحل أو الآلة محل اشكال.

و ان كان الوجه في طهارة القدر و الآلات بالتبع هو الاجماع. يمكن دعوى ان المتيقن منه هو القدر الآلات المستعملة في الطبخ الواقعة فيه إلى ان يذهب ثلثاه. لا غير ذلك فلا يمكن القول بطهارة محل القطرة و لا الآلة في الفرض الذي فرض المؤلف رحمه اللّه في المسألة المبحوثة عنها و على كل حال بعد عدم القول بنجاسة العصير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 49

بالغليان يسهل الخطب و لا حاجة في اتعاب النفس في تنقيح الفرع المذكور في المسألة.

***

[مسئلة 2: إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب فعصر و استهلك لا ينجس و لا يحرم بالغليان، اما إذا وقعت تلك الحبة في القدر من المرق أو غيره فغلى يصير حراما و نجسا على القول بالنجاسة.

(1)

أقول: لا اشكال في انه إذا كان عصيرا موجودا و غلى يحرم مسلما. و ينجس أيضا على القول بنجاسة العصير

بالغليان، و اما لو كان عصيرا و استهلك في شي ء بحيث لا يكون بنظر العرف عصير موجود، ثم بعد ذلك غلى ذلك الشي ء المستهلك فيه العصير لا يحرم ما غلى و لا ينجس، و ان قلنا: بحرمة العصير و نجاسته بالغليان لأن الحكم تابع لموضوعه و مع عدم عين و لا اثر من الموضوع و هو العصير لا معنى لعروض حكم الحرمة أو النجاسة عليه.

فعلى هذا نقول: في الفرع الأوّل، لو كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب فعصر و استهلك في الحصرم لا ينجس و لا يحرم بالغليان لعدم وجود عصير حتى يصير غليانه موجبا للحرمة أو النجاسة، و لو فرض بقاء العصير إلى ان تغلى الحصرم فغلى العصير و الحصرم يحرم و ينجس على القول بنجاسة العصير بالغليان، لأنه العصير الغالي و ان كان في الحصرم.

أما في الفرع الثّاني و هو ما لو وقعت تلك الحبّة في القدر من المرق أو في غيره فغلى مع المرق، قبل ان يستهلك في المرق يحرم و ينجس بناء على حرمة العصير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 50

و نجاسته بالغليان لأنه عصير غلى في المرق أو في غيره، كما انه لو فرض استهلاكه في المرق قبل الغليان، ثم غلى المرق لا يحرم و لا ينجس لعدم وجود عصير يقال انه غلى، فالاختلاف في الفرعين ليس إلّا من باب فرض الاستهلاك قبل الغليان في الأوّل و عدم الاستهلاك في الثّاني و كان الممكن فرض الاستهلاك و عدم الاستهلاك في الفرع الأوّل و كذا في الفرع الثاني.

***

[مسئلة 3: إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه يشكل طهارته

و ان ذهب ثلثا المجموع نعم لو كان ذلك قبل ذهاب ثلثيه و ان كان ذهابه قريبا فلا بأس به و الفرق ان في الصورة الأولى ورد العصير النّجس على ما صار طاهرا فيكون منجّسا له بخلاف الثانية فانه لم يصر بعد طاهرا فورد نجس على مثله هذا و لو صبّ العصير الذي لم يغل على الذي غلى فالظّاهر عدم الاشكال فيه و لعل السر فيه ان النّجاسة العرضية صارت ذاتية و ان كان الفرق بينه و بين الصورة الأوّلى لا يخلو عن اشكال و محتاج إلى التأمّل.

(1)

أقول: في المسألة ثلاث مسائل:

المسألة الاولى: إذا صبّ العصير فغلى قبل ذهاب ثلثيه

فالذي ذهب ثلثاه فبناء على نجاسة العصير بالغليان لا يطهر، و ان ذهب ثلثا المجموع من العصير الغالي و غير الغالي لأن العصير الذي ذهب ثلثاه صار نجسا بسبب ملاقاته مع العصير الغالي الذي لم يذهب ثلثاه و بعد نجاسته لا يكون مطهرا له و ذهاب الثلثين يطهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 51

النجاسة الذاتية، و لا يطهر النجاسة العرضية، و على الفرض العصير الذي ذهب ثلثاه و اختلط مع الذي غلى قبل ذهاب ثلثيه صار نجسا بالنجاسة العرضية، فلا يكون ذهاب الثلثين مطهّرا له. و إن كان ذهاب ثلثي المجموع منهما. فاذا بقي على النجاسة لا يفيد ذهاب الثلثين، لا له و لا للعصير الغالي المختلط، به حتى بعد ذهاب ثلثي المجموع. لأنه بعد ذهاب ثلثيه ينجس أيضا بالنجاسة العرضية الحاصلة من العصير الذي لم يذهب ثلثاه و اختلط معه قبل لم يذهب ثلثيه فالسّر في عدم الطهارة هو صيرورة العصير الذي ذهب ثلثاه نجسا بالنجاسة العرضية و القدر المتيقن من مطهرية ذهاب الثّلثين هو النّجاسة الذاتية الحاصلة

بالغليان.

المسألة الثانية: ما إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في العصير الغالي الآخر قبل ذهاب ثلثيه

و ان كان ذهاب ثلثيه قريبا فلا بأس بهما بعد ذهاب ثلثيهما.

فما قال المؤلف رحمه اللّه بأنّه ورد نجس على مثله فيصير الوارد و المورود شيئا واحدا محكوما بالنجاسة قبل ذهاب ثلثيه و بالطهارة بعد ذهاب ثلثيه.

المسألة الثالثة ما إذا صبّ العصير الغير الغالي في العصير الذي غلا و لم يذهب ثلثاه.

قد يقال بعدم البأس بهما بعد ذهاب ثلثي المجموع من الوارد و المورود بان الوارد الغير الغالي بعد صبّه في العصير الغالي الذي لم يذهب ثلثاه يصير نجسا بالنجاسة العرضية و بعد اختلاطه بالمورود و غليانه يصير نجسا بالنجاسة الذاتية فتزول عن الوارد النجاسة العرضية ثم بعد ذهاب ثلثي المجموع ترتفع النجاسة الذاتية أيضا لكون ذهاب الثلثين مطهرا لنجاسة الذاتية.

و لكن كما قلنا سابقا في بعض المسائل المتفرعة على كيفية تنجيس المنجسات و في المسألة الثالثة من الانقلاب لا نفهم زوال النجاسة العرضية بطرو النجاسة الذاتية بل توجب طروّ الثانية الاشديّة فلا يلزم اجتماع المثلين فعلى هذا مع عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 52

ارتفاع النجاسة العرضية الثابتة قبل الغليان، بسبب طروّ النجاسة الذاتية الحادثة بالغليان يكون ذهاب الثلثين موجبا لارتفاع النجاسة الذاتية و اما النجاسة العرضية فباقية و لأجلها يكون العصير نجسا و ان ذهب ثلثاه و لهذا يكون الاحوط ان لم يكن اقوى نجاسة العصير في الصورة الثالثة كالصورة الأولى.

***

[مسئلة 4: إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان لا ينجس إذا غلا بعد ذلك.

(1)

أقول: وجه ذلك اما دعوى أن الأدلة الدالة على نجاسة العصير بالغليان يختص بما إذا كان الغليان قبل ان يذهب ثلثاه، و لا يشمل ما إذا كان الغليان بعد ذهاب ثلثيه. لبعض الاخبار، فيقيّد بهذا بعض الاخبار الّذي يدلّ بإطلاقه على ان بعد ذهاب ثلثيه لم يكن نجسا و حراما، و إن كان ذهاب ثلثيه بغير الغليان. كالرّواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في قصة معارضة ابليس مع نوح على نبيّنا و آله و عليه السلام و قال فيها (فقال:

أبو جعفر: فإذا اخذت عصيرا فطبخته حتى يذهب الثلثان نصيب الشيطان فكل و اشرب) «1» بدعوى دلالتها على أن الميزان ذهاب الثلثين، و إن لم يكن بالغليان فمجرد ذهاب ثلثيه، كاف لجواز الأكل و الشّرب، و لو غلا بعد ذلك لأن اطلاق الخبر يقتضي ذلك.

و الرّواية التي رواها سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيها قال (ما أحرقت النار «2» فهو نصيبه و ما بقي فهو لك يا نوح حلال) «3».

______________________________

(1) 4 من الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(2) النار غير موجودة في الوسائل.

(3) 5 من الباب 1 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 53

و الرّواية التي رواها وهب بن منبه قال لما خرج نوح على نبيّنا و آله و عليه و السّلام من السفينة إلى ان قال فيها (فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس و هو حظه و ما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح عليه السّلام و هو حظه و ذلك الحلال الطيب ليشرب منه) «4».

و الرّواية الّتي رواها أبو بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام (و سئل عن الطلاء فقال إن طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال و ما كان دون ذلك فليس فيه خير «5».

و فيه إنا لم نجد في الاخبار ما يدل على اختصاص نجاسته بالغليان بما إذا لم يذهب ثلثاه قبل الغليان حتى يقال بانه مع وجود الاخبار المقيدة نجاسته بالغليان بصورة عدم ذهاب ثلثيه قبل الغليان تقيّد بعض ما دلّ على نجاسته بالغليان مطلقا بل ليس في البين إلّا ما يدل على نجاسته بالغليان مطلقا سواء

ذهب ثلثاه قبل الغليان أم لا.

و الاخبار المذكورة لم تفد كون اختصاص نجاسته و حرمته بالغليان بما إذا لم يذهب ثلثاه قبل الغليان بل الرّوايات الواردة في قصة نوح متعرضة لبيان كون الثلثين للشيطان و ثلث واحد لنوح على نبيّنا و آله و عليه السلام. و مع ذلك صرّح فيها بكون ما طبخ و ذهب ثلثاه فيحلّ ثلثه الباقي و ليست متعرضة لكيفية الطبخ و انه في أي زمان يصير حراما حتى يستدل بإطلاقها على ان التثليث موجب لرفع النجاسة و الحرمة و ان كان ذهاب ثلثيه بغير الغليان لما قلنا من عدم كونها متعرضة لهذا الحيث.

و أما بالنسبة إلى رواية أبي بصير أيضا نقول لا يستفاد منها كون الميزان في

______________________________

(4) 11 من الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

(5) 6 من الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 54

الحلية و الطهارة التثليث على أي نحو اتفق و لو فرض له اطلاق و قيل انها تدلّ على كفاية حصور التثليث بالطبخ بالنار و لو لم يغل بعد.

فنقول أولا: لا بد من تقييدها بقرينة ما يدل على انه إذا غلا، يحرم و إذا ذهب ثلثاه بالغليان يرتفع التحريم.

و ثانيا تقول: على فرض الإطلاق لهذه الرّواية، و ساير الرّوايات المتقدمة الواردة في قصّة نوح على نبيّنا و آله و عليه السّلام، لا يمكن الأخذ به. لأن لازم اطلاقها هو نجاسة العصير و حرمته حتى قبل الغليان. لأنّ هذه الاخبار تدل على انه إذا ذهب ثلثاه يصير طاهرا و حلالا، سواء كان ذهاب الثّلثين بالغليان بالنار، أو بغيره. فتدل هذه الاخبار على ان العصير قبل ذهاب ثلثيه

نجس و حرام. لانه قال فيها (إذا اخذت عصيرا فطبخته حتى يذهب الثلثان نصيب الشيطان فكل و اشرب) أو (ما احرقت النار فهو نصيبه و ما بقي فهو لك يا نوح حلال) أو ما كان فوق الثلث من طبخها، فلإبليس هو حظه، و ما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح) أو (اذا طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال).

فلازم ما ادعى كون العصير نجسا و حراما، قبل ذهاب ثلثيه حتى، فيما لم يغل بعد، و هذا ما لا يمكن الالتزام به فتلخص عدم امكان الاخذ بإطلاق هذه الاخبار، ان كان لها اطلاق، مع ما قلناه من ان الاطلاق ممنوع. و اما إذا كان منشأ دعوى عدم نجاسة العصير إذا غلا فيما ذهب ثلثاه من غير غليان: هو ان ذهاب ثلثيه المأخوذ موضوعا للمطهرية، و الحلية يكون مأخوذا بنحو صرف الوجود، فمجرّد الوجود كاف في ترتّب حكم الطهارة و الحلية، سواء كان بالغليان أو بغيره.

ففيه: إن الذهاب و لو أخذ على نحو صرف الوجود إما صرف الوجود بعد الغليان كما ينادى به لسان بعض خبار الباب، لا صرف الوجود و لو حصل قبل الغليان، فتلخص مما مرّ انه إذا ذهب ثلثي العصير بغير الغليان ينجس الثلث الباقي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 55

بعد ما غلا بناء على القول بنجاسته بالغليان و يحرم حتى يذهب ثلثاه بعد ذلك خلافا للمؤلف رحمه اللّه و بعد الرجوع إلى ما قلنا راجع المستمسك حتى يظهر لك فساد ما قال في وجه مختار المؤلف.

***

[مسئلة 5: العصير التّمري أو الزبيبي لا يحرم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: العصير التّمري أو الزبيبي لا يحرم و لا ينجس بالغليان على الاقوى بل مناط الحرمة

و النجاسة فيهما هو الاسكار.

(1)

أقول: قد بيّنا في ذيل المسألة الأولى من المسائل الّتي ذكره المؤلف في طي البحث عن التّاسع من النّجاسات و هو الخمر ان الاقوى ما افاده المؤلف رحمه اللّه من عدم النّجاسة العصير التمري و الزبيبي و عدم حرمتهما بالغليان بل المناط في الحرمة و النجاسة فيهما هو الاسكار فراجع.

***

[مسئلة 6: اذا شك في الغليان يبني على عدمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا شك في الغليان يبني على عدمه كما انه لو شك في ذهاب الثلثين يبني على عدمه.

(2)

أقول: منشأ ذلك استصحاب عدم الغليان في الأوّل و استصحاب عدم ذهاب الثلثين في الثّاني و يترتب على استصحاب عدم الغليان طهارته و حليّته و على استصحاب عدم ذهاب ثلثيه نجاسته و حرمته و القول بعدم النّجاسة في الأوّل و القول بالنّجاسة في الثّاني مبني على القول بنجاسته بالغليان و طهارته بذهاب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 56

الثلثين و إلّا لا حاجة بالاستصحاب في الأوّل و الثّاني من حيث النّجاسة و عدمه.

***

[مسئلة 7: إذا شكّ في أنّه حصرم أو عنب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا شكّ في أنّه حصرم أو عنب يبنى على انه حصرم.

(1)

أقول: الاستصحاب حصرميّته، و يترتّب عليه عدم نجاسته أو حرمته بالغليان.

***

[مسئلة 8: لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار أو نحو ذلك في الحبّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار أو نحو ذلك في الحبّ مع ما جعل فيه من العنب أو التمر أو الزبيب ليصير خلا أو بعد ذلك قبل أن يصير خلا و ان كان بعد غليانه أو قبله و علم بحصوله بعد ذلك.

(2)

أقول: لا وجه لعدم البأس إلّا كون الدّليل الدّال على طهارت الخمر بانقلابه خلا دليل على عدم البأس بما يجعل في الحب مع العنب أو التّمر أو الزبيب و قد عرفت في مبحث الانقلاب انّما يجعل في الحب المجعول فيه العنب لأجل الغلاء لان يصير خلا كالملح و غيره لا اشكال في طهارته بانقلاب الخمر خلا لا للدّليل. فهذه الصورة مفروض كلام المؤلّف.

إن قلت انّ القدر المتيقّن من الدّليل خصوص ما ذكر في الدّليل و اما غيره فلا.

قلت لا خصوصية للمذكور من العلاج بل يقال بطهارة مطلق العلاج بإلقاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 57

الخصوصية و اما ما يجعل فيه لا للعلاج فإن كان جعل هذا المجعول متعارفا و يكون الغالب وضع هذا الشي ء فيه بحيث انه لو حكم بطهارة الخمر بانقلابه خلا و يحكم بنجاسة هذا الشي ء بعد الانقلاب و تنجّس الخلّ به قهرا لو التزمنا بنجاسة المجعول يكون الحكم بطهارة الخمر بانقلابه خلا لغوا امّا من باب عدم مورد لا يكون فيه ما يجعل فيه بحسب المتعارف أو يكون موردا نادرا يمكن القول بالتزام طهارة هذا المجعول من باب لغوية حكم مطهرية الانقلاب مع الحكم بنجاسة المجعول و اما

لو لم يكن متعارفا فالحكم بطهارته مشكل بل بلا دليل و حيث ان المغتفر هو مقدار الاشياء المتعارفة في زمان الصدور الرواية لا المتعارف في زماننا فكلّ ما يستكشف تعارفه و لو بالسّيرة القطعيّة فلا بأس به و اما في غير المعلوم منه فالحكم بالجواز مشكل فالاحوط عدم الجواز فعلى هذا نقول جعل الباذنجان و امثاله ان كان للعلاج لان يصير الخمر خلا فلا بأس بما بقي منه فيه بعد انقلابه خلا و ما يكون فيه لا على سبيل العلاج فتارة يكون من الأشياء الّتي لا ينفكّ غالبا وجودها فيه كمقدار من التراب أو الورق فأيضا لا اشكال فيه و اما في غيره فمشكل.

***

[مسئلة 9: إذا زالت حموضة الخلّ العنبي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا زالت حموضة الخلّ العنبي و صار مثل الماء لا بأس به إلّا إذا غلا فإنه لا بد حينئذ من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلا ثانيا.

(1)

أقول: اما فيما زالت حموضته و صار كالماء فلا بأس به، لعدم موجود ما يوجب البأس.

و أما فيما غلا فإن كان يصدق عليه الخل، غاية الأمر الخلّ الفاسد لذهاب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 58

حموضته فلا ينجس، و لا يحرم بالغليان. لأن الخل لا ينجس و لا يحرم بالغليان.

و اما فيما ذهب حموضته و غلا و يصدق عليه ماء العنب فهو محكوم بما يحكم به ماء العنب، من نجاسته على قول من يقول بنجاسته بالغليان، و حرمته فقط، على المختار و ذهاب ثلثيه مطهّر له على فرض نجاسته بالغليان و رافعا لحرمته.

و اما صيرورته طاهرا بانقلابه خلا فهو مبنى على مطهرية العصير العنبي بانقلابه خلا، و قد حكى عن الجواهر دعوى الاجماع عليه.

***

[مسئلة 10: السيلان و هو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: السيلان و هو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر لا مانع من جعله في الامراق و لا يلزم ذهاب ثلثيه كنفس التمر.

(1)

أقول: بناء على عدم نجاسة العصير التمري، و عدم حرمته بالغليان لا بأس بجعله في الامراق، و لا يلزم ذهاب ثلثيه و قد عرفت في باب النجاسات ان الاقوى: عدم نجاسته، و حرمته بالغليان، و ان كان الأحوط استحبابا الاجتناب من حيث النجاسة و الحرمة فراجع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 59

[السابع من المطهّرات: الانتقال]

اشارة

قوله رحمه اللّه

السابع من المطهّرات:

الانتقال كانتقال دم الانسان أو غيره مما له نفس إلى جوف ما لا نفس له كالبقّ و القمّل و كانتقال البول إلى النّبات و الشجرة و نحوهما و لا بد من كونه على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه و إلّا لم يطهر كدم العلق بعد مصّه من الانسان.

(1)

أقول: و يعبّر عنه كما في مصباح الفقيه بحلول النجس في محل آخر، حكم الشّارع بطهارته عند اضافته إلى ذلك المحل. و عن الجواهر التعبير بنحو آخر. و لا فائدة في تطويل الكلام في معناه لأنه لم يرد في القرآن و السنة آية و خبرة في باب الانتقال حتى نتكلّم في المراد منه.

ثمّ بعد ذلك نقول: بان الانتقال تارة يكون بحيث يصير الجزء المنتقل عنه جزءا للمنتقل إليه على وجه الاستحالة، مثل ما إذا صار البول جزءا للنبات، من باب ان النبات أخذ بسبب عروقه و اصوله. هذا البول، و تغذى منه و استحال البول إلى شي ء آخر، لا مجرد رسوب البول فيه، بل استحال بشي ء آخر فهو من صغريات الاستحالة، و يكون البول المستحيل بشي ء آخر من اجزاء الشجر و

النبات طاهر، من باب استحالته بشي ء آخر، و يكون حكمه حكم الاستحالة. و لا يبعد كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 60

اطلاق الانتقال على هذا القسم من باب المسامحة. لأن ظاهر معنى الانتقال بقاء وجود الشي ء و لكن حلّ في محلّ آخر، و على كل حال لا أشكال في مطهرية الانتقال بهذا النحو، فما قاله المؤلف رحمه اللّه من انتقال البول إلى النبات ان كان بهذا النحو فهو طاهر لاستحالته بشي ء آخر، و إن كان مجرد رسوب البول باعتبار الخلل و الفرج الّتي يكون في النبات إلى النبات فيظهر حكمه مما سنذكره من الاقسام إن شاء اللّه.

و تارة ليس حلول الشي ء في محل إلى محل آخر و انتقاله منه إليه بنحو صار مستحيلا في المحل الثاني، إلى شي ء آخر و إنّ هذا الجزء المنتقل إليه باق بوجوده الموجود في المنتقل عنه، و لهذا القسم يفرض اقساما نتعرض لها و لحكمها إن شاء اللّه تعالى.

القسم الأوّل: ما يسند الجزء إلى المنتقل عنه مثلا، مصّ البق مقدارا من دم الانسان و وقع في جوف البقّ، و هو باق على دميّته و يكون بحيث يسند هذا الدم للإنسان، فيقول العرف انه دم إنسان و إن كان واقعا في جوف البق و له اضافة بالبق بهذا الاعتبار، لان مجرد الاضافة لا يخرجه عما هو عليه من كونه دم إنسان، فلا يبقى الإشكال في ان هذا الدم محكوم بالنجاسة. لأن ما يدل على نجاسة دم الانسان يشمل الورد، و لا حاجة إلى استصحاب دم الانسان ثم الحكم بنجاسته ببركة الاستصحاب، لأن ما يدل على نجاسته دم الحيوان الذي له نفس سائلة يشمله، فالنجاسة في هذا القسم

من باب وجود الدليل، لا الاصل.

القسم الثّاني: ما يسند بالنّظر العرفي إلى المنتقل إليه: ففي هذه الصورة يعدّ عند العرف دم البق، و إن كان مأخوذا من الإنسان و له اضافة إلى الانسان. إلّا ان بطول بقائه في جوف البقّ أو لجهة اخرى يعدّ عند العرف دم البق فهو محكوم بالطهارة، لا لاصالة الطهارة حتى يقال يستصحب كونه دم الانسان فيحكم بنجاسته من باب ان الاستصحاب مقدّم على اصالة الطهارة. بل من باب إنه بنظر العرف يكون دم البقّ و هو لعموم ما دل على طهارة دم البقّ، أو الاطلاق، و مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 61

وجود الاصل اللفظي، لا تصل النوبة بالاصل العملي، كما بيّن في محله. لأن ما يدلّ عليه الدّليل طهارة دم ما لا نفس له، أو طهارة دم البق، و بعد عدم تعيين ما هو دم ما لا نفس له، أو ما هو دم البقّ من ناحية الشارع، يكون المرجع في تعيينه هو العرف لأنه مع عدم تعيينه في لسان الشّارع يكون مقتضى الإطلاق المقامي كون المرجع هو العرف فأفهم.

القسم الثالث: ما لا يمكن للعرف الحكم بكون الدم المشكوك مثلا جزء من المنقول عنه، أو كونه جزء من المنقول إليه، مثل بعض الموارد التي لا يتمكن العرف من تشخيص الموضوع و المصداق، ففي هذا المورد و هذا القسم مثلا في الدم الخارج من الانسان و وقوعه في البق تكون الاضافة بالمنقول عنه من اضافته بالمنقول إليه كما في المثال من باب حلوله فيه لكن العرف لا يسند الدم إلى أحدهما بمعنى عدم حكمه بانه جزء أيّ منهما.

ففي هذه الصورة أيضا يحكم بنجاسته. لانه بعد الشّك لا

يستصحب في كونه من الانسان، أو يستصحب استناده إلى الانسان فيقال كان سابقا دم إنسان فيستصحب و يحكم ببركة الاستصحاب بكونه دم إنسان فيترتب عليه أثره الشّرعي و هو النّجاسة و مما بيّنا يظهر لك ما في كلام بعض المحشّين من الخلط فراجع.

***

[مسئلة 1: إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله أو خرج منه الدم لم يحكم بنجاسته إلّا إذا علم انه هو الذي مصّه من جسده بحيث اسند إليه لا إلى البق فحينئذ يكون كدم العلق.

(1)

أقول: المفروض في المسألة ان كان صورة الشّك في كون الدم الخارج من البق دم إنسان أو دم البق بحيث لا يعلم ان هذا الدم هو الدّم الذي مصّه البق من الإنسان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 62

أو من البق، فمقتضى القاعدة كون الدم محكوما بالطهارة. لأن الدم مشكوك بين الدم الطاهر و النّجس، فتكون الشبهة هي الشبهة المصداقية فلا يمكن التمسّك على نجاسته بالعموم، أو الاطلاق الدال على نجاسة دم الإنسان، و لا بالعموم أو الاطلاق الدال على طهارة دم البق، لعدم جواز التمسك بالعموم أو الاطلاق في الشبهات المصداقية.

و بعد عدم وجود الاصل اللفظي الممكن التمسك به لا بد من الرجوع بالاصل العملي و في المقام لا بد من القول بطهارة الدم المشكوك لاصالة الطهارة.

لانه بعد عدم وجود الدّليل اللفظي في المقام من العموم أو الإطلاق، و عدم وجود اصل حاكم على اصالة الطهارة كالاستصحاب مثلا فالمرجع هو اصالة الطهارة.

نعم إذا علم انه الدّم المصبوب من الانسان فهو خارج عن الفرض كما قال المؤلف رحمه اللّه (إلّا إذا علم انه هو الدّم المصبوب من الإنسان) و خارج عن الفرض.

و اما

إذا كان الشّخص عالما بإن الدم الخارج يكون دم نفس البق فيحكم في هذا الفرض بطهارة الدم، أما من باب الدّليل اللفظي من عموم، أو اطلاق لو قلنا بوجوده.

و أما من باب انه بعد عدم وجود دليل لفظى على النّجاسة، أو الطهارة و بعبارة أخرى كون المورد من الشبهة المصداقية لعدم شمول عموم أو إطلاق دال على نجاسة المورد، أو على طهارته فالمحكم هو طهارة الدم لأصالة الطهارة لأنه يشك في كونه طاهرا أو نجسا، و لم يكن مصداق دم الإنسان مسلّما لعلمه بكونه دم البق.

و تارة يعلم بكون الدم الخارج بقتل البق انه كان دم الانسان سابقا و قد مصّه و لكن مرة يشك في انه هل يكون باقيا على جزئيته للإنسان، أو صار جزءا للبق؟

لأنه إن كان جزء البق كان طاهرا، و ان كان باق على جزئيته للإنسان يكون نجسا، ففي هذه الصّورة يحكم بنجاسته، لأن جزئيته للإنسان و ان كانت مشكوكه لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 63

يستصحب اضافته و جزئيته للإنسان، فيقال ان هذا الدم كان سابقا من الانسان فيستصحب و بعد إثبات جزئيته للإنسان يحكم بنجاسته، لان دم الانسان نجس، و اخرى يعلم بكونه دم الانسان و ان كان في جوف البق فأيضا يحكم بنجاسته، غاية الأمر ببركة عموم ما دل على نجاسة دم الانسان أو اطلاقه و لا حاجة في هذه الصورة إلى الاستصحاب، فإن كان نظر المؤلف رحمه اللّه إلى هذا الفرض الذي له صور، صورة علمه بكون الدم من البق و صورة علمه بكون الدم من الإنسان، و صورة شكه.

فما قال من إنه لم يحكم بنجاسته، إلّا إذا علم أنه هو الذي مصّه

غير تام، لأنه كما عرفت كما يحكم بنجاسته فيما علم إنه من الانسان يحكم بنجاسته فيما يشك في كونه من الانسان، أو من البق أيضا، و لا يحكم بالطهارة إلّا في صورة العلم بكون الدم دم البق.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 64

[الثامن من المطهّرات: الاسلام]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثامن من المطهّرات:

الاسلام و هو مطهّر لبدن الكافر، و رطوباته المتصلة به من بصاقه و عرقه و نخامته و الوسخ الكائن على بدنه و أما النجاسة الخارجية التي زالت عينها ففي طهارة محلّها اشكال و ان كان هو الاقوى نعم ثيابه الّتي لاقاه حال الكفر مع الرطوبة لا يطهر على الاحوط بل هو الاقوى فيما لم يكن على بدنه فعلا.

(1)

أقول:

الكلام في المقام يقع في جهات:
الجهة الأولى: لا اشكال في الجملة في ان الإسلام مطهّر لبدن الكافر

و قد ادعى عليه الاجماع بل الضرورة فلا حاجة إلى اطناب الكلام في هذه الجهة لكونه من المسلمات عند المسلمين ان بدن الكافر يطهر بالإسلام.

الجهة الثانية: معنى صيرورة الكافر طاهر بالإسلام طهارة بدنه

بجميع اجزائه حتّى ما لا تحله الحياة لأنه منه أيضا.

الجهة الثالثة: يقع الكلام في ما يتّصل ببدن،

الكافر الّذي اسلم مثل البصاق و عرقه و نخامته و الوسخ الكائن على بدنه فإن وجد دليل على طهارتها بالإسلام نقول بطهارته و إلّا مع الشك في طهارتها أو نجاستها يحكم بنجاستها بمقتضى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 65

استصحاب نجاستها السابقة.

و ما يمكن أن يكون وجها لطهارتها بالإسلام مثل طهارة نفس بدن الكافر بالإسلام أمور:

الأمر الأوّل: إن مثل البصاق و العرق و النخامة و الوسخ الكامن في البدن يعدّ من الشخص مثل البدن و مضاف إليه فإذا دلّ الدليل على طهارة بدن الكافر يشمل هذه الاشياء لكونها منه و مضافا إليه.

و يشكل عليه بإن الإضافة ان كانت مؤثرة تؤثر فيما يضاف الشي ء إليه مثلا إذا قيل بدن المسلم طاهر، فما يضاف إلى بدن المسلم حال اسلامه يقال إنه طاهر و ما يضاف إليه حال كفره يكون نجسا و بعد كون ظهور هذه الاشياء في بدن من اسلم حال كفره فهو مضاف إلى الكافر فلا يكون طاهرا.

الأمر الثّاني: ما يدلّ على ان الاسلام يجبّ ما قبله و مقتضي جبّ الاسلام ما قبله هو اغتفار نجاسة هذه الاشياء.

و استشكل عليه بأنّ مقتضي هذا الحديث أعني حديث الجبّ هو ان كل سبب كان مقتضيا لمسبب

حال الكفر يجبّه الاسلام، و نجاسة هذه الامور ليس للكفر حتى يجبّها الاسلام بل يكون من باب بقاء النجاسة.

الأمر الثالث: دعوى السيرة على طهارة هذه الامور من الكافر بالاسلام لانه من يسلم في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بعده لا يكون البناء على تطهير بدنه من هذه الاشياء بعد اسلامه و ربما يشكل بعدم

وجود هذه السيرة.

أقول: أما الدليل الثالث ففي الجملة لا اشكال فيه، و يمكن دعوى القطع في بعض الامور مثل الرطوبة المتصلة ببدنه بصيرورته مسلما عين و الأثر في الآثار من وجوب تطهير بدنه من هذه الاوساخ.

ان قلت، ان بعض الرّوايات المنقولة تدل على خلاف ذلك، مثل ما في تفسير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 66

علي بن إبراهيم القمي في حكاية اسلام اسيد بن خضير من الانصار عند مصعب بن عمير رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، قال اسيد بعد استماعه شيئا من القرآن من مصعب كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر، قال تغتسل و تلبس ثوبين طاهرين و تشهد الشهادتين و تصلّي ركعتين فرمى بنفسه مع ثيابه في البئر ثم خرج و عصر ثوبه) و في اسلام سعد بن معاذ فبعث (يعني سعد بن معاذ) إلى منزله و أتى بثوبين طاهرين و اغتسل و شهد الشهادتين) لدلالتها على اعتبار تطهير البدن و اللباس، حينما اسلم).

قلت: مضافا إلى ان ما حكى عن تفسير علي بن إبراهيم ليس حكاية قول المعصوم عليه السّلام بل هو حكاية عن غير المعصوم اعني رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو مصعب و كون كلامه عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بامره غير معلوم.

نقول: أوّلا بأن امره بتطهير البدن و اللباس إن كان قبل إسلامهما فلا تدل الحكاية على كون الأمر بتطهيرهما قبل إسلامهما و الشهادة بالشهادتين، فلا يدل على دخوله في الإسلام لان رطوبته قبل الاسلام تكون نجسة و الأمر بايقاع بدنه في الكر، يكون مع لباسه لا يكون على هذا لدفع

النجاسة خصوصا مع ايقاعه مع لباسه في الكر لانه مع خروجه عن الكر يصير لباسهما نجسا لملاقاته مع رطوبة بدن الكافر حال كفره لعدم الوقوع و تحقّق الإسلام و إظهار الشهادتين.

و ثانيا الظاهر من الحكايتين كون ذلك من التشريفات للإسلام لا على سبيل الوجوب و لا لتشريع القذارة الشرعية، بل يكون لحصول النظافة الظاهرية و الشاهد على ذلك عدم دخل ذلك في قبول الإسلام اعني التّطهير أو الغسل في قبول الاسلام و كذلك الصلاة ركعتان فلا يمكن الاستشهاد بالحكايتين على نجاسة الرطوبة المتصلة بالبدن و على نجاسة اللباس الذي يكون لا بسه حينما أسلم الكافر.

فعلى هذا نقول بانه لا يبعد دعوى السيرة في مثل مفروض الكلام مثل عرقه و النخامة و البصاق و الوسخ الكائن على بدنه حين اسلامه على الطّهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 67

ثم إنه يمكن أن يقال، بان الاشكال على الوجه الأوّل إن كان ما قيل من ان الإضافة مؤثرة إذا كان منشأه اضافية إلى المسلم و نشؤه حال الاسلام، و الحال إن مفروض الكلام يكون فيما كانت هذه الامور حين كفره، قابل الدفع بإن هذه الامور بعد إسلامه مضاف بالمسلم فيقال ببصاقه و نخامته فمع كون الاسلام مطهّر لبدنه فهو مطهّر لجميع ما يضاف إليه كشعره و ظفره و ساير اجزاء بدنه، فعلى هذا يمكن الاستدلال على طهارة المذكورات بالوجه الأوّل. لكن الإشكال يكون في إنه ما الدّليل على ان كلّ ما يضاف إليه يكون طاهرا باسلام نفسه، نعم يمكن ان يقال في خصوص المذكورات بان معنى كون الشّخص طاهرا هو طهارته بجميع اجزائه و ما فيه من رطوبة و على كلّ حال في الوجه الثالث غنى

و كفاية.

الجهة الرابعة: هل تطهر محلّ النجاسة الخارجية التي زالت عينها بإسلام الكافر أم لا،

مثلا خرج عن الشخص حال كفره دم من بدنه ثم زالت عينها فأسلم فهل يجب تطهير موضع النّجس بعد اسلامه أو لا يجب لتطهيره بالاسلام. أعلم ان هذا النزاع يجري على القول بتنجّس النجس و المتنجس بنجاسة اخرى مطلقا أو في خصوص ما إذا كان للنجاسة الثانية الطارئة على النجاسة الأولى أثر زائد على الأوّلى و قد مرّ الكلام في كيفية تنجيس المتنجس. و قد يقال بأنه على فرض القول بتنجس النجس أو المتنجس بنجاسة أخرى إذا كان للثانية أثر زائد بدعوى إن السيرة قائمة على عدم وجوب تطهير البدن في مفروض الكلام إذا اسلم الكافر لأنه مع ابتلاء الكافر في الغالب أو الأغلب بنجاسة بدنه بما ذكر في الفرض.

و مع ذلك لا نرى عين و لا أثر، من الأمر بتطهيره فهذا شاهد على عدم وجوبه.

و أوضح من ذلك إن الكافر مبتلى بنجاسة محل بوله و غايته و يمكن دعوى عدم وجود من لا يبتلي بنجاسة بدنه في خصوص هذين الموضعين. فإن كان واجبا تطهير بدنه في هذين الموضعين مع ابتلائه بهما كان على الشّارع بيانه و هذا غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 68

السيرة، بل هذا هو تمسّك بالإطلاق المقامي فعلى هذا يكون الاقوى عدم وجوب تطهير من يسلم في مفروض الكلام، و إن كان الأحوط استحبابا تطهير موضع النجس بالنجاسة الخارجية بعد اسلامه.

لكن يأتي في ذيل الجهة الخامسة الإشكال في السّيرة و لهذا الاحوط تطهير بدنه من النجاسة الخارجيّة.

الجهة الخامسة: في انه هل يطهر بإسلامه ثيابه التي لاقت حال الكفر مع الرطوبة أم لا،

سواء كان الثياب مما يكون لا بس لها حال اسلامه أو لا.

ربّما يقال بانّ ما ورد في قصّة اسلام اسيد بن خضير من انه القى بنفسه في البئر مع لباسه

ثم خرج، و أسلم بانه يطهر ثيابه الذي في بدنه حال إسلامه بإسلامه انه ما حكى من أنه تطهر ثوبه بعد اسلامه مع انه صار نجسا لملاقاته مع الرطوبة مع بدنه النجس بالكفر لانه أسلم بعد ذلك لكن يمكن دفعه بانه ربما لم يحك تمام القصة، فلا يستفاد منها ذلك.

ثمّ بعد ذلك نقول: بأنه لو حصل القطع أو الاطمينان بوجود السيرة على عدم وجوب تطهير الثّوب المتنجس بكفره بعد إسلامه خصوصا ما كان لابسا له حال إسلامه و إلّا فلا و لا يبعد وجود السيرة على طهارة اللباس الذي كان لابسه حال إسلامه لعدم وجود عين و لا أثر في الاخبار و الآثار على الامر بتطهيره مع صيرورته غالبا متنجسا بنجاسة الكفر، حتى إنّه يمكن أن يقال بذلك حتى في غير اللباس الذي يكون لابسه في غير حال اسلامه تمسّكا بالسيرة.

لكن العمدة كما اشرنا إليه سابقا هو إن مجرّد عدم وجود التعرّض في الاخبار و الآثار و قصة اسلام الاشخاص بالامر بتطهير ثيابهم و بدنهم المتلوث بالنجاسة زمان الكفر التي بقى أثرها و زالت عينها بل يكفي في تحقق السيرة على طهارة بدنه المتنجس حال كفره أم لا يكفي.

فعلى هذا نقول: بان الأحوط في مفروض الكلام هو التطهير بعد إسلامه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 69

و اما الرطوبة المتّصلة فيحكم بطهارتها بإسلامه لأن معنى طهارة بدنه بالاسلام هو طهارة هذه الرطوبة المتّصلة ببدن الشخص مضافا إلى وجود السيرة في هذا المورد.

***

[مسئلة 1: لا فرق في الكافر بين الاصلي و المرتد الملي]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا فرق في الكافر بين الاصلي و المرتد الملي بل الفطري أيضا على الاقوى من قبول توبته باطن او ظاهرا أيضا، فتقبل عباداته و يطهر بدنه، نعم

يجب قتله إن أمكن و تبين زوجته و تعتد عدة الوفاة و تنتقل أمواله الموجودة حال الارتداد إلى ورثته و لا تسقط هذه الاحكام بالتوبة لكن يملك ما يكتسبه بعد التوبة، و يصح الرجوع إلى زوجته بعقد جديد حتى قبل خروج العدة على الأقوى.

(1)

أقول: و قبل الورود في البحث من جهات المسألة نقول بأن الكافر يطلق و يراد منه من يكون كافرا أصلا بمعنى عدم كون كفره مسبوقا بالإسلام و يقال له الكافر الأصلي.

و قد يطلق الكافر على المرتد و هو من يكون كفره مسبوقا بالإسلام و

هو على قسمين ملّي و فطري.
القسم الأوّل: و هو الملّي

فهو من كان كافرا أصليّا ثم اسلم ثم ارتد بعد إسلامه.

القسم الثاني: و هو المرتد الفطري

فهو كلّ شخص انعقدت نطفته حال إسلام أبويه أو حال اسلام أبيه أو أمّه ثمّ ارتدّ او من ولد و كان حال حياته محكوما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 70

بالاسلام ثمّ ارتدّ بعد ذلك او من صار بالغا و هو مسلم ثمّ ارتدّ بعد ذلك (على خلاف بين الفقهاء رضوان اللّه عليهم في المرتدّ الفطري من ان المراد من المرتد الفطري) هل هو الأوّل اعني من انعقدت نطفته حال اسلام أبويه أو اسلام واحد منهما أو الثّاني أو الثّالث؟ و ليس المقام للبحث عن هذه الجهة).

إذا عرفت ذلك نقول بانه بعد ما عرفت كون الاسلام مطهّرا لبدن الكافر يقع الكلام في انه مطهر لبدن الكافر الاصلي فقط أو يعمّ الحكم المرتد الملي أيضا أو يعم المرتد الفطري أيضا.

لا اشكال في ان الكافر الاصلي يطهر بدنه بالإسلام و هو المتيقن من الاقسام الثلاثة.

انما الكلام في قسميه الآخر فنقول هل يطهر بدن المرتد الملّي بالإسلام أم لا.

قد يقال بعدم طهارته تمسكا بإطلاق بعض الرّوايات الدالة على عدم قبول توبة المرتد و المرتد يشمل الملي أيضا مثل ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرتد فقال من رغب عن الاسلام و كفر بما نزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعد اسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسم ما ترك على ورثته «1».

بدعوى ان المرتد في الحديث يشمل الملي و الفطري و فيه أوّلا قد يقال بأن قوله عليه السّلام في هذه الرّواية (من رغب عن الإسلام هو

خصوص المرتد الفطري و لكن لا وجه للاختصاص مع اطلاق قوله عليه السّلام فالاختصاص به ممنوع.

و ثانيا بعد دلالة ما رواه علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام قال سألته عن مسلم تنصّر قال يقتل و لا يستتاب قلت نصراني اسلم ثم ارتد قال يستتاب فإن رجع و إلّا قتل «2».

تدل الرّواية على قبول توبة الملّي من المرتد فلا بد من تقييد رواية محمد بن

______________________________

(1) 2 من الباب الأوّل من ابواب حد التوبة من ل.

(2) 5 من الباب 1 من أبواب حد التوبة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 71

مسلم بالمرتد الفطري فعلى هذا مجال للاشكال في كون الاسلام مطهّرا للمرتد الملي.

و أما المرتد الفطري فالكلام فيه يقع في جهات.
الجهة الأوّلى: في قبول توبته و عدمه

و المحكي عن الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم أقوال:

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 71

الأوّل: عدم قبول توبته لا ظاهرا و لا باطنا و ينسب هذا القول إلى المشهور.

الثّاني: القول بقبول توبته مطلقا ظاهرا و باطنا القول. الثالث القول بقبول توبته باطنا و عدم قبولها ظاهرا و حكي عن بعض تفصيلات آخر.

ما يستدل به على عدم قبول توبته مطلقا بعض الرّوايات مثل رواية محمد بن مسلم المتقدم ذكرها قبل ذلك في باب بحث طهارة المرتد الملي بالإسلام فراجع إليها.

و مثل رواية أخرى رواها علي بن جعفر المتقدم ذكرها عند البحث عن طهارة المرتد الملي بالإسلام فراجع.

و مثل ما رواها عمار الساباطي قال أسمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول كل مسلم بين المسلمين ارتد عن الإسلام و جحد محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم

نبوته و كذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه و امرأته بائنة عنه يوم ارتد و يقسم ماله على ورثته و تعتدّ امرأته عدة المتوفى عنها زوجها و على الامام ان يقتله و لا يستتيبه «1» و غير ذلك من الاخبار بدعوى دلالة هذه الطائفة من الاخبار على عدم قبول توبته و إسلامه.

و قيل في رد التّمسك بهذه الاخبار أمور نذكرها:

الأوّل: ان نفي التوبة بقرينة الاخبار المذكورة من قتله و كون امرأته بائنة و تقسيم امواله بين ورثته و اعتداد زوجته عدة الوفاة شاهد على كون عدم القبول بالنسبة إلى خصوص هذه الاحكام الاربعة فتكون الاحكام المذكورة كالقرينة المتصلة للكلام تمنع عن الاطلاق في عدم قبول توبته.

الثّاني: إن المطلق إن كان له أفراد إذا اطلق المطلق فلا ينصرف إلّا إلى هذه

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب حد المرتد من ل، ج 18.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 72

الافراد و يمنع عن الانصراف بغيرها، و في المقام بعد كون هذه الاحكام الأربعة المذكورة هي الافراد التي ينصرف إليها الاطلاق فلا اطلاق للكلام.

الثّالث: بانّ لام الجر في قوله في رواية محمد بن مسلم بعد قوله (فلا توبة له المتقدمة ذكرها) يقتضي نفي التّوبة عما يكون له و يكون بنفعه و أما كل ما يكون على ضرره أو لا يكون له نفع فيه و لا ضرر فلا تشمله الرّواية فلا تشمل ما يكون ضرر عليه كوجوب العبادات، أو ما لا نفع له و لا ضرر فيه كطهارته و استشكل على كل هذه الايرادات بأنه اما كون الاحكام الاربعة المذكورة في الرّوايات قرينة على عدم قبول توبته بالنسبة إلى هذه الاحكام الأربعة.

ففيه

ان الاحكام الأربعة تكون مذكورة بنحو العطف، و عدم قبول التوبة من جملة المذكورات فعدم قبول التوبة حكم في قبال باقي الاحكام المذكورة في الرّوايات فلا دلالة لها في على كون غير عدم قبول التوبة من الاحكام المذكورة مختصة بمن لم يقبل توبته.

و أما الانصراف بخصوص الاربعة المذكورة من باب كونها اظهر افراد المطلق.

ففيه أوّلا: انه لا تكون الاحكام الاربعة اظهر الافراد و ثانيا لا توجب هذه الاظهرية للانصراف.

و اما قوله عليه السّلام: في رواية محمد بن مسلم (فلا توبة له) تكون معنى لام الجرّ عدم كونه منتفعا بالتّوبة ان نفس التّوبة لا تكون له و مع عدم كون التوبة فلا اسلام له.

و ان منعت الملازمة بين عدم قبول توبته و بين عدم اسلامه، و معناه عدم قبول توبته و بقاء آثار الارتداد من العقوبة و مع هذا يقبل اسلامه و الآثار المرتّبة على إسلامه فنقول بناء على هذا يمكن ان يقال بأن عدم قبول توبته لا ينافي مع قبول اسلامه فإذا اسلم يصير طاهرا ببركة الاسلام. لكنّ التفكيك مشكل لان معنى التوبة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 73

على التحقيق هو الندم على ما سبق و العزم على الترك فيما بعد، فمعناه في المقام هو الندم على الكفر و العزم على اختيار الاسلام، فكيف يمكن الالتزام بعدم قبول توبته و مع ذلك يقبل اسلامه، مضافا إلى ان في سائر الرّوايات لم يكن لفظ (له) حتى يقال بما استشكل على رواية محمد بن مسلم فلا وجه لاختصاص عدم قبول التوبة بخصوص ماله بنفعه.

و لو سلمنا ذلك و ان التوبة لا تقبل في خصوص ما ينفع الكافر المرتد، فما قلت من ان الطهارة

لا بنفعه و لا بضرره محل منع، بل الطهارة أيضا بنفعه، لا ترد هذه الإشكالات بهذه الرّوايات.

إذا عرفت ذلك، نقول بعونه تعالى بعد تسالم الاصحاب على كون المرتد الفطري مأمورا باتيان الواجبات كالصلاة المشروطة صحتها بالإسلام و بالطهارة فلا بد من الالتزام بإسلامه و طهارته حتى تصحّ منه الصلاة و سائر العبادات المشروطة بالإسلام و بالطهارة فلا بد من الالتزام بقبول توبته و يوجّه إطلاق عدم قبول توبته المستفاد من الاخبار المذكورة أما بدعوى عدم اطلاقها أو بنحو آخر مضافا إلى انه لا يمكن الالتزام بعدم قبول توبته بحسب ما نعلم من سعة رحمة اللّه و مذاق الشرع مع الاهتمام التام بهداية الناس و عدم بقائهم في الضلال.

إن قلت، ان ما قلت من كونه مكلفا بالفروع لا ينافي مع عدم قبول توبته و عقابه على ترك الفروع لانه باختياره اختار الكفر و جعل اتيان العبادات بنفسه على نفسه ممتنعا و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فهو حيث كان قادرا على اتيان الفروع بعدم اختياره الكفر و بقائه على الاسلام إذا اختار الكفر و باختياره، جعل المقدور بنفسه ممتنعا على نفسه فيصح التّكليف به و العقوبة على تركه لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

قلت- بأن الكلام تارة يكون في صحة التّكليف بغير المقدور حال عدم القدرة، فما يكون مختار العدلية عدم صحة التّكليف بغير المقدور حال عدم كونه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 74

مقدورا، و إن كان منشأ عجزه و عدم قدرته نفس المكلّف و لهذا طعنوا بأبي هشام القائل بصحة ذلك، فعلى هذا لا يصح التكليف بغير المقدور، فمع توجه التّكليف به نكشف قبول توبته من حيث قبول اسلامه و طهارته

و إن لم تقبل من حيث الاحكام الأربعة المذكورة في الرّوايات المتقدمة.

و تارة يقع الكلام في العقاب على ما صار غير مقدور بسوء اختيار العبد، ففي هذا المقام تقول بان العقاب صحيح عقلا لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فتحصل من ذلك كله، قبول اسلام المرتد الفطري و طهارته.

الجهة الثانية: يجب قتل المرتد الفطري ان امكن

و تبين زوجته و تعتد عدة الوفاة و تنقل امواله الموجودة حال الارتداد إلى ورثته و هذا كله لدلالة الرّواية المتقدمة و غيرها على ذلك.

الجهة الثالثة: هل يملك ما اكتسبه بعد التّوبة أم لا.

الظاهر انه يملكه لانه لا مانع من ذلك و المقدار الذي يدلّ عليه الدّليل على انتقاله إلى ورثته هو امواله الموجودة حال الارتداد.

الجهة الرابعة: هل يصحّ له الرّجوع بعد اسلامه الى زوجته بعقد جديد أم لا.

الحق جواز ذلك له حتى قبل خروج عدّتها لانه بعد قبول توبته و اسلامه لا مانع من ذلك.

و ما دل على انه يجب ان تبين زوجته يكون مع وجود سببه و هو ردّته و كفره فهو يدل على انقطاع الزوجية بسبب الكفر لا الحرمة الابدية، لأن قوله عليه السّلام و امرأته بائنة لا يستفاد منه إلّا تحقق البينونة بسبب كفر الزوج لا إنه يحرم عليه ابدا حتى مع ارتفاع موجب البينونة لما يقتضي مناسبة الحكم و الموضوع كما قلنا فيما يكتسبه بعد التوبة، و ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه من ان قوله عليه السّلام (بانت امرأته) مطلق و معنى اطلاقه حرمتها الابديّة عليه، و فيه ان ذلك فرع وجود الاطلاق الزماني لهذا الكلام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 75

و هو مع ما قلنا من مناسبة الحكم و الموضوع ممنوع، و اما صحة عقد زوجته و لو في حال العدة التي بانت عنه لكفره فلأن عقدها إذا كان جائزا يجوز و لو في العدة، و الأمر بالاعتداد على زوجته كما في الرّواية إذا ارتد يكون بالنسبة إلى غير زوجها لا بالنّسبة إلى من كان زوجها.

***

[مسئلة 2: يكفي في الحكم بإسلام الكافر اظهار الشهادتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يكفي في الحكم بإسلام الكافر اظهار الشهادتين و ان لم يعلم موافقة قلبه للسانه لا مع العلم بالمخالفة.

(1)

أقول: ما افاده بالنسبة إلى الحكم بالإسلام في الدنيا صحيح و إلّا ففي العقبى فما يوجب دخول الجنة و الخلود فيها هو الاقرار باللسان و التصديق بالقلب و العمل بما في الدّين من الواجبات و المحرّمات.

و اما في الدّنيا فهل يكفي في الحكم بالإسلام مجرد اظهار الشهادتين و ان علم مخالفة قلبه مع لسانه كما

يظهر من بعض، أو يكفي الاظهار باللسان و لا يجب العلم بكون قلبه موافقا مع لسانه و إن كان العلم بالمخالفة مضرا، فعلى هذا إذا اعترف احد بالإسلام باللسان و لا يعلم بموافقة قلبه مع لسانه يكفي في اسلامه كما هو مختار المؤلف رحمه اللّه، او يعتبر مع الاقرار باللسان العلم بكون قلبه موافق مع لسانه، اما الاحتمال الثّالث فهو ممّا يقطع بخلافه لانه يلزم عدم امكان الحكم بإسلام اكثر من يقرّ بالشهادتين بلسانه، بل يوجب ان يقبل اسلام الاشخاص من يعلم باطن النّاس فقط و هو واضح الفساد، فيدور الامر بين الاحتمال الأوّل و الثّاني.

قد يقال: بالاحتمال الأوّل، لقوله تعالى (قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ) و بعض الاخبار الدالة على ان الإسلام مجرد الاقرار مثل الرّواية 1 من الباب 1 من ابواب تفسير الايمان و الإسلام

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 76

و ما يتعلق بها في الوافي و غيرها، راجع الباب المستفاد منها كفاية الاقرار و التصديق باللّسان في الاسلام، و لما يكون من المسلمات من ترتيب آثار الإسلام من الطهارة و حقن الدماء و المناكح و المواريث مع المنافقين، و هذا واضح حتى من فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم مع عدم كونهم مصدقين في قلوبهم كما اخبر اللّه بكذب ما يدّعون بلسانهم في قوله تعالى (إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ)، و ما قيل من ان هذه المعاملة مع المنافقين كانت من خصوصيات صدر الاسلام لا مطلقا، مضافا إلى عدم وجه الاختصاص بالصّدر الأوّل، يكفي اطلاق بعض ما قلنا من الاخبار الدالة على كفاية الاقرار بالشهادتين

باللسان في الاسلام فإذا لا يبعد كون الاقرار باللسان كافيا في ترتب حكم الاسلام، و إن كان المعلوم مخالفة القلب مع اللسان. و لكن مع ذلك كله نقول ما يستفاد من الآية الشريفة و الرّوايات، هو كون مرتبة الإيمان اعلى من الاسلام و اخص منه لانه مستقر في القلب و في الاعمال، و هذا مما لا اشكال فيه، انما الاشكال في ان مفاد الآية أو الرّوايات هو ان الاسلام المقابل للإيمان هو مجرد الاقرار باللّسان، و ان علم بمخالفة اللسان مع القلب، أو هو اقرار باللسان و ان لم يدر ما في قلبه في مقابل الإيمان المعلوم استقراره في القلب، و يحتمل كون المراد من الآية أو الرّوايات هو الثاني و مع هذا الاحتمال لا يمكن الاستدلال على الآية و امثال هذه الرّوايات على كون الاسلام مجرد الاقرار باللسان حتى مع العلم بعدم موافقة القلب مع اللسان.

و اما ترتيب آثار الاسلام مع المنافقين المعلوم عدم كونهم مصدقين في قلوبهم كما يفصح به قوله تعالى في الآية الشريفة (إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ)، فإن امكن القول باختصاص هذا الحكم أي ترتيب الاثر بالإسلام في اللسان مع المنافقين في ترتيب آثار الاسلام فهو، و إلّا فلا بد من الالتزام بكفاية الاقرار باللسان في ترتيب آثار الاسلام، و يحتمل الاختصاص، إما من باب ان المصلحة في الصدر الأوّل هو ترتيب آثار الاسلام مع هذه المنافقين المعلوم عدم كونهم مؤمنين بقلوبهم، و اما من باب ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 77

الميزان في مضرية مخالف القلب مع الاقرار باللسان هو معلومية ذلك عند الناس بطرقهم المتصارفة، لا؛ ما يعلم النبي أو الوصي بعلم النبوة و الامامة، فإذا

كان احد منافقا عند النبي أو الولي صلوات اللّه و سلامه عليهما و على آلهما، لا يكفي في عدم ترتيب احكام الإسلام عليه حتى بالنسبة إلى نفس النبي و الولي و الوجه الأخير و إن كان يشكل القول به لكن يحتمل الوجه الأوّل، و هو كون المصلحة في الصدر الأوّل على ترتيب آثار الإسلام على المنافقين المعلوم عدم مطابقة قلوبهم مع ما يقرون من الشهادتين على لسانهم، فعلى هذا نقول بان الاقرار باللسان كاف في صورة عدم معلومية مخالفة اللسان مع القلب و اما مع العلم بالمخالفة، فلا يترتب احكام الإسلام.

***

[مسئلة 3: الاقوى قبول إسلام الصبي المميز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الاقوى قبول إسلام الصبي المميز إذا كان عن بصيرة.

(1)

أقول: لعدم وجه للاختصاص بمن يكون بالغا، و حديث رفع القلم لا يقتضي إلّا رفع التّكليف عنه لا عدم قبول خيراته و حسناته.

***

[مسئلة 4: لا يجب على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجب على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل بل يجوز له الممانعة منه و إن وجب قتله على غيره.

(2)

اقول: بعد ما يجب قتل المرتد الفطري حتى بعد التوبة و قبول إسلامه، يقع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 78

الكلام في انه هل يجب عليه تعريض نفسه للقتل أم لا؟

الاقوى عدم الوجوب، لان وجوب وقوع الحد عليه و هو القتل تكليف راجع إلى ساير المكلّفين لا إليه، و إلّا يكون الواجب عليه قتل نفسه بدون تعريض نفسه بالغير لأن يقتله أو يكون مخيرا بين ان يقتل نفسه أو يعرض نفسه على الغير، بل يستفاد من بعض الاخبار حسن استتار الشخص ما يوجب الحد عليه، فكيف يمكن القول بوجوب تعريض نفسه للحد، راجع الباب 16 من ابواب مقدمات الحدود و احكامها العامة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 79

[التاسع من المطهّرات: التّبعية]

اشارة

قوله رحمه اللّه

التاسع من المطهّرات:

التّبعية و هي في موارد: أحدها:

تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه كما مر

الثاني: تبعيّة ولد الكافر له في الإسلام أبا كان أو جدّا أو اما أو جدة

الثالث: تبعية الأسير للمسلم الذي أسره إذا كان غير بالغ و لم يكن معه أبوه أو جده

الرابع: تبعيّة ظرف الخمر له بانقلابه خلا الخامس آلات تغسيل الميت من السّدة و الثوب الذي يغسله فيه و يد الغاسل دون ثيابه بل الاولى و الأحوط الاقتصار على يد الغاسل.

السادس: تبعية أطراف البئر و الدّلو و العدة و ثياب النازح على القول بنجاسة البئر لكن المختار عدم تنجسه بما عدا التّغير و معه أيضا يشكل جريان حكم التبعية.

السابع: تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير على القول بنجاسته، فإنها تطهر

تبعا له بعد ذهاب الثلثين.

الثامن: يد الغاسل و آلات الغسل في تطهير النجاسات،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 80

و بقية الغسالة الباقية في المحل بعد انفصالها.

التاسع: تبعيّة ما يجعل مع العنب أو التمر للتخليل كالخيار و الباذنجان و نحوهما كالخشب و العود فإنهما تنجس تبعا له عند غليانه على القول بها و تطهر تبعا له بعد صيرورته خلا.

(1)

أقول: اعلم ان الكلام يقع في مواضع:

الموضع الأوّل: قد مر عند التكلّم عن مطهرية الاسلام حكم الرطوبة

المتصلة ببدن الكافر إذا أسلم و بصاقه و نخامته و عرقه و الوسخ الكامن على بدنه إذا أسلم الكافر فراجع.

الموضع الثاني: في تبعية ولد الكافر لأبيه الكافر في الاسلام،

فإذا أسلم فالولد تابع له سواء كان من أسلم أبا أو جدا أو إما أو جداته أما تبعيته للأب يدل عليها ما رواها حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل من أهل الحرب إذا اسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك فقال: إسلامه اسلام لنفسه و لولده الصغار و هم احرار و ولده و متاعه و رقيقه له الخ «1».

و أما تبعيته للجدّ فلأنه أب له.

و أما تبعيته في الإسلام لامه و لجدته إذا اسلمتا أو أسلمت، أحدهما فلما يكون من المسلمات عندهم من كون الولد تابعا لأشرف الأبوين

الموضع الثّالث: تبعية الأسير للمسلم الذي أسّره

فيما يكون الاسير غير البالغ و لم يكن معه أبوه أو جده.

يستدل على طهارته بالتبع بوجوه:

الوجه الأوّل: قاعدة الطهارة، لانا نشك في طهارته و مقتضي القاعدة طهارته.

______________________________

(1) من الباب 43 منت ابواب جهاد العدوّ من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 81

ان قلت ان قاعدة الطهارة محكومة في قبال استصحاب نجاسته قبل الاسر بتبع ابيه الكافر.

قلت ان مع عدم بقاء الموضوع لا يجري الاستصحاب، و قد أرتفع الموضوع لانّه كان سابقا تبعا للأب فلهذا كان نجسا و يكون في الحال تبعا للمسلم الذي اسره و هو موضع آخر.

أقول: الأقوى جريان الاستصحاب لأنّه مع الاسر لا يخرج عن كونه تابعا لأبيه عرفا، فلم يتبدل الموضوع و مع بقاء الموضوع يجري استصحاب النجاسة، و مع جريان الاستصحاب لا تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة فلا يتمّ هذا الوجه.

الوجه الثاني: التمسّك بدليل لا حرج بدعوى ان بقائه على النّجاسة حرج و هو مرتفع لانه مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1».

و فيه انه لم يكن حرج في بقائه

على النّجاسة مثل سائر الكفار.

الوجه الثّالث: النبوي المشهور (كلّ مولود يولد على الفطرة) «2» بدعوى إن كل مولود بفطرته مسلم، إلّا إذا كان تابعا لأبويه الكافرين و مع انقطاع التبعية فهو محكوم بالإسلام و الطهارة.

و فيه: إن الظاهر من الحديث هو ان كلّ مولود بحسب فطرته لو لا ان أبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه إذا بلغ يصير موحدا، و إلّا إن كان المراد انه موحد مسلم حال صغره كان اللازم الحكم بطهارته و لو لم يكن مسبيّا لمسلم عند انفراده عن أبويه.

الوجه الرّابع: وجود السيرة على معاملة الطهارة مع الصبيّ المسبيّ.

و فيه إن السيرة ممنوع.

الوجه الخامس: دعوى كون طهارته ظاهر كلمات الاصحاب رضوان اللّه

______________________________

(1) سورۀ 22، آيۀ 77.

(2) اصول كافى، ج 2، ص 13.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 82

عليهم و فيه إن تحقق الاجماع غير معلوم.

فإذا نقول: كما قال سيدنا الاعظم قدّس سرّه في حاشيته على العروة الوثقى الحكم بطهارته بالتبع مشكل.

الموضع الرّابع: تبعية ظرف الخمر بانقلابه خلا في الطهارة.

و الوجه فيه هو إن الحكم بطهارة الخمر المنقلب خلا، مع الالتزام ببقاء نجاسة ظرفه على النّجاسة، يلزم لغوية طهارة الخمر المنقلب خلا. لأنه ينجس دائما بملاقاته مع ظرفه النّجس فلا معنى للحكم بطهارة الخمر المنقلب خلا فلهذا صونا عن لغوية الحكم بطهارة الخمر بانقلابه خلا لا بد من القول بطهارة ظرفه الواقع فيه الخمر بالتبع.

الموضع الخامس: تبعية آلات تغسيل الميت من السدة

و الثوب الذي يغسله فيه و يد الغاسل و ما يكون وجه ذلك، هو انه بعد ما نرى من طهارة الميت بغسله من وراء ثيابه و عدم الامر بغسل بدن الميت بعد ذلك بملاقاته للثياب المتنجسة ببدن الميت و عدم الامر بغسل الثّياب و كذا اليد و السدة نكشف إن المنشأ في ذلك اما عدم نجاسة الثوب و اليد و السدة بملاقاته لبدن الميت حال نجاسته من رأس فيكون معناه عدم كون الميت المتنجّس منجّسا لهذه الاشياء، و إما بأنه و إن كان الثوب أو الخرقة الواقعة على عورة الميت و يد الغاسل و السدة ينجس بملاقاته لبدن الميت حال نجاسته و لكن لا تكون هذه الاشياء منجسا لبدن الميت و إما بأنّ هذه الاشياء و إن كانت متنجسة بملاقات بدن الميّت و لكن تطهر مع تطهير بدن الميت بدون حاجة إلى العصر في الثياب و الخرقة الواقعة على عورة الميت.

لازم الاحتمال الأوّل هو عدم نجاسة هذه الاشياء بملاقاتها للنجس و هو بدن الميت قبل الغسل، و عدم وجوب غسل هذه الاشياء و التصرّف في قاعدة كل نجس ينجّس.

و لازم الاحتمال الثّاني: هو نجاسة هذه الاشياء بملاقاتها لبدن الميت و لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 83

ينجس بدن الميت ثانيا بها فأيضا يكون لازمه التخصيص

في قاعدة كلّ نجس ينجس، المستفادة من الأدلة لانه على هذا لا ينجس هذه الاشياء بدن الميّت الذي طهر بالغسل ثانيا لكن الفرق بين هذا الاحتمال و بين الأوّل هو عدم وجوب غسل هذه الاشياء لأنها لم تنجس رأسا بملاقاتها لبدن الميّت.

و على الاحتمال الثاني: يجب تطهير هذه الاشياء مستقلا لأنها صارت نجسة بملاقات بدن الميت و إن كان لا ينجس بدن الميت ثانيا بها.

و لازم الاحتمال الثّالث: نجاسة هذه الأشياء بملاقات بدن الميت النّجس قبل تمام غسله لكن حيث يطهر مع تطهير الميت، فلا ينجس الميت بها ثانيا غاية الأمر لا بد من الالتزام بعدم وجود العصر في الثوب الذي غسل الميت من ورائه و الخرقة الواقعة على عورة الميت في خصوص المورد.

أما الاحتمال الأوّل: يبعّده عدم وجوه لتخصيص كلّ نجس ينجس المستفادة من النّصوص مع امكان حفظ هذه القاعدة و الالتزام بطهارة هذه الاشياء كما نقول.

و اما الاحمال الثّاني: يبعّده ان لازمه وجوب غسل هذه الاشياء بعد تمامية غسل الميت مستقلّا و الحال انه لا عين و لا أثر له في الآثار و الأخبار و مقتضي الاطلاق المقامي عدم وجوب غسل هذه الاشياء.

فيبقى الاحتمال الثّالث: و هو غسل هذه الاشياء بالتّبع لغسل الميت فإنه بعد ما لا نرى عينا و لا اثرا من نجاسة بدن الميت بهذه الاشياء، بعد تمام الغسل، و لا نرى اثرا من الأمر بغسل هذه الأشياء مستقلا بعد غسل الميت، نكشف إن هذه الاشياء طهرت بالتّبع و لا يمكن الأخذ بالاحتمال الأوّل و الثّاني لأنه مع امكان حفظ عموم كلّ نجس ينجس و حفظ الإطلاق المقامي لا وجه لرفع اليد عنهما.

و على الاحتمال الثّالث: يحفظ كل ذلك.

أما بالنسبة إلى

يد الغاسل و السدة فلا اشكال في البين لانه يحفظ العموم و الاطلاق المقامي، غاية الامر بالنسبة إلى ثوب الميت الواقع غسله من ورائه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 84

و بالنسبة إلى الخرقة الواقعة على عورته حال الغسل يقتضي التصرف فيهما يدل على وجوب العصر في الثياب و التصرّف فيما دلّ على وجوب العصر اهون من التّصرف فيما دل على انّ كلّ نجس ينجس و لهذا يقال بطهارة هذه الاشياء بالتّبع و مما مرّ منّا في المقام يظهر لك وجه الاحتياط في الثوب الواقع من ورائه غسل الميّت لأن طهارته مستلزم للتصرّف في دليل وجوب العصر فيما يحتاج في تطهيره إلى العصر.

و اما من باب انه يمكن الغسل بدون الثياب و معه لا يمكن دعوى الإطلاق المقامي لأنه إن كان الغسل من وراء الثياب هو المتعارف و مع ذلك لا عين له و لا أثر من وجوب غسله يمكن الحكم بطهارته بالإطلاق المقامي. و هذا غير معلوم و لعل إلى هذا ينظر الكلام المحكي من المحقق رحمه اللّه حيث قال (و ان تجرد عن ثوبه وقت غسله كان أفضل) لكن لا يجري هذا الأشكال في الخرقة الواقعة على عورة الميت حين غسله لأنه المتعارف، فبالاطلاق المقامي نقول بطهارته بالتّبع بل يمكن دعوى كون الغسل من وراء الثوب متعارفا فلا مانع من التمسك بالإطلاق المقامي على عدم وجوب تطهيره بعد الغسل و عدم نجاسة بدن الميت بعد الغسل به.

الموضع السادس: تبعية أطراف البئر و الدلو و العدة و ثياب النّازح

على القول بنجاسة البئر. و الكلام يقع تارة بناء على القول بنجاسة البئر بملاقاته مع النجاسة و تارة على القول بعدمها.

أما الأوّل فنقول: بعونه تعالى إن عمدة الوجه هو الاطلاق المقامي بدعوى إنه

بعد ما نرى من ملاقات بعض الاشياء كاطراف البئر و الدلو و العدة و ثياب النّازح مع ماء البئر النجس على الفرض من دون حكم الشّارع بطهارة ماء البئر بعد نزح المقدّرات و عدم الامر بتطهير هذه الاشياء مع غفلة العامة عن لزوم تطهيرها دليل على عدم وجوب تطهيرها و صيرورتها طاهرة بتبع طهارة ماء البئر بعد النزح و إذا كان الدّليل الاطلاق المقامي فيما يمكن جريانه يقال بطهارته بالتّبع و إلّا فلا.

فعلى هذا نقول لا أشكال في القول بطهارة الدلو الذي ينزح به البئر، و الحبل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 85

المشدود به الدلو، و اطراف البئر طاهر بالتبع، لأنها لا ينفك في الطهارة عن ماء البئر إنما الكلام في ثياب النازح و انه هل يطهر بالتبع أم لا؟ و منشأ الاشكال هو تعارف ملاقاته مع ماء البئر حين ينزح حتى يقال بطهارته بتبع طهارة ماء البئر أم لا.

و منشأ الاشكال كما قلنا هو تعارف ملاقات الثياب مع الماء المنزوح غالبا و عدمه فعلى فرض التعارف يطهر بالتبع و مع عدمه لا يطهر بالتبع.

و الحق ان مطلق ثياب الناضح لا يبتلي بملاقات الماء الذي ينضح من البئر غالبا كما ان الحقّ ان قسما من ثيابه مثل اطراف لباسه إذا كان ثيابه طويلا أو من اطراف ازاره يبتلي بملاقات الماء فإذا نقول بان الحق هو التفصيل بين الصورتين فإن كان لأوّل فلا يحكم بالتبعية و إن كان كالثاني يحكم بطهارتها بالتبع.

و أمّا بناء على عدم القول بنجاسة ماء البئر بملاقاته للنجاسة، إلّا إذا صارت الملاقاة موجبة للتغير في احدى أوصافه الثلاثة.

فهل يكون حكم التبعية جاريا في هذه الصورة أيضا أم لا؟

و

بعبارة اوضح انه لو بنينا على ان ماء البئر إذا تغير بنجاسة احد أوصافه الثّلاثة المعيّنة، و قلنا بأنه يمكن تطهير ماء البئر بنزح مقدار من مائه حتى يذهب تغيره بنزح الماء منه و قلنا بطهارة ماء البئر بعد ذلك هل يصير الدلو و غيره مما قلنا في الصورة الأولى عني صورة القول بنجاسة ماء البئر بملاقاة النّجاسة في هذه الصورة بالتبع بمعنى انه بعد طهارة ماء البئر بزوال تغيّره بالنزح هل يطهر الدلو و غيره مما ذكرنا بالتبع أم لا يطهر؟ قد يقال بالعدم كما حكى عن الشيخ الانصاري قدس سره الشّريف. و ربما يكون وجه دعوى إن المطهر في هذه الصورة ليس النزح بل التطهير يحصل بزوال التغيير فليس النزح إلّا مقدمة للتطهير و ليس هو مطهر حتى يقال إن طهارة الماء بالنزح بالالتزام يدل على طهارة هذه الاشياء بالتّبع.

و فيه: انه بعد كون النّزح في صورة تغيير ماء البئر بالنجاسة في احد اوصافه الثلاثة طريقا لطهارة ماء البئر كما يظهر من رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع الواردة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 86

في المورد حيث قال عليه السّلام فيها (فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه) فنقول ان قلنا بطهارة الدلو و أخواته بالتبع في الصورة الأولى و هي صورة البناء على نجاسة ماء البئر بملاقاة النّجاسة بطهارة ماء البئر و بتبعه نقول بطهارة الدّلو و اخواته بتبع طهارة ماء البئر إذا صار نجسا في أوصافه الثلاثة بالنجاسة بعد طهارة ماء البئر بزوال نجاسته في أوصاف الثلاثة بوسيلة النزح.

فلا فرق بين الصورتين من حيث التبعية في طهارة الدلو و اخواته بتبع طهارة ماء البئر. نعم عندي اشكال

في كون موردنا مورد التمسّك بالإطلاق المقامي لأن مورد التمسك بالإطلاق المقامي يكون فيما كان المتكلّم في مقام بيان تمام مراده و يرى غفلة المخاطب لا بد له إذا كان شي ء دخيلا في مراده شرطا أو شطرا ان يبينه، مثل ما يقال في وجه عدم اعتبار قصد الوجه و التميز فانه يقال بعد ما نعلم بأن الشارع في الأمر بالصلاة يكون في مقام بيان تمام مراده و نرى عدم وجود عين و اثر في الأدلة تدل على اعتبار قصد الوجه و التميز و غفلة النّاس عن اعتباره نكشف عدم اعتبارهما بمقتضى الإطلاق المقامي.

لكن في ما نحن فيه بعد ما يعلم المكلف بأن كل نجس ينجّس، و يعلم عموم الحكم أيضا و لم يكن غافلا عن ذلك و لا يلزم على الشارع بيان هذا العموم في كلّ مورد حتّى ينكشف من عدم بيانه طهارة المشكوك بالتبعية بالتمسك بالإطلاق المقامي فالقول بطهارة هذه الاشياء بالإطلاق المقامي مشكل فتأمّل.

الموضع السّابع: تبعية الآلات المعمولة لطبخ العصير على القول بنجاسته

فإنّها تطهر تبعا له بعد ذهاب الثلثين و قد عرفت في طي المسألة الأوّلى من المسائل المتعلقة بمطهرية ذهاب الثلثين و إنه يقتصر في الطهارة بالتبع على المقدار الواقع فيه العصير و الآلات المعدّة لطبخه الملاقية له.

الموضع الثّامن: يد الغاسل و آلات الغسل في تطهير المتنجّس

و بقية الغسالة الباقية في المحل بعد انفصال المقدار المتعارف.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 87

أما يد الغاسل فإن غسل مع ما يغسل فلا اشكال و التبعية في طهارته ليس إلّا طهارته مع المغسول، و إما لو لم يغسل مع المغسول مثل ما إذا دلك الثوب بيده ثم اعطى لخادمه ليغسله أو تلوث حين الدّلك بعض مواضع يده بحسب المتعارف في رفع دنس الاشياء باليد، ثم حين غسل المغسول ما وصل الماء باليد فهل يمكن ان يقال بطهارة اليد في الفرضين و نظائرهما تبعا أو لا؟

الحقّ عدم طهارة اليد في هذه الصورتين و نظائرهما مما لا تغسل اليد مع المغسول فما عن المستمسك من الطهارة في مثل الفرض غير تام لعدم وجود الاطلاق المقامي في الفرض و لا وجه آخر. فوجه طهارة يد الغاسل هو تطهيره مع ما يغسل بمعونة يده.

و أما آلات الغسل فما يكون آلة له و يغسل مع الشي ء الذي يغسل فلا اشكال في طهارته لأنه غسل أيضا. و ما في رواية محمد بن مسلم من الأمر بالغسل في المركن مرتان، و في الماء الجارية مرة واحدة، لا يدل على ان المركن مع عدم غسله يطهر بالتبع، لانه بعد ما يجعل الماء القليل فيه لأن يطهر الثوب الواقع في المركن فيطهر الثوب و المركن معا في المرة الأولى، و كذا في المرة الثانية. و لا بد من انفصال الغسالة لأنه لا يطهر

الثوب في الماء الأوّل الذي غسل به في المرة الأولى لنجاسة الماء فلا بد من انفصال الغسالة و ايراد الماء ثانيا للمرة الثانية، الّا أن يقال بعدم نجاسة الغسالة فأيضا لا اشكال.

فعلى هذا في اليد و آلات التطهير يكون وجه طهارتهما وقوع المطهر عليهما مثل المغسول، فليست التبعية فيهما كالتبعية في الموضع الأوّل مثلا من انّ الطهارة الوالد يوجب طهارة الولد بدون وقوع مطهر على الولد مستقلا.

و أما طهارة بقية الغسالة الواقعة في المحلّ بعد انفصال الغسالة، فقد عرفت سابقا من أنّ هذا هو المرتكز عند العرف في كيفية الغسل و لا يعتبر الشارع امرا زائدا، مضافا إلى إنه لو التزمنا بوجوب خروج تمام الغسالة يوجب ذلك عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 88

مطهرية الماء القليل لعدم امكان اخراج الغسالة فمع كون الماء القليل مطهرا مسلما، و مع كون المفروض بقاء مقدار من الغسالة بعد خروج معظمها، نفهم عدم مضرية ما بقى منها عند الشارع.

الموضع التاسع: تبعيّة ما يجعل من العنب او التمر للتخليل كالخيار

و الباذنجان و نحوهما كالخشب و العود فإنها تنجس تبعا له عند غليانه على القول بها و تطهر تبعا له بعد صيرورته خلا، إن كان ذلك متعارفا و قد مضى الكلام فيه في المسألة 8 من المسائل المتعلقة بمطهرية ذهاب الثلثين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 89

[العاشر من المطهرات: زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان]

اشارة

قوله رحمه اللّه

العاشر من المطهرات:

زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان غير الانسان بأي وجه كان، سواء كان بمزيل أو من قبل نفسه، فمنقار الدجاجة إذا تلوث بالعذرة يطهر بزوال عينها و جفاف رطوبته، و كذا ظهر الدابة المجروح إذا زال دمه بأي وجه، و كذا ولد الحيوانات الملوّث بالدم عند التّولد إلى غير ذلك.

و كذا زوال عين النّجاسة أو المتنجس عن بواطن الانسان كفمه و أنفه و أذنه، فإذا أكل طعاما نجسا يطهر فمه بمجرد بلعه، هذا إذا قلنا إن البواطن تتنجّس بملاقات النجاسة و كذا جسد الحيوان.

و لكن يمكن أن يقال بعدم تنجسهما اصلا، و إنما النجس هو العين الموجودة في الباطن أو على جسد الحيوان، و على هذا فلا وجه لعدّه من المطهرات و هذا الوجه قريب جدا، و مما يترتّب، على الوجهين إنه لو كان في فمه شي ء من الدم فريقه نجس ما دام الدم موجودا على الوجه الأوّل، فإذا لاقى شيئا نجّسه بخلافه على الوجه الثّاني فإنّ الرّيق طاهر و النّجس هو الدم فقط، فإن ادخل اصبعه مثلا في فمه و لم يلاق الدم لم ينجس و ان لاقى الدم ينجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 90

إذا قلنا بأن ملاقات النجس في الباطن أيضا موجبة للتنجس و إلّا فلا ينجس اصلا إلّا إذا اخرجه و هو

ملوث بالدم.

(1)

أقول: الكلام يقع في موضعين:

الموضع الأوّل: في كون زوال عين النجاسة أو المتنجس من جسد الحيوان
اشارة

غير الإنسان مطهرا بأي وجه كان سواء كان بمزيل أو من قبل نفسه.

نقول بعونه تعالى بانه

في المسألة احتمالات:
الاحتمال الأوّل: أن لا يكون ذهاب عين النجاسة و زوالها عن بدن الحيوان مطهرا

إلّا إذا علم بوقوع المطهر عليه، مثل ما تنجس فم الدابة بالدم و زالت عين الدم و يعلم بورود الماء عليه و مع الشّك في وقوع المطهر لا يحكم بطهارة جسدها فكيف بما يعلم عدم ورود المطهر عليه و هذا هو مقتضى القاعدة الأولية في تنجّس الشي ء بالنجس، فإن لازمه العلم بطهارته أو ما يقوم مقام العلم فمع العلم بعدم ورود المطهر يعلم ببقاء النجاسة، و مع الشك في ورود المطهر عليه يحكم ببقاء النجاسة أيضا لاستصحاب النجاسة.

الاحتمال الثّاني: أن يكون زوال العين مطهر لجسد الحيوان

في خصوص ما يشك في بقاء النجاسة و عدمه من باب الشّك في ورود المطهر عليه و عدمه، و هذا موافق مع قول من يقول بمطهرية زوال عين النجاسة في الحيوان، مع غيبة الحيوان من باب احتمال ورود المطهر عليه مع الغيبة و على هذا لا بد من رفع اليد عن استصحاب النجاسة. لأن مقتضى القاعدة مع الشك في الطهارة بعد العلم بالنجاسة هو الحكم ببقاء النجاسة للاستصحاب. و مع الالتزام بطهارته مع الشّك في وقوع المطهر عليه بعد زوال عين النجاسة يرفع اليد عن الاستصحاب إن كان دليل على مطهرية زوال العين في هذه الصورة.

الاحتمال الثالث: كون زوال العين مطهرة لجسده

حتى مع العلم بعدم وقوع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 91

مطهّر عليه و هذا هو القول المشهور و هو أقوى الاقوال.

و العمدة في وجه ذلك هو السيرة القطعيّة عليه لان المسلمين خلفا عن سلف نرى بمباشرتهم للحيوانات التي يعلم كون جسدها متلوثا بنجاسة من النجاسات الحادثة لها في انفسها مثل دم الولادة و الجروح العارضة لها، و المبني الخارج عنها بالسّفاد و موضع خروج بولها و غايتها في الحيوانات النجسة بولها و غايتها و من النّجاسات الخارجية كأكلها الميتة و العذرة و غيرهما من النّجاسات مع كثرة ابتلاء الناس ببعضها كالهرة و الفارة و الدجاجة مع العلم بعدم تطهيرها بمطهر و مع ذلك بعد زوال العين يعاملون مع أبدانها معاملة الطهارة و لم يكن البناء على تطهير أبدانها أو تطهير ما يلاقي ابدانها من الاطعمة و الاشربة و هذه السيرة القطعية المستمرة من زماننا إلى زمان المعصومين عليهم السّلام دليل قطعي على ما يقال من كون زوال العين مطهّرا لجسد الحيوان غير الإنسان.

و مع هذه

السيرة لا حاجة إلى التمسك في ذلك بما ورد في بعض الرّوايات نعم نذكر بعضها تبركا و دليلا على كون السيرة سيرة مستندة بما يرى من صاحب الشرع فنقول.

(منها ما رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في كتاب علي عليه السّلام ان الهرّ سبع و لا بأس بسؤره و إني لاستحيى من اللّه أن أدع طعاما لأن الهر أكل منه) «1».

(منها ما رواها عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سئل عما تشرب منه الحمامة فقال كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره و أشرب و عن ماء شرب منه باز و صقر و عقاب فقال كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلّا ان ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشربه) «2».

(قال في الوسائل و رواهما الشيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن يعقوب و زاد في

______________________________

(1) الرّواية 2 من الباب 2 من أبواب الاسئار من ل.

(2) الرّواية 2 من الباب مع من ابواب الاسئار من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 92

الاخير و سئل عن ماء شربت منه الدّجاجة قال: إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه و لم يشرب و إن لم يعلم إن في منقارها قذرا توضأ منه و اشرب).

(و منها ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليه السّلام في حديث قال:

سألته عن الغطاية، و الحية، و الوزغ، يقع في الماء فلا يموت أ يتوضأ منه للصّلاة؟ قال:

لا بأس به و سألته عن فأرة وقعت في حب دهن و أخرجت قبل ان تموت أ يبيعه من مسلم؟

قال: نعم و يدهن منه) «1».

وجه الاستدلال بها هو ان الامام عليه السّلام حكم بطهارة أسئار الهرة، و الفأرة، و كل شي ء من الطير، مع عدم انفكاك فمها و منقارها و ما بقي من اعضائها من النجاسة غالبا، فهذا دليل على ما يقال من كون زوال عين النجاسة عن جسد الحيوان مطهر له.

فأن قلت، إن الرّوايات ليست إلّا في مقام بيان حكم سئور هذه الحيوانات في حد ذاتها، مع قطع النظر عن نجاستها العرضية في قبال نجاسة سئور الكلب و الخنزير و لا اشكال في ذلك لان سئورها بحسب ذاتهم طاهرا و اما عدم نجاسة سئورها إذا عرض لها النجاسة العرضية مثل ما تلوّث فم الهرة بالدم أو بالميتة و زالت عين النجاسة فهذه الرّوايات لا تدل على طهارة السؤر في هذه الصورة.

قلت، ان الأمر و إن كان في حد ذاته و بحسب الظاهر كما قلت و لكن في المقام يكون بعض القرائن على كون الحكم بالطهارة الذاتية و العرضية و بعبارة اخرى لم يكن المعصوم عليه السّلام في مقام بيان الحكم الحيثي، و الذاتي، فقط بل يكون في مقام بيان الحكم الفعلي، و بعد كونه في مقام بيان الحكم الفعلي فلا بد من كون النظر إلى الطوارئ و العوارض لا لبيان خصوص حكم سئور هذه الحيوانات ذاتا.

أوّلا: كما يرى المتكلّم الحكيم من كون غالبها مبتلية بملاقات النجاسة لأنها

______________________________

(1) الرّواية 1 من الباب التاسع من أبواب الاسئار من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 93

يرتزقون من بعض النجاسات من الميتة، و العذرة، و غيرهما، بل دائما مبتلية بالنجاسة لأنها حين خروجها من امهاتها ينجس بدنها و لا تطهر ابدانها بمطهر أبدا

من ولوغها في الماء الجاري و الكثير و لم يغسّلها بالماء القليل، فهنّ باقون على نجاستها فمع هذا الابتلاء الغالبي بل الدائمي كيف يمكن ان يقول عليه السّلام بطهارة سؤرها إلّا مع طهارة بدنها حتى في صورة تنجّسها بالنجاسة العرضية.

ثانيا: لوجود بعض القرائن في نفس الروايات مثل قوله عليه السّلام في الرواية الأولى (و إني لاستحيي من اللّه ان أدع طعاما لأن الهر اكل منه) و لانه لم يفرّق بين الهر و سئوره مع ان الغالب في الهرّ ابتلائه بالنجاسة العرضية و هذا واضح.

و ما يستفاد من الرواية الثانية من كون النظر إلى طهارة سئور هذه الاشياء ذاتية و عرضية إلّا أن يكون فيها عين النجاسة، لأن قوله عليه السّلام (إلّا ان ترى في منقاره دما) دليل على كونه فعلا محكوما بالطهارة إلّا مع رؤية الدم في منقاره و خصوصا ما نقل الشيخ رحمه اللّه في ذيل الرواية (إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه و لم يشرب و إن لم يعلم إن في منقارها قذرا توضأ منه و اشرب) لانه مبين حال العلم و الجهل بوجود القذر و هذا شاهد على ان النجاسة في صورة وجود القذر كيف ما كان و الطهارة في صورة عدم وجود القذر كيف ما كان، و إن كان في مقام بيان خصوص حكم الأولى الذاتي لا معنى للتعرض لصورة العلم و الجهل لوجود القذر.

و ما يستفاد من الرواية الثالثة من القاء الخصوصية في الجواب من جواز البيع و التدهين مع ان السؤال مطلق صورتان:

صورة يكون الفأرة متلوثة بالنجاسة العرضية، و صورة لم تكن متلوثة بالنجاسة، فالاطلاق في الجواب يقتضي الطهارة في كلتا الصورتين، بل مع عدم انفكاك الفارة

غالبا، بل دائما عن النجاسة و لا اقل من نجاسة موضع بولها و بعرها كان اللازم الحكم بالنجاسة ان لم يكن زوال العين مطهرا فعلى هذا لا ينبغي الاشكال في اصل الحكم كما ذهب عليه المشهور.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 94

و بعد ما عرفت من عدم نجاسة جسد الحيوان الملاقي للنجس بعد زوال عين النجاسة منجسا يقع الكلام في إن منشأ ذلك عدم تنجس بدن الحيوان غير الانسان عند ما يكون رأس الحيوان نجسا فلا يصير جسدا الحيوان نجسا بملاقات النجاسة لرأس الحيوان، أو يكون منشأ ذلك عدم سراية النجاسة من جسد الحيوان المتنجس بملاقات عين النجاسة إلى ما يلاقيه فيكون بدن الحيوان نجسا، لكن لا ينجس ما يلاقيه.

فعلى الاول يلزم التّخصص في دليل كل نجس ينجس و على الثاني يلزم التخصيص في دليل كل متنجس ينجس مثل عين النجس، أو يكون منشأ ذلك كون زوال العين مطهرا بوزان سائر المطهرات فلا يلزم التّصرف في احد من الدليلين، بالتّخصص او التخصيص، فيكون لازم هذا الاحتمال نجاسة جسد الحيوان بملاقات النجاسة و لكن بزوال عين النجاسة يصير طاهرا.

و قد عرفت ان العمدة في المسألة هو السيرة، و السيرة تكون على معاملة الطهارة مع جسد الحيوان بعد زوال عين النجاسة، فعلى هذا لا وجه للاحتمال الثاني، كما انه بعد ما نرى من ان السيرة لا تقتضي إلّا طهارة جسد الحيوان بعد زوال عين النجاسة، و نرى السيرة على عدم نجاسة ما يلاقيه بعد زوال العين، و لا تنافي بين هذه السيرة و ما دل على كون النجس و المتنجس منجسا، لا وجه للتصرف في دليلهما، فتكون النتيجة هو الاحتمال الثالث.

الموضع الثاني: في حكم زوال عين النجاسة عن بواطن الانسان

و الكلام فيه،

يكون في ان باطن الانسان لا ينجس بملاقات النجاسة من رأس، أو أنه ينجس الباطن كالظاهر بملاقات النجس، غاية الامر يكون زوال عين النجس مطهرا له.

أعلم إن الكلام تارة يقع في نجاسة الباطن بملاقات النجاسة التي في الباطن مثلا، يقع الكلام في نجاسة باطن الفم بالدم الخارج من بين الاسنان. كما عرفت في المسألة الأولى من المسائل المتعلقة بنجاسة البول و الغائط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 95

و تارة يقع الكلام في نجاسة الباطن بالنّجاسة الخارجيّة مثلا و يقع الكلام في ان الدم الخارج من اليد مثلا إذا لاقى باطن الفم، ينجس الفم و يطهر بزوال الدم أو لا ينجسه أصلا.

قد يقال بعدم دليل على نجاسة الباطن اصلا، حتى من الاعيان النجسة التي لا اشكال في نجاستها إذا كانت في الخارج، بدعوى ان الأدلة الدالة على نجاسة هذه الاشياء من البول و الغائط و اخواتهما هو مورد الملاقات في الخارج مثلا لاقى الدم الثوب أو الجسد لاقى البول، و هكذا و لا عموم لها نشمل ملاقات الاعيان النجسة للباطن، فلا دليل على نجاسة الباطن بها.

و قد يقال، الاقوى نجاسة الباطن بملاقاته مع الظاهر النجس لانه مع امكان دعوى عدم الفرق بين الظاهر و الباطن فلا ينجس فكما ينجس الظاهر بها كذلك ينجس الباطن.

يدل عليه خصوصا عموم ما رواها عمار بن موسى الساباطي انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يجد في إنائه فارة و قد توضأ من ذلك الاناء مرارا، أو اغتسل منه او غسل ثيابه و قد كانت الفارة متسلّخة، فقال: إن كان رآها في الاناء قبل ان يغتسل او يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما

رآها في الاناء فعليه ان يغسل ثيابه و يغسل كل ما اصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة و إن كان إنّما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمسّ من الماء شيئا و ليس عليه شي ء لانه لا يعلم متى سقطت فيه، ثمّ قال لعلّه ان يكون انّما سقطت فيه، تلك الساعة التي رآها) «1».

فان قوله عليه السّلام (يغسل ثيابه و يغسل كلما اصابه ذلك) يدل لعمومه على إن كلما اصابه صار نجسا، سواء كان من الظاهر أو من الباطن فيدل الخبر على صيرورته نجسا بنجاسة الخارج، فعلى هذا الحق هو طهارة الباطن بزوال عين النجس لا عدم نجاسته من رأس.

______________________________

(1) الرّواية 1 من الباب 4 من أبواب الماء المطلق من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 96

إلّا أن يدعى انصراف عموم الرواية من الباطن، بل قوله عليه السّلام: (و يغسل كلما اصابه ذلك) ظاهر بل الحق في إن مورد العموم هو ما يجب غسله بعد صيرورته نجسا و الباطن على فرض قابليته لان ينجس ليس طهارته بالغسل بل يكون مجرد زوال العين فمورد العموم كلما يكون طهارته بالغسل فيشمل خصوص الظاهر و لا يشمل الباطن من رأس، فلا وجه للاستدلال برواية عمار على قابليته الباطن للنجاسة، كما ادعى ذلك في كتفرد بعض الاعاظم المعاصرين و لو شككنا في التنقيع نجاسة الباطن بملاقات النجاسة عن الخارج و عدمه فالوجه اصالة الطهارة، فتلخص القول بعدم نجاسة الباطن قويّ، فتأمل.

و يمكن أن يقال بعدم تنجس الباطن من الانسان بملاقات النجاسة لأن عمدة ما يدلّ على نجاسة النجاسات بل كله، هو الأوامر الواردة بغسل ما يلاقيها و موردها هو الملاقات الخارجية

فلا يشمل الباطن من رأس إلّا أن يدعي الغاء خصوصية كون الملاقات في الخارج أو يدّعي تنقيح المناط يشمل الملاقات في الباطن و قد بينا بأنه لا يمكن القطع بعدم وجود خصوصية للخارج و بعدم وجود مناط قطعي يمكن معه اسراء حكم ملاقات الظاهر بالباطن، فكما انه لا اشكال في عدم تنجيس الباطن مع كونه ملاقيا لعين النجس بخلاف الظاهر، كذلك يمكن عدم صيرورة الباطن نجسا من رأس، بل كما قلنا إذا كان كل من الملاقي و الملاقى من الباطن كما إذا لاقى الباطن الدم في الباطن يمكن ان يقال بعدم تنجّسه من باب عدم كون الدم ما دام في الباطن نجسا فتأمل.

و لو قلنا من بعد عدم صيرورة الباطن نجسا بملاقات النجاسة حتى إذا كانت النجاسة من الخارج، نقول في خصوص الانسان و لم نقل في جسد الحيوان غير الانسان و ذلك لأنه في جسد الحيوان العمدة في الدّليل هى السيرة و كذلك الاخبار لا تدلان على عدم نجاسة الجسد من رأس. فيبقى عموم ما دل على تنجيس النجس و المتنجس سليما، فما في المتن من كون الاقرب امكان القول بعدم تنجس ظاهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 97

جسد الحيوان، و باطن الانسان، و جعل كل منهما مثل الآخر في هذا الحيث، ليس في محله، بل يكون الفرق بينهما كما عرفت بيانه.

بقي الكلام في الثمرة بين القول بعدم نجاسة باطن الإنسان و بين القول بنجاسته ثم طهارته بزوال عين النجاسة، فانه كما افاد المؤلف رحمه اللّه على القول بتنجيس النجس في الباطن، بأنه لو كان في فمه شي ء من الدم، فريقه طاهر حتى مع كون الدم باقيا، لأن الباطن لا

ينجس بالنجس على القول الأوّل، فلو ادخل اصبعه في فمه و لم يلاق الدم لا ينجس، و أما على القول الثّاني يكون الريق نجسا.

ما دام يكون الدم باقيا في الفم، فلو ادخل اصبعه و لاقى الريق ينجس و ان لم يلاق الدم. و هذه الثمرة كما قلنا يكون بناء على القول بأن النجس و المتنجس ينجّسان في الباطن كالظاهر، و اما مع عدم تنجيسهما كما هو الحق فلا، كما مر الكلام فيه، و لهذا قلنا لو ادخل شيشة الاحتقان و علم بملاقاتها في الباطن مع العذرة و اخرجها لكن لا يخرج معها شي ء من العذرة لا تنجس شيشة الاحتقان. لعدم دليل على تنجيس النجس في الباطن، بل عدم دليل على نجاسته مهما يكون في الباطن.

***

[مسأله 1: إذا شك في كون شي ء من الباطن أو الظاهر]

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: إذا شك في كون شي ء من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على النّجاسة بعد زوال العين على الوجه الأوّل من الوجهين و يبنى على طهارته على الوجه الثاني لأن الشّك عليه يرجع إلى الشك في اصل التنجس.

(1)

أقول: لانه على الوجه الأوّل: و هو تنجس الباطن بالنجس، و كون زوال العين مطهرا يعلم بنجاسة الموضع المشكوك كونه من الباطن أو الظاهر و يشك بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 98

زوال عين النجاسة في بقاء النجاسة و عدمه. لأن هذا الموضع إن كان من الباطن صار طاهرا بزوال عين النجاسة و إن كان من الظاهر تكون النجاسة باقية، و مع الشك في البقاء بعد العلم بالحدوث تستصحب نجاسته.

و أما على الوجه الثّاني و هو عدم تنجس الباطن من رأس، يكون الشك في حدوث النجاسة و عدمه، لأنه إن كان الموضع من الظاهر حدثت النجاسة،

و إن كان من الباطن فلا، و بعد كون الشك في اصل حدوث النجاسة يكون مقتضى اصالة الطهارة طهارة الموضع و كما قلنا لا يبعد كون الحق هو القول، الثّاني و ما في التنقيح (تقرير بحث العلامة الخوئى) من أنه بعد عموم رواية عمار الساباطي (و هي ما ذكرناها في الفصل و المتمسّك بها على صيرورة الباطن نجسا بملاقات النجاسة من الظاهر و قد أجبنا عنها) على نجاسة كلما يلاقي النجاسة، لأن مورد الرّواية و إن كانت الميتة لكن لا خصوصية لها فتدل على نجاسة كلما يلاقي النجس.

نقول خرج من العموم الباطن و بعد كون منشأ الشك في مورد المسألة في انه من الباطن حتى لا ينجس، أو من الظاهر حتى ينجس، فيكون الشك في المخصص الشك بين الاقل و الاكثر، و في هذه الصورة يكون العموم محكما فلا بد من القول بنجاسة المشكوك كونه من الظاهر أو الباطن.

و فيه إنه كما قلنا في اصل الفعل ليس لرواية عمار عموم يشمل كل من الظاهر و الباطن، بل بقرينة قوله عليه السّلام (و يغسل كلما اصابه) لا بد من كون موضوع العموم (كلما يجب غسله بعد نجاسته) و الباطن ليس كذلك، فلا عموم للرواية يشمل الباطن، حتّى يقال بعد شمول العموم للباطن فكلما يكون المتيقّن كونه باطنا خرج عن العموم و كلّما يكون مشكوكا بالشبهة المفهوميّة يرجع بالعموم، فالرّواية على ما قلنا تدل على تنجس الظاهر بملاقات النجاسة، فإذا شك في كون شي ء من الظاهر أو من الباطن، سواء كان الشك من جهة الشبهة المفهومية (او المصداقية، لا معنى للرجوع إلى العموم، فلا عموم في البين يشمل كل من الظاهر و الباطن حتّى يقال إنّ

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 99

التّخصيص بالباطن يدور امره بين الأقل و الأكثر بل من رأس لا عموم يشمل بالباطن حتّى نحتاج إلى دليل المخصص، و مع الشك في نجاسة المشكوك كونه ظاهرا أو باطنا، بملاقاته للنجاسة يكون المرجع أصالة الطّهارة.

***

[مسئلة 2: مطبق الشفتين من الباطن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: مطبق الشفتين من الباطن و كذا مطبق الجفنين، فالمناط في الظاهر فيهما ما يظهر منها بعد التطبيق.

(1)

أقول: ينبغي، قبل التكلم فيما يمكن التمسك به على كونهما من الباطن، و التكلم في انهما هل يكونا من الباطن عرفا، أم لا، بحيث لو استفدنا من رواية وجوب تطهير الظاهر عن النجاسة لا الباطن و لم يعيّن ما هو الظاهر و الباطن في لسان الدّليل و يكون المرجع قهرا في هذه الصورة العرف، فيؤخذ بما هو ظاهر عند العرف فنقول بغسله، و ما هو باطن بنظره حتى نقول بعدم وجوب غسله.

فنقول: بأنه لا يبعد كون مطبق الشفتين و الجفنين من الباطن بنظر العرف و لا يعدّونهما من الظاهر. لانّ الظّاهر ما هو ظاهر بطبعه بمعنى أنّ له البروز بحسب طبعه، لا كل ما يرى يكون ظاهرا، و إلّا لو كان هذا كان اللازم كون الفم و باطن الأنف و الأذن من الظاهر.

و لا يخفى إن الشارع على ما يأتي بالنظر لم يتصرف في ما هو الظاهر أو الباطن بنظر العرف بان تضيّق دائرتهما أو توسّع دائرتهما، فإن كان في كلامه هذان اللّفظان ينزلان على مفهومهما العرفي، و هذه النّكتة تفيد لنا في ما يأتي من بعض الاخبار المتمسكة بها على المسألة إن شاء اللّه، هذا بالنسبة إلى مفهومهما في نظر العرف.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 100

و

اما ما يتمسك به على عدم كونهما من الظاهر أو يمكن ان يتمسّك به فهو الطائفتان من الرّوايات:

الأولى: بعض الاخبار الواردة في الغسل و الوضوء (ما رواها أبو يحيى الواسطي عن بعض اصحابه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الجنب يتمضمض و يستنشق؟ قال: لا إنما يجنب الظاهر) «1».

و مثل (ما رواها أبو يحيى الواسطي عمن حدثه قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، الجنب يتمضمض؟ فقال لا إنما يجنب الظاهر و لا يجنب الباطن و الضم من الباطن) «2».

و مثل (ما رواها محمد بن علي بن الحسين (الصدوق رحمه اللّه) قال و روي في حديث آخر ان الصادق عليه السّلام قال في غسل الجنابة ان شئت ان تتمضمض و تستنشق فافعل، و ليس بواجب لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن) «3».

و هذه الرّوايات كلها مرسلة فتكون ضعيفة السند فلا تطمئن النفس بصدورها إلّا ان يقال بانجبار ضعفها بعمل الاصحاب لموافقة الفتوى معها، و اعلم انه من المحتمل قويا كون هذه الرّوايات رواية واحدة، و مع قطع النظر عن هذا الاشكال يستفاد منها كون الواجب في الغسل غسل خصوص الظاهر و حيث لم يبيّن ما هو الظاهر كان المرجع في التشخيص العرف، و إذا كان المرجع العرف فلا فائدة في التمسّك بهذه الاخبار، لانه مع قطع النظر عنها إن ثبت عند العرف كون مطبق الشفتين و الجفنين من الظاهر نقول به لعدم وجود دليل يدل على كونهما من الظاهر، كي لا يمكن الاخذ بنظر العرف، فلا فائدة في التمسك بهذه الاخبار، مضافا إلى ورودها في الغسل لا في الطاهرة الخبثيّة التي محل الكلام فعلا.

______________________________

(1) رواية 6 من الباب 24 من ابواب

الجنابة من ل.

(2) رواية 7 من الباب 24 من أبواب الجنابة من ل.

(3) رواية 8 من الباب 24 من أبواب الجنابة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 101

مثل ما ورد في الغسل بماء المطر و بالارتماس في الماء دفعة واحدة. مثل (ما رواها الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله) «1».

و مثل (ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: الرجل يجنب فيرتمس في الماء ارتماسة واحدة أو يخرج يجزيه ذلك من غسله؟ قال نعم) «2».

و (ما رواها محمد بن أبي حمزه عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده أ يجزيه ذلك من الغسل؟ قال: نعم) «3».

وجه الاستدلال دلالة امثال هذه الاخبار على كفاية الارتماس في الماء مرة واحدة أو الغسل تحت المطر، و الحال إنه لا يغسل بالارتماس أو في المطر مطبق الشفتين و الجفنين و أمثالهما إلّا بعناية خاصة، فمع عدم غسلها بمجرد الارتماس في الماء أو وقوع المطر و اكتفائه بالارتماس نكشف عدم وجوب غسلهما في مقام الغسل بالإطلاق المقامي، إذ لو كان واجبا مع عدم غسلهما بالارتماس كان عليه البيان فإذا تم ذلك في الغسل، و قلنا كما قالوا بعدم وجوب غسلهما في الغسل نقول بذلك في الغسل عن الخبيث أيضا، مثل الحدث خصوصا لو ضم بهذه الطائفة، الطائفة الأولى الدالة على وجوب غسل الظاهر في الغسل فعدم وجوب غسلهما يكون من باب عدم كونهما من الظاهر، فإذا لا يكونان من الظاهر، فلا يجب غسلهما في مقام الطهارة

الخبثيّة أيضا. لأن الواجب منهما غسل الظاهر و الباطن لا ينجس و لو تنجس يطهر بزوال عين النجاسة بدون حاجة إلى ورود مطهر آخر عليه.

و مثل ما ورد في باب الوضوء من كفاية صب الماء على الوجه و بالصب لا يغسل مطبق الشفتين و الجفنين و لعلّ النظر إلى بعض ما ورد في باب الوضوء من نقل

______________________________

(1) رواية 12 من الباب 26 من أبواب الجنابة من ل.

(2) رواية 13 من الباب 26 من أبواب الجنابة من ل.

(3) رواية 14 من الباب 26 من أبواب الجنابة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 102

فعل المعصوم عليه السّلام من صب الماء على الوجه.

مثل الرّواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

و لا يخفى عليك ان امثال هذه الرّواية الحاكية عن فعل المعصوم عليه السّلام و بعبارة أخرى الوضوءات البيانية، لا يستفاد منها هذه الجهة لأنها في مقام نقل الفعل و لا اطلاق في الفعل.

و ما وجدت رواية في أبواب الوضوء يكون فيها الأمر بصب الماء على الوجه في الوضوء، حتى يقال إنه بالصّب لا يصل الماء على مطبق الشفتين إلّا بعناية زائدة و حيث لم يأمر بغسله نقول بعدم وجوب غسله بالإطلاق المقامي، ثم انه على فرض وجود هذا الأمر في الوضوء لا يفيد لنا في محل الكلام، إلّا بإلغاء خصوصية الوضوء أو بتنقيح المناط و كيف يمكن لنا القطع بعدم الخصوصية أو المناط.

فعلى هذا لا يمكن الاستدلال على كون مطبق الشفتين و الجفنين من الظاهر بما ورد في باب الوضوء أو الغسل، إلّا بما قلنا في ما ورد في الغسل من الامر بغسل الظّاهر دون الباطن و ما ورد من

الاكتفاء فى الغسل بالارتماس في الماء مرة أو الغسل تحت المطر، و معهما لا يصل الماء بمطبق الشفتين إلّا بعناية زائدة، و المولى مع التفاته بذلك لم يأمر بغسله، نكشف بالإطلاق المقامي عدم وجوب غسله، و من عدم وجوب غسله بهذا الدليل و عرض هذا الدليل مع ما يدل على وجوب غسل الظاهر نفهم عدم كون مطبق الشفتين من الظاهر، و إذا لم يكن من الظاهر لا يجب غسله في مقام الطهارة الخبثية أيضا، لأن الواجب غسل الظاهر فيها دون الباطن، لأن الباطن كما عرفت إمّا لا ينجس بملاقات النّجس و إمّا يطهر بزوال عين النجاسة عنه على فرض تنجسه بملاقات النجس.

الطائفة الثانية: بعض الاخبار الواردة في التّطهير عن النّجاسة الخبثيّة مثل ما ورد في دم الرعاف، مثل (ما رواها عمار الساباطي، قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يسيل من انفه الدم، هل عليه ان يغسل باطنه يعني جوف الانف؟ فقال: إنما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 103

عليه أن يغسل ما ظهر منه) «1».

و مثل ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: قال ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة، انّما عليك ان تغسل ما ظهر «2».

و مثل ما ورد في تطهير موضع الاستنجاء و هي ما رواها (إبراهيم بن أبي محمود قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: في الاستنجاء يغسل ما ظهر منه على الشرج و لا يدخل فيه الأنملة) «3».

و مثل (ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: انما عليه ان يغسل ما ظهر منها يعني المقعدة و ليس عليه ان يغسل باطنها) «4».

و ما يستفاد من هذه الاخبار

غير الثانية، هو وجوب ظاهر الانف و ظاهر المقعد و التمسّك بهذه الثّلاثة لما نحن فيه، موقوف على دعوى عدم خصوصية للانف و المقعد، كما لا يبعد ذلك، ثم بعد ذلك يقال بان مطبق الشفتين و الجفنين إن كانا من الباطن فهما بحكم باطن الانف لأنه لا خصوصية للأنف و المقعد.

نعم في الرّواية الثانية يحتمل كون النظر إلى الغسل في الطهارة الحدثية، و يحتمل كون النظر إلى الغسل في الطهارة الخبثيّة، و يحتمل كون النظر إلى كل منهما، و الكلام مطلق يشمل كل من الموردين، لكن حيث تكون المضمضة و الاستنشاق مطلوب قبل الغسل و الوضوء، لا قبل الطهارة من الخبث و الصدر أيضا شاهد على كون النظر إلى خصوص الطهارة الحدثية، و إنه لو قلنا بانه يستفاد من الرّوايات وجوب غسل الظاهر، يقع الكلام فيما هو الظاهر فلو لم يبيّن الشّارع ما هو مراد من الظاهر الذي يجب غسله و الباطن الذي لا يجب غسله، يكون الايكال في مفهوم

______________________________

(1) رواية 5 من الباب 24 من أبواب النجاسات من ل.

(2) رواية 7 من أبواب النجاسات من الباب 24 من ل.

(3) رواية 1 من الباب 29 ابواب الخلوة من ل.

(4) رواية 2 من الباب 29 ابواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 104

الظاهر إلى العرف، كما قلنا في أوّل البحث، و لا يبعد كونهما من الباطن بنظر العرف، فيتمّ ما افاده في المتن في هذه المسألة.

و لو أبيت عن ذلك و قلنا بعدم دلالة الرّوايات على ما نحن فيه، الّا ان غاية ما يستفاد كون الواجب غسل خصوص الظاهر و لم يبيّن الشّارع مراده من الظاهر، و استشكلنا في حكم

العرف يكون مطبق الشفتين و الجفنين من الباطن، بأنه لم يحكم بذلك، فلا اشكال في ان العرف لا يحكم بكونهما من الظاهر لو لم يحكم بكونهما من الباطن، و بالنتيجة شككنا في انهما من الباطن أو الظاهر فيكون من صغريات المسألة الأولى.

فإن قلنا بأن الباطن لا ينجس بملاقات النجس أصلا، كما لا يبعد ذلك لا يجب غسله، و ان لم ندر بكونهما من الباطن أو الظاهر، و حيث قلنا بذلك، نقول بعدم وجوب غسلهما بعد زوال عين النجاسة عنهما.

و قد يستدلّ على عدم كون مطبق الشّفتين و الجفنين من الظاهر ما رواها عبد الحميد بن أبي الديلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل يشرب الخمر فيبصق فاصاب ثوبه من بصاقه. قال: ليس بشي ء) «1».

و ما رواها الحسين بن موسى الحنّاط، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشرب الخمر ثم من فيه فيصيب ثوبه قال: لا بأس) «2».

وجه الاستدلال، هو انه بعد وصول الخمر عادة الى مطبق الشفتين، فلو لم يكن مطبقها من البواطن يتنجس بشرب الخمر، فيصير البصاق نجسا بملاقاته، فلا بدّ من غسل الثوب، فمن عدم الامر بالغسل نكشف كونه من الباطن.

______________________________

(1) رواية 1 من الباب 39 ابواب الخلوة من ل.

(2) رواية 3 من الباب 39 ابواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 105

[الحادي عشر من المطهّرات: استبراء الحيوان الجلّال]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الحادي عشر من المطهّرات:

استبراء الحيوان الجلّال فانه مطهر لبوله و روثه، و المراد بالجلّال مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة. بتغذّى العذرة و هي غائط الانسان، و المراد من الاستبراء منعه عن ذلك و اغتذائه بالعلف الطاهر حتى يزول عنه اسم الجلل.

و الأحوط مع زوال الاسم مضيّ

المدّة المنصوصة في كل حيوان بهذا التفصيل: في الابل إلى أربعين يوما، و في البقرة إلى ثلثين، و في الغنم إلى عشرة ايام، و في البطة إلى خمسة أو سبعة، و في الدجاجة إلى ثلاثة ايام، و في غيرها يكفي زوال الاسم

(1)

أقول: في المسألة جهات من الكلام:

الجهة الأولى: في كون استبراء الحيوان الجلّال مطهرا لبوله و روثه،

فنقول بعونه تعالى يدل على ذلك روايات نذكرها حتى تعرف الحال في هذه الجهة و يفيدك في بعض الجهات اللاحقة إن شاء اللّه.

الأولى: (ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام، قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد ثلاثة ايام و البطة الجلالة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 106

بخمسة أيام و الشاة الجلالة عشر أيّام و البقرة الجلالة عشرين يوما و الناقة الجلالة اربعين يوما) «1».

الثّانية: (ما رواها مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال قال أمير المؤمنين الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى اربعين يوما و البقرة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى ثلثين يوما و الشاة الجلّالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام و البطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربّى خمسة أيام و الدجاجة ثلاثة أيام) «2».

رواها الشيخ عن الكليني إلّا انّه قال في استبراء البقرة عشرين يوما في التهذيب و اربعين يوما في الاستبصار (ل).

الثالثة: (ما رواها بسّام الصير في عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الابل الجلالة قال لا يؤكل لحمها و لا تركب اربعين يوما) «3».

الرابعة: (ما رواها يعقوب بن يزيد رفعه، قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام و الابل الجلّالة

اذا اردت نحرها تحبس البعير اربعين يوما و البقرة ثلثين يوما و الشاة عشرة أيام) «4».

الخامسة: (ما رواها يونس عن الرضا عليه السّلام في السمك الجلّال انه سأل عنه قال ينتظر به يوما و ليلة) «5» قال السياري (هو أحد الاشخاص في طريق الرواية) ان هذا لا يكون إلّا بالبصرة و قال في الدجاجة تحبس ثلاثة ايام و في البطة سبعة أيام و الشاة أربعة عشر يوما و البقرة ثلثين يوما و الإبل أربعين يوما ثم تذبح.

______________________________

(1) رواية 1 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(2) رواية 1 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(3) رواية 3 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(4) رواية 4 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(5) رواية 5 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 107

السادسة: (ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن القسم بن محمد الجوهري ان في رواية ان البقرة تربط عشرين يوما و الشاة تربط عشرة أيام و البطة تربط ثلاثة ايام) «1».

و في هذه الرّوايات و ان لم يكن تعرض فيها لطهارة بول الجلّال و روثه بعد الاستبراء عن الجلل، لكن بعد ما عرفت في نجاسة البول و الغائط من كون نجاسة بول الجلّال و روثه من باب كونه جلّالا، و صدق هذا العنوان عليه، فإذا استبرء يخرج عن كونه جلالا، فلا يكون بوله و روثه نجسا.

ان قلت انه بعد ما ثبتت نجاسة بوله و روثه بالدليل، فبعد رفع الجلل، نشك في بقاء النجاسة فيستصحب نجاسته.

قلت انه بعد ما دل عموم طهارة بول ما

يؤكل لحمه و روثه لكل مأكول، فيشمل هذا العموم كل فرد حتى الجلّال، و يكون الاطلاق الاحوالى المستتبع للعموم مقتضيا، لإطلاق حكم الطهارة في جميع احوال هذا الفرد، و بعد ورود الدليل على نجاسة بول هذا الفرد و روثه حال الجلل بالمقدار المعلوم التقييد في حال الجلل، و ما بقي من الاحوال داخل تحت العموم و مستتبع له، ففي مورد الشك، أي بعد الجلل بالإطلاق الاحوالى نحكم بطهارة بوله و روثه و لا تصل النّوبة بالاستصحاب.

الجهة الثانية: في انه هل يكون الجلّال مطلق ما يؤكل لحمه

من الحيوانات المعتادة بتغذّى العذرة و هي غاية الانسان (على ما سيأتي الكلام في هذا البحث) أو يختصّ بحيوان معيّن.

اقول: لا اشكال في عدم اختصاصه بالحيوان الخاص بل يعمّ كل ما يؤكل لحمه من الحيوانات، بل ربّما يقال بأنه كل حيوان يتغذى من العذرة فهو جلّال، و ان لم يؤكل لحمه، لكن استفادة ذلك من الادلة غير ممكن، لان ما عرفت من الرّوايات

______________________________

(1) رواية 6 من الباب 27 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 108

يكون موردها المأكول من الحيوان و غير هذه الرّوايات كذلك.

مثل ما رواها (هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا تأكل لحوم الجلّالات و ان اصابك من عرقها فاغسله) «1» تدل قوله عليه السّلام لا تأكل لحوم الجلّالات على كون المورد ما يؤكل لحمه فلا تشمل غير المأكول.

و مثلها في عدم الدلالة على تعميم حكم الجلّال لغير المأكول، (مرسلة موسى بن اكيل عن بعض اصحابه عن أبي جعفر عليه السّلام في شاة شربت بولا ثم ذبحت، قال فقال يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به و كذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم

تكن جلّالة، و الجلّالة التي يكون ذلك غذائها) «2» بدعوى كون الألف و اللّام في قوله (و الجلالة التي يكون ذلك غذائها) للجنس لا للعهد و فيه ان هذا غير معلوم.

فقد تحصل ان الجلّال يشمل كل حيوان يؤكل لحمه يتغذى بالعذرة، لأن باقي الروايات إن كان متعرضا لبعض الأفراد الخاصة من الحيوان المأكول الجلّال، لكن هذه الرّواية تدل على حرمة أكل لحم كل جلّال، و الجلّال هو الحيوان الذي يتغذّى من العذرة، و شموله لغير المأكول المتغذى من العذرة مشكل، و لو فرض شمول لفظ الجلّال لمطلق الحيوان المتغذى بالعذرة، و ان لم يكن مأكولا، لان هذا الحكم الذي محلّ كلامنا لا يشمل له، لعدم الدليل.

الجهة الثالثة: هل الجلّال خصوص الحيوان المتغذى من عذرة الانسان،

فلو تغتذى من نجاسات اخر، لا يكون جلّالا، و يعمّ المتغذى من كل نجس و ان لم يكن عذرة الانسان.

و اعلم ان ما في بعض روايات الباب، هو عنوان الجلّال، و الجلّال على ما في القاموس، الجلّالة البقرة التي تتبّع النجاسات، و مثله قال في الاقرب الموارد، لكن يمكن التمسك ببعض الآخر من الرّوايات مثل مرسلة موسى بن اكيل، المتقدمة

______________________________

(1) رواية 1 من الباب 26 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

(2) رواية 2 من الباب 23 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 109

ذكرها، قال (و كذلك اذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلّالة، و الجلالة التي يكون ذلك غذائها) أي العذرة تكون غذائها و العذرة على ما في اللغة هو الغائط و هو خصوص عذرة الانسان، فلو كان للفظ الجلّال بحسب معناه اطلاق يشمل المتغذى بمطلق النجاسة، و لكن بعد التصريح في مرسلة موسى بن اكيل يكون الجلّال ما يكون

غذائه العذرة، لا بد من التصرف في بعض الاخبار الواردة فيها لفظ الجلّال، بان المراد خصوص ما يتغذى بالعذرة.

و هذه الرواية و إن كانت مرسلة، لكن حيث يكون موسى بن اكيل النميري على ما في جامع الرواة من اصحاب الصادق عليه السّلام و من الثقات فبحسب القاعدة لا يروي إلّا عن ثقة، أو كما يقول صاحب الجواهر رحمه اللّه، تكون الرواية معتضدة بالعمل فعلى هذا ينجبر ضعف سندها بالعمل و لهذا يمكن القول بارتفاع الاشكال من حيث ارسال الرّواية ...

و مثل ما رواها (محمد بن علي بن الحسين باسناده عن زكريا بن آدم عن أبي الحسن عليه السّلام انه سأل عن دجاج الماء فقال إذا كان يلتقط غير العذرة فلا بأس و نهى عليه السّلام عن ركوب الجلالة و شرب البانها و قال ان اصابك شي ء من عرقها فاغسله) «1».

و هذه الرّواية صريحة في ان المتغذى بغير العذرة لا بأس به، و العذرة إما تكون لغة خصوص غاية الانسان أو المنصرف إليه غاية الانسان، و لو شككنا في ان الجلّال اسم لخصوص الحيوان المتغذى من عذرة الانسان، أو يعمّ المتغذى من كل نجس، فحيث يكون عموم طهارة بول مأكول اللّحم و فضلته تقتضي لطهارة البول و روث الجلال أيضا، و ما ورد من نجاسة بول الجلال و روثه يكون دوران امره بين الاقل و الاكثر، فالمرجع في الزائد على الاقل و هو العام.

______________________________

(1) رواية 5 من الباب 26 من ابواب الاطعمة المحرمة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 110

و ان ابيت عن ذلك و قلت بان الخاص مجمل، فإن لم يسر اجماله بالعام، فالعام يكون متّبعا في المورد، و ان ابيت

عن ذلك و قلت بان الخاص يكون مجملا و اجماله يسري إلى العالم، فتكون النتيجة عدم وجود دليل لفظيّ يدل على حكم المورد، تصل النّوبة إلى الاصل و الاصل في المقام يقتضي الطهارة، لأنه قبل تغذيه بنجاسة اخرى غير غائط الانسان كان طاهرا يستصحب الطهارة.

و ان ابيت، عن ذلك و قلت بان الموضوع تبدل فنقول مع فساد هذا الادعاء بانه تصل النوبة باصالة الطهارة فأيضا يحكم بطهارته.

الجهة الرابعة: في مدة استبراء الجلال.

اعلم انه تارة يقع الكلام في الحيوان الجلال الذي لم يرد في الاخبار حدّ و مدة لاستبرائه، فلا ينبغي الاشكال في انه بعد زوال عنوان الجلل عنه عرفا ترتفع الاحكام الثابتة له بعنوان الجلل، لأن الاحكام ثبتت على موضوع الجلل، و مع ارتفاع هذا العنوان ترتفع الاحكام لما اشرنا في الجهة الأولى من كون بقاء الاحكام و ارتفاعها دائرا مدار بقاء الجلل، و ارتفاعه بنظر العرف فلأنه بعد ما لم يبين الشّارع موضوع حكمه يرجع إلى العرف للاطلاق المقامي.

و تارة يقع الكلام فيما ورد في الاخبار لاستبرائه مدة معيّنة ففيه احتمالات، بل اقوال على طبق كل احتمال فنقول، هل يكفي في استبراء الجلّال منعه عن التغذي بالعذرة و تعليفه بغيرها حتى يذهب عنه اسم الجلل عرفا، أو لا بد من حبسه و منعه مدة معيّنة مقدرة في بعض الرّوايات، فإذا تمت هذه المدّة يحكم بزوال احكام الجلل و إن كان يصدق عليه الجلّال عرفا، أو يكون الميزان اكثر الأمرين من المدة و رفع اسم الجلل، فان رفع اسم الجلل عنه و لم تمض المدة المعيّنة لاستبرائه يحكم ببقاء حكم الجلل، و كذلك ان زالت المدة المعينة و يصدق مع ذلك عليه اسم الجلّال، يحكم ببقاء حكم الجلل.

أقول: وجه

كفاية ذهاب اسم الجلل عرفا، هو ان الحكم ثابتا على موضوع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 111

الجلال، فما لم يذهب هذا العنوان يحكم بابقاء الحكم، و وجه اعتبار مضىّ المدة المعيّنة في الاخبار، هو ان الظاهر من الرّوايات المقدرة للاستبراء مدة معينة هو اعتبار مضىّ المدة، فقد ذكرنا الاخبار المتعرضة للمدة في الجهة الأولى مثل قوله عليه السّلام في الرّواية الأولى (الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد ثلاثة أيام و البطة الجلالة بخمسة أيام و الشاة الجلالة عشرة أيام و البقرة الجلالة عشرين يوما و الناقة الجلالة أربعين يوما)، فلو كنا نحن و هذا الظاهر، كان لازم الالتزام باعتبار المدة الخاصة في الاستبراء عن الجلل.

و وجه القول الثالث اما من باب ان موضوع حكم النجاسة و غيرها هو الجلل، فلا بد من ارتفاع هذا العنوان، و ما في الاخبار من تعيين المدة في بعض الحيوانات ليس إلّا من باب ان يذهب الجلل في هذه المدة و لو ذهبت المدة المقدرة و لم يذهب الجلل، لا يمكن الحكم بارتفاع حكم الجلل، كما انه مع ذهاب عنوان الجلل عرفا قبل مضىّ المدة المقدرة لا يمكن الالتزام بارتفاع حكم الجلل، لأن معنى اعتبار المدة دخلها في ذهاب الجلل، أو من باب كون النّصوص المقدر للمدة ضعيفة السند فمقتضى الاحتياط هو كون الميزان اكثر الأمرين.

إذا عرفت ذلك، نقول: اما القول بكون الحكم دائرا مدار صدق الجلال و عدمه عرفا، و عدم الأخذ بالرّوايات المقدرة المدة الخاصة لذهاب حكم الجلل استضعافا للرّوايات فغير سديد، لأن حال هذه الرّوايات حال غيرها من الاخذ بها إذا كان الوثوق بصدورها، مضافا إلى انه مع فرض الضعف في سند

بعضها، يكفي في انجبار ضعفها عمل المشهور بها، و لا اشكال في كون فتوى المشهور القائلون بالمدة المقدرة على طبق هذه الرّوايات، و بعد ورود النّص على تعيين مدّة لا وجه للارجاع إلى العرف، لأن الشارع بيّن غاية الحكم الثابت على الموضوع و انه يربط الحيوان الجلال مثلا الإبل اربعون يوما.

و اما القول باعتبار اكثر الامرين، فإن كان من باب ان تقدير مدة في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 112

الرّوايات يكون من باب إن الجلل يرتفع في هذه المدة، لا ان يكون تقدير المدة حكما تعبديا.

ففيه: إن لازم ذلك كون تعيين مدة معيّنة من باب كون الجلل مرتفعا به غالبا، و إلّا لأخذنا أكثر الامرين فيما ذهبت المدة المقدرة و لم يذهب الجلل عرفا، فإذا كان كذلك، فلازمه الاكتفاء بالاقل من المدة المضروبة، إذا ارتفع الجلل ينظر العرف أو يعلم بزواله قبل مضيّ أكثر الامرين، و إن كان من باب رفع اليد عن الرّوايات مدعيا ضعفها، و إنه لا بد من الاحتياط، ففيه اما ضعف السند فقد عرفت ما فيه عند الفرض للاشكال على القول الاول، ثم لو فرض ضعف سند الرّوايات فليس الامر منتهيا إلى الاحتياط، لأنه بمجرد خروج الحيوان عن مصداق كونه جلالة بنظر العرف، يرتفع الاحكام الثابتة بعنوان الجلل، كما مر.

فالاقوى بناء على حجيّة الاخبار المقدرة لمدة الاستبراء كما عرفت، هو الاحتمال الثاني، و هو اعتبار مضىّ المدة المقدرة في الحيوانات المجعولة لاستبرائها مدة في النّصوص لدلالة الاخبار عليه.

ان قلت بان الشارع ان جعل مدة للاستبراء في بعض الحيوانات فليس إلّا من باب زوال الجلل، و لا يكون الحكم تعبدا صرفا بحيث لو زال الجلل قبل المدة يجب

الاستبراء بعد ذلك إلى انقضاء المدة المقدرة أو لو انقضى ما قدر من المدة و لم يذهب جلل الحيوان، يرتفع حكم الجلل، بل لا بد من الصبر إلى ان يرتفع الجلل، و هذا معنى الاخذ بنظر العرف في ذهاب الجلل، فلا يمكن ان ندور مدار المدة المقدرة في النصوص.

قلت، اما ما قلت من بعد كون الحكم بتقدير المدة في استبراء الحيوانات المذكورة في النّصوص كالابل و البقر و غيرهما، حكما تعبديا صرفا، بحيث لا يكون الملحوظ ذهاب الجلل من الحيوان رأسا فنحن موافق لك لكن هذا لا يوجب عدم كون الميزان هو المدة المقدرة في النّصوص و كون الميزان نظر العرف أو اكثر الأمرين،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 113

لأن الشارع و إن كان نظره في ارتفاع الاحكام الثابتة بالجلل إلى ذهاب الجلل، لكن لاحظ ان الجلل يذهب في المدة المقدرة للاستبراء و جعل ذهاب الجلل مدار مضيّ المدة، فبعد مضيّ المدة و لو حكم العرف ببقاء الجلل، تكشف من تحديد الشارع خطأ نظر العرف، فكون نظر الشارع في تحديد الاستبراء إلى ذهاب الجلل يوجب كون ذهاب الجلل واقعا ميزانا لذهاب احكام الجلل، لا نظر العرف في ذهاب الجلل، فالاقوى كون الاعتبار في الحيوانات المقدرة لاستبرائها مدة في النّصوص هو الاقتصار بما في النّصوص، لما قلنا فتأمّل في ما بينا لك لأنّها نكتة تفطّنت لها.

إذا عرفت ذلك، يقع الكلام في اختلاف المدة المقدرة في بعض الحيوانات، فنقول، اما المدة المقدرة للابل و هي اربعون يوما، فلا اشكال فيه، لعدم اختلاف في مدة استبراء الابل في الاخبار و لا فرق في الابل بين ذكره و انثاه، و اطلاق الاخبار، و كذلك في الدجاجة

لعدم اختلاف ما في ما بأيدينا من الاخبار من كون مدة استبرائها ثلاثة أيام.

و اما البطة، ففي الرّواية الأولى المتقدمة ذكرها، و كذا في الثانية جعل مدة الاستبراء خمسة أيام، و لكن في الرواية الخامسة من الرّوايات المذكورة جعل مدة الاستبراء فيها سبعة أيام، و في الرّواية السادسة جعل مدة الاستبراء لها ثلاثة ايام.

أقول: اما ما في الرّواية الخامسة و هي رواية يونس مضافا إلى كون السياري الواقع في طريق الخبر على ما في جامع الرواة نقلا عن النجاشي و خلاصة العلامة كونه ضعيفا فاسد المذهب مجفو الرّواية كثير المراسيل، فلا نعلم كون الذيل من كلام الإمام عليه السّلام أو من كلام السياري الراوي عن احمد بن الفضل عن يونس و يحتمل ان عدم نقل الشيخ هذا الذيل كان من باب كون ذلك كلام الرّاوي، و على كل حال ما في الوسائل روى الشيخ الخبر إلى قوله (بالبصرة)، و اما ما في الرّواية السادسة فلم يذكر الصدوق رحمه اللّه ان قاسم بن محمد الجوهري ممن يروي فتكون مرسلة، و كذلك مرسلة الصدوق الاخرى من جعل المدة ستة أيام، فعلى هذا مدة الاستبراء فيها هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 114

الخمسة.

و اما الشاة فقد عرفت ان المقدر فيها في الرّواية الأولى و الثانية و الرابعة و السادسة هو عشرة أيام.

لكن في الرّواية الخامسة المتقدمة ذكرها جعل المدة أربعة عشر يوما فقد عرفت ضعفها فالأقوى تقدير المدّة بعشرة أيّام.

و أما البقرة، ففي الرّواية الأولى و الخامسة جعل المدّة عشرين يوما لكن في الرّواية الثّانية و الرابعة و الخامسة جعل المدّة ثلاثين يوما.

فنقول، اما الرواية الثانية أعني رواية مسمع، فمع اختلاف في نفس الرّواية

بحسب اختلاف النقل في نسخة الكافي و التهذيب و الاستبصار لأن في نسخة الكافي نقل ثلاثين و في التهذيب عشرين و في الاستبصار أربعين يوما و مع هذا الاختلاف لا يمكن التعويل عليها.

و اما الرّواية الرابعة فضعيفة لكونها مرفوعة لان فيها عن يعقوب بن يزيد رفعه (قال قال أبو عبد اللّه).

و أما الرّواية الخامسة، فقد عرفت كون المحتمل في الذيل، ان يكون من كلام الرّاوي، فلم نجد رواية حجة في قبال الرّواية الأولى التي و إن ان كانت ضعيفة السند منجبرة على ما قيل بالشهرة الفتوائي، هذا تمام الكلام في هذه الجهة بمقدار يناسب المقام و الحمد للّه أولا و آخر و الصلاة و السلام على رسوله و آله اجمعين.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 115

[الثاني عشر من المطهرات: حجر الاستنجاء]

قوله رحمه اللّه

الثاني عشر من المطهرات:

حجر الاستنجاء

(1)

أقول: سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 116

[الثالث عشر من المطهرات: خروج الدم من الذبيحة]

قوله رحمه اللّه

الثالث عشر من المطهرات:

خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف فإنه مطهر لما بقى منه في الجوف.

(1)

أقول: مضى الكلام فيه في ذيل البحث عن نجاسة الدم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 117

[الرابع عشر من المطهّرات: نزح المقادير المنصوصة]

قوله رحمه اللّه

الرابع عشر من المطهّرات:

نزح المقادير المنصوصة لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر على القول بنجاستها و وجوب نزحها.

(1)

أقول: لان ظاهر الامر بنزح المقدّرات نجاسة البئر على القول بنجاسته، يقتضي كون نزح المقادير مطهّرا لماء البئر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 118

[الخامس عشر من المطهّرات: تيمّم الميّت بدلا عن الاغسال]

قوله رحمه اللّه

الخامس عشر من المطهّرات:

تيمّم الميّت بدلا عن الاغسال عند فقد الماء، فإنه مطهر لبدنه على الاقوى.

(1)

أقول: أما النزاع في أن غسل الميت يرفع الخبث، أي النجاسة الخبثيّة العارضة له بالموت أم لا، فلا مورد له لدلالة بعض النّصوص على ذلك.

مثل (ما رواها إبراهيم بن ميمون، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت قال إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما اصاب ثوبك منه، و إن كان لم يغسل، فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعني إذا برد الميت) «1».

فلا ينبغي البحث في هذه الجهة، كما ان البحث عن وجوب تيمّم الميّت إذا تعذّر غسله، لا مجال له لو جوب التيمم لدلالة بعض الاخبار عليه.

مثل (ما رواها زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام، قال ان قوما اتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقالوا يا رسول اللّه مات صاحب لنا و هو مجدور فإن غسلناه انسلخ، فقال تيمموه) «2».

و لا يعارضها رواية عبد الرحمن ابن أبي نجران، و هي على ما في نقل التهذيب

______________________________

(1) رواية 1 من الباب 34 من ابواب النجاسات من ل.

(2) رواية 3 من الباب 17 من ابواب غسل الميت من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 119

و كذا بنقل جامع احاديث الشيعة (عبد الرحمن ابن أبي نجران عن رجل

حدثه، قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام و فيها قال بعد قوله كيف يصنعون (قال يغتسل الجنب و يدفن الميّت و يتمّم الذي عليه وضوء) «1». فادعى انه لا يجب تيمّم الميّت.

و فيه إما أوّلا، فان الرواية مرسلة، و ثانيا كما نذكر متن الخبر بنقل الفقيه قال بعد قوله و يدفن الميّت (يتيمّم) و نقل الفقيه بكون الرّواية مسندة، و هذا هو نقل الفقيه.

و (ما رواها عبد الرحمن بن أبي نجران انه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر احدهم جنب و الثاني ميّت و الثالث على غير وضوء و حضرت الصلاة، و معهم من الماء قدر ما يكفي احدهم من يأخذ الماء، و كيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب و يدفن الميت بتيمّم و يتيمّم الذي هو على غير وضوء لان غسل الجنابة فريضة و غسل الميت سنة و التيمّم للآخر جائز) «2».

فلا تصلح الرواية للمعارضة مع رواية زيد الدالة على وجوب تيمّم الميت إذا تعذر غسله.

إنما الكلام في انه بعد ما كانت الوظيفة تيمّم الميّت، هل يوجب التيمّم طهارة بدن الميّت بحيث لا يجب مسّه الغسل بعد التيمم و لا ينجس بملاقات بدنه ما يلاقيه، أو لا؟

يأتي الكلام في حيث وجوب غسل مسّ الميّت بعد التيمّم و عدمه إن شاء اللّه في محله ...

و اما كون ملاقات بدنه موجبا للنجاسة و عدمها.

فنقول: بأن الالتزام بطهارة بدنه بعد التيمّم بحيث لا يوجب تنجيس ما يلاقيه مشكل.

______________________________

(1) رواية 1، من الباب 18، من ابواب التيمم من ل.

(2) رواية 1 من الباب 18، من ابواب التيمم من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 120

لانه لو فرض

كون وجوب غسل الميت لاجل طرو الحدث على الميت بموته مثل صيرورته جنبا كما في الاخبار (مع ما في فهم هذا القبيل من الاخبار من الاشكال و عدم معلوميّة صيرورته محدثا بل احتمال كون الغسل تعبدا صرفا من الشارع، أو لاجل رفع بعض القذارات الواقعة على الميت).

و فرض كون الغسل رافعا للحدث و كذلك للخبث، أو عدم كون مسّه بعد الغسل موجبا للغسل. و عدم موجبيّة ملاقاته بعد الغسل للتنجيس، كما ان هذا المقدار يستفاد من بعض الاخبار الواردة في الباب، لكن كون التيمّم مثل الغسل في انه بعد التيمّم لا يجب الغسل بمسّه، و لا يوجب ملاقاته التنجس غير معلوم.

و مجرّد الامر بالتيمّم في هذا الحال لا يقتضي طرد هذين الاثرين له فعلى هذا لو فرض كون التيمم رافعا للحدث لا مبيحا لا يكفي لأزالة النجاسة الخبثيّة العارضة للميت بموته.

أما أوّلا لأن الميّت محدثا حتى يكون غسله رافعا لحدثه محل اشكال، كما اشرنا إليه.

و أما ثانيا على فرض وجود حدث و كون الغسل رافعا له لا دليل على كون التيمّم رافعا للخبث.

ان قلت، كما ان غسل الميّت رافع له، كذلك التيمّم، لانه أحد الطهورين.

قلت، ما قلنا بكون غسل الميت رافعا للخبث، كان من باب الدّليل الخاصّ، و ليس هذا الدّليل موجود في التيمم، و مجرد الامر بالتيمم في حال العجز عن الغسل لا يوجب كون التيمم رافعا للخبث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 121

[السادس عشر من المطهّرات: الاستبراء بالخرطات]

قوله رحمه اللّه

السادس عشر من المطهّرات:

الاستبراء بالخرطات بعد البول و بالبول بعد خروج المني فانه مطهر لما يخرج منه من الرطوبة المشتبهة لكن لا يخفى، ان عد هذا من المطهرات من باب المسامحة و إلا ففى الحقيقة

مانع عن الحكم بالنجاسة أصلا.

(1)

أقول: الاستبراء بالخرطات بعد البول و الاستبراء بالبول بعد خروج المني، يوجب كون الخارج من المجرى بعد الاستبراء بالخرطات محكوما بالطّهارة، كما انّ قبل الاستبراء محكوم بالنجاسة، و كذلك بعد خروج المني، الاستبراء بالبول يوجب كون الخارج المشكوك كونه منيّا أو غير البول من المياه الّتي تخرج من المجرى محكوما بالطّهارة (و امّا فيما كان الخارج مشكوكا بين كونه منيّا أو بولا فهو نجس و من حيث وجوب الوضوء أو الغسل، فله حكم آخر مذكور في محلّه)

وجه ذلك مقتضى ما ورد من الاخبار

الرواية الأولى: ما رواها حريز عن محمد ابن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل بال و لم يكن معه ماء قال: يعصر اصل ذكره إلى طرفه ثلث عصرات و ينتر طرفه فان خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنّه من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 122

الجبائل «1».

الرواية الثانية: ما رواها عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يبول ثم يستنجي ثمّ يجد بعد ذلك بللا قال إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما ثم استنجى فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي) «2».

الرواية الثالثة: ما رواها حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل يبول قال ينتره ثلاثا ثم إن سأل حتى يبلغ السوق فلا يبالي) «3».

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم قال (قال أبو جعفر عليه السّلام من اغتسل و هو جنب قبل ان يبول ثم يجد بللا فقد انتقض غسله و إن كان بال ثم غسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله

و لكن عليه الوضوء لان البول لم يدع شيئا) «4».

و يظهر لك إنّ منطوق الرواية الاولى و الثانية و الثالثة يدل على عدم كون ما يخرج بعد الاستبراء بالخرطات في البول محكوما بالبولية فيكون دالا على ان ما خرج في هذه الصورة محكوما بالطهارة.

كما ان مفهومها يدل على نجاسة ما يخرج من المجرى إن كان قبل الاستبراء بالخرطات.

و تدل الرواية الرابعة على إنه بعد خروج المني إذا بال ثم غسل ثم خرج من المجرى ماء مشكوك بين المني و البول يكون بولا و ان لم يبل قبل الغسل ثم خرج بعد الغسل ماء مشكوك بين البول و المني ينقض الغسل.

و مع هذه الروايات لا بد من تقييد ما رواها ابن أبي يعفور (قال سألت أبا

______________________________

(1) من الباب النجاسات 11 من أبواب الخلوة من ل.

(2) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

(3) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

(4) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 123

عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بال ثم توضأ ثم قام إلى الصلاة ثم وجد بللا قال: لا يتوضأ إنما ذلك من الحبائل) «1». لانها بإطلاقها تدل على عدم كون البلل المشتبه محكوما بالبولية و النجاسة، و إن لم يستبرأ، و بعد دلالة الاخبار المتقدمة على اختصاص الحكم بعدم البولية و النجاسة بخصوص صورة استبراء بعد البول و قبل الوضوء لا بد من تقييد اطلاق هذه الرواية.

و كذلك ما رواها سماعة (قال قلت: لابي الحسن موسى عليه السّلام إنّي أبول ثم تمسح بالاحجار فيجي ء مني البلل فيفسد سراويلي قال: ليس به بأس) «2». للزوم تقييدها بالروايات المتقدمة المقيدة

بكون عدم البأس بعد الاستبراء.

و اما ما رواها محمد بن عيسى (قال كتب إليه رجل هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب نعم.) «3» فيحمل على الاستحباب لدلالة الروايات المتقدمة على عدم وجوبه.

ثم انه بعد ما عرفت من ان اثر الاستبراء هو كون البلل المشتبه محكوما بالطهارة يظهر لك ان ما قاله المؤلف رحمه اللّه من انّ عدّ هذا الاستبراء من المطهرات يكون من باب المسامحة صحيح بل الاستبراء مانع من الحكم بنجاسة البلل المشتبه بين البول و غيره من المياه غير المني في الاستبراء بالخرطات بعد البول.

و إما في الاستبراء بالبول بعد خروج المني فهو موجب للحكم بكون الخارج المشتبه هو البول، فليس مطهرا.

______________________________

(1) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

(2) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

(3) من الباب 13 من ابواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 124

[السابع عشر من المطهّرات: زوال التغير في الجاري و البئر]

قوله رحمه اللّه

السابع عشر من المطهّرات:

زوال التغير في الجاري و البئر بل مطلق النابع بأي وجه كان و في عدّ هذا منها مطهرا أيضا مسامحة و إلّا ففي الحقيقة المطهّر هو الماء الموجود في المادة.

(1)

أقول: وجه جعل زوال التّغير مطهرا مسامحة هو ما عرفت في الماء الجاري و البئر من ان المطهر في كل منهما هو المادة. لا نفس زوال التغيير، فهما بعد زوال التّغيير يطهران بالمادة النّابعة بتفصيل عرفت في محله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 125

[الثامن عشر من المطهرات: غيبة المسلم]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثامن عشر من المطهرات:

غيبة المسلم فإنّها مطهّرة لبدنه أو لباسه أو فرشه أو ظرفه أو غير ذلك مما في يده بشروط خمسة.

الأوّل: ان يكون عالما بملاقاة المذكورات للنجس الفلاني.

الثّاني: علمه بكون ذلك الشي ء نجسا أو متنجسا اجتهادا أو تقليدا.

الثّالث: استعمال المذكورات فيما يشترط فيه الطهارة على وجه يكون أمارة نوعية على طهارتها من باب حمل فعل المسلم على الصحة.

الرابع: علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض.

الخامس: ان يكون تطهيره لذلك الشي ء محتملا و إلا فمع العلم بعدمه لا وجه للحكم بطهارته بل لو علم من حاله انه لا يبالي بالنجاسة و أن الطاهر و النجس عنده سيّان يشكل الحكم بطهارته و إن كان تطهيره اياه محتملا و في اشتراط كونه بالغا أو يكفي و إن كان صبيا مميّزا وجهان، و الاحوط ذلك، نعم لو رأينا ان وليه مع علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه يجري عليه بعد غيبته آثار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 126

الطهارة، لا يبعد البناء عليها، و الظاهر الحاق الظلمة و العمى بالغيبة مع تحقق الشّروط المذكورة، ثم لا يخفى ان مطهرية الغيبة في الظاهر و الواقع على

حاله، و كذا المطهر السابق و هو الاستبراء بخلاف ساير الأمور المذكورة فعد الغيبة من المطهرات من باب المسامحة و إلّا فهي في الحقيقة من طرق اثبات التطهير.

(1)

أقول: قبل الورود في البحث عن حكم المسألة نقول كما قال المؤلف رحمه اللّه. المراد من كون غيبة المسلم من المطهرات هو ما قلنا في المراد من كون الاستبراء من المطهرات، بمعنى كون يد المسلم و ما في يده مثل لباسه و غير ذلك محكوما ظاهرا بالطهارة، لا إن يكون معنى ذلك كون المتنجس طاهرا بل هو باق على ما هو عليه واقعا من الحكم و إن كان ظاهرا محكوما بالطهارة.

و اما الكلام في نفس المسألة فلا اشكال في الجملة في كون غيبة المسلم من المطهرات للسيرة القطعية على ذلك في الجملة و أدعي عليه الاجماع.

إنّما الكلام فيما يشترط فيه و هو تابع لما يستفاد مما اخذ دليلا على المسألة و وجه هذا الحكم.

فنقول: إن

ما يمكن ان يستدل به عليه امور:

الأول: الاجماع، و هو على ما عرفت ليس بحيث يمكن الاستدلال به على مطهرية غيبة المسلم حتى مع فقد الشرائط، بل يصح الاستدلال به على مطهرية غيبة المسلم في الجملة.

الثاني: كون الاجتناب عما في يد المسلم مع سبق نجاسته حرجيا موجبا للهرج و المرج.

و فيه، إن الحرج إن كان منشأ للحكم بالطهارة فلا يوجب إلّا جواز الارتكاب في صورة الحرج، لا طهارة الشي ء مضافا إلى لزوم الاقتصار بمورد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 127

الحرج، و أمّا ما قيل من ان لزوم الحرج و الهرج و المرج في زمان المعصوم عليه السّلام لو كان البناء على الاجتناب، صار موجبا لنفي الحكم رأسا تسهيلا على العباد.

ففيه، ان ذلك، و إن

كان يحتمل ثبوتا و لا حاجة لكونه في زمان المعصوم عليه السّلام بل يمكن في غيره من العصور، ذلك أيضا لمصلحة أهم و هي التسهيل و لكن الكلام في اثبات ذلك و لا يثبت ذلك لا من الاجماع و لا السيرة.

الثالث: ظاهر حال المسلم على تنزيهه من النجاسة، فمع هذا الظاهر يحكم بالطهارة.

و فيه أنه ما الدليل على حجّية هذا الظاهر.

الرابع: السيرة القطعية على عدم الاجتناب عن بدن المسلم و ما تحت يده مع المعاملة معه معاملة الطهارة و هذه السيرة مستقرة من زماننا إلى زمان صاحب الشرع على ما نرى في الآثار و الأخبار.

أقول: لا اشكال في وجود هذه السيرة في الجملة، فاذا كانت العمدة في الدليل هي السيرة، نذكر ما ذكر من الشروط في هذا الحكم و نرى من ان وجود السيرة يكون مع تحقق جميع هذه الشروط أو بعضها، أو لا يعتبر فيها أحد من هذه الشروط فنقول بعونه تبارك و تعالى.

(قال المؤلف رحمه اللّه

الشرط الأول: أن يكون عالما بملاقات المذكورات

للنجس الفلاني)

(الشرط الثاني: علمه بكون ذلك الشي ء نجسا أو متنجسا

اجتهادا أو تقليدا.)

أقول: لا يخفى عليك أن اعتبار كون الشخص عالما بنجاسة بدنه أو لباسه أو غير هما مما هو تحت يده يستغنى عن الشرطين لكفاية اعتبار العلم بالنجاسة عنهما.

و على كل حال لا ينبغي الاشكال في اعتبار الشرطين، لكون المتيقن من السيرة هذا المورد، و كذلك إن كان دليل المسألة هو الاجماع أو نفي الحرج أو ظاهر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 128

حال المسلم.

(و أما الشرط الثالث: و هو اعتبار استعمال المذكورات فيما يشترط فيه الطهارة

على وجه يكون أمارة نوعية على طهارتها من باب حمل فعل المسلم على الصحة.)

(و الرابع: علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض.)

اعلم انه لو قال: يشترط استعمال بدنه أو ما يكون تحت يده فيما يعلم باشتراط الطهارة فيه، كان مغنيا عن الشرطين.

و على كل حال يكون وجه اعتبار الشرطين هو أنه مع ذلك الشرطين تحصل الامارة النوعية على طهارة ما بيده، و الا لم يستعمله فيما يعلم باشتراط الطهارة في استعماله، و بهذه الامارة يحمل فعل المسلم على الصحة.

أقول: و وجه الاعتبار، مضافا إلى ما ذكرنا، هو السيرة، لان السيرة هي عمدة دليل المسألة و السيرة قائمة على هذا الحكم مع حصول الشرطين.

و أما الشرط الخامس: و هو كون تطهيره لذلك الشي ء محتملا

فمع العلم بعدم تطهيره لا مجال للحكم بالطهارة و اما فيما يظن أو يشك في تطهيره ايّاه، و بعبارة أخرى مجرد احتمال تطهيره اياه يحكم بطهارته، لوجود السيرة في هذه الصورة مسلّما هذا بالنسبة إلى هذه الشروط.

و مع الشك في وجود السيرة فمع فقد الشرائط المذكورة فالمورد محكوم بالنجاسة.

ثم بعد ذلك يقع الكلام في بعض الفروع الآخر:
الفرع الأول: هل يكون المراد من المسلم الذي تكون غيبته من المطهرات هو خصوص المسلم البالغ

أو هو يشمل غير البالغ إذا كان مميّزا أو يعمّ غير البالغ و أن لم يكن مميّزا؟

اعلم إن شمول السيرة التي كانت عمدة الدليل في المسألة لغير البالغ المميز غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 129

بعيد، و اما شموله لغير المميّز مشكل لعدم تميزه و عدم تحقق الشرائط كلها أو بعضها فيه.

و لو رأينا ان وليه مع علمه بنجاسة يد الصغير الذي هو وليه أو غير يده مما يكون تحت يد الصغير يعامل معه معاملة الطهارة بعد غيبة صغيره فهل يصح بذلك القول بطهارته أو لا؟

أقول إن كان الوجه في اعتبار عمل الولي هو ان ظاهر عمله هو الاخبار عن طهارة ما في يد صغيره، ففيه انه لا دليل على حجية هذا الظهور.

و إن كان من باب ان الصغير الغير المميّز يكون في الحقيقة كأثاثه و لباسه و فرشه و سائر ما بيده للولي الذي يحكم بعد غيبته بطهارته مع اجتماع الشرائط.

و فيه ان تحقق السيرة في المورد غير معلوم و مع الشك بعد العلم بنجاسته قبل غيبته يستصحب النجاسة.

الفرع الثاني: و هل يلحق بالغيبة الظلمة و العمى أم لا؟

يمكن أن يدعي عدم الفرق ملاكا بين غيبة المسلم و بين الظلمة و العمى، لان منشأ السيرة مع تحقق الشرائط المذكورة، هو قيام الظهور على طهارة ما يكون تحت يد المسلم و هو موجود في الظلمة و العمى، لكن ثبوت السيرة فيهما غير معلوم، لعدم ثبوت عمل المتشرعة على ترتيب آثار الطهارة في الظلمة و العمى، و لو من باب ندرة اتفاقهما، و مجرد السيرة في صورة الغيبة لا يثمر لغير مورد الغيبة، لعدم القطع بالملاك، حتى يقال إن المستفاد من السيرة حكم الشارع بالطهارة في صورة الغيبة، و هذا الملاك

موجود في الظلمة و العمى.

نعم لو كانت السيرة على ما يعمّ الغيبة و الظلمة و العمى، مثل أن تكون السيرة على ترتيب آثار الطهارة على ما في يد شخص المسلم مع علم هذا المسلم بكونه نجسا، و يرى استعمال هذا الشي ء فيما يعلم كون جواز استعماله مشروطا بالطهارة و يحتمل تطهيره اياه يعمّ الحكم لصورة الظلمة و العمى، و لا يبعد ذلك، فلأجل هذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 130

يمكن دعوى الشمول للظلمة و العمى.

الفرع الثالث: لا فرق في هذا الحكم في بدن المسلم و لباسه و ظرفه

و كل ما يكون تحت يده، لان السيرة تكون في كلها.

***

[مسئلة 1: ليس من المطهرات الغسل بالماء المضاف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: ليس من المطهرات الغسل بالماء المضاف و لا مسح النجاسة عن الجسم الصقيل كالشيشة و لا إزالة الدم بالبصاق، و لا غليان الدم في المرق، و لا خبز العجين النجس، و لا مزج الدهن النجس بالكر الحار، و لا دبغ جلد الميتة، و إن قال بكل قائل.

(1)

أقول: أما عدم مطهرية مسح النجاسة عن الجسم الصيقلي كالشيشة، فاعلم ان القائل بذلك على ما حكى عن المفاتيح هو الفيض رحمه اللّه و هو المحكي عن السيد رحمه اللّه أيضا، و يحتمل كون نظرهما إلى عدم تنجس الاجسام الصيقلية، و يحتمل ان يكون نظرهما زوال النجاسة عنها بعد زوال عين النجاسة.

فإن كان النظر إلى الأوّل، فهو مخالف لما يكون مسلما بل ضروريا من كون ملاقات النجس مع الشي ء مع الرطوبة المسرية يوجب التنجيس، كما يظهر ذلك من مراجعة الأخبار في قبال عدم النجاسة فيما لم تكن في احد المتلاقيين رطوبة مسرية، و لا فرق في ذلك بين كون الجسم الملاقى للنجس صقيلا أو غير صقيل.

و إن كان النظر إلى الثاني، فهذا مخالف مع الروايات الكثيرة الدالة على انحصار المطهر بالماء و غير الماء من المطهرات في الموارد المذكورة، فبعد كون المطهر ماء، فلا يمكن كون المسح في الاجسام الصقيلة مطهرا، فارجع الى الروايات الواردة في إن المتنجس بالنجاسات كالبول و غيره لا يطهر إلّا بالماء، أو بسائر ما جعل في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 131

النصوص مطهرا و ليس في ما بأيدينا ما يدل على مطهرية المسح في الاجسام الصقلية.

و مع الشك في كونه مطهرا يستصحب نجاسة الشي ء الصقيلي

حتى بعد زوال عين النجاسة.

و اما كون ازالة الدم بالبصاق مطهرا، فأيضا لا دليل عليه و ان حكى عن السيد رحمه اللّه، اختياره تمسكا بما رواها (غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عن علي عليهم السّلام قال: لا بأس ان يغسل الدم بالبصاق) «1» و فيه ان الرواية مما أعرضت عنه الاصحاب فكلّما اشتدت صحته، اشتدت ضعفا مع اعراضهم عنها.

و اما طهارة المرق المغلي فيه الدم بغليانه بالنار، فقد عرفت في المسألة الحادي عشر من المسائل المتعلقة بنجاسة الدم فراجع.

و اما طهارة العجين النجس بالخبز، فقد مرّ الاشكال فيه في المسألة 24 من المسائل المتعلقة بمطهرية الماء و في الاستحالة فراجع.

و أما الكلام في طهارة الدهن النجس بالكر الحار، فقد مضى الاشكال فيه في المسألة 19 من المسائل الراجعة بمطهرية الماء، و المؤلف رحمه اللّه نفى البعد عن طهارته في تلك المسألة و أما في المقام فنفي طهارته صريحا.

و أما الكلام في طهارة جلد الميتة بالدبغ. ففي المسألة 8 من المسائل المتعلقة بنجاسة الميتة، مضى الكلام فيها و عرفت عدم كون الدبغ مطهرا له.

***

[مسئلة 2: يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بعد التذكية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بعد التذكية و لو فيما يشترط فيه الطهارة و ان لم يدبغ على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 132

الاقوى نعم يستحب ان لا يستعمل مطلقا إلّا بعد الدبغ.

(1)

أقول: منشأ جواز استعمال جلد غير المأكول من الحيوان و لو فيما يشترط فيه الطهارة قبل الدبغ مضافا إلى كفاية عدم الدليل على المنع، لأنه مع الشك في الجواز و عدمه يحكم بالجواز

لما يدل عليه بعض الروايات مثل الرواية التي رواها سماعة قال (سألته عن لحوم السباع و جلودها فقال أما لحوم السباع و السباع من الطير و الدواب فانا نكرهه و اما جلودها فركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه) «1»

و هذه الرواية مضمرة لكن روى في الوسائل في الباب الخامس من ابواب لباس المصلي و هي الرواية الرابعة من الباب المذكور عن الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن سماعة (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جلود السباع قال اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه.) «2»

و ما رواها سماعة (قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال: إذا رميت و سميّت فانتفع بجلده و اما الميتة فلا) «3» و هذه الرواية أيضا مضمرة.

و على كل حال، إن كانت الرواية الاولى مسندة، فهي موثوقة بها و إن كان كل من الروايتين مضمرة، فمع هذا يرى في بعض العبائر التعبير عنها بموثقه. فان تمّت حجيتهما فتدلان على المسألة، و ان لم تتم فيكفي لنا أصالة الحلية.

و في قبال ذلك قد يستدلّ بروايتين على عدم جواز الاستعمال إلّا بعد الدّبغ:

الرواية الأولى: ما رواها أبو مخلّد السّراج (قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب الأطعمة المحرمة من ل.

(2) و كذا في الباب 5 من أبواب لباس المصلي و في 3 من الباب عن الشيخ فأستاذه عن سماعة.

(3) الرواية 2 من باب 49 من أبواب النجاسات من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 133

دخل عليه معتب فقال بالباب رجلان، فقال: أدخلهما، فدخلا

و قال أحد هما: انّى رجل سرّاج ابيع جلود النّمر، فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم قال: ليس به بأس) «1».

بدعوى دلالة مفهومها على عدم جواز بيعه إذا لم يكن جلده مدبوغا، و البيع من الاستعمالات.

و فيه مع قطع النظر عن الاشكال بضعف سند الرواية، من باب عدم وجه لتوثيقه في الرّجال إلّا رواية ابن أبي عمير عنه، و رواية جمع كتابه، و هذا غير كاف في وثاقته.

لكن يمكن ردّ ذلك بأنّه لا يبعد حصول الاطمئنان بنقله بهذا المقدار.

نقول بانّه لا مفهوم للقضيّة لعدم حجيّة مثل هذا المفهوم، مضافا إلى امكان كون السؤال عن دبغه من باب كون المتعارف دبغه بعد التذكية و رفع قذارته، ففي الحقيقة يكون الدّبغ علامة التذكية، فالسؤال يكون عن التذكية باثره، و علامته و هو الدبغ.

مضافا إلى ورود الرواية في خصوص النمر. و لكن يمكن التعدّي عنه بعدم القول بالفصل.

و بعد اللّتيّا و الّتي فهذه الرواية لا تقاوم مع الرّوايتين المتقدّمتين، بعد ما قيل من كونهما موثّقتين، خصوصا إذا كانت الاولى منهما مسندة لا مضمرة، حتّى لا يمكن ان نلتزم باعتبار الدّبغ في جواز الاستعمالات في كلّ ما لا يؤكل لحمه.

الرّواية الثانية: ما روى في بعض الكتب عن الرّضا عليه السّلام: «دباغة الجلد طهارته».

و فيه أوّلا: ما وجدنا هذه الرواية في ما بأيدينا من الكتب المعتبرة، فالرواية ضعيفة السند.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 38 من أبواب ما يكتسب به من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 134

و ثانيا: إن كان يؤخذ بظاهرها كان اللّازم الالتزام بمقتضى اطلاقها على أنّ الطهارة تحصل بالدّباغ في كلّ الحيوانات، و عدم كفاية التذكية. و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

و أيضا يكون

لازمه القول بطهارة جلد الميتة بالدّبغ. و هذا أيضا مما لا يمكن الالتزام به. فظاهر الخبر ممّا يكون خلاف مقتضى الأخبار و الآثار، فلا بدّ من ردّ علمه لأهله.

و اعلم أنّ الاستعمال الجائز يكون مورده غير حال الصّلاة لعدم جواز الصّلاة في غير المأكول إلّا ما استثنى و تفصيله في محلّه في احكام الصّلاة.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 134

و أمّا ما قاله المؤلف رحمه اللّه من استحباب كون الاستعمال بعد دبغ جلد غير المأكول، فما نرى له وجها وجيها؛ لأنّه إن تمّت حجّيّة الروايتين المتمسّكين بهما على اعتبار الدبغ و تمّت دلالتهما، فلا يجوز الاستعمال قبل الدّبغ، لا ان يكون المستحب الاستعمال بعد الدّبغ.

و ان لم تتم حجّيّتهما أو دلالتهما فمقتضى الروايتين المرويّتين عن سماعة هو عدم الاشتراط بالدّبغ.

و ان استشكلنا في حجّيّتهما فمقتضى الأصل جواز الاستعمال فما نرى وجها للاستحباب. إلّا أن يقال بانّ مقتضى التسامح في أدلّة السنن استحبابه.

و الخبران المتمسّكان بهما على اشتراط الدّبغ في الاستعمال كافيان في ذلك.

و لكن هذا مبنيّ على القول باستفادة استحباب الفعل من أخبار من بلغ.

فافهم.

***

[مسئلة 3: ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 135

من أسواقهم محكوم بالتذكية، و إن كانوا ممّن يقول بطهارة جلد الميتة بالدّبغ.

(1)

أقول: قد مرّ في المسألة السادسة من المسائل الراجعة بنجاسة الميتة ما ظهر لك وجه كون المأخوذ من أيدي المسلمين أو من اسواقهم محكوما بالتذكية، و إن كانوا ممّن يقول بطهارة جلد الميتة بالدّبغ. فراجع.

***

[مسئلة 4: ما عدا الكلب و الخنزير من الحيوانات]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: ما عدا الكلب و الخنزير من الحيوانات الّتي لا يؤكل لحمها قابل للتّذكية، فجلده و لحمه طاهر بعد التّذكية.

(2)

أقول: اعلم أنّ المؤلّف رحمه اللّه لم يتعرّض للإنسان و قابليّته للتذكية و عدمها. فإنّ الإنسان من بين الحيوانات ممتاز من هذا الحيث لعدم وقوع التذكية عليه من رأس حتّى من يقتل و يذبح؛ بل تكون ميتة الإنسان نجسة مطلقا غاية الأمر خصوص ميتة المسلم تطهر بالغسل. و لعلّ منشأ عدم استثناء المؤلّف رحمه اللّه لميتة الإنسان يكون من باب كون الكلام في الحيوان في مقابل الإنسان.

و أمّا الكلب و الخنزير فنجسان حيّا و ميّتا. و ليسا قابلا للتذكية للإجماع، بل للضرورة. و كونهما نجسا فكيف يطهر جلد هما و لحمهما بالتذكية؟ و الدليل على نجاستهما كما يشمل حال حياتهما يشمل حال مماتهما.

و أمّا الكلام في غير هما من الحيوانات الّتي لا يؤكل لحمها من حيث قابليّتها للتذكية و عدمها ففيها احتمالات بل أقوال:

الاحتمال الأوّل: أنّ السّباع ممّا لا يؤكل لحمه غير المسوخ قابل للتذكية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 136

كالأسد و النّمر و غير هما. و أمّا المسوخ منه و الحشرات فلا.

الاحتمال الثاني: قبول التذكية في السّباع و المسوخ.

و أمّا الحشرات فلا.

الاحتمال الثالث: قابليّة كلّ منها للتذكية من السباع و المسوخ و الحشرات.

إذا عرفت ذلك نقول:

أما فيما ليس له نفس سائلة من الحيوانات، فهو طاهر سواء وقع عليه التذكية أم لا؛ فإن كان له جلد أو لحم فهو طاهر، لعدم شمول الدّليل الدالّ على قابلية تذكية الحيوانات، ليشمل بإطلاق أو عموم لما لا نفس له. مضافا إلى أنّه لو فرض قابليّته للتذكية لا ثمرة في تذكيته.

و امّا ما يكون له نفس سائلة فنذكر لك ما يمكن ان يستدلّ به حتّى يظهر لك حقيقة الحال و ما ينبغي أن يقال. فنقول بعونه تعالى:

الأولى: موثقة سماعة المتقدمة ذكرها و هي الاولى من رواياته و قد رواها الشيخ مرسلة و عن الكافي و الفقيه مسندة في الوسائل مع اختلاف في متنها لا يضرّ بالمقصد. و نحن نذكر مسندها:

و هي ما رواها عن الكلينيّ عن عدّة من اصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جلود السّباع.

فقال: اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه «1»).

الثانية: ما رواها سماعة، (قال: سألته عن جلود السّباع ينتفع بها؟ قال: إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و امّا الميتة فلا «2»).

الثالثة: ما رواها ابن بكير، (قال: سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في الثّعالب و الفنك و السّنجاب و غيره من الوبر؟ فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم انّ الصّلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره

______________________________

(1) 4 من الباب 5- من أبواب لباس المصلّى من «ل».

(2) 2 من الباب 49 من أبواب النّجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 4، ص: 137

و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصّلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ أكله. ثمّ قال: يا زرارة! هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فاحفظ ذلك يا زرارة! فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ، و قد ذكاه الذّبح. و إن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله، فالصّلاة في كلّ شي ء منه فاسد ذكاه الذّبح أم لم يذكّه) «1» بدعوى دلالة قوله عليه السّلام: «ذكاه الذّبح أو لم يذكّه» في ذيل الخبر على قابليّة كلّما لا يؤكل لحمه للتذكية.

الرّابعة: ما رواها عليّ بن يقطين، (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن لباس الفراء و السّمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود؟ قال: لا بأس بذلك) «2».

الخامسة: ما رواها الرّيّان بن الصّلت (قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن لبس فراء و السّمور و الفنك و الثّعالب و جميع الجلود و ما أشبهها و المناطق و الكيمخت و المحشوّ بالقزّ و الخفاف من اصناف الجلود؟ فقال: لا بأس بهذا كلّه إلّا بالثّعالب) «3».

السادسة: ما رواها أبو مخلّد السّرّاج (و قد نقلناها في طيّ المسألة الثانية) قال: (كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه معتب فقال: بالباب رجلان. فقال:

أدخلهما. فدخلا، و قال أحد هما: انّي رجل سرّاج أبيع جلود النّمر. فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم. قال: ليس به بأس) «4». تدلّ على قابليّة النّمر للتذكية بناء على كون الذّبح كناية عن ذلك. و

إلّا لو اخذ بظاهرها من كون الحلّيّة موقوفا على الدّبغ لا يمكن الأخذ بها، لمخالفتها مع ما في سائر الرّوايات من كون العبرة بالتّذكية.

هذا كلّه الروايات الّتي يمكن التمسّك بها في هذه المسألة.

______________________________

(1) 1 من الباب 2 من أبواب لباس المصلّي من «ل».

(2) 1 من الباب 5 من أبواب لباس المصلّى من «ل».

(3) 2 من أبواب لباس المصلّي من «ل».

(4) 1 من الباب 34 من أبواب ما يكتسب به من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 138

و اعلم: أنّ الرّواية الأولى و هي موثّقة سماعة، لا تدلّ على وقوع التّذكية على السّباع؛ لأنّ ركوب جلد السّباع و هذا الانتفاع اعمّ من قبولها التذكية؛ إذ يمكن كون الرواية دالّة على جواز الركوب و إن كان الجد من الميّت.

بعبارة أخرى ما تدلّ عليها الرّواية هو جواز الركوب على جلد السّباع، و هذا يحتمل كونه من باب كونه مذكّى، و يحتمل كونه جائزا و إن كان من الميتة من السباع؛ فلا يدلّ جواز هذا الانتفاع على قابليّتها للتّذكية و كون هذا الانتفاع بعد التّذكية إلّا بعد ضمّ عدم جواز مطلق الانتفاعات باجزاء الميتة و قد عرفت عند البحث عن نجاسة الميتة جواز الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة.

و امّا الرّواية الثانية: فهي تدلّ على جواز الانتفاع بجلد السّباع بعد التذكية؛ لأنّ فيها قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده» لكن هي مضمرة. نعم يمكن ان يقال بأنّ وثاقته و موقعيّته يقتضي كون مضمرها هو الإمام عليه السّلام. مضافا إلى انجبار ضعفها على فرض ضعفها بعمل الاصحاب.

إن قلت: انّه بعد ما اخترت في المسألة 19 من المسائل المتعلّقة بنجاسة الميتة، جواز الانتفاع بالميتة فيما لا

يشترط فيه الطهارة، فلا يمكن الأخذ بمفهوم هذا الخبر؛ أي عدم جواز الانتفاع بالميتة. فلا يكشف من جواز الانتفاع إذا رميت و سمّيت كون السّباع قابلا للتذكية؛ لأنّ قابليّة الانتفاع تكون حتّى للميتة.

قلت: و إن كان الانتفاع جائزا حتّى للميتة، لكن المستفاد من الرواية كون كلّ من السّباع قابلا لأنّ يقع عليه التذكية و إن لم نقل بمفهوم لقوله عليه السّلام: «إذا رميت و سمّيت».

و أمّا الرّواية الثالثة: فقوله عليه السّلام في ذيل الخبر: «و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في كلّ شي ء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكّه» يدلّ على عدم جواز الصّلاة في غير المأكول، وقع عليه التذكية أم لا.

و لكن الكلام في أنّه يدلّ هذا على أن غير المأكول يقبل و التذكية و لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 139

الصّلاة لا تجوز فيه، سواء وقع عليه التذكية أم لا، حتّى ميّتا بدلالته على تذكية جميع غير المأكول، أو غاية ما يدلّ عليه ليس إلّا انّه لا فرق في عدم جواز الصّلاة بين ما ذكاه الذبح أو لم يذكّه؛ لكن عدم تذكيته هل يكون من باب خصوص عدم وقوع التذكية عليه، أو يعمّ صورة عدم قابليّته للتذكية؛ لأنّ الحيوان الّذي لم يذكّ يمكن أن يكون من باب عدم قابليّته لذلك، و بعد امكان كون عدم التذكية من باب عدم قابليّته، فلا تدلّ الرواية على قابليّة تذكية كلّ حيوان لا يؤكل لحمه.

أو يقال بأن قوله عليه السّلام: «ذكاه الذبح أو لم يذكّه» يفيد عدم أثر في التذكية، بمعنى انّه إن كان ممّا لا يؤكل لحمه لا تجوز الصلاة فيه، وقع

عليه الذبح أم لا؛ لعدم اثر في وقوع الذبح عليه، لأنّه لا يذكّى بالذبح فلا فائدة فيه، فعلى هذا تدلّ هذه الجملة على عدم قابليّة غير المأكول للذبح رأسا، فالرواية على هذا دليل على عدم قابليّة ما لا يؤكل لحمه للتذكية إلّا ما يدلّ عليه دليل.

و لكن هذا الاحتمال خلاف ظاهر الرواية، لأنّ ظاهر الرواية الفرق بين المأكول و غيره في جواز الصلاة فيه و عدمه. و على هذا الاحتمال منشأ عدم جواز الصلاة في غير المأكول هو كونه ميتة؛ لأنّه بعد عدم قابليّته للتذكية يكون ميتة، لا كونه مما لا يؤكل لحمه.

و امّا الرّواية الرابعة و الخامسة: فيستفاد منهما جواز لبس جلود السباع.

و يستفاد من الرواية السادسة جواز بيع جلد النمر إذا دبغ.

أقول: تارة نقول بعدم جواز الانتفاع حتّى في غير البيع، و حتّى فيما لا يشترط فيه الطهارة، فلا بدّ من تقييد الرواية الرابعة و الخامسة، و كذا الرواية الاولى؛ بما إذا لم تكن السّباع ميتة، و على هذا يكون مورد الاخبار المجوّزة للانتفاع بجلود السباع ما إذا كانت مذكّى.

فيستفاد من جواز الانتفاع بمطلق جلود السباع قابليّة كلّ السّباع للتذكية، و إلّا لم يبق لهذه الاخبار المجوّزة بالعموم أو الاطلاق على جواز الانتفاع بجلود

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 140

السباع مورد. فمقتضى الجمع بين ما يدلّ على حرمة الانتفاع بالميتة و بين هذه الأخبار، هو حمل هذه الأخبار على صورة التذكية. و الشاهد الرواية الثانية و هي موثّقة سماعة الدالّة على أنّه إذا رمى و سمّى يجوز الانتفاع بجلده، و امّا الميتة فلا.

و تارة نقول بجواز الانتفاع بالميتة في غير البيع و فيما لا يشترط فيه الطهارة؛ فالرواية الأولى

و الرابعة و الخامسة تدلّ بعمومها أو اطلاقها على جواز الانتفاع بجلود السباع. و هذا لا يدلّ على قابليّة السباع للتذكية، لأنّه يمكن أن تكون ميتة، و مع ذلك يجوز الانتفاع بجلده.

فمن جواز لبس جلدها لا يستكشف قابليّتها للتذكية.

نعم يبقى في البين الرواية الثانية الدّالّة على جواز الانتفاع إذا كانت مذكّى.

و الالتزام بجواز الانتفاع بالميتة مع ما في ذيل هذه الرواية من قوله عليه السّلام: «أمّا الميتة فلا» من باب الجمع بين هذه الرواية و بين ما دلّ على جواز الانتفاع بالميتة في خصوص غير البيع و غير ما يشترط فيه الطهارة. فنقيّد ذيل هذه الرواية بقرينة ما دلّ على جواز الانتفاع في خصوص الانتفاعات الغير المشروطة بالطهارة و غير الانتفاع بالبيع. فتكون النتيجة عدم الانتفاع بالميتة ببيعها و فيما يشترط فيه الطهارة.

و امّا صدر الرواية فتدلّ على قابليّة السباع للتذكية جميعها.

و هذه الرواية و إن كانت مضمرة، لكن يعبّرون عنها بالموثّقة في عبائرهم، و ان كانت ضعيفة باعتبار اضمارها يجبر ضعفها بعمل الاصحاب،؛ لانّ المشهور قابليّة السباع للتذكية مضافا إلى دعوى الاجماع على قابليّة السباع للتذكية، و بعد التذكية يطهر جلدها و لحمها.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا على القول بجواز الانتفاع بالميتة في غير البيع و في غير ما يشترط فيه الطهارة بأن قابليّة السباع غير المسوخ للتذكية ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و امّا المسوخ فما يكون منه سبعا كالذئب يقبل و التذكية؛ لأنّ موثّقة سماعة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 141

تدلّ على تذكية مطلق السباع، إلّا أن يقال إنّ المتيقّن من جبران الضعف هو في خصوص السباع. و امّا في غيرها فغير معلوم خصوصا مع ما في الجواهر من

انّ عدم قابليّة المسوخ للتذكية فتوى المشهور.

و كذلك في الحشرات منها لعدم دليل على هذا على قابليّتها للتذكية لعدم دليل على المسألة إلّا رواية سماعة أعني الرواية الثانية منه، و هي لا تشمل الحشرات.

و حيث أنّا لم نجد دليلا حجّة على عدم جواز الانتفاع بالميتة حتّى فيما لا يشترط بالطهارة (و إن فرض ان نحتاط و نقول احتياطا بعدم جواز الانتفاع) لا بدّ لنا من الالتزام بقابليّة التذكية في خصوص السباع من غير المأكول.

و أمّا على القول بعدم جواز الانتفاع بالميتة حتّى فيما لا يشترط بالطهارة. فكما عرفت تكون الرواية الأوّلى و الرابعة و الخامسة دليلا على قابليّة غير المأكول ممّا له جلد للتذكية؛ لان مقتضى الجمع بين ما يدلّ على حرمة الانتفاع بالميتة و هذه الروايات خصوصا بقرينة الرواية الثانية من الروايات المتقدمة هو كون المذكّى من غير المأكول جائز الانتفاع.

نقول هذه الروايات على وقوع التذكية على كلّ غير مأكول يكون له الجلد لأنّ فيها التصريح بعدم البأس بجميع الجلود فافهم.

***

[مسئلة 5: يستحبّ غسل الملاقى في جملة من الموارد مع عدم تنجّسه]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يستحبّ غسل الملاقى في جملة من الموارد مع عدم تنجّسه كملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس و البغل و الحمار، و ملاقات الفأرة الحيّة مع الرطوبة مع ظهور أثرها؛ و المصافحة مع النّاصبي بلا رطوبة.

و يستحب النّضح أي الرش بالماء في موارد: كملاقاة الكلب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 142

و الخنزير و الكافر بلا رطوبة، و عرق الجنب من الحلال، و ملاقاة ما شكّ في ملاقاته لبول الفرس و البغل و الحمار، و ملاقاة الفأرة الحيّة مع الرطوبة إذا لم يظهر أثرها، و ما شكّ في ملاقاته للبول أو الدّم أو المني، و ملاقاة الصفرة الخارجة

من دبر صاحب البواسير، و معبد اليهود و النصارى و المجوس إذا أراد أن يصلّي فيه.

و يستحبّ المسح بالتراب أو بالحائط في موارد: كمصافحة الكافر الكتابي بلا رطوبة، و مسّ الكلب و الخنزير بلا رطوبة، و مسّ الثّعلب و الأرنب.

(1)

أقول: الكلام في المسألة يقع في طي مسائل:

المسألة الأولى: فيما يستحبّ غسل الملاقى و هو في موارد:
المورد الأوّل: لملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس و البغل و الحمار.

منشأ الاستحباب هو الجمع بين بعض الاخبار الآمرة فيها بالغسل؛ كرواية محمد بن مسلم (قال: و سألته عليه السّلام عن أبوال الدوابّ و البغال و الحمير. فقال عليه السّلام: اغسله، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كلّه. فان شككت فانضحه) «1».

و ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: سألته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (و الظاهر كون الصحيح هو «سألت» لا «سألته») عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال: يغسل بول الفرس و الحمار و البغل. فأمّا الشّاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله) «2».

و غير ذلك. راجع الباب المذكور.

______________________________

(1) 6 من الباب 9 من ابواب النجاسات من «ل».

(2) 10 من الباب 9 من ابواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 143

و بين ما يدلّ على عدم البأس ببول الدواب كرواية أبي الأغر النّحاس (قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّى اعالج الدواب فربّما أخرجت باللّيل و قد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي، فأصبح فأرى أثره فيه؟ قال:

ليس عليك شي ء) «1».

و كرواية معلّى بن خنيس و عبد اللّه بن أبي يعفور (قال: كنّا في جنازة و قدّامنا حمار، قال: فجاءت الرّيح ببوله حتّى صكّت وجوهنا و ثيابنا فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبرناه، فقال: ليس عليكم بأس)

«2».

بيان ذلك: أمّا بالنّسبة إلى الدواب فتدلّ رواية النّحاس على عدم البأس ببولها، و بالنسبة إلى بول خصوص الحمار تدلّ رواية معلّى بن خنيس و عبد اللّه بن أبي يعفور على عدم البأس.

فمقتضى الجمع العرفي حمل رواية محمّد بن مسلم و عبد الرحمن و اضرابهما بقرينة رواية النّحاس و المعلّى بن خنيس و عبد اللّه بن أبي يعفور على الاستحباب.

و أمّا بالنسبة إلى البغل و الفرس و إن لم يرد نصّ تعرّض لعدم البأس ببولها، لكن بعد ما يكون الأمر بغسل بولها في رواية محمد بن مسلم و غيرها و غسل الدواب أو الحمار بأمر واحد، مثلا كما ترى في رواية محمد بن مسلم «اغسله» بعد سؤال السائل عن أبوال الدواب و البغال و الحمير، و كذا في رواية عبد الرحمن «قال:

يغسل بول الفرس و الحمار و البغل»، و كذا في ساير الروايات بأمر واحد و هيئة واحدة و هو «أغسل» أو «يغسل»، فإذا رأينا بمقتضى رواية النّحاس و معلّى المتقدمتين ذكرهما عدم البأس ببول الدواب و الحمار فلا بدّ من حمل «اغسل» في رواية محمّد بن مسلم و اضرابها على مطلق الرّجحان، جمعا بينهما و بين ما دلّ على عدم البأس. فلا يستفاد من الأمر بالغسل إلّا مجرّد الرّجحان؛ و هذا معنى

______________________________

(1) 2 من الباب 9 من ابواب النجاسات من «ل».

(2) 15 من الباب 9 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 144

الاستحباب.

المورد الثاني: ملاقاة الفأرة الحيّة مع الرطوبة مع ظهور أثرها.

وجه الاستحباب الجمع بين ما يدلّ بظاهره على وجوب الغسل كرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال: سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب. أ

يصلّى فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها، و ما لم تره انضحه بالماء) «1».

و بين ما يدلّ على طهارة سؤر الفأرة و عدم تنجّس ما يلد فيها حيّا كرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام في حديث قال: سألته عن الغطابة و الحيّة و الوزغ يقع في الماء فلا يموت، أ يتوضّأ منه للصّلاة؟ (قال: لا بأس به. و سألته عن فأرة وقعت في حبّ دهن و اخرجت قبل ان تموت أ يبيعه من مسلم؟ قال: نعم و يدهن منه) «2».

و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن أبا جعفر عليهما السّلام كان يقول: (لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء ان يشرب منه و يتوضّأ منه) «3»

لأنّ المستفاد من الخبر من عدم البأس بملاقاة الفأرة حيّا مع شي ء و عدم سببيّته للتّنجيس فيحمل الأمر بالغسل في الرواية المتقدّمة على الاستحباب.

المورد الثالث: المصافحة مع النّاصبي بلا رطوبة

لما رواها خالد القلانسي (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ألقى الذّمي فيصافحني، قال: أمسحها بالتراب أو بالحائط. قلت: فالناصب، قال: اغسلها) «4».

بدعوى انّ الفرق بين مصافحة الذميّ و الناصبي يكون شاهدا على صورة

______________________________

(1) 2 من الباب 33 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 1 من الباب 9 من أبواب الأسئار من «ل».

(3) 2 من الباب 9 من ابواب الأسئار من «ل».

(4) 3 من الباب 13 من أبواب النجاسات من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 145

عدم الرطوبة، و إلّا كان الغسل في مصافحة الذميّ واجبا أيضا.

أقول: اعلم انّه لا يرى في الكلمات وجه لحمل الأمر في الرواية على الاستحباب، إلّا ان يقال: عدم القول و الفتوى بالوجوب

يوجب حمل الأمر على الاستحباب.

و يمكن ان يقال بأنّ الأمر بالمسح بالتراب في مصافحة الذّميّ، و بالغسل في مصافحة الناصبي إن كان في صورة وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين كما ان مقتضى الارتكاز العرفى هو كون الملاقات مؤثّرا في صورة الرطوبة. فلا يستفاد من الرواية إلّا وجوب غسل اليد من باب ملاقاته مع النجس و هو الناصبي. و لا تكون الرواية دليلا على الوجوب أو استحباب غسل اليد في صورة عدم الرطوبة و إن كانت الرواية موردا للاشكال من جهة أخرى و هي الأمر بالمسح بالتراب أو الحائط بمصافحة الذميّ، بناء على القول بنجاسته؛ و تكون الرواية على هذا الاحتمال من جملة ما يستدلّ به على عدم نجاسة الذمّي.

و يمكن أن يقال بكونها من هذا الحيث ممّا أعرض عنه الاصحاب، مثل سائر ما يستدلّ به على طهارة الكتابي. و تقدّم الكلام فيه عند البحث عن نجاسة الكافر.

و إن كان الحكم بالمسح في مصافحة الذمّي، و بالغسل في مصافحة الناصبي في صورة عدم وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين، فحيث انّ كون الملاقات في صورة عدم الرطوبة المسريّة غير موجب للنجاسة و السراية عند العرف، كما قلنا في اعتبار وجود الرطوبة المسريّة في أحد المتلاقيين في التنجيس و التنجّس، مضافا إلى رواية «كلّ يابس ذكيّ» يدّعى كونها معمولا بها عند الأصحاب؛ لا يمكن الأخذ بظاهر الرواية و الالتزام بوجوب الغسل مع عدم السراية مع عدم وجود فتوى الاصحاب على طبقها؛ بل عدم وجود قائل بوجوبه؛ لأنّا لم نجد بعد من يقول بوجوب الغسل في مصافحة الناصبي مع عدم الرطوبة. فلهذا يحمل الأمر على الاستحباب.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه الاستحباب. و لكن مع هذا حيث

كانت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 146

الرواية ذات احتمالين كما عرفت، فالقول بالاستحباب المصطلح مشكل، نعم لا مانع من غسله باحتمال كونه مطلوبا للّه رجاء.

المسألة الثانية: في استحباب النضح أي الرش في موارد:
المورد الأوّل: في ملاقاة الكلب أو الخنزير أو الكافر بلا رطوبة.

و يدلّ عليه جملة من الأخبار كرواية حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: «إذا مسّ ثوبك كلب، فإن كان جافّا (يابسا) فانضحه و إن كان رطبا فأغسله») «1».

و في الكلب بعض روايات آخر مذكور في هذا الباب.

و كرواية موسى بن القاسم، عن عليّ بن محمّد عليهما السّلام (قال: سألته عن خنزير أصاب ثوبا و هو جافّ، هل تصلح الصّلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم، و ينضحه بالماء ثمّ يصلّى فيه (الحديث)) «2».

و في الخنزير رواية أخرى مذكورة في الباب الثالث من أبواب النجاسات من «الوسائل».

و كرواية عبيد اللّه بن عليّ الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في ثوب المجوس: فقال: يرشّ بالماء) «3».

أقول: أمّا في ملاقاة الكلب و الخنزير بلا رطوبة فقد وقع الأمر بالنضح في الروايتين الأوّليتين، الكلب في الأولى و الخنزير في الثانية، و يدلّ على ذلك بعض روايات آخر، و ظاهر الأمر في الأوّل، و الجملة الخبريّة في الثانية هو الوجوب.

لكن يقال: بعد عدم قائل بالوجوب يوهن ظهور الأمر في الوجوب، و يحمل الأمر على الاستحباب.

و اعلم أن الأمر بالنضح في ملاقات الكلب و الخنزير ليس إلّا في ملاقاتهما

______________________________

(1) 3 من الباب 26 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 6 من الباب 26 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) 3 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 147

للثوب مع عدم الرطوبة. و كلام المؤلّف رحمه اللّه

اعمّ من الثوب و غيره، و التعدي مشكل لعدم الدليل. و لا نعلم بعدم خصوصيّة للثوب في هذا الحيث. و هو الحكم المخالف للارتكاز العرفي فالتّعدي بغير الثوب مشكل.

و أمّا في الكافر: فليس ما يدلّ على كون المستحب النضح في صورة ملاقاته بلا رطوبة إلّا الرواية الثالثة المتقدّمة و هي رواية الحلبي. و قد ترى أنّها في خصوص ثوب المجوس، و لا بأس بالتعدي إلى غير المجوس من الكفّار؛ لأنّ وجه الأمر بالنضح ليس إلّا كفره. و امّا التعدي بغير ثوب المجوس، فالقول باستحباب الرّش مشكل.

و على كلّ حال الأمر بالنضح في رواية الحلبي يدلّ بظاهره في حدّ ذاته على الوجوب، لكن بعد عدم وجود قائل بالوجوب يحمل على الاستحباب؛ لأنّ عدم العمل يوهن لظهوره في الوجوب.

المورد الثاني: ما أصابه عرق الجنب عن الحلال،

و ما ينقل وجها له هو ما رواها عليّ بن أبي حمزه (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن رجل اجنب في ثوبه فيعرق فيه؟ فقال: ما أرى به بأسا، و قال: انّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره، قال: فقطب أبو عبد اللّه عليه السّلام في وجه الرّجل فقال: إن أبيتم فشي ء من ماء فانضحه به) «1».

و ما رواها أبو بصير، (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القميص يعرق فيه الرّجل و هو جنب حتى يبتلّ القميص؟ فقال: لا بأس؛ و ان احبّ ان يرشّه بالماء فليفعل) «2».

بناء على اختصاص الروايتين بالجنب من الحلال جمعا بينهما و بين ما يدلّ على نجاسة عرق الجنب عن الحرام، أو شمول إطلاقهما للحلال، و هل يستفاد منهما

______________________________

(1) 4 من الباب 27 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 8 من الباب 27 من أبواب

النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 148

الاستحباب للأمر فيهما أو لا يستفاد ذلك. بل يكون نظر الإمام عدم البأس بالرّش لدفع القذارة الحاصلة في نظر السائل، فاستفادة الاستحباب مشكل؛ فتأمّل. نعم لو استفدنا من الروايتين الأمر بالنضح نحمل الأمر على الاستحباب جمعا بينها و بين ما يدلّ على عدم ترتّب شي ء عليه كرواية أبو سلمة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يعرق في ثوبه، أو يغتسل فيعانق امرأته و يضاجعها و هي حائض أو جنب فيصيب جسده من عرقها، قال: هذا كلّه ليس بشي ء) «1».

المورد الثالث: ملاقاة ما شكّ في ملاقاته لبول الفرس و البغل و الحمار،

تدلّ عليه رواية محمّد بن مسلم المذكورة في المورد الأوّل من المسألة الاولى من هذه المسائل، و وجه حمل الأمر على الاستحباب هو ما قلنا في المورد الأوّل من المسألة الاولى من هذه المسائل.

أو عدم وجود قائل بالوجوب فنحمل الأمر على الاستحباب.

المورد الرابع: ملاقاة الفأرة الحيّة مع الرطوبة و عدم ظهور أثرها،

يدلّ عليه رواية عليّ بن جعفر المذكورة في المورد الثاني من المسألة الأولى بعد حمل الأمر فيها على الاستحباب بقرينة ما يدلّ على عدم البأس بسؤر الفأرة.

المورد الخامس: ما شك في ملاقاته للبول و الدّم و المني.

أمّا فيما يشكّ في ملاقاته للبول، فيستدلّ عليه بما روى عبد الرحمن بن الحجّاج (قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل يبول باللّيل فيحسب أنّ البول أصابه، فلا يستيقن؛ فهل يجزيه أن يصبّ على ذكره إذا بال و لا يتنشّف؟ قال: يغسل ما استبان أنّه قد اصابه، و ينضح ما يشكّ فيه من جسده و ثيابه و يتنشّف قبل أن يتوضّأ) «2».

و أمّا فيما يشكّ في الملاقاة مع الدم و المني، فيستدلّ برواية رواها عبد اللّه بن سنان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان

______________________________

(1) 1 من الباب 27 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 2 من الباب 37 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 149

قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى. و إن كان لم يعلم به فليس عليه اعادة، و إن كان يرى أنّه أصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء) «1».

و اعلم: انّ الرواية هكذا بنقل الوسائل، و كما نقل في جامع أحاديث الشيعة عن الكافي و التهذيب و الاستبصار يكون متنها كما ذكر في «الوسائل»، لكن لم يكن فيها كلمة «أو دم» في الجملة الثانية بنقل الكافي، و لكن بنقل التهذيب و الاستبصار يكون فيها كلمة «أو دم» في الجملة الثانية.

فلهذا نقول بعد وجود كلمة «دم» في الجملة

الأولى بنقل كلّ من الكتب الثلاثة و «الوسائل» تدلّ الرواية على كون السؤال من كلّ من الجنابة و الدم.

فإن كان الصادر عن المعصوم عليه السّلام في الجواب ما رواها التهذيب و الاستبصار فأجاب عليه السّلام عن كلّ من الجنابة و الدم يستفاد النضح في كلّ منهما إذا نظر و لم ير شيئا.

و إن كان الصادر ما رواها في الكافي فاقتصر عليه السّلام في مقام الجواب بجواب الجنابة. و هذا خلاف الظّاهر.

فإمّا ان يقال: كون المناسب الجواب عن كلّ من الجنابة و الدّم، يشهد على تماميّة نقل التهذيب و الاستبصار. أو بأنّ الاقتصار في الجواب على ذكر الجنابة يمكن أن يكون من باب الاختصار، و إلّا حكم الدّم حكم الجنابة و لم يبيّن الدم في الجواب؛ لأنّه يستفاد من ذكر الجنابة. فلهذا تدلّ الرواية على النضح في اصابة الجنابة و الدم للثوب فيما يرى أنّه أصابه فنظر و لم ير شيئا.

و يدلّ في خصوص المني، رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الّذي أصابه، فإن ظنّ أنّه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء، و إن استيقن انّه قد أصابه مني و لم ير مكانه فليغسل

______________________________

(1) 3 من الباب 40 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 150

ثوبه كلّه فانّه احسن) «1».

وجه حمل الأخبار على الاستحباب هو ما قلنا من إنّه بعد عدم القول بالوجوب من جلّ الفقهاء أو كلّهم، يوجب وهن الأخذ بظهور الأمر في الوجوب، بل يحمل على الاستحباب و مطلق الرجحان.

المورد السادس: ما إذا لاقى الشي ء مع الصّفرة الخارجة

من دبر صاحب البواسير؛ و وجهه رواية رواها صفوان (قال: سأل رجل

أبا الحسن عليه السّلام و أنا حاضر، فقال:

انّ بي جرحا في مقعدي فأتوضّأ ثمّ استنجى ثمّ أجد بعد ذلك النوى و الصّفرة تخرج من المقعدة، أ أعيد الوضوء؟ قال: قد أنقيت؟ قال: نعم قال (لا) و لكن رشّه بالماء، و لا تعد الوضوء) «2».

فيحمل الأمر بالرّش على الاستحباب كما قلنا في المورد السابق و بعض موارد الآخر.

و اعلم أنّ مورد الرواية كما يظهر من نصّ الشرّاح هو من كان جرحا في مقعده لا البواسير كما عنون المؤلف رحمه اللّه كاستحباب الرّش يكون فيمن يكون الجرح في مقعده ثمّ يجد النوى و الصّفرة تخرج عن مقعده.

المورد السابع: استحباب رشّ الماء في معبد اليهود و النصارى و المجوس

إذا أراد أن يصلّي فيه، و وجهه رواية رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن الصّلاة في البيع و الكنائس، و بيوت المجوس؟ فقال: رشّ و صلّ) «3».

و الرواية (1) من الباب (14) من أبواب مكان المصلّى من «الوسائل».

و الرواية (2) من الباب (14) من أبواب مكان المصلّى من «الوسائل» في خصوص

______________________________

(1) 4 من الباب 16 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) 3 من الباب 16 من أبواب نواقض الوضوء من «ل».

(3) 2 من الباب 13 من أبواب مكان المصلّى من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 151

بيوت المجوس و قد تعرّضنا للمسألة في طيّ المسألة الرابعة من المسائل الّتي مرّ من المؤلّف رحمه اللّه لها في طيّ عدد النجاسات فراجع.

أمّا الاستحباب، فلما عرفت وجهه في المورد السابق.

و أعلم انّ عنوان المؤلّف رحمه اللّه معبد اليهود و النصارى و المجوس، و لكن كان مورد الرّواية بيوت المجوس.

ثمّ أنّه قال بعض الاعاظم قدّس سرّه فى المستمسك في وجه حمل الأمر بالرشّ في

هذه الموارد المذكورة على الاستحباب هو الإجماع، أو القرينة القطعيّة على عدم الوجوب.

أقول: امّا الإجماع فيدور مدار تحصيله؛ و أمّا القرينة القطعيّة فإن كانت ما قلنا من انّ الفقهاء رضوان اللّه عليهم مع رؤيتهم هذه الأخبار و نقلها في كتب بعضهم لم يفتوا بالوجوب، و لذلك يوهن ظهور الأمر في الوجوب. فهذه الموارد و ان كان النّظر من القرينة إلى غير ذلك، فلا نجد قرينة اخرى قطعيّة دالّة على كون الأمر في الموارد أمرا استحبابيّا.

المسألة الثالثة: في الموارد الّتي قال المؤلّف رحمه اللّه بأنّه يستحبّ فيها المسح بالتراب، أو الحائط.
المورد الأوّل: في مصافحة الكافر الكتابي بلا رطوبة

يدلّ عليه الرواية المذكورة في المورد الثالث من موارد الغسل؛ و فيها قال عليه السّلام في مصافحة الذّمّي بلا رطوبة: «امسحها بالتراب، أو بالحائط».

و الكلام في دلالة الرواية و استفادة الاستحباب مضى في المورد المذكور. نعم، حكى عن بعض القدماء الفتوى بوجوب المسح، و عن بعضهم الاستحباب؛ و لكن بعد ما عرفت في المورد المذكور كون رواية القلانسي ذي احتمالين، لا يمكن الأخذ بأحدهما؛ و الرّواية مجملة. نعم، لا بأس بالمسح رجاء. فافهم.

المورد الثاني: في استحباب المسح بالتراب،

أو الحائط في مسّ الكلب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 152

و الخنزير بلا رطوبة.

المورد الثالث: في مسّ الثعلب و الارنب.

و اعلم انّه لا يكون فيما بأيدينا من النصوص ما يدلّ على استحباب المسح في الموردين الأخيرين. نعم أفتى به بعض الفقهاء؛ فيقال باستحباب المسح فيهما من باب التسامح في ادلّة السّنن. و انّه يكفي فيه حتّى فتوى فقيه؛ و لكن بناء على الإشكال في اثبات الاستحباب، باخبار من بلغ لا بأس بالمسح رجاء. فافهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 153

فصل: في ما إذا علم نجاسة شي ء يحكم ببقائها ما لم يثبت تطهيره

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 155

قوله رحمه اللّه

فصل إذا علم نجاسة شي ء يحكم ببقائها ما لم يثبت تطهيره؛ و طريق الثبوت امور:

الأول: العلم الوجداني.

الثاني: شهادة العدلين بالتطهير، أو بسبب الطهارة و إن لم يكن مطهّرا عند هما، أو عند أحد هما؛ كما إذا أخبرا بنزول المطر على الماء النّجس بمقدار لا يكفي عندهما في التطهير، مع كونه كافيا عنده؛ أو اخبرا بغسل الشي ء بما يعتقدان أنّه مضاف و هو عالم بأنّه ماء مطلق و هكذا.

الثالث: إخبار ذي اليد، و ان لم يكن عادلا.

الرابع: غيبة المسلم على التفصيل الّذي سبق.

الخامس: إخبار الوكيل في التطهير بطهارته.

السادس: غسل مسلم له بعنوان التطهير، و إن لم يعلم أنّه غسله على الوجه الشرعي أم لا، حملا لفعله على الصحّة.

السابع: اخبار العدل الواحد عند بعضهم؛ لكنّه مشكل.

(1)

أقول: إذا علم بنجاسة شي ء يحكم ببقائها، ما لم يثبت تطهيره؛ للاستصحاب

و طريق ثبوت التطهير امور:

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 156

الأوّل: العلم الوجداني؛

و قد مضى في طريق ثبوت النجاسة الكلام في حجيّة العلم و انّه حجّة ذاتا، و انّه طريق إلى الواقع.

الثاني: شهادة العدلين؛

و قد مضى الكلام في حجيّته في تلك المباحث. و لا فرق بين اخبارهما بالطهارة، أو بسبب الطهارة، و إن لم يكن عند كلّ من الشاهدين أو عند أحد هما سببا للتطهير، و لكن يكون كافيا عن من يستمع الشهادة؛ مثل المثالين المذكورين في كلام المؤلّف رحمه اللّه.

الثالث: إخبار ذي اليد،

إذا لم يكن متّهما؛ لما عرفت في تلك المباحث.

الرابع: غيبة المسلم

على التفصيل الّذي سبق في كيفيّة مطهّرية غيبة المسلم.

الخامس: إخبار الوكيل في التطهير بطهارته.
اشارة

اعلم: انّ طريقيّة إخبار الوكيل في الطهارة بعنوان الوكيل لم يرد فيما بأيدينا من الأخبار.

و ما رواها هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل وكّل آخر على وكالة في أمر من الأمور، و أشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر فقال: اشهدوا انّي قد عزلت فلانا عن الوكالة، فقال: إن كان الوكيل أمضى الأمر الّذي وكّل فيه قبل العزل فإنّ الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل، كره الموكّل أم رضى. قلت: فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل، أو يبلغه أنّه عزل عن الوكالة، فالأمر على ما أمضاه. قال: نعم. قلت له: فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثمّ ذهب حتّى أمضاه، لم يكن ذلك بشي ء؟ قال: نعم، انّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماض أبدا، و الوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه، أو يشافه بالعزل عن الوكالة) «1»؛

أقول: و إن قال عليه السّلام فيها: «انّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماض

______________________________

(1) من الباب 2 من أبواب الوكالة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 157

أبدا و الوكالة ثابتة» (الخ) لكن النظر فيها يكون إلى انّ الموكّل ملتزم بأخذ ما أنفذه الوكيل و لو كان على ضرره. و ليست الرواية في مقام حجيّة قوله بالنسبة إلى ما يكون بنفع الموكّل أو لم يكن بضرره و لا بنفعه. و بعبارة أخرى الموكّل مأخوذ بما أخذ الوكيل و إن كان مكروها له. و هذا غير مربوط بما وكّل في غسل شي ء و يخبر بطهارته بنفع الموكّل.

إذا

عرفت ذلك نقول:

ما يمكن أن يكون وجها لحجّيّة قول الوكيل أمران:
الامر الأوّل: دعوى شمول دليل اعتبار قول ذي اليد له،

بأن يقال بعد كون العمدة في اعتبار قول ذي اليد هو استقرار سيرة العقلاء على الأخذ بقول كلّ من يخبر عمّا يكون تحت استيلائه و يده و قدرته و اختياره بالخصوصيّات التي تحت يده.

و هذه الطريقة من العقلاء ليست منشأة إلّا كون أمر ذلك الشّي ء بيده و تحت نفوذه و استيلائه، و إن لم يكن ذلك الاستيلاء من باب كونه ملكه. و لهذا يقبل قوله و إن كان مأذونا في التّصرّف في ذلك الشّي ء، بل و إن لم يكن مأذونا و كان غاصبا. و إذا كان الأمر كذلك، يجرى هذه الطريقة بالنسبة إلى الوكيل أيضا. فقوله حجّة فيما يقع تحت وكالته و تصرّفه بعنوان الوكالة. فإنّ الملاك واحد و هو أنّ كلّ من يكون أمر شي ء راجعا إليه سواء كان مالكا له أو مأذونا من قبله، أو وكيلا يؤخذ بقوله و عمله؛ لأنّ كلّ ذي عمل مؤتمن على عمله بنظر العقلاء، و عليه سيرتهم و لذا يؤخذ بقول الخدمة و الجواري في غسل ما في تحت يدهم.

و امره راجع إليهم؛ و هذه السيرة حجّة لعدم ردع الشارع عن هذه الطريقة، مضافا إلى تأييد هذه السيرة باعتبار الشارع قول العصّار و الخرّار و الحجّام. و ليس اعتبار قولهم إلّا من باب كون الأشياء تحت نظرهم، و هم مؤتمنون في عملهم.

الأمر الثاني: ان يقال بأنّ ما نرى من اعتبار الشارع في موارد مختلفة

قول من يكون أمر شي ء يوكل إليه في باب التطهير، و هو ذي الأمر في هذا الشي ء سواء كان ملكا له أو لا، نكشف من اعتبار الشّارع حجيّة قول كلّ من يكون إيكال أمر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 158

إليه و تحت نظره و استيلائه. و فيها صورة صيرورة الشخص وكيلا و

هي الاخبار الواردة في الخرّار و العصّار و الحجّام، و لم يذكر في الجواهر هذه الأخبار. و ربما يكون النظر إلى روايات نذكرها:

منها ما رواها عبد اللّه على عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قل سألته عن الحجامة أ فيها وضوء؟ قال: لا و لا يغسل مكانها لان الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه و لم يكن صبيّا صغيرا) «1».

وجه الاستدلال: حجيّة قول الحجّام في اخباره بمجرّد كون امر الحجامة بيده، و هذا ليس إلّا من باب أنّ كلّ ذي عمل مؤتمن في عمله و لا خصوصيّة للحجامة.

أقول: أنّ الرواية و ان كانت مضطربة المتن لكن يستفاد منها عدم وجوب الغسل من باب كون الحجام مؤتمن و لا خصوصيّة للحجام، فإذا كان أمر شي ء بيده غير الحجام فهو مؤتمن في قوله.

و منها ما رواها معاوية بن عمار (قال سألته أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم اخباث و هم يشربون الخمر و نساؤهم على تلك الحال ألبسها و لا اغسلها و اصلي فيها، قال نعم، قال معاوية فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له ازرارا و رداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها إلى الجمعة) «2».

وجه الاستدلال، ان الامام عليه السّلام لبسها قبل أن يغسلها و هذا ليس الا من باب كونه تحت استيلائه.

و فيه. أن ذلك يكون لاصالة الطهارة لأنه لا يدري تنجس أم لا، لأنه لا يدري لاقاه المجوسي مع الرطوبة أم لا فهو محكوم بالطهارة.

و منها ما رواها عمر بن اذينة عن فضيل و زرارة و محمد بن مسلم (انهم سألوا

______________________________

(1) الرواية 1 من

الباب 56 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 1 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 159

أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الاسواق و لا يدري ما صنع القصّابون، فقال: كل ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه) «1».

و هذه الرواية لا تدلّ على حجية قول ذي اليد بما هو ذي اليد و في تحت نظره، بل من باب كونه في سوق المسلمين، فلم تكن مربوطة بما نحن فيه.

السادس: غسل مسلم له بعنوان التطهير،

و إن لم يعلم أنّه غسله على الوجه الشرعي أم لا، وجهه على ما قاله المؤلّف رحمه اللّه حمل فعل المسلم على الصّحّة.

و استشكل بعض المحشّين، و قال: لا يكون غسل المسلم من طرق ثبوت الطهارة إلّا فيما يحصل الاطمينان.

و لعلّ وجه الاشكال هو انّ ما يدلّ عليه أدلّة أصالة الصّحّة ليس إلّا ان ما فعله المسلم، و كان فعله ذا وجهين، وجه صحّة و وجه فساد، يحمل فعله على الصّحّة.

فمن يرى أن مسلما يشرب من آنية كانت نجسه سابقا مع علمه بالنجاسة، يحمل فعله على الصّحّة لا على الفساد فلا يقل انّه شرب النجس بل يحمل فعله على أنّه يشربه مبنيّا على طهارته.

و امّا انّ هذا الإناء محكوم بالطهارة بحيث يجوز للآخر استعماله فيما يشترط بالطهارة، فلا يستفاد من أصالة الصحّة، إلّا أن يقال بأنّها من الإمارات و يثبت بها لوازمها أيضا.

السابع: اخبار العدل الواحد،

و قد بيّنا لك سابقا في المسألة 6 من المسائل المتفرّعة بماء البئر و في طريق ثبوت النجاسة انّه لا يثبت بقوله النجاسة إلّا إذا حصل الاطمينان من قوله فكذلك في المقام.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من أبواب الذبائح من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 160

[مسألة 1: إذا تعارض البيّنتان أو إخبار صاحبي اليد]

قوله رحمه اللّه

مسألة 1: إذا تعارض البيّنتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير و عدمه، تساقطا و يحكم ببقاء النجاسة. و إذا تعارض البيّنة مع أحد الطرق المتقدّمة ما عدا العلم الوجداني تقدّم البيّنة.

(1)

أقول: أمّا الكلام فيما تعارض البيّنتان، فنقول كما بيّنا سابقا في المسألة السابعة من المسائل المتفرّعة على ماء البئر، تارة يكون مستند شهادتهما واحدة، و تارة يكون مستند شهادة أحد هما العلم و الآخر الأصل؛ ففي- الصّورة الاولى تساقطا، لأنّه بعد فرض كونهما طريقا فمع التعارض تساقطا عن الحجّيّة و الطريقيّة؛ و أمّا في الصّورة الثانية تقدّمت البيّنة الّتي مستندها العلم على البيّنة الّتي مستندها الأصل؛ لأنّ التعارض في الحقيقة يكون بين مستند هما و هو العلم و الأصل و لا اشكال في انّه مع العلم لا مجال لإجراء الأصل؛ لأنّ البيّنة المستندة إلى العلم يخبر عن الواقع بخلاف الثاني.

و امّا إذا تعارضا صاحبي اليد في اخبارهما، مثلا يكون اناء تحت يد رجلين و كان سابقا نجسا، فيخبر أحد هما بتطهيره فعلا و يخبر الآخر بنجاسته فعلا، فله صورتان كما عرفت في تعارض البيّنتين، و قد بيّنا في المسألة 11 من المسائل المتفرّعة على طريق ثبوت النجاسة.

و امّا إذا تعارض بعض الطريق المثبتة للطهارة مع بعض الآخر، فنقول: أمّا لو تعارض البيّنة مع العلم، مثلا يعلم فعلا بالنجاسة و الحال أنّ

البيّنة أو ذي اليد أو الوكيل أو المسلم الّذي غسله أو العدل الواحد يخبر بالطهارة، فلا اشكال في انّه يؤخذ بالعلم؛ لأنّه معه لا مجال لواحد منها، و كذا لو تعارض ساير الطرق مع العلم.

و أمّا لو تعارض بعضها مع بعض الآخر غير العلم مثلا، فإن تعارضت البيّنة مع اليد، فتارة يكون مستند هما واحدا، مثل ما يكون مستند كلّ منهما العلم، فلا اشكال في تقديم البيّنة، لما عرفت في الأصول في وجه تقديم البيّنة على اليد، من باب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 161

أنّه لو لم تكن البيّنة حجّة في مورد اليد الدّالّة على خلافها يلزم تخصيص الأكثر في دليل البيّنة؛ لأنّ اكثر موارد البيّنة تكون يده على خلافها، فلهذا تقدّم البيّنة على اليد، و كذلك فيما يكون مستند البيّنة العلم، و مستند اليد الأصل، تقدّم البيّنة على اليد.

و أمّا إذا كان مستند اليد العلم، و مستند البيّنة الأصل، فهل تقدّم البيّنة أو يقدّم اليد من باب كون مستندة العلم، فنقول: مع ذلك بتقديم البيّنة لما قلنا في وجه تقديمها في صورة كون مستند هما العلم.

أمّا لو تعارضت البيّنة مع سائر الطرق، امّا العدل الواحد فلا يقاوم العدل الواحد مع البيّنة، إلّا إذا حصل الاطمئنان منه، و حينئذ يكون كالعلم.

و أمّا إخبار الوكيل، و كذا غيبة المسلم؛ لأنّ دليل حجّية اخبار الوكيل ان كانت سيرة العقلاء، فليست سيرتهم متعارضة مع البيّنة. و كذا غيبة المسلم. و العمدة في كونها طريقا للتطهير هي السيرة المتشرّعة، و ليست السيرة مع وجود البيّنة.

***

[مسئلة 2: إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البيّنة على تطهير أحد هما]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البيّنة على تطهير أحد هما الغير المعيّن أو المعيّن، و اشتبه

عنده أو طهّر هو أحدهما ثمّ اشتبه عليه، حكم عليهما بالنجاسة عملا بالاستصحاب بل يحكم بنجاسة ملاقي كلّ منهما، لكن إذا كانا ثوبين و كرّر الصّلاة فيهما صحّت.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا علم بنجاسة شيئين، فقامت البيّنة على تطهير أحدهما الغير المعيّن.

فهل يحكم بنجاستهما عملا بالاستصحاب أو لا يحكم بنجاسة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 162

كلّ منهما لعدم جريان الاستصحاب، بل نقول بنجاسة أحد هما، فلا يحكم إلّا بنجاسة أحد هما الغير المعيّن و إن كان يجب الاجتناب عن كلّ منهما من باب المقدّمة العلميّة.

قد يقال بجريان استصحاب النجاسة في كلّ واحد منهما؛ لأنّ المقتضى لإجرائه و هو اليقين السابق و الشّك اللّاحق موجود، و المانع مفقود؛ لأنّه ما يتوهّم كونه مانعا هو العلم الإجمالي بطهارة أحد هما. و على الفرض لا يوجب اجراء الاستصحاب مخالفة عمليّة قطعيّة للعلم الإجمالي؛ لأنّ مقتضى العلم الإجمالي هو نجاسة أحدهما و أثره الاجتناب عن الأطراف فإجراء الاستصحاب لا يوجب المخالفة العلميّة القطعيّة للعلم الإجمالي.

و لكن الظاهر من الشيخ الأنصاري رحمه اللّه (هو عدم جريان الاستصحاب في المورد في الاطراف، و وجهه كما يظهر من كلامه مع ما ذكر في بيان مراده هو أنّ العمدة في حجيّة الاستصحاب بناء على المختار من كونه حجّة من باب الأخبار كخبر زرارة و فيه قال عليه السّلام: «لا تنقض اليقين بالشكّ و لكن تنقضه بيقين آخر» فلو كان اليقين في الصّدر و الذّيل هو الأعمّ من اليقين التفصيليّ و الإجمالي يوجب حصول التناقض بين الصدور و الذّيل في مثل ما نحن فيه، مثلا إذا علم بنجاسة شيئين أو بوجوبهما ثمّ علم اجمالا بطهارة أحد هما الغير المعيّن، أو علم اجمالا بحلّيّة أحد هما في المثال الثاني، فإن كان اليقين

في صدر الرواية و هو قوله: «لا تنقض اليقين بالشّكّ» اعمّ من التفصيلي و الاجمالي يكون معناه النهي عن نقض اليقين التفصيلي و الاجمالي بالشك.

و ان كان اليقين في الذيل مثل الصدر، معناه وجوب نقض الشّكّ باليقين سواء كان هذا اليقين تفصيليّا أو اجماليّا.

ففي المسألة اقتضاء الصدر عدم نقض اليقين و الحكم ببقاء النجاسة أو الوجوب، و ان كان هذا اليقين يقينا اجماليّا لزوال اليقين التفصيلي بالعلم الاجمالي بطهارة أحد هما الغير المعيّن، أو حلّيّة أحد هما الغير المعيّن. و اقتضاء الذيل نقض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 163

الشّكّ باليقين و عدم الحكم بالبقاء؛ لأنّه يعلم اجمالا بطهارة أحد هما، أو حلّيّة أحد هما الغير المعيّن، فيقع التناقض بين الصدر و الذيل. و بعد وقوع التنقاض لا بدّ إمّا من حمل اليقين في خصوص الصدر على اليقين التفصيلي، و حمل اليقين في خصوص الذيل على الأعمّ من التفصيليّ و الاجمالي، و تكون النتيجة جواز النقض إذا لم يكن حين الشكّ اليقين التفصيلي باقيا، و معناه عدم جواز الاستصحاب في مثل المورد؛ لأنّه على هذا يكون نقض اليقين باليقين، لا بالشّكّ.

و إمّا من حمل اليقين في الذيل على خصوص التفصيليّ، و حمل الصدر على الأعمّ من التفصيليّ و الاجماليّ؛ و تكون النتيجة اجراء الاستصحاب في المورد في كلّ من الشيئين، فيجري استصحاب النجاسة في كلّ من الشيئين، أو استصحاب الوجوب في كلّ منهما في المثال الثاني؛ لأنّ عدم ترتيب آثار اليقين السابق يكون نقض اليقين بالشّكّ، لا باليقين؛ لعدم اليقين التفصيلي على خلاف الحالة السابقة؛ لأنّ المراد باليقين في الذيل على هذا الفرض هو خصوص التفصيلي من اليقين.

إذا عرفت وقوع التناقض بين

الصدر و الذيل و لأبديّة التصرّف في أحد هما، يكون المتعيّن التصرّف في الصدر، لكون الذيل أظهر في العموم (لكون اليقين في الذيل نكرة، و بعد عدم كون يقين خاصّ مذكورا في القضيّة لا بدّ من حمله على العموم، بخلاف الصدر؛ فإنّه يمكن أن يكون اليقين هو اليقين الخاصّ و هو التفصيليّ).

فتكون الثمرة عدم جريان الاستصحاب في المورد؛ لأنّ الصدر هو اليقين التفصيليّ. و قد ذهب بالعلم الاجمالي بطهارة أحد هما الغير المعين في المثال الأوّل أو حلّيّته في المثال الثاني.

و لا يكون عدم الأخذ باليقين السابق من نقض اليقين بالشكّ. بل هو من نقض اليقين باليقين للعلم الاجمالي بالنقض في أحد الطرفين. و اليقين في الذيل على الفرض هو اليقين الأعمّ من التفصيليّ و الإجمالي.

ثمّ أنّه بعد كون بعض الروايات الواردة في الاستصحاب مذيّلة بذيل و هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 164

قوله عليه السّلام: «و لكن تنقضه بيقين آخر»، أو قريب من هذه العبارة، يقال: بأنّه يحمل سائر الروايات الّتي لم يكن فيها هذا الذيل بما قلنا أي خصوص اليقين التفصيليّ بقرينة السياق، ففيما يكون العلم الاجماليّ بنقض الحالة السابقة لا مجال للاستصحاب لعدم شمول «لا تنقض اليقين بالشكّ» له.

ثمّ أنّه أورد على كلام الشيخ رحمه اللّه تارة بأنّ الذيل و هو وجوب النقض باليقين ليس حكما شرعيّا بل هو حكم عقليّ؛ لأنّ اليقين حجّة عقلا لا يناله يد الجعل، به لا اثباتا و لا نفيا. و بعد كونه حكم العقل و لم يكن حكم الشرع فلا يقع تناقض بين الصدر و الذيل، و حكم العقل بنقض اليقين باليقين لا يقتضي إلّا عدم امكان الحكم ببقاء ما علم اجمالا

طهارته، لا عدم جواز الحكم ببقاء كلّ من الطرفين، و استصحاب نجاستهما.

نعم، لو كان للعلم الاجمالي أثر عمليّ لزوميّ يوجب اجراء الاستصحاب في الأطراف مخالفة هذا الأمر اللّزوميّ، فلا مجال للاستصحاب في الاطراف.

و ثارة بأنّه على فرض الالتزام في رواية زرارة بالتصرّف في الصدر أو الذيل لرفع التناقض، و لهذا نلتزم بالتصرّف في الصدر، نقول: إنّ بعض الروايات الواردة في الاستصحاب الّذي لم يكن له هذا الذيل، لا مانع من الأخذ بعمومه. و انّه لا ينقض اليقين سواء كان تفصيليّا أو اجماليّا بالشكّ؛ فتكون النتيجة اجراء الاستصحاب في كلّ من الشيئين فيما نحن فيه.

و بعبارة أخرى: اجمال رواية زرارة من حيث انّ الصدر له العموم أو ذيلها لا يوجب الاجمال في سائر الروايات.

و فيه: انّه ما قيل من عدم لزوم التناقض بين صدر الرواية و ذيلها لعدم كون الذيل حكما شرعيّا، بل هو حكم العقل، لا يوجب رفع التناقض؛ لأنّ حكم العقل على هذا يكون بنقض اليقين باليقين. و بعبارة أخرى: الأخذ باليقين، و مقتضى ذلك ترتيب أثر اليقين السابق ما لم يتيقّن بالخلاف، و مع اليقين بالخلاف يعمل به، فحكم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 165

الشارع بالبقاء و التعبّد به مع اليقين بالخلاف حكم على خلاف اليقين. و الحال انّه لا يمكن الجعل على خلاف اليقين، كما لا يمكن الجعل على وفقه، كما عرفت في مبحث القطع في الاصول؛ فلا يمكن الجمع بين عموم الصدر و عموم الذيل، فلا بدّ من التصرّف إمّا في الصدر أو في الذيل كما قاله الشيخ الانصاري رحمه اللّه. و بعد لأبديّة التصرّف يتصرّف في الصدر كما عرفت. مضافا إلى أنّه مع اليقين بالنقض في

أحد الطرفين و معناه العلم بطهارة أحد هما كيف يمكن التعبّد بنجاستهما من ناحية الشارع؟!

و أمّا ما قيل من ان التعارض بين الصدر و الذيل، و لو فرض اجمال رواية زرارة يكفي لنا باقي الاخبار.

ففيه: انّه على ما عرفت لا يوجب التعارض اجمال الرواية، بل نجمع بين الصدر و الذيل بالتصرّف في الصدر كما هو الدأب بالجمع بين النصّ و الظاهر، و الظاهر و الأظهر فلا يوجب اجمال في رواية زرارة و بعد عدم اجمال فيها، لا بدّ من حمل ساير الروايات على ما حمل عليه رواية زرارة لكون سياقهما واحدا.

مضافا إلى انّه لو فرض اجمال رواية زرارة أو لم يكن لها الذيل، و كان كلّ الروايات الواردة مقتصرة على الصدر، فنقول: انّ مفاد الصدر هو عدم وجوب نقض اليقين بالشكّ، فإذا علم بنقض اليقين السابق في أحد هما، ففي كلّ منهما يحتمل أن لا يكون النقض من نقض اليقين. بالشكّ؛ بل يكون باليقين فيكون المورد من موارد الشبهات المصداقيّة لهذا العام. أي لا تنقض اليقين بالشكّ، فلا مجال للتمسّك بالعموم في المورد؛ فلا يشمل العموم واحدا من الطرفين. فتكون النتيجة عدم اجراء الاستصحاب في هذين الشيئين فافهم.

فلا يجري استصحاب النجاسة في الشيئين إذا علم بطهارة أحد هما الغير المعيّن، أو قامت البيّنة على طهارة أحدهما الغير المعيّن. و على هذا لا يكون ملاقى أحدهما نجسا. نعم، إذا لاقى شي ء مع كلّ منهما مع الرطوبة المسريّة يوجب تنجّس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 166

هذا الشي ء.

الصورة الثانية: إذا قامت البيّنة على نجاسة أحدهما المعيّن ثمّ اشتبه عنده،

أو طهّر أحد هما المعيّن ثمّ اشتبه عليه، لا اشكال في عدم مجال للحكم بنجاسة كلّ منهما تمسّكا بالاستصحاب، لأنّه بعد ما يكون المعلوم طهارة أحد

هما فهو لا يعلم بأنّ هذا المعيّن هو النجس أو ذاك المعيّن يكون نجسا حتى يتصوّر الشكّ في بقائه على النجاسة حتّى يستصحب نجاسته، و ما يعلم بنجاسته هو أحد هما الغير المعيّن و هو بوصف كونه غير المعيّن يعلم ببقائه على النجاسة، و لا يكون شاكّا في بقائه على النجاسة حتّى يستصحب، فأحد هما الغير المعيّن معلوم النجاسة و لا شكّ فيه، و أحد هما المعيّن لا يدري أنّه هو النجس حتّى يستصحب نجاسته، فلا مجال لاستصحاب نجاستهما، فلا يحكم بنجاسة كلّ منهما بالاستصحاب، فما قاله المؤلف رحمه اللّه لا يتمّ عندنا.

نعم، إن كانا ثوبين و كرّر الصّلاة فيهما صحّت صلاته؛ لأنّه قلنا: الحقّ الاكتفاء بالموافقة الاجماليّة حتّى مع التمكّن عن الموافقة التفصيليّة.

***

[مسأله 3: إذا شكّ بعد التطهير و علمه بالطهارة في أنّه هل أزال العين أم لا؟]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 3: إذا شكّ بعد التطهير و علمه بالطهارة في أنّه هل أزال العين أم لا؟ أو أنّه طهّره على الوجه الشرعي أم لا؟

يبنى على الطهارة، إلّا أن يرى فيه عين النجاسة. و لو رأى فيه نجاسة و شكّ في أنّها هي السابقة أو أخرى طارئه بنى على أنّها طارئه.

(1)

أقول: للمسألة صور:

الصورة الأولى: إذا شكّ بعد التطهير و علمه بالطهارة،

في أنّه هل زال العين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 167

أم لا؟ فهل يقال يبنى على الطهارة مطلقا، أو على النجاسة مطلقا، أو الطهارة إذا كان يحتمل توجّهه بوجود العين و يحتمل ازالتها حين التطهير، و النجاسة إذا لم يكن متوجّها بوجود العين أو لو كان متوجّها يعلم بكونه غافلا عنه حين التطهير.

أقول: إن قلنا بأنّ اصالة الصحّة، و بعبارة أخرى قاعدة الفراغ تجري فيما يكون المكلّف محتملا ذكره حال الفعل باعتبار ما في بعض الأخبار من قوله: «لأنّه حين العمل اذكر»، لا بدّ أن يقال بالاحتمال الثالث، و هو التفصيل بين ما يحتمل توجّهه و ازالتها، و بين ما لا يحتمل ذلك، و إلّا لا بدّ من الالتزام بالاحتمال الأوّل لأصالة الصحّة، و لا وجه للاحتمال الثاني و لا يبعد كون الوجه الوجيه هو الاحتمال الثالث.

الصورة الثانية: إذا شكّ في أنّه طهّره على الوجه الشرعي أم لا،

فلا اشكال في البناء على الطهارة؛ لأنّه بعد كون البناء على التطهير الشرعي، فيحكم بذلك بمقتضى اصالة الصحّة.

الصورة الثالثة: ما إذا رأى نجاسة فيما طهّره و لا يدري انها السابقة، أو نجاسة طارئه،

يبنى على كونها طارئه؛ لأنّ هذا الشكّ لا يوجب رفع اليد عن اصالة الصحّة في فعله، و هو على الفرض طهّر النجاسة السابقة.

***

[مسئلة 4: إذا علم بنجاسة شي ء و شكّ في أنّ لها عينا أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا علم بنجاسة شي ء و شكّ في أنّ لها عينا أم لا، له أن يبنى على عدم العين، فلا يلزم الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على تقدير وجودها، و إن كان أحوط.

(1)

أقول: وجوب الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على فرض وجودها إن كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 168

من باب ارتفاع أثر يترتّب على نفس العين، لأنّ وجود العين مانع عن طهر المحلّ، فيمكن البناء على عدمها باستصحاب عدمها؛ و إن كان من باب ارتفاع أثر يترتّب عليه للمحل المحتمل وجود العين فيه، لأنّه ان كانت العين في المحلّ، لا يصل الماء بالمحلّ، فاستصحاب عدم العين لا يثبت وصول الماء بالمحلّ و طهارته، فإذا الاقوى الغسل بمقدار يعلم بزوال العين إن كانت فرضا موجودا.

***

[مسئلة 5: الوسواسيّ يرجع في التطهير إلى المتعارف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: الوسواسيّ يرجع في التطهير إلى المتعارف، و لا يلزم أن يحصل له العلم بزوال النجاسة.

(1)

أقول: بعد ما عرفت في فصل طريق ثبوت النجاسة عدم اعتبار علم الوسواسي في النجاسة، و بعد ما نعلم بعدم سقوط التكليف عنه، لا بدّ من ارجاعه في التطهير إلى المتعارف، فإن كان المتعارف زوال النجاسة يكتفي به، و ان لم يعلم هو بزوالها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 169

فصل: في حكم الأواني

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 171

قوله رحمه اللّه

فصل في حكم الأواني مسئلة: لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين، أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة، من الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل، بل الاحوط عدم استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة أيضا، و كذا غير الظروف من جلد هما، بل و كذا سائر الانتفاعات غير الاستعمال، فإنّ الاحوط ترك جميع الانتفاعات منهما.

و أمّا ميتة ما لا نفس له كالسمك و نحوه، فحرمة استعمال جلده غير معلوم، و إن كان أحوط؛ و كذا لا يجوز استعمال الظروف المغصوبة مطلقا،

و الوضوء و الغسل منها مع العلم باطل مع الانحصار، بل مطلقا. نعم، لو صبّ الماء منها في ظرف مباح فتوضّأ أو اغتسل، صحّ، و إن كان عاصيا من جهة تصرّفه في المغصوب.

(1)

أقول: يقع الكلام في المسألة في جهات:

الجهة الأوّلى: في عدم جواز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين

أو الميتة، فيما يشترط فيه الطّهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 172

و الكلام فيها إن كان في نفس جواز استعمالها مع قطع النظر عن نجاسة ما يقع فيها لتنجّسه بها، فمن هذا الحيث هو من صغريات ما نتعرّض له في الجهة الثانية.

و إن كان من باب تنجّس ما يقع فيها من الماء أو غيره، فلا يجوز استعماله في الأكل و الشّرب بالحرمة التكليفيّة، و في الوضوء و الغسل بالحرمة الوضعيّة فيما لم يكن على وجه التشريع، و الحرمة التكليفيّة أيضا إذا كان على وجه التشريع، فهو و إن كان الاستعمال حراما، لكن يكون مرجع عدم جواز الاستعمال إلى عدم جواز هذه الأمور من الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل.

الجهة الثانية: هل يجوز مطلق الاستعمال

و لو كان في غير ما يشترط فيه الطهارة أم لا؟

أعلم: انّه قد أمضينا في المسألة 31 من المسائل المتعلّقة بنجاسة الميتة، و في احكام النجاسات إنّ المحرّم هو بيع الميتة و الاعيان النجسة.

و امّا الانتفاع بها و استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة جائز.

الجهة الثالثة: يجوز استعمال غير الظرف من جلد الميتة

ممّا تكون له نفس سائلة و نجس العين، لما عرفت في المسألة 31 من المسائل المتفرّعة على نجاسة الميتة، و في احكام النجاسات.

الجهة الرّابعة: يجوز مطلق الانتفاعات بنجس العين

و ميتة ما كانت له نفس سائلة، الغير المشروطة بالطهارة؛ لما عرفت في بحث الميتة، و في أحكام النجاسات.

الجهة الخامسة: هل يجوز استعمال ميتة ما لا نفس له

كالسّمك و نحوه أم لا؟

أقول: أمّا الاستعمال و الانتفاع بغير البيع فجائز؛ لعدم دليل على المنع، خصوصا بعد ما نجوّز استعمال جلد ميتة ما له نفس سائلة. و الانتفاع به في غير البيع،

فلا دليل على الحرمة فيها حتّى يدّعى اطلاقه أو عمومه لميتة ما لا نفس له.

و امّا الانتفاع بها ببيعها، قد يتوهّم عدم جواز بيع ميتة ما لا نفس له بدعوى شمول عموم النهي عن بيع الميتة، أو اطلاقه لميتة ما لا نفس له.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 173

اقول: اعلم أنّ الكلام في الجواز و عدمه لا بدّ أن يكون فيما فرض وجود منفعة محلّلة معتدّ بها عند العرف، لأجزاء ميتة ما لا نفس له. و إلّا فمع عدم وجود منفعة محلّلة معتدّ بها لا اشكال في عدم جواز بيعها. و فيما فرض وجود منفعة محلّلة لها، لا بأس ببيعها؛ لعدم دليل على المنع. نعم، ربما يدّعي شمول عموم بعض ما دلّ على النّهي عن بيع الميتة أو اطلاقه لها، و هذا غير معلوم ان لم يكن معلوم العدم.

الجهة السادسة: في جواز استعمال ظروف المغصوبة و عدمه.

اشارة

اعلم. أنّ الكلام تارة يقع في حرمته التكليفيّة، و تارة في حرمته الوضعيّة.

أمّا الكلام في الحرمة التكليفيّة،

فنقول: بعد عدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه و هذا من الاحكام المسلّمة الاسلاميّة، فلا اشكال في حرمة التصرّف في الشي ء المغصوب إناء كان، أو غير الاناء. و يستفاد ذلك من بعض الاخبار، فهنا تعرّض المؤلّف رحمه اللّه للإناء المغصوب، فنقول: لا يجوز استعمال الظروف المغصوبة و التصرّف فيها بغير اذن صاحبها. نعم يستثنى صورة و هي ما إذا كان بعنوان التخليص مع شرائط:

الشرط الأوّل: ان يكون الماء الواقع في الإناء ملكا له؛ لأنّه لو لم يكن الماء ملكه. لا وجه لتصرّفه في ملك الغير؛ مثلا إذا كان الماء من المباحات الأوليّة لا يجوز التصرّف في الاناء بعنوان افراغ الماء و تخليصه؛ لأنّه مع كون التصرّف في الماء المباح مستلزما للتصرّف في ملك الغير، لا يجوز أخذ الماء المباح.

الثاني: ان لا يكون ايقاع الماء في الإناء بإقدام نفس المالك؛ لأنّه على هذا أفرط ما له بنفسه، فلا يجوز التصرّف في ملك الغير لإنقاذ ماله.

الثالث: ان يكون افراغه الماء عن الاناء بقصد التخليص، و امّا إذا لم يكن بقصد ذلك لا يجوز؛ لانّ تخليص ما له و هو الماء جائز. و لأخذه يجوز التصرّف في ملك الغير. و التخليص من العناوين القصديّة.

فإذا قصد صار مصداق التخليص، لعدم جواز التصرّف فى الاناء المغصوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 174

إلّا إذا كان بعنوان التخليص الجائز.

و أمّا الكلام في الحرمة الوضعية

بمعنى بطلان الوضوء أو الغسل من الاناء المغصوب فنقول بعونه تعالى:

أمّا فيما لا يكون التصرّف في الاناء بافراغ الماء عنه، حراما بالحرمة التكليفيّة، و هو صورة كون الأخذ بعنوان التخليص، فلا ينبغي الاشكال في صحّة الوضوء و الغسل من الماء و عدم الحرمة الوضعيّة؛ لأنّ البطلان فرع

حرمة التصرّف؛ و بعد عدم حرمة التصرّف لا وجه لبطلان الوضوء و الغسل.

إنّما الكلام فيما يكون التصرّف حراما بالحرمة التكليفيّة، فنقول: إنّ

للمسألة فروعا:

الفرع الأوّل: ما إذا كان الوضوء أو الغسل من الاناء المغصوب و لها صور،
اشارة

لأنّ الاغتراف تارة يكون باغتراف الماء مرّة واحدة بأن يغترف ماء الاناء قبل الوضوء، و يضعه في محلّ آخر، ثمّ يتوضّأ منه. و تارة يكون باغترافه عن الاناء تدريجا، مثلا يأخذ من ماء الإناء غرفة لوجهه، و غرفة أخرى ليده اليمنى، و غرفة ثالثة لغسل يده اليسرى في الوضوء؛ و في كلّ منهما تارة يكون ماء آخر موجودا عنده غير ما في الاناء المغصوب، و تارة لا يكون له ماء آخر، بل الماء منحصر بما في الاناء المغصوب، فللمسألة صور، نعطف عنان الكلام أوّلا إلى ما يكون الاغتراف تدريجيا و يكون له ماء آخر و نجعلها الصورة الأولى؛ لأنّها العمدة، فنقول:

الصورة الاولى: قد يتوّهم (كما فى المستمسك) عدم حرمة هذا التصرّف،

لعدم كونه استعمالا للإناء؛ لانّ حقيقة الاستعمال إعمال الشّي ء فيما يصلح له، و الإناء حيث يكون صلاحيّته لأن يصير وعاء لشي ء فاستعماله ليس إلّا وضع شي ء فيه، فإن وضع الماء في الاناء، فهو استعمال للإناء. و أمّا افراغ الماء و اغترافه من الاناء و غسل الوجه به، ليس تصرّفا و استعمالا للإناء، و انّما هو استعمال للماء، و فيه.

أوّلا: انّ الاستعمال ليس عبارة عن استعمال الشي ء في خصوص ما يصلح له،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 175

بل يدور مدار صدق العرفي و عدمه، فلو استعمل في غير ما يصلح له و صدق الاستعمال عرفا يكفى في كونه مصداق الاستعمال.

ثانيا: الميزان في الحرمة، صدق التصرّف، و لو لم يصدق الاستعمال؛ و لا اشكال في كون هذا تصرّفا.

فعلى هذا نقول بأنّه في صورة عدم انحصار الماء بما في الاناء مع فرض فعليّة التكليف بالوضوء و الغسل لوجود ماء آخر، إن كان منشأ بطلان الوضوء أو الغسل بالاغتراف التدريجي، هو أنّ هذا الوضوء و

الغسل يكون تصرّفا في المغصوب، و بعد كونه تصرّفا في المغصوب يكون منهيّا عنه، فيكون من صغريات باب اجتماع الامر و النهي، فيبطل وضوئه أو غسله مع الالتزام بالامتناع و تغليب جانب النهي؛ و كذا بناء على القول بجواز الاجتماع، لعدم كون الوضوء و الغسل في الفرض مقرّبا.

فنقول: كون الوضوء أو الغسل مع الاغتراف من الاناء المغصوب تصرّفا في الاناء، غير معلوم؛ بل معلوم العدم؛ فليس الوضوء بالحمل الشائع مصداقا للغصب حتّى يكون من صغريات الاجتماع.

و إن كان منشأ القول ببطلان الوضوء أو الغسل هو كون الاغتراف من الاناء المغصوب مقدّمة للوضوء أو الغسل، و هي محرّمة. و مع كون المقدّمة محرّمة يبطل ذو المقدّمة؛ لأنّه مع التمكّن من امتثال التكليف بالمقدّمة الغير المحرّمة يخصّص الباقي به بغير الفرد الّذي تكون مقدّمة محرمة بحكم العقل. ففي العام مع عدم الانحصار و وجود ماء آخر في غير الاناء المغصوب، لا يصحّ الامتثال بالوضوء أو الغسل الّذي يؤخذ مائه من الاناء المغصوب.

ففيه: إنّ كون المقدّمة محرّمة لا يوجب إلّا عدم الأمر بذي المقدّمة، و حيث يكون ملاك الأمر محفوظا، لو اغترف من الاناء المغصوب و توضّأ أو اغتسل، صحّ، و لا وجه لبطلانهما.

الصورة الثانية: ما إذا كان الاغتراف دفعيّا

و كان له ماء آخر مثل ما إذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 176

افرغ الماء من الاناء المغصوب دفعة في محل آخر ثم توضّأ أو اغتسل منه فبعد ما قلنا في الصورة الأولى من صحّة الوضوء و الغسل و ان كان التصرف في الاناء بافراغ الماء منه محرّما ففي هذه الصورة كذلك، لعدم وجه لبطلان الوضوء إلّا للوجهين المذكورين في تلك الصورة، و قد عرفت عدم تماميّتهما بل الامر في

هذه الصورة أهون لأنّه لا يتصرّف في المغصوب في اثناء الوضوء أو الغسل لا فراغ الماء قبل الوضوء دفعة من الاناء المغصوب.

الصورة الثالثة: كون الأخذ بالاغتراف تدريجيا عن الاناء المغصوب

مع انحصار الماء الّذي يصح الوضوء أو الغسل به بهذا الماء الواقع في الإناء المغصوب ففي هذا الصّورة بعد عدم كون الوضوء أو الغسل تصرّفا في الإناء المغصوب لكون الأخذ منه بنحو الاغتراف، لا وجه لبطلان الوضوء أو لغسل بهذا الماء، إلّا أن مقدّمة الوضوء و هي الاغتراف للماء، من المغصوب تكون محرّمة، و بعد انحصار المقدّمة بالحرام كما هو مفروض الكلام لم يكن هو واجد الماء، لان الممنوع شرعا كالممنوع عقلا فليس في المقام الوضوء أو الغسل مطلوبا راسا، فلم يكن لهما في الفرض ملاك المطلوبيّة، و بعد عدم وجود الامر لكون مقدّمته محرّمة و عدم وجود ملاك للامر لعدم كون ملاك للوضوء و الغسل في ظرف عدم وجدان الماء فلو اغترف الماء و توضّأ أو اغتسل لم يصحّ كل منهما، نعم لو قيل بوجود الملاك حتّى في هذا الحال يصحّ الوضوء و الغسل.

و لكن كما يدّعى تسالم الاصحاب على عدم صحّة الوضوء و الغسل في الفرض، لم يكن ملاك للأمر بالوضوء أو الغسل في هذه الصّورة، لأنّ التكليف بهما مشروط بالقدرة، و على الفرض بعد حرمة المقدّمة يكون غير مقدور شرعا و الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، فلا أمر و لا ملاك في البين.

نعم، لو كان ملاك الأمر موجودا يمكن القول بصحّتها، امّا بالملاك، و امّا بالتّرتّب، بناء على القول بصحّة الترتّب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 177

و في قبال ذلك قد يقال: (كما في المستمسك) بالصحّة في هذه الصّورة، لو اغترف الماء من الإناء المغصوب، و توضّأ أو

اغتسل لوجود ملاك الأمر فيهما، بدعوى انّ الاحكام الأوّليّة الّتي يجعل لها البدل اضطرارا مثل الصّلاة عن قيام لمن يقدر من القيام، و لو اضطرّ يتبدّل إلى الجلوس. و هكذا لو كان واجد للماء يكون الواجب الوضوء أو الغسل؛ و لو لم يكن واجد الماء اضطرارا يتبدّل تكليفه بالتيمّم.

و في مثل الموردين لم يكن رفع التكليف الثابت بالعنوان الأوّلي من باب عدم وجود المقتضى، بل يكون لأجل وجود المانع، و هو الاضطرار.

فعلى هذا لو اغترف من الاناء المغصوب الماء و توضّأ منه و لو كان فعله حراما يستحقّ به العقاب، و لكن يصحّ وضوئه و غسله من هذا الماء، لوجود ملاك الأمر في المورد.

و فيه انّه في كلّ مورد يكون ملاك الأمر موجودا، و بعبارة اخرى يكون من قبيل التزاحم، نقول بصحّة الفعل و ان كان تعبديّا. و في كلّ مورد لا يكون الملاك موجودا، و بعبارة أخرى يكون من قبيل التعارض إذا رجّحنا أحد طرفي التعارض، لا يمكن الامتثال بطرف الآخر، لعدم وجود الملاك. هذا المطلب تمام بحسب الكبرى.

و إنّما الاشكال في الصغرى، و كون موردنا من قبيل التزاحم، وجود الملاك حتّى في صورة كون المقدّمة المنحصرة محرّمة أم لا.

و لا يخفى أنّ مجرّد كون جعل التيمّم حكما اضطراريّا أو كون الجلوس لمن لا يتمكّن من القيام حكما اضطراريّا لا يوجب وجود ملاك التكليف الاختياري حتّى في مور الاضطرار؛ لأنّه ثبوتا، كما يمكن ملاك الحكم الاختياري موجودا حتّى في حال الاضطرار.

و بعبارة أخرى: المقتضى يكون موجودا، و لم يكن رفع اليد عن الحكم الاختياري إلّا وجود المانع و هو الاضطرار،

كذلك يمكن أن يكون الاضطرار سببا لعدم وجود الملاك في مورده ثبوتا، فلا

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 178

يكون ملاك الحكم الاختياري ثبوتا في مورده، و بعد إمكان ذلك لا بدّ من كشف وجود الملاك اثباتا، و ليس لنا طريق إلى وجود الملاك في موردنا إلّا الأمر، و الأمر بالوضوء على الفرض مشروط بالقدرة، فمن أيّ طريق نكشف وجود الملاك حتّى في ظرف عدم القدرة على الماء شرعا.

فعلى هذا نقول: كما هو المتسالم عند الاصحاب على ما يحكى بانّه في صورة انحصار الماء في الاناء المغصوب، لا يصحّ الوضوء أو الغسل، لو أخذ من هذا الاناء الماء بنحو الاغتراف لعدم امر بالوضوء و الغسل على الفرض مع كون المقدّمة المنحصرة محرّمة، و عدم كشف وجود ملاك الأمر.

الصّورة الرابعة: ما إذا كان أخذ الماء بعنوان الاغتراف عن الإناء دفعة، لا تدريجيا،

و كان الماء منحصرا بما في الاناء المغصوب؛

فنقول: بناء. على عدم وجود الأمر بالوضوء و الغسل لعدم كونه مقدورا؛ لانّ بعد كون الاغتراف من الاناء المغصوب حراما، يكون الاغتراف ممنوعا، و الممنوع شرعا كالممنوع عقلا؛ و كما عرفت لم يكن ملاك الأمر أيضا لعدم كشف ملاك المحبوبيّة للوضوء و الغسل في هذا الفرض؛ فلو اغترف، و لو دفعة، و توضّأ و اغتسل، فوضوؤه و غسله باطل؛ لعدم أمر به و لا ملاك للأمر. و اما لو قلنا بوجود ملاك المحبوبية للوضوء و الغسل في هذه الصورة فوضوؤه و غسله صحيح. هذا كلّه فيما كان أخذ الماء من الاناء المغصوب بنحو الاغتراف.

الفرع الثاني: ما إذا كان الوضوء او الغسل من الاناء بنحو الارتماس،
اشارة

بأن يرتمس وجهه و يداه بقصد غسل الوضوء في الاناء المغصوب. و قد تصوّر بعض له صورتين:

الأوّلى: ان يكون الارتماس في الاناء موجبا لايجاد تموّج الماء على السطح الداخل من الإناء.

و قيل ببطلان الوضوء في هذه الصورة؛ لأنّ الوضوء تصرّف في الإناء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 179

الثانية: ان لا يوجب الارتماس تموّج الماء في السطح الداخل من الإناء.

فاستشكل في بطلان الوضوء في هذه الصورة.

أقول: فيه

إمّا أوّلا: بانّ الغرض من التفصيل، إن كان إلى انّه في صورة تموّج الماء يتصرّف في الإناء باعتبار ايجاد رمسه في الماء تموّجا يصل الماء إلى بعض اطراف الاناء، و هو تصرف و في غيره فلا.

ففيه انّه لا يمكن رمس شي ء فى ماء إلّا أن يوجب هذا الرمس وصول الماء بنقطة من الظرف و الاناء لم يكن و اصلا قبل الرمس؛ لأنّ رمس الوجه أو اليدين و غيرهما في الماء، يوجب اشغال مقدار من الظرف الواقع فيه الماء، فقهرا يصل الماء بنقطة أرفع من النقطة الّتي كان فيها، كما أنّ التموّج ليس اثره إلّا هذا؛ فلا ينفكّ الارتماس من التصرّف في الاناء، فلا يتصوّر صورة لم يكن بهذا المعنى تصرّف في الاناء.

و أمّا ثانيا: فلو فرض صورة لا يكون الارتماس موجبا لتموّج في الماء، و لكن يكون مجرّد الرمس في الماء الواقع في الاناء تصرّفا في الاناء أيضا عرفا، مثلا لو كانت الأرض مغصوبة و وضع عليها فراش، فمن يضع رجله على الفراش كما يعدّ عند العرف تصرّفا في الفراش، كذلك يعدّ تصرّفا في الأرض الواقعة عليها الفراش عرفا.

فالأقوى بطلان الوضوء و الغسل في الاناء المغصوب إذا كان بنحو الارتماس؛ لأنّه تصرّف في المغصوب، فبالحمل الشائع يكون الوضوء بالارتماس فيه، غصبا.

و التصرّف فيما لا يكون الماء منحصرا بما في الاناء، و فيما يكون منحصرا به، يبطل الوضوء؛ لعدم امر و لا ملاك للوضوء في هذه الصورة. كما عرفت في بعض الصور من الفرع الأوّل؛ لعدم كونه

واجد الماء.

الفرع الثالث: ما إذا كان الوضوء أو الغسل بصبّ الماء من الاناء المغصوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 180

على محلّ الوضوء أو الغسل. و بعبارة أخرى يكون اخذ الماء من الاناء بنحو الصبّ بموضع الوضوء أو الغسل. فهل يكون ذلك مثل الاغتراف؟ فكما قلنا بعدم كون الوضوء أو الغسل مع الاغتراف تدريجا من الاناء المغصوب موجبا لبطلان الوضوء و الغسل إذا لم يكن الماء منحصرا بما في الاناء و موجبا للبطلان إذا كان منحصرا. أو يكون الوضوء بصبّ الماء من الاناء المغصوب على مواضع الوضوء تصرّفا في المغصوب عرفا، فيكون الوضوء باطلا لعدم كونه على هذا مقرّبا. لا يبعد كونه كالاغتراف لعدم اتحاد الوضوء مع التصرّف في الاناء، بل الوضوء هو الغسل و المسح، ليس الغسل تصرّفا في المغصوب، بل معه خروج الماء من الاناء المغصوب و وقوعه على موضع الوضوء و هو الغسل الوضوئي، فيكون الصبّ من الاناء مثل الاغتراف مقدّمة للوضوء، فحكم المورد حكم استعمال الاناء باغتراف الماء منه و ان كان الاحوط الترك بهذا النحو.

***

[مسألة 1: أواني المشركين و ساير الكفّار محكومة بالطهارة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسألة 1: أواني المشركين و ساير الكفّار محكومة بالطهارة ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة المسريّة بشرط ان لا تكون من الجلود، و إلّا فمحكومة بالنجاسة، إلّا إذا علم تذكية حيوانها أو علم سبق يد المسلم عليها. و كذا غير الجلود و غير الظروف، ممّا في ايديهم ممّا يحتاج إلى التذكية كاللّحم و الشحم و الألية، فانّها محكومة بالنجاسة إلّا مع العلم بالتذكية، أو سبق يد المسلم عليه، و امّا ما لا يحتاج إلى التذكية فمحكوم بالطهارة، إلّا مع العلم بالنجاسة، و لا يكفي الظنّ بملاقاتهم لها مع الرطوبة.

و المشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من شحمه أو من أليته،

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 181

محكوم بعدم كونه منه فيحكم عليه بالطهارة و ان اخذ من الكافر.

(1)

أقول: يقع الكلام في مواضع:

الموضع الأوّل: في أواني المشركين و غيرهم من الكفّار.
اشارة

و الكلام فيها في موردين:

المورد الأوّل: في أوانيهم المتّخذة من غير الجلود،

فنقول: تارة يعلم بنجاستها، فلا اشكال في كونها محكومة بالنجاسة، و تارة يعلم بطهارتها، فلا اشكال في كونهما محكومة بالطهارة، و مثل العلم بالنجاسة كونها مستصحب النجاسة فيستصحب نجاستها و امّا صورة مستصحب الطهارة، فداخل في القسم الثالث.

إنّما الكلام فيما تكون مشكوكة الطهارة و النجاسة، سواء كانت حالتها السابقة الطهارة أو تكون حالتها السابقة غير معلومة.

فنقول: مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في المورد، هو الطهارة سواء كانت حالتها السابقة معلومة، هي الطهارة أو لم تكن حالتها السابقة معلومة. لأنّ فيما لا يعلم حالتها السابقة، مقتضى اصالة الطهارة طهارتها؛ و فيما كانت حالتها السابقة الطهارة و لو كان مقتضى استصحاب الطهارة، طهارتها؛ لكن حيث يكون نفس الشكّ كافيا في الحكم بالطهارة، لا حاجة إلى الاستصحاب. هذا بحسب القاعدة.

و امّا بحسب الأخبار و الدليل، فنقول تدلّ جملة من الأخبار على كونها في صورة الشكّ في نجاستها، محكومة بالطهارة؛ منها: ما رواها معاوية بن عمّار، «قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابريّة، يعملها المجوس؛ و هم أخباث، و هم يشربون الخمر، و نسائهم على تلك الحال؛ ألبسها و أغسلها و اصلّي فيها؟ قال: نعم.

قال معاوية: فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له ازرارا و رداء من السابري، ثمّ

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 182

بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النّهار، فكأنّه عرف ما اريد، فخرج بها إلى الجمعة» «1».

و منها ما رواها المعلّى بن خنيس، «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس بالصّلاة في الثياب التي يعملها المجوس و النصارى و اليهود» «2».

و منها ما رواها أبو عليّ

البزّاز عن أبيه، «قال: سألت جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب، اصلّي فيه قبل ان يغسل؟ قال: لا بأس؛ و إن يغسل أحبّ إليّ» «3».

و منها ما رواها «أبو جميلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سأله عن ثوب المجوس البسه و اصلّي فيه؟ قال: نعم. قلت: يشربون الخمر! قال: نعم، نحن نشتري الثياب السابريّة، فنلبسها و لا نغسلها» «4».

و غير ذلك لا حاجة إلى ذكرها.

و هذه الأخبار تدلّ على محكوميّة ما كانت تحت يدهم من الثياب، بالطهارة، مع عدم معلوميّة حالته السابقة.

و هنا رواية تدلّ على كون الثياب محكوما بالطهارة باعتبار كون الحالة السابقة، فيه الطهارة، و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان، (قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر: إنّي اعير الذمّي ثوبي، و انا اعلم أنّه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير، فيردّ عليّ، فاغسله قبل ان اصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلّ فيه، و لا تغسل من أجل ذلك، فانّك أعرته إيّاه و هو طاهر، و لم تستيقن انّه نجّسه، فلا بأس ان تصلّي فيه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 73 من ابواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 2 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 5 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 7 من الباب 73 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 183

حتى تستيقن انّه نجّسه» «1».

و هذه الرواية و إن كانت دالّة على كون وجه طهارة الثوب كون حالته السابقة، الطهارة، لكن لا يستفاد منها عدم محكوميّته بالطهارة فيما لم يعلم حالته السابقة، فلا تعارض

الروايات السابقة مع اصالة الطهارة.

و بعد دلالة هذه الاخبار على كون الثياب الواقع تحت يد الكفار محكوما بالطهارة. نقول في أوانيهم أيضا، لعدم الفرق بين الثوب و الآنية، خصوصا مع كون منشأ الاشكال و الشّبهة نجاستهم و كونهم مبتلين بملاقات النجاسات من الخمر و غيره.

و في قبال ذلك بعض الروايات يكون بظاهره معارضا مع الاخبار المذكورة.

و هذا البعض «إمّا وارد في الثياب» كالرواية الّتي رواها عبد اللّه بن سنان «قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعير ثوبه لمن يعلم انّه يأكل الجرى و يشرب الخمر، فيرده أ يصلّى فيه قبل أن يغسله، قال؟ لا يصلّي فيه حتّى يغسله» «2».

فنقول فيها بأنّها مع معارضتها مع رواية اخرى من عبد اللّه بن سنان ذكرناها لك فهما إمّا رواية واحدة، و اختلاف النقل حصل من الناقلين؛ و امّا روايتان متعارضتان، غاية الأمر عدم امكان الأخذ بروايتي عبد اللّه بن سنان، و لكن يكفي لنا سائر الروايات الدالّة على عدم نجاسة الثياب الواقع تحت يد الكفّار، بل لو فرض انّه لم يكن لعبد اللّه بن سنان إلّا هذه الرواية، فهي ليست إلّا ظاهرة في وجوب الغسل. و بعد نصوصيّة الأخبار الأخرى على محكوميّة الثياب الّذي تحت ايديهم بالطهارة و عدم وجوب غسله مع الشكّ في طهارته و نجاسته، لا بدّ من حمل الظاهر على النصّ، فتكون النتيجة كونه طاهرا و استحباب غسله لا وجوبه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 74 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 2 من الباب 74 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 184

و إمّا «وارد في خصوص آنيتهم» كالرواية الّتي رواها محمّد بن مسلم، «قال:

سألت

أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذّمّة و المجوس؟ فقال: لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الّذي يطبخون، و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» «1».

و الرواية الّتي رواها إسماعيل بن جابر «قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تأكل ذبائحهم، و لا تأكل في آنيتهم. يعني أهل الكتاب» «2».

إذا عرفت ذلك نقول: انّ الروايتين إن كانتا دالّتين على حرمة الأكل و الشرب من آنية الكفّار، حتّى فيما لا يعلم نجاستها، فلا يمكن التعويل عليهما؛ لأنّهما من هذا الحيث تكونا ممّا أعرض عنه الاصحاب، لعدم نقل وجود مخالف في الحكم بالطهارة، إلّا ما حكي عن خلاف الشيخ رحمه اللّه مع توجيه كلامه، بأنّ نظره ليس إلى نجاستها الظاهريّة في صورة الشكّ. و لكن لو حملنا على صورة العلم بنجاسة آنيتهم، كما لا يبعد من ظاهر الروايتين، لا تعارض بينهما و بين الأخبار الدالّة على طهارة ما تحت ايديهم، إذا كان مشكوك النجاسة، فإذا الأقوى طهارة أواني المشركين، إذا لم تكن متّخذة من الجلود، و كانت مشكوكة الطهارة و النجاسة.

المورد الثاني: ما إذا كانت أوانيهم متّخذة من الجلود،

فلا إشكال في كونها محكومة بالنجاسة؛ لأصالة عدم التذكية، إلّا إذا علم تذكية حيوانها، أو علم سبق يد المسلم عليها؛ لكونها إمارة على التذكية بشرط معاملته معه معاملة المذكّى، كما بيّنّا في المسألة الثالثة من المسائل المتعلّقة بنجاسة الميتة.

الموضع الثاني: في ما بأيدي المشركين و الكفّار غير الآنية،

و هو تارة ممّا لا يحتاج إلى التذكية، فحكمه حكم المورد الاول من المسألة الاولى، و تارة مما يحتاج الى التزكية، كاللحم و الشحم و الإلية، فحكمه حكم المورد الثاني من المسألة الأولى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 72 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 72 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 185

من كونه محكوما بالنجاسة، إلّا إذا اعلم تذكية حيوانها، أو علم سبق يد المسلم عليه و معاملة هذا المسلم معه معاملة المذكّى.

الموضع الثالث: في المشكوك كونه طاهرا أو نجسا

إذا كان تحت يد الكفّار من الأواني و غيرها، فيما لا يكون متّخذا من الجلود الّذي قلنا بكونه محكوما بالطهارة. هل يعتبر الظنّ بملاقات الكافر معه مع الرطوبة فيحكم بنجاسة مظنون الملاقاة أولا؟

أقول: لا دليل على اعتبار هذا الظنّ، فلا يحكم بنجاسته حتّى مع حصول الظنّ بملاقاة الكافر معه مع الرطوبة.

الموضع الرابع: المشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من شحمه،

أو من أليته و إن أخذ من الكافر، يحكم بطهارته لأصالة الطهارة مع عدم وجود الحالة السابقة على خلاف ذلك.

إنّما الكلام في أنّه هل يحكم بعدم كون المشكوك من الجلود أو من شحم الحيوان أو من أليته، مضافا إلى الحكم بطهارته أم لا؟ و بعبارة أخرى هل يكون أصل ينفي كون الموضوع المشكوك من غير جلد الحيوان و شحمه و أليته كما هو ظاهر كلام المؤلّف رحمه اللّه أو لا؟

أقول: ليس اصل في البين يحكم ببركته بعدم كون المشكوك من غير جلد الحيوان أو شحمه أو أليته موضوعا. نعم كما عرفت يحكم بطهارته، و لو لم يكن موضوعه معلوما. فافهم.

***

[مسئلة 2: يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها، و إن كانت من الخشب أو القرع أو الخزف الغير المطلّى بالقير أو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 186

نحوه؛ و لا يضرّ نجاسة باطنها بعد تطهير ظاهرها، داخلا و خارجا، بل داخلا فقط. نعم، يكره استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه إلّا إذا غسل على وجه يطهر باطنه أيضا.

(1)

أقول: و استدل عليه ببعض الروايات، منها: «ما رواها عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الدّن يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس و عن الابريق و غيره يكون فيه خمر أو يصلح ان يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل، فلا بأس. و قال: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر؟ قال: تغسله ثلاث مرات. و سئل أ يجزيه أن يصبّ فيه الماء؟ قال:

لا يجزيه، حتّى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرّات» «1».

«و منها ما

رواها حفص الأعور، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الدّن يكون فيه الخمر، ثمّ يجفّف، فيجعل فيه الخلّ؟ قال: نعم» «2».

بناء على حملها على صورة غسل الدّن قبل أن يجعل فيه الخلّ، بقرينة ما يدلّ على جواز الاستعمال بعد غسل الإناء؛ و إلّا لا يمكن العمل بظاهرها من جواز الاستعمال حتّى قبل الغسل، لعدم عامل به في هذه الصورة.

«و منها ما رواها حفص الأعور (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إنّي آخذ الرّكوة فيقال: انّه إذا جعل فيها الخمر و غسلت ثمّ جعل فيها البختج كان أطيب له، فنأخذ الزّكاة فنجعل فيها الخمر فنخضخضه ثمّ نصبّه فنجعل فيها البختج، قال: لا بأس به» «3».

تدلّ هذه الروايات على جواز استعمال أواني الخمر بعد غسلها و يظهر من

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 51 من أبواب الأشربة المحرّمة من «ل».

(2) الرواية 4 من الباب 30 من أبواب الأشربة المحرّمة من «ل».

(3) الرواية 3 من الباب 30 من أبواب الأشربة المحرّمة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 187

إطلاقها عدم الفرق في جواز الاستعمال بين ما تكون الآنية و الظرف صلبة، مثل ما إذا كان من نحاس أو رصاص أو زجاج، و بين ما يكون جنسها رخوا لا تمنع عن نفوذ الماء في باطنها مثل ما إذا كانت من الخشب أو القرع أو الخزف، و هذا هو المشهور؛ بل في صلبها يدّعى الاجماع على جواز استعمالها بعد غسلها.

و في قبال ذلك، حكي عن نهاية الشيخ رحمه اللّه و بعض آخر، عدم جواز استعمالها إذا كانت الآنية أو الظروف مأخوذة من الأشياء الرخوة.

و ما يمكن أن يستدلّ به وجهان:

الوجه الأول: بعض الروايات:

الأولى: الرواية الّتي رواها محمّد

بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «قال: سألته عن نبيذ قد سكن غليانه إلى أن قال: و سألته عن الظروف؟ فقال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الدبا و المزفّت، و زدتم انتم الحنتم يعني الفخار «1» و المزفّت يعني الزفت الّذي يكون في الزقّ فيصبّ في الخوابي ليكون أجود للخمر. قال: و سألته عن الجرار «2» الخضر و الرصاص؟ فقال: لا بأس بها» «3».

الثانية: الرواية الّتي رواها أبو الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال:

نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من الدبا و المزفّت و الحنتم و النقير. قلت: و ما ذلك؟ قال الدبا القرع، و المزفّت الدنان، و الحنتم جرار خضر، و النقير خشب كان أهل الجاهليّة ينقرونها حتّى يصير لها أجواف ينبذون فيها» «4».

و فيه أمّا أوّلا: بين الروايتين التعارض؛ لأنّ مقتضى الثانية كون الحنتم ممّا نهى عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الحال أنّ مقتضى الادلّة كونه ممّا زيد على ما نهى

______________________________

(1) الفخار: الطين اللّازب الأخضر الحر (اقرب الموارد). و قيل: انّه بالفارسيّة «كاشى».

(2) الجرار: جمع الجرّة، إناء خزف له بطن كبير و عروتان و فم واسع (اقرب الموارد).

(3) الرواية 1 من الباب 52 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 2 من الباب 52 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 188

الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و ثانيا: مقتضاهما عدم جواز استعمال ما يكون صلبا و لا ينفذ فيه الخمر و غيره و هو المزفّت، فلا يمكن العمل بهما لكونهما من هذا الحيث متعارضتين مع الروايات

المتقدّمة؛ لأنّه بعد كون المذكور في الروايتين النهي عن الظرف الصلب و هو المزفّت، و غير الصلب و هو ما يتّخذ من الخزف أو الخشب. فلو أخذ بهما لا يبقى مورد للروايات الثلاثة الدالّة على الجواز، و لا يمكن الجمع العرفي بين الطائفتين، و يقع التعارض بينهما؛ و بعد التعارض لا بدّ من تقديم الطائفة الأولى، لكونها أشهر فتوى، بل ربما تكون أشهر رواية.

و لو فرض أنّ المرجّح هو الشهرة الروائية، و لم يكن ترجيح بحسب الرواية بينهما، فامّا نقول بتساقطهما لعدم مرجّح آخر للطائفة الثانية على الأولى، فتكون النتيجة أيضا الجواز؛ لاصالة الحلّيّة. و إن قلنا بالتخيير بعد التعارض و عدم المرجّح، فأيضا يمكن الأخذ بأخبار المجوّزة، فالحكم بالجواز ممّا لا اشكال فيه.

نعم لو اغمضنا عن الاشكالين فطرح الروايتين المتمسّكة بهما على المنع، باعراض الاصحاب مع عمل الشيخ رحمه اللّه و جمع آخر مشكل. و إذا وصل الأمر بطرح الروايتين يمكن توجيههما بنحو تنافيا مع الاخبار المجوّزة. مثل ان يقال: لعلّ وجه النهي يكون من باب أنّ وقوع الخمر في هذه الأواني يوجب ان ما ينبذ فيها يصير خمرا، و لهذا نهى عنه.

الوجه الثاني: انّ للخمر حدّة و نفوذ، فيسرع نفوذه في الباطن

و لهذا لا يجوز استعمال أوانيه.

و فيه أنّ الكلام في المقام ليس إلّا من حيث وقوع الخمر في الإناء، لا من جهات أخرى. و بعبارة أخرى: ما يعتبر في تطهير الأواني و أيّ ظرف يقبل التطهير ظاهره أو باطنه، أو لا يطهر إلّا ظاهره و يبقى باطنه على النجاسة، و لو نفذت النجاسة بباطنه فهو كلام آخر، و قد مضى الكلام فيه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 189

انّما الكلام في انّ الظرف بعد قابليّة ظاهره و باطنه، أو

خصوص ظاهره للتطهير، هل يكون صيرورته ظرفا للخمر موجبا لعدم قابليّة تطهيره و استعماله أم لا؟ فعلى هذا الاشكال بانّ الخمر ينفذ في الباطن لا يكون الإشكال بما نحن في مقامه في المقام؛ لأنّه لو نفذ فرضا في الباطن، فتارة نقول بقابليّة تطهير الباطن فيطهر الباطن و الظاهر. و تارة لم نقل بذلك فيطهر ظاهره و ظاهر داخله بلا اشكال. فلا مورد لهذا الاشكال.

و على هذا كما قال المؤلّف رحمه اللّه لا يضرّ نجاسة باطن الأواني الّتي فيها كان الخمر للاستعمال بعد تطهير ظاهرها داخلا و خارجا، أي تطهير ظاهر خارجها و تطهير ظاهر داخلها، بل لا يجوز استعمال باطنها إذا تنجّست باطنها، و نلتزم بعدم امكان تطهير الباطن.

و أمّا وجه اختيار المؤلّف رحمه اللّه بنزاهة استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه إلّا اذا غسل على وجه يطهر باطنه أيضا، ليس إلّا فتوى عن البعض، و هذا لا يمكن أن يصير وجها (و ان قيل بكفاية فتوى بعض الفقهاء لاستحباب شي ء (و هو محلّ الاشكال)؛ لانّ هذا البعض افتوا على عدم الجواز حتّى مع التطهير، فإن كان مكروها يكره حتى مع تطهير الباطن.

و يمكن القول بكراهة استعمال ظروف الخمر حتّى مع تطهير الباطن على ما قلنا من التوجيه في الرّوايتين. و لكنّ الكلام في تماميّة التوجيه. هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

***

[مسألة 3: يحرم استعمال أواني الذهب و الفضّة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسألة 3: يحرم استعمال أواني الذهب و الفضّة في الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات و غيرها من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 190

ساير الاستعمالات حتّى وضعها على الرفوف للتزيين، بل يحرم تزيين المساجد و المشاهد المشرّفة بها، بل يحرم اقتنائها من غير استعمال،

و يحرم بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها، بل نفس الأجرة أيضا حرام؛ لأنّها عوض المحرّم و إذا حرّم اللّه شيئا حرّم ثمنه.

(1)

أقول: يقع الكلام في هذه المسألة في موارد:

المورد الأوّل: في حرمة استعمال اواني الذّهب و الفضّة في الأكل و الشرب

فنقول بعونه تعالى يدلّ على حرمته روايات، بعضها ما يكون واردا في خصوص استعمالها في الأكل و الشرب، و هي روايات:

الرواية الأولى: ما رواها «داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية الذّهب و الفضّة» «1».

الرواية الثانية: ما رواها «سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا ينبغي الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «2».

و قوله: «لا ينبغي» أن حمل على الكراهة، فالرواية بهذا المعنى تكون ممّا اعرضت عنها الأصحاب. و ان حمل على التحريم بقرينة ما في الروايات فيعمل بها.

الرواية الثالثة: ما رواها «محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية الذهب و الفضّة» «3».

الرواية الرابعة: ما رواها «الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمّد عن

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 190

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 5 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 7 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 191

آبائه عليهم السّلام في حديث المناهي، قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «1».

الرواية الخامسة: ما رواها «عبد اللّه بن جعفر في قرب

الأسناد عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم نهاهم عن سبع، منها: الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «2».

الرواية السادسة: ما رواها «حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية من فضّة، و لا في آنية مفضّضة» «3».

الرواية السابعة: ما رواها «بريد، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انّه كره الشرب في الفضّة، و في القدح المفضّض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض و المشطة كذلك» «4».

و بعضها واردة في النهي عن آنية الذهب و الفضّة بنحو الاطلاق، لا في خصوص الأكل و الشرب:

الرواية الأولى: ما رواها «محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن آنية الذهب و الفضّة، فكر هما. فقلت: قد روى بعض أصحابنا انّه كان لأبي الحسن عليه السّلام مرآة ملبّسة فضّة، فقال: لا، و الحمد للّه إنّما كانت لها حلقة من فضّة و هي عندي. ثم قال: انّ العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضّة من نحو ما يعمله للصبيان تكون فضّة نحوا من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن عليه السّلام فكسر» «5».

و قوله: «فكر هما» ليس المراد الكراهة المصطلحة، و ليس ظاهرا فيها، فلا ينافي مع ما دلّ على التحريم.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 11 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 1 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 2 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(5) الرواية 1 من الباب 66 من

أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 192

الرواية الثانية: ما رواها «محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه نهى عن آنية الذهب و الفضّة» «1».

الرواية الثالثة: ما رواها «موسى بن بكر، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: آنية الذهب و الفضّة متاع الّذين لا يوقنون» «2».

الرواية الرابعة: ما رواها «أحمد بن محمد البرقي في المحاسن، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كره آنية الذهب و الفضّة و الآنية المفضّضة» «3».

اذا عرفت ما بيّنا لك من الروايات، يظهر لك حرمة استعمال أواني الذهب و الفضّة في الأكل و الشرب، للاخبار المصرّحة بالنّهي عن الأكل و الشرب فيها؛ و لانّ أحد الافراد المتيقّنة من استعمالها هو الأكل و الشرب، فالاخبار المطلقة المستفادة منها النهي عن آنية الذهب و الفضّة تشمل استعمالها في الاكل و الشرب و حرمته. هذا.

مضافا إلى اطباق الفتوى عليه بيننا؛ بل بين المخالفين، و لم يحك الخلاف إلّا ما حكى من موضع من «الخلاف» أنّه يكره استعمال الذهب و الفضّة، و هو مع تصريحه في موضع آخر بالتحريم، يمكن توجيه كلامه من تعبيره بالكراهة. و عن «داود» من العامّة فانّه حرّم الشرب فقط، و على كلّ حال لا إشكال في الحكم.

المورد الثاني: في حرمة استعمالها في الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات.

أقول: المشهور عدم الجواز، بل حكى عليه الاجماع، بل لم يحك التصريح بالخلاف و عدم الحرمة عن أحد. نعم، حكى عن المفيد رحمه اللّه و بعض آخر الاقتصار في

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 4 من الباب 65 من أبواب النجاسات من

«ل».

(3) الرواية 10 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 193

التحريم على الأكل و الشرب، و عدم تعرّض لغير الأكل و الشرب.

و على كلّ حال يدلّ على الحرمة. النهي الوارد في بعض النصوص و قد ذكرنا في المورد الأوّل ما يستفاد منه النهي عن آنيتهما بدون ذكر المتعلّق، أمّا بلفظ النهي مثل رواية محمد بن مسلم، و امّا بلفظ «كره» و هو أيضا إن لم يكن ظاهرا في التحريم لم يكن ظاهرا في الكراهة المصطلحة؛ لأنّ معنى «كره» يكون بالفارسيّة (ناخوش داشتن) و بإطلاقه يفيد النهي و الحرمة.

و أمّا بقوله عليه السّلام: «آنية الذهب و الفضّة متاع الّذين لا يوقنون» كما في رواية موسى بن بكر، و هي تفيد المبغوضيّة المؤكّدة اعني التحريم، فيستفاد من مجموع هذه الروايات التحريم عن آنيتهما، و بعد عدم ذكر متعلّق التحريم يدلّ على تحريم جميع الاستعمالات و من الاستعمالات الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات بها. و امّا الكلام في بطلان الوضوء و الغسل بها فيأتي ان شاء اللّه في المسألة 13.

المورد الثالث: يحرم جميع الاستعمالات كالطبخ و غيره،

فهو حرام لما قدّمنا في المورد الثاني.

المورد الرابع: يقع الكلام في تزيين المساجد بهما، أو وضعهما على الرفوف.

اعلم أنّه بعد ما لا اشكال في كون المحرم الأكل و الشرب من آنية الذهب و الفضّة كما عرفت للتصريح بذلك في بعض النصوص، يقع الكلام في غير الأكل و الشرب، مثل استعمالهما في الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات، أو استعمالهما في الطبخ و غيره. و في هذين الموردين كما عرفت أيضا نقول بعدم الجواز للإجماع المدّعى و إن لم تدلّ عليه الأخبار فرضا.

مضافا إلى ان المستفاد من الأخبار المطلقة، إمّا عدم جواز الاستعمال، و يكون الغسل و الوضوء و تطهير النجاسات و استعمالهما في الطبخ و غيره استعمالا، فهو محرّم.

و إمّا مطلق الاقتناء فيشمل أيضا هذه الموارد، فلا اشكال فيما يكون استعمالا بنظر العرف. أنّما الاشكال فيما لا يكون استعمالا بنظر العرف، مثل وضعهما على الرفوف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 194

بناء على عدم كون وضعهما على الرفوف استعمالا، أو تزيين المساجد بهما بناء على عدم كون ذلك استعمالا.

أقول: امّا الاخبار الواردة في خصوص النهي عن الأكل و الشرب فيهما، فلا اشكال في دلالتهما على عدم جواز الأكل و الشرب منهما: لكن يقع الكلام في انّ النهي عن الأكل و الشرب منهما، يكون لأجل خصوصيّة في الأكل و الشرب منهما، أو يكون من باب عدم جواز استعمالهما، أو يكون من باب عدم جواز اقتنائهما و مبغوضيّة وجود هما كلّ محتمل.

و العمدة في مبنى الحرمة و الجواز فيما نحن فيه هو الاخبار المطلقة، و فيها احتمالات:

الأوّل: أن يكون النهي عن آنية الذهب و الفضّة على اختلاف الفاظ النهي هو النهي عن خصوص الأكل و الشرب منهما، مثل الاخبار المصرّحة بالنهي عن الأكل و

الشرب منهما، بقرينة هذه الاخبار الناهية عن الأكل و الشرب فيهما، يحمل الاخبار المطلقة على الاخبار المقيدة جمعا أو من باب انّ المصداق الظاهر من المصاديق المتعلقة بآنية الذهب و الفضّة هو الأكل و الشرب. فيحمل النهي عن الآنية بخصوص الأكل و الشرب منهما، و يكون نصّ بعض الاخبار الواردة الناهية عن الأكل و الشرب منهما شاهدا على ذلك فلا يبقى للاخبار المطلقة ظهور في الاطلاق، فتكون النتيجة هي حرمة خصوص الأكل و الشرب.

و فيه انّه لا وجه لحمل الاخبار المطلقة على المقيّدة، لا من باب حمل المطلق على المقيّد، لأنّ ميزان حمل المطلق على المقيّد كشف وحدة المطلوب، فإذا كان المطلق و المقيّد موافقين في الاثبات و النفي، لا يحمل المطلق على المقيّد إلّا بعد كشف كون المطلوب فيهما واحدا، مثل «أعتق رقبة»، و «أعتق رقبة مؤمنة» فبعد ما نعلم وحدة المطلوب، و انّ المطلوب ليس إلّا عتق الرقبة الواحدة، و لا ندري انّها مطلق الرّقبة أو خصوص المؤمنة يحمل المطلق على المقيّد. و امّا فيما لا يكشف وحدة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 195

المطلوب بل يمكن مطلوبية المطلق كمطلوبيّة المقيّد: فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد، و فيما نحن فيه يكون كذلك كذلك؛ لأنّه لا مانع من كون المطلق مطلوبا كما يكون المقيّد مطلوبا آخرا، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد.

و لا من باب ما ادّعي من كون المصداق الظاهر من استعمال الآنية استعمالها في الأكل و الشرب.

امّا أوّلا: فلانّ حذف المتعلّق يفيد العموم، و ليس وجه لحمل النهي على خصوص استعمال الآنية في الأكل و الشرب، و كما يحتمل كون المراد من النهي عن الآنية هو النهي عن

الأكل و الشرب عنهما كذلك يحتمل كون النهي في بعض الاخبار عن خصوص الأكل و الشرب من باب ذكر بعض المصاديق، و كون المنشأ عن نهيهما فيها هو كون المبغوض مطلق استعمالاتها، أو حرمة الانتفاع بها؟ أو حرمة اقتنائها.

و إمّا ثانيا: فلانّ بنصّ الاخبار المطلقة مثل الرواية الثالثة منها يدلّ على عدم جواز استعمالها أو الانتفاع بها حتّى في غير الأكل و الشرب، فانّ قول ابي الحسن عليه السّلام في هذه الرواية «آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون» يدلّ على ان التمتّع و الانتفاع بها مبغوض مطلقا لا في خصوص الأكل و الشرب.

الاحتمال الثاني: ان يكون المراد عن النهي عنها. عدم جواز استعمالها؛ فكلّ فعل يكون استعمالا لها بنظر العرف يكون مورد النهي، بدعوى انّ الظاهر من النهي عن الشي ء، النهي عن استعماله.

الاحتمال الثالث: كون المراد. النهي عن الانتفاع بها، و ان لم يعدّ استعمالا لها بدعوى كون الظاهر عن النهي عنها نهيا عن الانتفاع بها.

الاحتمال الرابع: كون النهي عنها. النهي عن وجودها حدوثا و بقاء؛ لانّ هذا هو الظاهر من النهي عن الشي ء. فبعد كون المبغوض وجودها حدوثا و بقاء و اقتناءها، نهي عن الآنية، و لا معنى للنهي عن الآنية إلّا النهي عن وجودها.

و أعلم أنّه على الاحتمال الأوّل، لا يحرم إلّا الأكل و الشرب منها. و قد عرفت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 196

ضعف هذا الاحتمال.

و على الاحتمال الثاني، يكون النهي عنه النهي عن استعمالها. ففي كلّ مورد يكون استعمالا يكون منهيّا عنه.

و على هذا الاحتمال ربما يستشكل في حرمة تزيين المساجد بها، أو وضعها على الرفوف، و نظائر هما من باب الاشكال في كون ذلك

استعمالا بنظر العرف.

و قد يقال بانّ هذا الانتفاع استعمال أيضا.

و على الاحتمال الثالث يحرم حتّى تزيين المساجد بها و وضعها على الرفوف؛ لأنّ ذلك انتفاع بها. و لكن لو لم يكن الانتفاع بها في مورد، فلا يحرم مثل نفس اقتنائها.

و على الاحتمال الرابع يحرم حتّى اقتنائها. و لو لم يكن موجبا لاستعمالها، بل و لا يوجب الانتفاع بها؛ لأنّ وجودها حدوثا و بقاء مبغوض و منهيّ عنه.

إذا عرفت ذلك نقول بعد ما بيّنا من عدم وجه لحمل الروايات المطلقة على المقيّدة، و دوران الأمر بين الاحتمالات الثلاثة الباقية، نقول: لا يبعد كون أظهر الاحتمالات في حدّ ذاتها هو الاحتمال الثالث؛ لأنّ الظاهر من النهي عن الشي ء هو النهي عن وجود الشي ء إلّا إذا كان في البين قرينة على كون المراد بعض خصوصيّاته، مثلا إذا نهى عن التصوير، فلا يأتي بالنظر إلّا النهي عن ايجاده.

مضافا إلى انّه لو قلنا في ملاك الحكم فما يناسب النهي عن آنية الذهب و الفضّة هو النهي عن ايجاد هما؛ لأنّ جعل الذهب و الفضّة آنية للانتفاع بها أو اقتنائها مخالف لحكمة إيجاد الذهب و الفضّة و خلقهما (فتأمّل)

بل يمكن ان يقال بأنّ قوله عليه السّلام في الرواية الثالثة من الروايات المطلقة بانّ «آنية و الفضّة متاع الّذين لا يوقنون» يدلّ على ذلك لأنّ المتاع ما يتمتّع به من انواع التّمتعات، فالشارع لا يرضى بالتمتّع بها و ان قلنا بانّ المتاع خصوص ما ينتفع به فأيضا يمكن ان يقال بحرمة مطلق التقلبات فيها حتّى باقتنائها؛ لأنّ الاقتناء نحو من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 197

الانتفاع بنظر العرف، بل ربما لا يكون لبعض الاشياء عندهم منفعة إلّا اقتنائها،

كما ترى من وجود الاشياء التجمّلي عند بعض المترفين، و ليس منفعتها إلّا اقتنائها و تعرّف كون وجود اشياء جميلة عندهم. (فتأمّل). هذا.

ثم لو أبينا عن ذلك و لم نقل بكون الاحتمال الثالث أظهر الاحتمالات. فلا وجه لاختيار الاحتمال الأوّل من بين الاحتمالات الثلاثة، أي كون المراد عن النهي عن الآنية، النهي عن استعمالها حتّى لا يشمل النهي عن الانتفاع بها حتّى فيما لم يكن عند العرف استعمالا لها.

أمّا أوّلا: فلأنّ المحتمل كما يكون النهي عن استعمالها يكون المحتمل كون النهي عن الانتفاع بها.

و أمّا ثانيا: قوله في الرواية الثالثة «متاع الّذين لا يوقنون» المتاع كما في اللّغة هو ما ينتفع به، و على هذا لو قلنا بكون المراد النهي عن الانتفاع بها فكما بيّنا يمكن شمول الانتفاع حتّى للاقتناء. بل لو قلنا بانّ المراد خصوص الاستعمال يمكن ان يقال بانّ الاستعمال يشمل كلّ مورد يكون انتفاعا بها، مثل تزيين المساجد أو وضعها على الرفوف للتزيين.

و ما قيل من انّ حقيقة استعمال شي ء هو اعماله في ما يعدّ له و قد وضعت الآنية لاستعمالها في التظرّف بها لا غيرها.

و فيه إمّا أوّلا لو كان وضع الآنية للتظرّف بها فلم يكن الأكل و الشرب منها استعمالا لها، فلا بدّ من الالتزام بانّه في خصوص الأكل و الشرب منها يكون إعمال تعبّد آخر من ناحية الشارع، غير الملاك الّذي باعتباره نهى في الروايات المطلقة.

و الحال انّ النفس تطمئن بانّ ملاك النهي في الاخبار الخاصّة الناهية عن الأكل و الشرب منها و في الأخبار الخاصّة الناهية عن الأكل و الشرب منها و في الاخبار المطلقة واحد مسلّما. فنكشف انّ استعمال الآنية امرا أعمّا من استعماله في خصوص التظرّف

بها. فكما يشمل الاستعمال للأكل و الشرب كذلك يشمل صورة التزيين بها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 198

و أمّا ثانيا: اصل هذا المطلب أي كون حقيقة الاستعمال اعمال الشي ء في خصوص ما يعدّ له بحيث لو استعمل في غير ما يعدّ له لم يكن الاستعمال محلّ منع. فلو كانت آنية أو ظرفا معدّة لشي ء مخصوص، وضع فيها شي ء آخر، لا يعدّ استعمالها بنظر العرف أو يعدّ استعمال لها لا اشكال في عدّه استعمالا لها. فعلى هذا لا يبعد كون التزيين بها في المساجد أو غير المساجد، و وضعها على الرفوف حراما؛ لكونه استعمالا لآنية.

نعم دعوى كون الاقتناء استعمالا، مشكل.

فتلخّص ممّا مرّ انّه لا يجوز الغسل و الوضوء و تطهير النجاسات و سائر الاستعمالات في آنية الذهب و الفضّة؛ لأنّ المراد من الروايات المطلقة سواء كان مطلق النهي عن الوجود، أو مطلق الانتفاع، أو مطلق الاستعمالات، يشمل ذلك.

فيحرم.

نعم فيما لا يكون استعمالا و لا انتفاعا، بل كان مجرّد الاقتناء، نقول بعدم الجواز على الأحوط.

هذا غاية ما يمكن أن يقال بالنسبة إلى ما هو موضوع التحريم في آنية الذهب و الفضّة.

المورد الخامس: يقع الكلام في جواز بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها و عدمه.

أقول: بأنّه ان قلنا بعدم جواز اقتنائها و مبغوضيّة وجودها، فلا اشكال في عدم جواز بيعها و شرائها و صياغتها و حرمة أجرتها، لعدم وجود منفعة محلّلة لها.

و ان قلنا بجواز الانتفاع بها، و ان المحرّم استعمالها فقط، لا مطلق الانتفاع بها أو أنّ المحرّم استعمالها و الانتفاع بها، لا مجرّد اقتنائها، فيجوز بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الاجرة عليها، لوجود منفعة محلّلة معتدّة بها لها.

و حيث انّ الاقوى فعلا بالنظر هو عدم جواز مطلق الانتفاعات، بل عدم

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 199

جواز ايجادها و اقتنائها على الأحوط لو لم يكن أقوى، فلا يجوز بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها على الأحوط.

و أمّا قول المؤلّف رحمه اللّه في ذيل المسألة بعد قوله: «و يحرم بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها» (بل نفس الأجرة أيضا حرام) يكون تكرارا بحسب الظاهر؛ لأنّه يستفاد من قوله: «و اخذ الأجرة عليها» حرمة أخذ الأجرة على صياغتها، فيكون قوله: «بل نفس الأجرة أيضا حرام» يكون تكرارا، إلّا أن يوجّه كلامه بانّ نظره في قوله: «و اخذ الاجرة عليها» يكون إلى حرمة اجارة نفسه لصياغتها. و من قوله: «بل نفس الاجرة أيضا حرام» يريد أنّ الاجرة حرام، أعني مال الاجارة، فتكون العبارتان عين ما يتعرّض له بعدا في المسألة الحادي عشر، من المسائل المتعلّقة بالمسألة. و هذا توجيه لكلامه، و ان كان خلاف ظاهر عبارته.

فتأمّل.

***

[مسئلة 4: الصفر او غيره الملبّس بأحدهما يحرم استعماله]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الصفر او غيره الملبّس بأحدهما يحرم استعماله، إذا كان على وجه لو انفصل كان اناء مستقلّا. و أمّا إذا لم يكن كذلك فلا يحرم،

كما إذا كان الذهب و الفضّة قطعات منفصلات لبّس بهما الاناء من الصفر داخلا و خارجا.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الأولى: ما إذا كان الصفر او غيره ملبسا بالذهب او الفضة،

أو غيره على وجه لو انفصل كان اناء مستقلا، فيحرم استعماله؛ لأنّه آنية الذهب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 200

و الفضّة، فيدلّ على حرمتها ما دلّ على حرمته آنيتهما.

الصورة الثانية: ما إذا لم يكن كذلك.

بل كان الذهب أو الفضّة الملبّس بالصفر أو غيره قطعات منفصلات، فهل يحرم استعمالهما أم لا؟ مقتضى القاعدة عدم الحرمة؛ لعدم كون المفروض من صغريات إناء الذهب و الفضّة. نعم، حيث تكون الصورة الّتي كان الاناء ملبّسا بالفضّة و لم تكن الفضّة الملبّسة حال انفصالها من الصفر أو غيره اناء مستقلّا من اقسام المفضّض، و نتعرّض لحكمه في طي المسألة الآتية ان شاء اللّه يظهر لك حكم هذه الصورة، إذا كان الصفر أو غيره ملبّسا بالفضّة.

و امّا إذا كان ملبّسا بالذهب، و لم يكن الذهب الملبّس حال انفصاله عن الصفر أو غير اناء مستقلّا، فلا يحرم استعماله لعدم دليل على التحريم.

***

[مسئلة 5: لا بأس بالمفضّض و المطلّى و المموّه بأحدهما]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا بأس بالمفضّض و المطلّى و المموّه بأحدهما، نعم يكره استعمال المفضّض، بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضّة، بل الأحوط ذلك في المطلّى أيضا.

(1)

أقول: الكلام في موارد:

الأوّل: هل يحرم استعمال الإناء المفضّض؟

و المراد به الملبّس بالفضّة، و المراد من المفضّض في هذه المسألة هو الصورة التي لا تكون الفضّة الملبسة بغيره إناء مستقلّا لو انفصلت عن الغير؛ و إلّا لو كانت اناء مستقلا، لا اشكال في حرمتها، لكونها آنية الفضّة و لم تكن من مصاديق المفضّض.

إذا عرفت محلّ البحث، هل يحرم استعمال المفضّض أم لا؟

منشأ احتمال التحريم روايات:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 201

الرواية الأولى: ما رواها «الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكل في آنية من فضّة و لا في آنية مفضّضة» «1».

الرواية الثانية: ما رواها «بريد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كره الشّرب في الفضّة و في القدح المفضّض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض و المشطة كذلك» «2».

بناء على كون المراد من الكراهة ما لا ينافي الحرمة.

الرواية الثالثة: ما رواها «عمرو بن أبي المقدام قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام قد أتى بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة، فرأيته ينزعها باسنانه» «3».

بدعوى دلالتها على مبغوضيّة تلبّس القدح بالفضّة، و كون القدح الملبس بعضه الفضّة ممنوع الاستعمال، و لهذا كان عليه السّلام ينزعها بأسنانه.

الرواية الرابعة: ما رواها «عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كره آنية الذهب و الفضّة و الآنية المفضّضة» «4».

بناء على عدم كون المراد من الكراهة، الكراهة المصطلحة.

و في قبال تلك الأخبار، يدلّ بعض الاخبار على جواز الاستعمال:

الأولى: ما رواها

«معاوية بن وهب قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضّة؟ قال: لا بأس، إلّا أن تكره الفضّة فتنزعها» «5».

الثانية: ما رواها «عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يشرب الرجل في القدح المفضّض، و اعزل فمك عن موضع الفضّة» «6».

و مقتضى الجمع بين الطائفتين هو حرمة استعمال المفضّض إذا كان بحيث لو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 2 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 6 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 10 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

(5) الرواية 4 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

(6) الرواية 5 من الباب 66 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 202

انفصل عمّا يتّصل به يكون اناء مستقلا، فيحرم استعماله؛ و أمّا إذا لم يكن كذلك بل كان الذهب أو الفضّة قطعات، فلا يكون محرّم الاستعمال، للتصريح في الرواية الاولى اعني رواية معاوية بن وهب من الطائفة الثانية المتمسّكة بها على الجواز، فيما كان في القدح ضبّة من فضّة. و بها تقيّد الروايات الدالّة على تحريم المفضّض بنحو الاطلاق، كما انّه تقيّد بها الرواية الثانية من الروايتين المتمسّكة بهما على الجواز، اعني رواية عبد اللّه بن سنان الدّالّة على جواز استعمال المفضّض مطلقا على فرض اطلاق لها، مع انّه لا اطلاق لها؛ لأنّ قوله: «و اعزل فمك عن موضع الفضّة» يدلّ على كون الفضّة فيها قطعات يكون بعض الاناء خاليا منها يمكن وضع الفم عليه.

هذا كلّه على تقدير تماميّة دلالة

الروايات المتمسّكة بها على التحريم المفضّض مطلقا، حتى فيما كانت الفضّة فيها قطعات، و لا تكون اناء مستقلّا في صورة الانفصال؛ و إلّا لو كان المراد من المفضّض خصوص ما يكون الاناء بتمامه ملبّسا بها، فلا تشمل مورد بعض الاخبار المجوّزة من رأس؛ لأنّ موردين الخبرين الدالّين على الجواز هو ما يكون فيه ضبّة من فضّة. كما في الأولى منهما، و يكون له موضع يمكن وضع الفم في الاناء عليه، و لا يكون هذا الموضع فضّة، كما في الخبر الثاني منهما، فالمستفاد من الخبرين الجواز في صورة عدم كون الفضّة أو الذهب الملبّس بالاناء اناء مستقلا في صورة الانفصال.

و لكن يظهر من اقرب الموارد كون المفضّض شاملا حتى للمرصّع بالفضّة.

فتلخّص حرمة استعمال المفضّض، إذا كان بحيث تكون الفضّة الملبّسة بالاناء حال انفصالها اناء مستقلا؛ و امّا إذا لم تكن الفضّة الملبّسة حال انفصالها اناء مستقلّا، بل تكون قطعات ملبّسات بفلزّ من الفلزّات و لم يلبّس كلّها بها، بل يخلوا عنها بعض المواضع، فلا يحرم الاستعمال.

و يبقى عندي صورة اخرى، و هي ما كان شيئا من الفلزات ملبّسات بتمامها بها، و لكن مع ذلك لا تكون الفضّة الملبّسة به حال الانفصال اناء مستقلّا، فهي من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 203

المفضّض و يحرم بمقتضى الأخبار المطلقة الدالّة على تحريم المفضّض لكون موردها الاناء المفضّض، و المفروض كون الاناء مفضّضا؛ لأنّ المراد من المفضّض الملبّس بالفضّة و هو كذلك. و لا يشملها الخبرين المجوّزين للمفضّض؛ لأنّ موردهما كما ترى صورة تكون فيه قطعات من فضّة، مثلا ضبّة من فضّة و يمكن وضع الفم على غير موضع الواقع فيه الفضّة.

فتلخّص أن ما يأتي بالنظر

عاجلا ان المتصوّر صور:

الصورة الأولى: ما تكون الفضّة الملبّسة بالشي ء بتمامه أو ببعضه حين الانفصال اناء مستقلّا فلا اشكال في الحرمة؛ لأنّها اناء من الفضّة لا المفضّض.

الصورة الثانية: ما إذا لم يكن كذلك، بل يكون الملبّس بها بعض الإناء بحيث لم تكن الفضّة الملبّسة حال الانفصال اناء مستقلّا. و هذه الصورة لا يحرم استعمالها للخبرين المتقدمين الدالّين على جوازه. و قلنا بهما يقيد اطلاق ما دلّ على النهي عن المفضّض.

الصورة الثالثة: ما إذا كان اناء من الصفر أو غيره و بتمامه ملبّسا بالفضّة، و لكن لا تكون الفضّة الملبّسة به حين الانفصال اناء مستقلّا، مثل ما إذا وضعت قطعات من فضّة على اناء من الصفر و تلبّس كلّه بها. و لكن ليست هذه القطعات من الفضّة حين الانفصال اناء مستقلّا، فهو اناء مفضّض و يحرم استعماله؛ للنهي عن الاناء المفضّض و ما دلّ على جواز استعمال المفضّض و هو خبر معاوية بن وهب و عبد اللّه بن سنان لا يشمل هذا المورد؛ لأنّ موردهما لا يكون تمام الاناء مفضّضا بالفضّة؛ فلا بدّ ان يقال في المسألة 4 في فرض كون الصفر أو غيره ملبّسا بالفضّة، و لو لم تكن الفضّة الملبّسة أناء مستقلّا بعدم جواز الاستعمال إذا كان تمام اناء الصفر ملبّسا بالفضّة، و بالجواز إذا كان بعضها ملبّسا بها و لم تكن الفضّة الملبّسة حال الانفصال اناء مستقلّا.

و يقال في المسألة 5 بأنّه في المفضّض يجوز الاستعمال إذا كان بعض الاناء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 204

مفضّضا بالفضّة. و لم تكن الفضّة الواقعة عليها اناء مستقلا حال الانفصال. و إمّا إذا كان بتمامه ملبّسا بالفضّة فيحرم الاستعمال، سواء كانت الفضة

الملبّسة به حين الانفصال إناء مستقلّا، أو لم يكن كذلك لما قلنا. فتأمّل.

و ظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه هو الكراهة في كلّ من الصورة الثانية و الثالثة بحمل النهي في بعض الاخبار عن المفضّض على الكراهة، بقرينة الخبرين المجوّزين. و قد عرفت مما مرّ عدم شمول الخبرين إلّا الصورة الثانية.

المورد الثاني: في كلّ مورد من الإناء المفضّض كان الاستعمال غير محرم،

نقول بكراهة الاستعمال لا لحمل النهي الوارد في المفضّض على الكراهة؛ لأنّه بعد حمل المطلقات الناهية على المقيّد بقرينة الخبرين يستفاد كون متعلّق النهي غير المقيّد الذي جوّز استعماله من المفضّض. بل لخصوص الرواية الثالثة من الروايات المتمسّكة بها على عدم جواز استعمال المفضّض مطلقا اعني رواية عمرو بن أبي المقدام، فقوله: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام قد أتى بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة فرأيته ينزعها بأسنانه» يستفاد منها كراهة استعمال القدح الّذي فيه ضبّة من فضة بعد الجمع مع الرواية الدالّة على جواز استعمال القدح الّذي فيه ضبّة من فضّة و هي رواية معاوية بن وهب حيث انّ موردها كون القدح فيه ضبّة من فضّة، و جوّز الشرب منه و قال: «الّا ان يكره الفضّة فينزعها».

المورد الثالث: يقع الكلام في أنّ القسم من المفضّض الّذي يجوز استعماله و الشرب منه هل يحرم الشرب،

و وضع الفم على الموضع الّذي ملبّس بالفضّة أم لا؟

قال المؤلّف رحمه اللّه بالتحريم؛ و وجهه ما في الرواية الثانية من الروايتين الدّالتين على جواز، و هي رواية عبد اللّه بن سنان؛ لأنّه قال فيها «و أعز فمك عن موضع الفضّة».

أقول: بناء على كون الدليل هذه الفقرة كان المناسب ان يقول المؤلّف يجب عزل الفم عن موضع الفضّة، لا أنّه يحرم الشرب منه مع وضع الفم على موضع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 205

الفضّة، لانّ وجوب عزل الفم عن موضع الفضّة لا يوجب حرمة الشرب من هذا الموضع، إلّا بناء على كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهي عن ضدّه، و لم نقل به.

المورد الرابع: في حكم الاناء المطلّى و المموّه بالذهب أو الفضّة.

اعلم أن المراد منهما كما يظهر من اللّغة هو ما يكون طليه بأحدهما و بالفارسيّة «آب داده» بأحدهما. فالفرق بين المفضض و المطلّى هو انّ الفضّة فيه جسم مستقل يمكن انفصاله من الجسم الآخر، بخلاف المطلّى و المموّه. على هذا لا يكون المطلّى بأحدهما بحيث يكون حال الانفصال آنية مستقلّة، فإذا كان كذلك فلا دليل على تحريمه؛ لأنّه ليس اناء الذهب و الفضّة. و لم يكن مفضّضا كما عرفت. بل هو شي ء آخر لا دليل على تحريم استعماله. و لو شككنا في حرمة استعماله فالأصل يقتضي جواز الاستعمال؛ لأنّ مشكوك الحرمة محكوم بعدم الحرمة بحكم اصالة الطهارة.

و بعد عدم كون المطلّى و المموّه من المفضّض، فلا دليل على تحريم شرب الماء من الاناء من الموضع المطلّى بأحدهما، أو وجوب عزل الفم عن موضع الفضّة، لعدم شمول رواية عبد اللّه بن سنان للمطلي فافهم.

و يمكن كون وجه الاحتياط الّذي قال به المؤلّف رحمه اللّه في المطلّى «و ان الاحوط حرمة

الشرب من موضع الفضّة فيه أيضا» هو احتمال كون المطلّى قسما من المفضّض.

و هذا وجه الاحتياط.

***

[مسئلة 6: لا يحرم استعمال الممتزج من احدهما مع غيرهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا يحرم استعمال الممتزج من احدهما مع غيرهما إذا لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما.

(1)

أقول: لانّ موضوع حكم التحريم آنية الذهب و الفضّة، و المدار صدق اسم الآنية الذهب و الفضة عليه، و مع عدم صدق الاسم على الممتزج من أحدهما مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 206

غيرهما وجه للتحريم.

***

[مسئلة 7: يحرم ما كان ممتزجا منهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: يحرم ما كان ممتزجا منهما و إن لم يصدق عليه اسم احدهما، بل و كذا ما كان مركّبا منهما بأنّ كان قطعة منه من ذهب و قطعة منه من فضّة.

(1)

أقول: تارة يقع الكلام في الدليل اللّفظي، فلا إشكال في انّ ظواهر الادلّة كما رأيت حمل الحرمة على آنية الذهب أو الفضّة. و المفروض عدم صدق الذهب و الفضّة عليه.

و تارة يقال بأنّا بعد ما رأينا انّ الشارع نهى عن آنية الذهب، و كذلك نهى عن آنية الفضّة، نفهم أن آنية الموضوعة منهما مبغوضة عنده، فإذا صنع منهما آنية سواء كانت ممتزجة منهما أو مركبّة منهما نعلم بالحرمة مثل ما كانت من أحدهما، فلا ينبغي الاشكال في الحرمة و العجب ممّن استشكل فيه.

***

[مسئلة 8: لا بأس بغير الأواني إذا كان من احدهما كاللّوح من الذهب أو الفضّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا بأس بغير الأواني إذا كان من احدهما كاللّوح من الذهب أو الفضّة، و الحلى كالخلخال و ان كان مجوّفا، بل و غلاف السيف و السّكين و إمامة الشطب، بل و مثل القنديل و كذا نقش الكتب و السقوف و الجدران بهما.

(2)

أقول: بعد كون التحريم ثابتا لآنية الذهب و الفضّة، و عدم وجود دليل على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 207

حرمة غير الآنية. يكون مقتضى القاعدة جواز الاستعمال.

مضافا إلى دلالة بعض الروايات على الجواز: مثل ما رواها «منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن التعويذ يعلّق على الحائض؟ فقال: نعم إذا كان في جلد أو فضّة أو قصبة حديد» «1».

و ما رواها صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ذي الفقار، سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم؟ فقال: نزل

به جبرئيل عليه السّلام من السماء و كان حلقته فضّة» «2».

و ما رواها يحيى بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذات الفضول لها حلقتان من ورق في مقدّمها، و حلقتان من ورق في مؤخّرها. و قال: لبسها علي عليه السّلام يوم الجمل» «3».

و غير ذلك يستفاد منها عدم البأس بهذه الاشياء، نعم في قبال ذلك بعض الروايات يتوهّم دلالته على المنع، كرواية رواها الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السرير فيه الذهب أ يصلح امساكه في البيت؟ فقال ان كان ذهبا، فلا و إن كان ماء الذهب فلا بأس» «4».

و ما رواها عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن المرأة هل يصلح امساكها إذا كان لها حلقة فضّة؟ قال: نعم إنّما كرة استعمال ما يشرب به. قال: و سألته عن السّرج و اللّجام فيه الفضّة أ يركب به؟ قال: ان كان مموّها لا يقدر على نزعه منه، فلا بأس. و إلّا فلا يركب به» «5».

اعلم انّ قوله: «و سألته» رواية مستقلّة ذكرها صاحب الوسائل بعد الأولى، و لو فرض كونها رواية واحدة، يكون الصدر شاهدا على كون الذيل محمولا على

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

(3) الرواية 4 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

(4) الرواية 1 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

(5) الرواية 5 من الباب 67 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 208

الكراهة كما انّ الأمر هكذا و لو كانتا روايتين.

و ما رواها محمّد: بن اسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام- عن آنية الذّهب و الفضّة فكرههما، فقلت: قد روى بعض أصحابنا أنّه كان لأبي الحسن عليه السّلام مرآة ملبّسة فضّة، فقال: لا و الحمد للّه إنّما كانت لها حلقة من فضّة و هي عندي، ثم قال: إنّ العبّاس حين عذر عمل له قضيب ملبّس من فضّة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضّة نحوا من عشرة دراهم فأمر به أبو الحسن عليه السّلام فكسر) «1».

بدعوى دلالة هذه الاخبار الثلاثة على تحريم ما يعمل من الذهب أو الفضّة حتّى غير الآنية منهما.

أقول: امّا أوّلا، فلانّ الروايات المتمسّكة بها على عدم جواز الاستعمال ليس لأوّلها و آخرها ظهور في الحرمة؛ لأنّ مقتضى الاولى إنّه لا يصلح ان كان ذهبا.

و لفظ لا يصلح يناسب الكراهة كما ترى في غالب موارد استعماله. و الثالثة لا تدلّ إلّا على كسر القضيب الملبّس بالفضّة. و ليس ذلك إلّا نقل فعل عن المعصوم قابلا لانّ يكون ذلك من باب حرمة استعماله، و قابلا لان يكون من باب كون استعماله مكروها. فلا ظهور لها في حرمة الاستعمال.

و ثانيا: نقول تارة يتوهّم انّ لخصوص المذكورات في الروايات المتقدّمة جوازا و منعا خصوصيّة، مثلا لحلقة السيف أو جلد التعويذ أو السّرج و اللجام الّذي فيه الفضّة أو القضيب الملبّس بالفضّة. فلا يكون دليل على المنع إلّا في خصوص السرج و اللّجام الّذي فيه الفضّة، لعدم ظهور غير هذه الرواية المتعرّضة لها ظهور في النهي كما قلت. و لكن نفس الاحتمال بعيد لعدم خصوصيّة لهذه الامور. و لهذا لو لم يجز لم يجز

حتّى غير المذكورات في الروايات الناهية، و لو جاز حتّى في غير المذكورات في الروايات المجوّزة.

و تارة يقال بعدم خصوصيّة للمذكورات، كما هو الحقّ. فبعد جواز بعض

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 65 من أبواب النجاسات من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 209

الامور الواردة في الاخبار الدالّة على جواز استعمالهما في غير الآنية، فيحمل النهي في الاخبار المانعة على تقدير ظهورها في حدّ ذاتها في الحرمة على الكراهة، بقرينة الاخبار المجوّزة.

و ثالثا: انّ قوله عليه السّلام في رواية عليّ بن جعفر عليهما السّلام بعد تجويز إمساك المرآة إذا كانت لها حلقة فضّة «انّما يكره استعمال ما يشرب به» نفهم انّ الحرمة مخصوصة بالآنية منهما لا غيرها. هذا كلّه بالنّسبة إلى حكم المسألة بنحو الكلّى، و انّه لا يحرم استعمال غير الآنية منهما.

و امّا الكلام في كون ما ذكر مصداقا لغير الآنية في كلام المؤلف رحمه اللّه مثل غلاف السيف و السكّين و أمامة الشطب، فيظهر حكمه في المسألة الآتية كونه من الآنية أم لا. ان شاء اللّه ..

***

[مسئلة 9: الظاهر ان المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكاس و الكوز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: الظاهر ان المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكاس و الكوز و الصيني و القدر و السماور و الفنجان و ما يطبخ فيه القهوة و امثال ذلك مثل كوز القليان بلو المصفاة و المشقاب و النعلبكى دون مطلق ما يكون ظرفا، فشمولها لمثل رأس القليان و رأس الشطب و قراب السيف و الخنجر و السكين و قاب الساعة و ظرف الغالية و الكحل و العنبر و المعجون و الترياك و نحو ذلك غير معلوم و ان كانت ظرفا اذا الموجود فى الاخبار لفظ الآنية و كونها مرادفا للظرف

غير معلوم، بل معلوم العدم و ان كان الاحوط فى جملة من المذكورات الاجتناب، نعم لا بأس بما يصنع بيتا للتعويذ، إذا كان من الفضّة بل الذهب أيضا،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 210

و بالجملة فالمناط صدق الآنية و مع الشك فيه محكوم بالبراءة.

(1)

أقول: اعلم انه بعد ما كان موضوع التحرى هو الآنية فالحكم يدور مدار هذا الموضوع، فكل ما يكون مصداق الاناء يكون محرّما، و ما لا يكون مصداقه لا يكون محرّما واقعا، و إذا شك في مورد في انه مصداق له أو لا يحكم بحلية استعماله لأصالة الحلية:

إنما الاشكال في تنقيح ما هو المراد من الآنية و حيث ان المستفاد من كلام بعض أهل اللغة من كون الآنية مرادفة مع الظرف، أو كونها مرادفة مع الوعاء، أو مطلق آلة يعمل معها عمل و لو لم تكن ظرفا و لا وعاء حتى المنشار كما حكى عن بعض أهل اللغة، لا يمكن التعويل عليه، لدعوى التسليم في كلماتهم بان الآنية أضيق دائرة من الظرف و الوعاء، فيكون بعض الأشياء مصداقا للظرف أو يطلق عليه الظرف أو يطلق عليه الوعاء، و لكن ليس آنية، و خصوصا مع اختلاف اللغويين في موضوعها، فما يمكن أن يقال، هو ان الآنية ظرف و وعاء خاص، و لهذا ترى انه يدعي كون بعض الاشياء آنية مسلّما و بعضها لم تكن آنية و بعضها كان مصداقيته لها محل اشكال، و لهذا حكموا بتحريم استعماله على سبيل الاحتياط.

إذا عرفت ذلك، نقول، بانه لا اشكال بعد ما عرفت من عدم امكان الاعتماد في موضوع الآنية بقول أهل اللغة، و ما نرى من انه يقال في بعض الكلمات بان الآنية فعلا

تكون غير مستعمل عند العرف، إلّا نادرا، فلا يمكن تشخيص موضوعها من محاوراتهم.

فنقول، انه لا اشكال في صدق الآنية على الكأس و الكوز و القدر، و ما يتعارف استعماله في الأكل و الشرب منه مسلما كالفنجان بل و السماور و المشقاب و النعلبكي و المصفاة و ما يطبخ فيه القهوة. و حيث ان المتيقن من موضوعها هو الظرف الخاص لا مطلق الظرف و الوعاء، فيكون شمولها لمثل كوز الغليان، ظرف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 211

الغالية و الكحل و العنبر و المعجون و الترياك و امثالها مورد الاشكال، و الاحوط الاجتناب عنها، و يكون شمولها لمثل رأس الغليان و رأس الشطب و قراب السيف و الخنجر و السكين و قاب الساعة مشكلا.

ان قلت، ان الرواية السابعة من الروايات المتقدّمة المذكورة في الفضة الذي كون مورد البحث و هي ما رواها بريد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كره الشرب في الفضة و في القدح المفضّض و كذلك ان يدهن في مدهن مفضّض و المشطة كذلك) تدل بالاولوية على حرمة مدهن المتخذ من الفضّة أو الذّهب و كذلك المشطة المتّخذة منهما.

قلت أوّلا: كون الرواية دالة على الحرمة محل الاشكال في موردها بل لا بد من حملها على مطلق المرجوحية حتى لا ينافي مع الكراهة المصطلحة في المفضّضة مطلقا، أو لا أقل في بعض أقسامها على ما عرفت تفصيله، و لا تنافي مع الكراهة المصطلحة في المشطة، فانها آلة للمشط، ليست بظرف اصلا على ما في اللغة، و لا يمكن القول بحرمة استعمالها إلّا إذا قلنا بحرمة استعمال الذهب و الفضة، و ان لم يكونا آنية.

و ثانيا: على فرض حرمة المفضض من

الدهن أو من المشطة، فكيف نعلم أولوية حرمة المدهن الذهب أو المشطة منه، أو من الفضة بهذه الرواية، لاحتمال وجود خصوصية في المفضض، و لذا استشكلنا في المذهب، فتلخص عدم ربط للرواية بما نحن فيه، كما ان التمسك بجواز مثل ظرف الغالية و اخواتها اللاحقة في كلام المؤلف رحمه اللّه به، أو بجواز رأس القليان و رأس الشطب و قراب السيف و الخنجر و السكين و قاب الساعة و امثالها المتخذة من الذهب أو الفضة بالرواية الثانية من الروايات المتمسكة بها على الجواز في المسألة السابقة و هي ما رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سألته عن التعويذ يعلق على الحائض فقال نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قبضة حديد)، بدعوى انه بعد دلالة الرواية على جواز كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 212

ظرف التعويذ من الفضة، و هذا ليس إلّا من باب عدم كونه آنية، فكذا نظائره من المذكورات، كراس القليان و اخواته و ظرف الغالية و اخواتها، و ليس في محله، لان غاية ما يستفاد من الرواية جواز كون ظرف التعويذ من الفضة كما قال المؤلف رحمه اللّه بجوازه و نحن نقول به.

و لكن لا يستفاد من الرواية كون جواز ذلك، من باب عدم كون ظرف التعويذ آنية موضوعا، حتى يكون خروج ظرف التعويذ من الخروج الموضوعىّ عن حرمة آنية الذهب و الفضة.

أو يكون ذلك من باب كون ظرف التعويذ خارجا حكما عن حكم حرمة آنيتهما، فيكون خروجه خروجا حكميا، و كما بينّا في الاصول لم يكن الدليل متكفلا لهذا الحيث، و لم يكن بناء العقلاء على جعل الاستثناء خروجا موضوعيا أو

حكميا فيما يشك في كون الخروج موضوعيا أو حكميا، بعد معلومية خروجه حكما مسلما.

ان قلت لو فرض كون خروج ظرف التعويذ حكميا، و لكن يمكن التعدي عنه بنظائره بإلغاء الخصوصية لعدم خصوصية له، قلت لا أدري ما هو الملاك في تجويزه حتى نقول بالعلم بوجود هذا المناط و الملاك في غيره، فلو قال أكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيد العالم، هل يمكن التعدي منه إلى غيره من العلماء بإلغاء الخصوصية، لا يمكن ذلك.

ثم ان ظرف التعويذ المتخذ من الفضة يجوز استعماله في جعله موضعا للتعويذ، و اما استعمالاته و انتفاعاته الاخر، فلا دليل على جوازه، بناء على كونه مصداق الآنية من الفضة.

كما أن ظرف التعويذ المتخذ من الذهب، بناء على كونه مصداق الآنية، يشكل استعماله حتى في جعله موضع التعويذ، لعدم دليل عليه، إلّا ان يدعى عدم الفرق بين المتخذ من الذهب و الفضة، فبعد دلالة رواية منصور بن حازم المتقدمة ذكرها على جوازه إذا كان متخذا من الفضة، فكذلك في الذهب منه، و لكن عدم الفرق غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 213

معلوم، فإذا نقول بان الاحوط عدم جواز استعمال ظرف التعويذ من الذهب و الانتفاع به في غير جعله موضع التعويذ.

***

[مسئلة 10: لا فرق في حرمة الاكل و الشرب من آنية الذهب و الفضة بين مباشرتهما]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا فرق في حرمة الاكل و الشرب من آنية الذهب و الفضة بين مباشرتهما لفمه أو اخذ اللقمة منها و وضعها في القم، بل و كذا إذا وضع ظرف الطعام في الصيني من احدهما، و كذا إذا وضع الفنجان في النعلبكي من أحدهما، و كذا لو فرغ ما فى الاناء من احدهما لا لاجل نفس التفريغ، فإن الظاهر حرمة الاكل و الشرب، لان

هذا يعدّ أيضا استعمالا لهما فيهما، بل لا يبعد حرمة شرب الچاي في مورد يكون السماور من احدهما، و ان كان جميع الادوات ما عداه عن غيرهما، و الحاصل ان فى المذكورات كما ان الاستعمال حرام، كذلك الاكل و الشرب أيضا حرام، نعم المأكول و المشروب لا يصير حراما، فلو كان في نهار رمضان لا يصدق انه افطر على حرام و ان صدق أن فعل الافطار حرام، و كذلك الكلام في الاكل و الشرب من الظرف الغصبي.

(1)

أقول: اعلم انه كما عرفت في المسألة الثالثة ما يدل عليه روايات الباب، متعلق النهي في آنية الذهب و الفضة عنوانان:

العنوان الأول: الاكل و الشرب في آنية الذهب و الفضة،

لان متعلق النهي في بعض الاخبار عنوان الاكل و الشرب منهما، و لا يخفي عليك ان المنهى عنه خصوص الاكل و الشرب لا غيرهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 214

العنوان الثاني: و هو المستفاد من بعض الاخبار، هو كون متعلق النهي نفس الآنية،

فعنوان المحرم نفس آنية الذهب و الفضة، فنحن في القول بالتحريم ندور مدار العنوانين.

و قد عرفت إن المحتمل في العنوان الثاني و هو النهي عن الآنية، النهي عن استعمالها، أو النهي عن الانتفاع بها و إن لم يكن استعمالا لها، أو النهي عن ايجادها، و لهذا يحرم على هذا حتى اقتنائها، بعد ما قلنا بان احتمال كون النظر في النهي عنها، النهي عن خصوص الاكل و الشرب، كما هو مفاد العنوان الاول المستفاد من بعض الاخبار، لا وجه له، و الامر يدور بين الاحتمال الأول و الثاني و الثالث، و لو لم نقل بالاحتمال الثالث، فنقول بالاحتمال الثاني، و مقتضاه حرمة مطلق الانتفاعات بها، فعلى هذا نقول في المقام، كلما يكون استعمالا أو انتفاعا بالآنية تكون محرما و لو لم يكن اكلا منها و لا شربا.

اذا عرفت ذلك، نقول: فى المسألة بانه لا اشكال في حرمة الاكل و الشرب من آنية الذهب و الفضّة، اذا باشرهما بفمه، لأنه اكل او شرب و استعملها و انتفع بها، كما انه لا اشكال في حرمة اخذ اللقمة منها لكون الاكل و الشرب باخذ اللقمة اكلا و شربا من الآنية كما ان ذلك يعدّ استعمالا لها و انتفاعا بها، و هو محرم.

و كذلك وضع اللقمة في الفم بعد الاخذ يكون محرما، لأن الأكل و الشرب تارة بوضع الفم على محل المأكول و المشروب و الأكل و الشرب منه، و تارة بأخذ اللقمة منه و وضعه في

الفم يعد الأكل و الشرب من آنيتهما.

نعم لا يعدّ وضع اللقمة في الفم بنفسه استعمالا و لا انتفاعا بآنية الذهب و الفضة، و كذلك يحرم وضع الطعام في الصيني من آنية الذهب أو الفضة، لان ذلك استعمالها و الانتفاع بها، فان وضع فيه و اكل منه بالفم أو يأخذ اللقمة منه لا يكون مصداق الاكل من آنية الذهب و الفضة.

و كذا وضع الفنجان في النعلبكي من احدهما، لكون ذلك مصداقا للاستعمال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 215

و الانتفاع المحرم، و هل الشرب من الفنجان الموضوع في النعلبكي منهما يكون الشرب من آنيتهما باعتبار كون ظرف الفنجان من احدهما فهو غير معلوم؟

و لو افرغ ما في الاناء من احدهما في ظرف آخر و اكله، فلا اشكال في كون الافراغ بقصد الأكل من الظرف الآخر استعمالا و انتفاعا و هو محرم، و هل يكون الأكل من الظرف الآخر الذي أفرغ فيه الاناء من احدهما، يعد الأكل أو الشرب من آنيتهما أم لا، الحق عدم كون ذلك أكلا أو شربا من آنيتهما.

و لو كان المقصود من الافراغ من انيتهما في ظرف آخر، نفس الافراغ لا لمقصد آخر من الاكل و الشرب أو غيرهما، فهل يكون التفريغ بقصد نفس التفريغ محرما أيضا، مثل التفريغ بداع و غرض آخر أو لا، يكون محرما، قد يقال بعدم الحرمة، لا ان المحرم استعمال الآنية و الانتفاع بها، و حيث ان حقيقة الاستعمال اعمال الشي ء في الغايات المقصودة منه، و الاستعانة به للوصول إلى هذه الغايات، فلا يكون الافراغ بداعي نفس الافراغ استعمالا و انتفاعا بها، و يأتي الكلام فيه في المسألة 12 إن شاء اللّه.

و لو كان السماور

من أحدهما، فلا اشكال في ان صب الماء منه يكون استعمال له، و لهذا يكون محرما، و هل يكون شرب الچاي في هذا المورد اعني مورد كون السماور من احدهما، و ان كان جميع ادوات الچاي من غيرهما شربا من آنية الذهب أو الفضة باعتبار كون السماور من احدهما، أو لا يعد شربا من آنيتهما؟ ظاهر المتن كما ترى نفي البعد عن كونه شربا منهما.

و يمكن أن يقال في وجه ذلك بان الشرب من السماور ليس إلّا بهذه الكيفية، لان المتعارف صب الماء منه في الفنجان ثم الشرب منه، لا الشرب من السماور بالفم، فعلى هذا يعدّ ذلك الشرب من السماور و ان كان بمعونة الفنجان.

و فيه ان كون الشرب منه غير متعارف، إلّا بهذا النحو لا يوجب كون الشرب من الفنجان المتخذ من غير الذهب و الفضّة شربا من احدهما، من باب كون الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 216

الواقع في الفنجان مصبوبا من السماور، لكون الظاهر من الأكل و الشرب من آنيتهما الأكل و الشرب منهما، و هذا ليس الشرب من السماور، بخلاف ما اخذ اللقمة من آنية الذهب أو الفضّة و أكلها فانه الاكل منها بنظر العرف.

فتلخّص انه يعد في كل من الصور المذكورة استعمال الآنية و الانتفاع بها، و لكن لا يعد في كل الصور الأكل و الشرب منهما الذي قدمناه بالتفصيل.

ثم انه بعد ما عرفت حرمة الأكل و الشرب من آنيتهما يقع الكلام في انه هل يحرم المأكول أو المشروب أولا؟ مثلا إذا القى ماء في آنية الذهب فشربها، فلا اشكال في حرمة الشرب، انما الكلام في حرمة المشروب، أي الماء الواقع فيهما، قد يقال بحرمة

المشروب و المأكول اما من باب النبوى الذي قال (في الذي يشرب في آنية الفضّة انما يجرجر في بطنه نارا) و هذا لا يصح إلّا بكون المشروب حراما، لان ما يدخل البطن هو المشروب لا نفس الشرب.

و فيه، اما أوّلا: فالنبوى ضعيف السند، و ثانيا كما قيل بعد كون الظاهر من النبوى كون الشراب سببا لذلك، فكما يمكن كون مبغوضية المأكول و المشروب سببا لان يجرجر في بطنه نارا، كذلك مبغوضية نفس الشرب يمكن ان يكون سببا لذلك، و اما ما قيل في الجواب بأنه مع القول بتجسّم الاعمال، لا يحتاج إلى تكلّف و يكون نفس الشرب لا من باب المشروب سببا لانّ يجرجر في البطن نارا، مثل قوله تعالى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً، فهو لا يوجب كون نفس الشرب سببا لتجسم ذلك في بطنه، بل يمكن ان يكون مبغوضية المأكول سببا، فكما إن الرواية على تقدير صحة سندها، لا تدل على كون التجرجر لاجل المشروب، لا تدل على كونه لاجل نفس الشرب، بل كلهما محتمل، نعم بعد كون كلهما محتمل، لا يمكن التمسك بها لحرمة المشروب كما توهم.

و اما من باب ان النهي عن الاكل و الشرب في آنية الذهب و الفضّة، ليس إلّا النهي عن المشروب، لانه إذا أريد النهي عن المأكول و المشروب، ينهى عن أكله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 217

و شربه، مثلا إذا كان الخمر مبغوضا للحرمة، فيقول لا تشرب الخمر، بل إذا اضاف المولى الحرمة إلى ذوات الاشياء، يكون المراد النهي عن اكلها أو شربها، فإذا قال (حرمت عليكم الميتة و الدم) فليس النهي عنهما إلّا النهي عن أكل

الميتة و شرب الدم، فعلى هذا لا وجه للاشكال بان المنهي عن الاكل و الشرب لا يتعدّى إلى المأكول و المشروب، لانه مع ما عرفت يكون المنهي في الحقيقة المأكول و المشروب و لا معنى للنهي عنهما إلّا النهي عن أكله و شربه، فلأجل ذلك يقال بحرمة المأكول و المشروب.

و فيه، ان النهي إذا ورد على ذوات الأشياء من الجامدات أو المائعات كما قلت، يحمل على النهي عن أكلها و شربها إذا كان الفعل الظاهر منهما هو الأكل أو الشرب، مثل قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ) (الخ)، و لكن إذا نهى عن الأكل و الشرب لا وجه لحملهما على المأكول و المشروب بل ظاهره هو النهي عن نفس الأكل و الشرب، من باب انهما فعل من الافعال، و قد حرّم هذا الفعل، لا من حيث مأكوله و مشروبه، خصوصا مع ما نرى من عدم وجود منفعة أو حزازة في المأكول و المشروب يوجب النهي عنهما، بل المستفاد من بعض اخبار الباب مثل قوله عليه السّلام في بعضها آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون هو مبغوضية، نفس استعمالها و الأكل أو الشرب منها، فلا وجه لحرمة المأكول و المشروب.

و لهذا نقول، لو كان في نهار رمضان و أفطر من آنية الذهب و الفضّة، و لو ان فعل الافطار حرام، و لكن لم نقل بكونه افطارا بالحرام، حتى يجب عليه كفارة الجمع.

نعم لو قلنا بكون المأكول و المشروب حراما، فإذا افطر في نهار رمضان من آنية الذهب و الفضة بالأكل و الشرب منهما، يكون افطاره بالحرام، سواء كان افطاره بالأكل و الشرب منهما بفمه أو بأخذ اللقمة و وضعها في فمه، لان في

كل منهما أكل أو شرب المحرّم.

هذا كله بالنسبة إلى الافطار من آنيتهما في شهر الصيام، و قد عرفت الفرق بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 218

كون المأكول و المشروب حراما و عدمه في كون الافطار بالحرام و عدمه.

و اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه في ذيل المسألة بعد عدم كون الاكل او الشرب من آنيتهما في نهار رمضان افطارا بالحرام من باب عدم كون المأكول و المشروب حراما، بانه (و كذلك الكلام فى الاكل و الشرب من الظرف الغصبى) يعنى لم يكن الافطار من الظرف المغصوب في نهار رمضان افطارا بالحرام، و وجهه هو عدم كون الافطار بما في ظرف المغصوب من المأكول او المشروب حراما، حتى يكون الافطار بالحرام، بل المحرم هو نفس التصرف في المغصوب و هو غير المأكول و المشروب.

اقول: بأنه لو قلنا كما هو الحق من عدم كون المأكول و المشروب محرما، يكون ما نحن فيه مثل الافطار في الظرف المغصوب، و لا يجب كفارة الجمع في كليهما، لعدم كون الافطار بالحرم.

و اما لو قلنا بكون المأكول و المشروب حراما في آنية الذهب و الفضة، نقول أيضا بعدم كون الافطار فى الظرف المغصوب في نهار شهر رمضان افطارا بالحرام، لانه بعد كون المأكول و المشروب حراما، يكون ما افطر به افطارا بالمحرم فيكون مصداق الافطار بالحرام و يجب كفارة الجمع فيه.

و اما الافطار في الظرف المغصوب فما هو المحرم هو التصرف في الظرف، و اما المظروف فلا يكون محرما، فلا يكون الافطار بما في الظرف المغصوب من المأكول او المشروب افطارا بالحرام، فلا يوجب كفارة الجمع. فافهم.

***

[مسئلة 11: ذكر بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه فصبّ الچاي من القوري من الذهب أو الفضّة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: ذكر بعض العلماء أنه إذا أمر

شخص خادمه فصبّ الچاي من القوري من الذهب أو الفضّة في الفنجان الفرفوري و أعطاه شخصا آخر فشرب فكما أنّ الخادم و الآمر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 219

عاصيان كذلك الشارب لا يبعد أن يكون عاصيا و يعدّ هذا منه استعمالا لهما.

(1)

أقول: اما الخادم عاص لاستعماله و انتفاعه بالآنية منهما، و هو محرّم كما عرفت.

و أمّا الآمر عاص لأمره بالمعصية.

و أمّا الشارب فقال المؤلف رحمه اللّه لا يبعد كونه عاصيا أيضا لأن الشرب من الشارب يعد استعمالا فيها.

و فيه أنّ شربه من الفنجان لا يعد استعمال للقورى من الذهب أو الفضة، و لا شربا منه، و لا يحرم، فلم يكن الشارب في الفرض عاصيا في شربه.

***

[مسئلة 12: إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ففرغه في ظرف آخر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ففرغه في ظرف آخر بقصد التخلص عن الحرام لا بأس به و لا يحرم الشرب أو الأكل بعد هذا.

(2)

أقول: أعلم أنه تارة يقال بأنه لو كان في الآنية من أحدهما مأكول أو مشروب يجب افراغهما منها، لأن ابقائهما فيها نحو استعمال لها، و لا أقل من يكون ابقائهما فيها انتفاعا بها، فلا مجال للشك في عدم كون الافراغ حراما بقصد الافراغ، بل يجب ذلك مقدمة، و ان اوقع ما فيها في ظرف مباح آخر و اكله أو شربه، بل لو شربه أو أكله بفمه بقصد الافراغ، لأنّ ذلك ليس استعمالا و لا انتفاعا بها، ينبغي أن يقال بعدم حرمة هذا التصرف فيها إذا لم يكن ايقاع المأكول و المشروب فيها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 220

بسوء اختياره بل ان كان بسوء اختياره فأيضا يجب الافراغ بناء على هذا، و

ان فرض كونه معاقبا بايقاع ما فيها بسوء اختياره، كالمتوسط في الارض المغصوبة.

و تارة لم نقل بذلك فنقول: ما يستفاد من الأدلّة حرمة استعمال آنيتها و الانتفاع بها و الافراغ بقصد التخلص عن الحرام لا يكون استعمالا لان حقيقة الاستعمال اعمال الشي ء للاستعانة به في الجهة المقصودة، و في مقام الافراغ بقصد التخلص لا يكون الداعي الاستعانة بالآنية في الجهة المعدة لها من جعلها ظرفا أو لأن يأكل و يشرب منها، أ لا ترى من كون الداعي التخلص منها، لا الاستعانة بها.

و على هذا النحو من التصرّف لا يعد استعمالا و انتفاعا بها فانّ تمّ احد الوجهين يتم ما قاله المؤلف رحمه اللّه من كون الافراغ بقصد التخلص غير محرم.

و أمّا الأكل و الشرب بعد الافراغ سواء صار الافراغ حراما أو لا يكون حراما لان هذا الشرب و الأكل ليس الشرب و الأكل من آنيتهما و لا استعملا فيهما و انتفاعا بهما.

***

[مسئلة 13: إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في أحدى الآنيتين]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في أحدى الآنيتين فإن امكن تفريغه في ظرف آخر وجب و إلّا سقط وجوب الوضوء أو الغسل و وجب التيمّم و ان توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء اخذ الماء منهما بيده أو صبّ على محل الوضوء بهما أو ارتمس فيهما و ان كان له ماء آخر أو امكن التفريغ في ظرف آخر و مع ذلك توضأ أو اغتسل منهما فالاقوى أيضا البطلان لانه و ان لم يكن مأمورا بالتيمّم إلّا أنّ الوضوء أو الغسل حينئذ يعدّ استعمالا لهما عرفا فيكون منهيّا عنه بل الامر كذلك لو جعلهما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 221

محلّا لغسالة الوضوء لما ذكر من أنّ

توضّؤه حينئذ يحسب في العرف استعمالا لهما نعم لو لم يقصد جعلهما مصبا للغسالة لكن استلزم توضّؤه ذلك امكن ان يقال انّه لا يعد الوضوء استعمالا لهما بل لا يبعد ان يقال انّ هذا الصّب أيضا لا يعدّ استعمالا فضلا عن كون الوضوء كذلك.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

الأوّلى: ما إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في احدى الآنيتين، و امكن تفريغه في ظرف آخر،

فهل يجب التفريغ للوضوء أو الغسل أو لا يجب ذلك؟ وجه الوجوب إما لكون تفريغ الاناء من الماء واجب، لكون ابقاء الماء فيها زيادة التصرف، فيجب مقدمة إفراغ الماء منها، خصوصا إذا كان ايقاع الماء فيها بسوء اختياره، و اما من باب ان افراغ الماء عنها واجب من باب كونه مقدمة للوضوء، أو الغسل لان وجوبهما مطلق بالنسبة إلى وجود الماء، فيجب تحصيل الماء بأي نحو كان، و من جملة افراغه عن آنية الذهب و الفضّة فمع امكان التفريغ عنها و صبه في ظرف آخر يجب ذلك.

أقول: يمكن القول بوجوب الافراغ حتى لو لم يكن بقصد افراغ الماء في ظرف آخر للوضوء و الغسل، لان وقوع الماء و بقائه في الاناء من الذّهب أو الفضة انتفاعا بهذا الاناء، و استعمالا له و ان أبيت عن كون الابقاء استعمالا لها أو لوجه آخر (قدم في المسألة السابقة و قلنا بان الافراغ إذا كان بقصد التخلص لا يكون حراما) لا اشكال في صدق الانتفاع به و هو محرم كما عرفت فيجب الافراغ مقدمة لترك الانتفاع.

و اما لو لم يتم هذا الوجه فمجرد كون وجوب الوضوء مطلقا من حيث الماء و كان مقتضى اطلاقه تحصيل الماء من أي طريق يمكن له، لا يقتضي إلّا وجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 222

تحصيل هذا الماء مقدمة للوضوء، و لكن

في قبال ذلك يحرم التصرف في آنية الذهب و الفضة و اطلاق دليل الحرمة يشمل حتى صورة التصرف، لاجل تحصيل الماء للوضوء و الغسل، فيتزاحم الوجوب مع الحرمة، و مع التزاحم، ان كان ملاك الوضوء و الغسل أقوى، نأخذ به و كون النتيجة جواز الافراغ بل وجوبه و إلّا فإن كان ملاك الحرمة أقوى، لا بد من التنزل إلى التيمم و عدم وجوب الوضوء أو الغسل، نعم لو اغترف و فعل حراما يصح الوضوء و الغسل بهذا الماء، و مع تساوى الملاكين يكون التخيير، بل ربما يقال بناء على هذا بان الاقوى الاخذ بجانب الحرمة لأن التزاحم إذا وقع بين ما لا بدل له و ما يكون له البدل، قدم ما لا بدل له، و في المقام الوضوء و الغسل لهما البدل و هو التيمم بخلاف استعمال اناء الذهب و الفضة و الانتفاع بهما، فالعمدة في وجه وجوب الافراغ للوضوء و الغسل هو الوجه الاول.

الثانية: ما إذا يكون الماء في الآنية من احدهما و لا يمكن الافراغ منها

و كان الماء منحصرا بما في آنيتهما فنقول كما قلنا في الوضوء و الغسل من الآنية المغصوبة، بانه لا يجب الوضوء و الغسل، و وجب التيمم لما قلنا من عدم كونه واجد الماء، و ان توضأ أو اغتسل من الماء الواقع فيها بطل وضوئه و غسله، سواء كان الوضوء أو الغسل منها بأخذ الماء بيده و صبّه بيده على مواضع الوضوء، و بعبارة أخرى يكون بالاغتراف، أو كان يصب الماء من آنية الذهب أو الفضّة على محل الوضوء أو الغسل، أو كان بنحو الارتماس في الآنية لما قلنا فى الوضوء من الآنية المغصوبة، لعدم امر بالوضوء و الغسل مع كون المقدمة المنحصرة محرمة، و لا وجود ملاك الامر في هذا

الفرض أي فرض في الانحصار، فلهذا لا يجب الوضوء و الغسل، و سقط وجوبهما و لو توضأ أو اغتسل من هذه الآنية بطل وضوئه و غسله، و قد يقال بصحة الوضوء في الفرض، و إن كان الاغتراف حراما من جهة الترتب كما في (التنقيح) و نحن لم نقل بصحة الترتب. كما انه قد يدعى بوجود الملاك في هذا الفرض (كما اشرنا إليه سابقا) و قلنا بعدم وجود الملاك مع عدم وجود الامر في المورد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 223

الثالثة: ما إذا كان الماء في الآنية من احدهما أو لا يمكن الافراغ منها
اشارة

و لكن لم يكن الماء منحصرا بما في الآنية من احدهما، فنقول بعونه تعالى ان لها فروض.

الأوّل: أن يكون باغتراف الماء من الآنية شيئا فشيئا

ثم الوضوء أو الغسل بما اغترف من هذه الآنية، فكما قلنا في الاناء المغصوب يصح الوضوء و الغسل و إن كان عاصيا بالتصرف في الاناء منهما، بناء على كون التصرف بالافراغ استعمالا و انتفاعا، و إلّا لم يكن عاصيا أيضا. فان وقوع الماء في الآنية منهما و إن كان يوجب عدم سراية الوجوب المقدم إليه لكون المقدمة حراما و لكن حيث يكون الامر بالوضوء و الغسل باقيا لوجود ماء آخر لعدم انحصار الماء بما في الآنية منهما، فلو افرغ الماء منهما و توضأ أو اغتسل صح وضوئه و غسله، لعدم كون الوضوء أو الغسل تصرفا في الآنية، و لا يقاس المورد بصورة اخذ الماء من الآنية و وضعه في الفنجان أو ظرف آخر و شربه، لان في هذا المورد كما قلنا سابقا يكون هذا الشرب من الآنية، لان هذا من التعارف من الشرب بخلاف ما نحن فيه، لانه لا يعد الوضوء من الظرف الآخر تصرّفا في الآنية منهما بمجرد صب الماء منهما في الظرف الذي توضأ منه.

الثاني: أن يكون الوضوء بالارتماس في الآنية،

فلا اشكال في بطلان الوضوء و الغسل لان ذلك تصرف و استعمال الآنية المحرمة، فيكون من صغريات اجتماع الامر و النهي، و لا تصح العبادة لعدم كونها مقربا حتى على ما قاله سيدنا الاعظم قدّس سرّه حتى على القول بجواز اجتماع الامر و النهي أو الاجماع على ما في كلماتهم على فساد العبادة فافهم.

الثالث: أن يكون بصب الماء من الإناء على مواضع الوضوء و الغسل،

و هل يكون الوضوء و الغسل باطلا في هذا الفرض لكون الوضوء أو الغسل بالحمل الشائع استعملا للآنية من أحدهما أو لا يكون كذلك؟ لان اصباب الماء من الآنية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 224

استعمالا لها لكن الغسل المتعلق بالوضوء و الغسل امر آخر، لانه بعد الصب يتوضأ او يغتسل كما قلنا في الآنية المغصوبة و لا يبعد ذلك و ان كان القول بالبطلان في هذا الفرض أحوط.

الرابع: إذا صارت الآنية من احدهما مصبّا للوضوء و الغسالة،

بمعنى صيرورة الآنية محلا لغسالة الوضوء أو الغسل، فهل يبطلان من باب كون هذا الوضوء و الغسل تصرفا في الآنية و استعمالا لها، أو لا يبطلان من باب عدم صدق التصرف و الاستعمال لها.

الاقوى بطلانهما، لانه بوضوئه و غسله يستعمل الآنية بصب الماء فيها لأنه كما يكون اخذ الماء منهما استعمالها، كذلك وضعه فيها بل كما قيل يكون ذلك أولى، لان الآنية معدّة للظرفية، فوضع الماء فيها هو استعمالا ظاهرا فيحرم، فإذا كان حراما يبطلان لكون المورد مصداق اجتماع الامر و النهي و تفسد العبادة على ما مر في باب اجتماع الامر و النهي.

ثم انه لا فرق بين كون الآنية محل غسالة الوضوء أو الغسل بقصده ذلك بان يقصد ذلك أو لم يقصد ذلك، و لكن يكون متوجها بانّ غسالة وضوئه أو غسله يقع فيها، لان هذا ليس من الامور القصدية التي يكون للقصد و عدمه دخل في ثبوت الحكم و عدمه ففي كلتا الصورتين يبطل الوضوء و الغسل.

نعم لو كان غافلا عن ذلك أو ناسيا له (في خصوص ما لم يكن هو سببا لصيرورتها مصبا للغسالة و الا يمكن دعوى عدم كون غفلته و نسيانه غدرا) يصح الوضوء و الغسل من باب

عدم تنجّز تكليف التحريمي فافهم كما سيأتي في المسألة 15 إن شاء اللّه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 225

[مسئلة 14: لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيّد منهما و الردي ء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيّد منهما و الردي ء و المعدني و المصنوعى و المغشوش و الخالص إذا لم يكن الغشّ إلى حدّ يخرجهما عن صدق الاسم و إن لم يصدق الخلوص و ما ذكره بعض العلماء من انه يعتبر الخلوص و انّ المغشوش ليس محرّما و ان لم يناف صدق الاسم كما في الحرير المحرّم على الرجال حيث يتوقف حرمته على كونه خالصا لا وجه له و الفرق بين الحرير و المقام انّ الحرمة هناك معلّقة في الاخبار على الحرير المحض بخلاف المقام فإنّها معلّقة على صدق الاسم.

(1)

أقول: لان المذكور في الادلة آنية الذهب و الفضة، ففي كل مورد يصدق اسم آنية الذهب و الفضة عليهما يكون الحكم، سواء كان جيدا أو ردئ و سواء كان خالصا أو مغشوشا إذا صدق على المغشوش اسم احدهما و ثبوت الحكم للمعدنى من الذهب أو الفضة واضح.

و ربما يخطر بالبال عدم ثبوت الحكم المأخوذ من المصنوعي، و هو ما يدعي امكان صنعته بعلم الاكسير و الكيمياء لندرة وجوده أو لعدم وجوده فالاخبار منصرفة عنه، و لكن يمكن ان يقال بان الموضوع آنية الذهب و الفضة فلو كان ما يطلق عليه الذهب يشمله الحكم و إن كان مصنوعيا، و كما ذكر المؤلف رحمه اللّه التحريم ثابت للمغشوش كما قلت مع فرض صدق الاسم، و لا وجه لعدم الشمول قياسا بالحرير، لان المذكور في الحرير في الادلة هو الحرير المحض، و لهذا لا يشمل غير المحض بخلاف المقام فافهم.

***

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 226

[مسئلة 15: إذا توضأ أو اغتسل من اناء الذهب أو الفضة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: إذا توضأ أو اغتسل من اناء الذهب أو الفضة مع الجهل بالحكم أو الموضوع صحّ.

(1)

أقول: وجه الصحة عدم تنجز التكليف بالحرمة مع الجهل بالحكم ان كان عن قصور لانه مع الجهل بالحكم عن تقصير لا يكون الجاهل معذورا، و كذا لا يتنجز الحكم مع الجهل بالموضوع، و بعد عدم تنجز التكليف التحريمي يصح الوضوء و الغسل، و قد مضى الكلام في ذلك في باب اجتماع الامر و النهي و هذا من صغرياته.

***

[مسئلة 16: الأواني من غير الجنسين لا مانع منها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: الأواني من غير الجنسين لا مانع منها و ان كانت أعلى و أغلى حتى إذا كانت من الجواهر الغالية كالياقوت و الفيروزج.

(2)

أقول: لعدم الدليل على تحريمها، و مع الشك في الحرمة تجري اصالة البراءة، و ما قيل في وجه التحريم من كون ذلك اضاعة المال أو الاسراف ففيه أنه مع وجود دواعى العقلائية لا يكون كذلك.

***

[مسئلة 17: الذهب المعروف بالفرنكى لا بأس بما صنع منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: الذهب المعروف بالفرنكى لا بأس بما صنع منه لانه في الحقيقة ليس ذهبا و كذا الفضة المسماة بالورشو فانها ليست فضة بل هي صفر البيض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 227

(1)

أقول: لعدم كونهما من الذهب و الفضة فلا يشمل حكمهما لهما و عدم وجود دليل آخر يدل على حرمتهما، و مع الشك يقتضي الاصل الحلية.

***

[مسئلة 18: إذا اضطر الى استعمال أواني الذهب أو الفضة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: إذا اضطر الى استعمال أواني الذهب أو الفضة في الاكل و الشرب و غيرهما جاز و كذا في غيرهما من الاستعمالات نعم لا يجوز التوضؤ و الاغتسال منهما بل ينتقل إلى التيمم.

(2)

أقول: وجهه هو ما يستفاد من بعض النصوص بانه يبيح المحظورات مع الاضطرار، مثل ما روى عن الصادق عليه السّلام (ليس من شي ء يضطر إليه ابن آدم إلّا و قد احله اللّه عليه) لا فرق في مورد الاضطرار و جواز الارتكاب بين الاكل و الشرب من آنيتهما و غيرهما من الاستعمالات، و كذا غير آنيتهما من سائر المحرمات، نعم لا يجوز التوضؤ و الاغتسال منهما لعدم الاضطرار بهما، فمع كون الماء فيهما يسقط وجوب الوضوء و الغسل، بتفصيل مرّ في المسألة الثالثة عشر و ينتقل التكليف بالتيمم.

***

[مسئلة 19: إذا دار الامر في حال الضرورة بين استعمالهما أو استعمال الغصبى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا دار الامر في حال الضرورة بين استعمالهما أو استعمال الغصبى قدمهما.

(3)

أقول: و ذلك لما يستفاد من مطاوي ما ورد من صاحب الشرع من أهمية ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 228

فيه حق الناس على ما فيه حق اللّه فقط، و لهذا يكون لدى الضرورة و الدوران الاخذ بما فيه حق اللّه فقط، فمع الضرورة بارتكاب احدهما يقدم استعمال الآنية منهما على الآنية المغصوبة.

***

[مسئلة 20: يحرم اجارة نفسه لصوغ الاواني من أحدهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: يحرم اجارة نفسه لصوغ الاواني من أحدهما و اجرته أيضا حرام كما مرّ.

(1)

أقول: تقدم الكلام فيه و ان ذلك مبنى على حرمة استعمالها و حرمة الانتفاع بها و حرمة اقتنائها، و لكن حيث اخترنا حرمة استعمالها و حرمة انتفائها و كون الاحوط ترك اقتنائها، فنقول الاحوط ترك اجارة نفسه لصوغ الاواني من أحدهما، و ان جوزّنا الاقتناء فلها منفعة محلّلة و بجوز اجارة نفسه لها.

***

[مسئلة 21: يجب على صاحبهما كسرهما و أما غيره]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: يجب على صاحبهما كسرهما و أما غيره فإن علم ان صاحبهما يقلّد من حرم اقتناءهما أيضا و انهما من الافراد المعلومة في الحرمة يجب عليه نهيه و ان توقف على الكسر يجوز له كسرهما و لا يضمن قيمة صياغتهما نعم لو تلف الاصل ضمن و ان احتمل ان يكون صاحبهما ممّن يقلّد جواز الاقتناء أو كانتا ممّا هو محل الخلاف في كونه آنية أم لا، لا يجوز له التعرض له.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 229

(1)

أقول: امّا وجوب الكسر على صاحبهما فعلى الاحوط لما قلنا من ان الاحوط ترك اقتنائهما

اما غيره فله صور:

الصورة الأولى: ان يعلم ان فتوى مقلّد صاحب الآنية منهما عدم جواز اقتنائها،

و يعلم ان كسرها لا يوجب تلف مادتها، و بعد الكسر لم ينته الامر إلى تلف مادتها اتفاقا، ففي هذه الصورة يجب عليه نهي صاحبها عن استعمالها و الامر بكسرها عن باب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، فان لم ينته يجوز له بل يجب كسرها عليه من باب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لا ضمان عليه من باب هدم هيئتها الاقتضاء الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ذلك.

الصورة الثانية: الصورة بحالها مع صيرورة كسر الهيئة موجبا لتلف المادة

كلا أو بعضا، فعلى الناهي عن المنكر الكاسر لها ضمان ما تلف لصدق الاتلاف، و عدم اقتضاء دليل الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لجواز اتلاف المادة.

الصورة الثالثة: ما إذا يعلم بكون الاقتناء محرّما عند صاحب الآنية

و يعلم بان كسرها يوجب اتلاف المادة بعضها أو كلها، فهل يجب كسرها لايجاب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ذلك، بعد عدم انتهاء صاحبها بان يكسرها أو لا يجوز ذلك؟ لان ذلك ضرر على صاحبها و يمكن ان يقال بالجواز.

الصورة الرابعة: ما إذا يعلم جواز اقتنائها عند من يقلده صاحب الآنية

فلا يجوز على الغير كسرها لأن من شرائط الامر بالمعروف و النهي عن المنكر كون الفعل منكرا عند من يرتكبه.

الصورة الخامسة: ما إذا لم يعلم بان مختار من يقلّده صاحب الآنية على جواز اقتنائها

أو على عدم الجواز فأيضا لا يجوز، لوجوب حمل فعل المسلم على الصحة، فلا يجوز كسر آنيته. و مثل الصورتين ما إذا كان الخلاف في كون الظرف الكذائي مصداقا للآنية و عدمه، و يعلم بان مقلد صاحبها اختار عدم كون هذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 230

الظرف مصداق الآنية أو يشك في أن مختاره كونه منها أو لا ففي كلتا الصورتين لا يجوز للغير كسرهما لما قلنا في الصورة الرابعة و الخامسة.

و اما ما قاله المؤلف رحمه اللّه من انه بمجرد كون الخلاف في كونه آنية أم لا لا يجوز على الغير التعرض له ليس بتمام، لانه يمكن كونه محل الخلاف، و لكن يعلم كون مختار من يقلده صاحب الظرف كونه آنية، فيجوز بل يجب كسرها مثل الصورة الاولى التي بيناها، و كذلك في الصورة الثانية، مع ضمان ما تلف من مادته و كونه في الصورة الثالثة ذو احتمالين كما عرفت فافهم هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

***

[مسئلة 22: إذا شكّ في آنية انّها من احدهما أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: إذا شكّ في آنية انّها من احدهما أم لا أو شك في كون شي ء مما يصدق عليه الآنية أم لا لا مانع من استعمالها.

(1)

أقول: اعلم ان الشك تارة يكون في الموضوع، مثل ما يشك ان الظرف الكذائي من الاواني أم لا، مع علمه بما هو موضوع الآنية مفهوما.

و بعبارة اخرى يكون الشك في المصداق، بعد تبين المفهوم يجري البراءة و تارة يكون منشأ الشك، الشك في المفهوم، مثل ما إذا يكون شاكا فيما هو مفهوم الآنية فليس للمقلد أن يجري البراءة يجب عليه الرجوع الى المجتهد نعم المجتهد، إذا شك في مفهوم الآنية، يجري البراءة في المشكوك لما يحكم

بحرمة المتيقن من آنيتهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 231

فصل: في أحكام التخلّي

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 233

قوله رحمه اللّه

فصل في احكام التخلّي

[مسئلة 1: يجب في حال التخلي بل في سائر الاحوال ستر العورة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب في حال التخلي بل في سائر الاحوال ستر العورة عن الناظر المحترم سواء كان من المحارم أم لا رجلا كان أو امرأة حتى عن المجنون و الطفل المميّز كما أنه يحرم على الناظر أيضا النظر إلى عورة الغير و لو كان مجنونا أو طفلا مميزا و العورة في الرجل القبل و البيضتان و الدبر و في المرأة القبل و الدبر و اللازم ستر لون البشرة دون الحجم و ان كان الاحوط ستره أيضا و أما الشج و هو ما يتراءى في عند كون الساتر رقيقا فستره لازم و في الحقيقة يرجع إلى ستر اللون.

(1)

أقول: الكلام في جهات:

الجهة الاولى

في وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم
اشارة

و حرمة النظر إلى عورة الغير فروع، نذكر الاخبار المربوطة بالباب، ثم ما ينبغي ان يقال و نقول قبل التعرض للاخبار بان الحكم في الجملة مما ادعى عليه الاجماع، بل دعوى كونه من ضروريات الدين و اما الاخبار:

الاولى: ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن شعيب بن واقد عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 234

الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث المناهي (قال: إذا اغتسل احدكم في فضاء من الارض فليحاذر على عورته. و قال: لا يدخلنّ احدكم الحمام إلا بمئزر و نهى ان ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم و قال: من تأمّل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون الف ملك. و نهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة و قال: من نظر إلى عورة اخيه المسلم أو عورة، غير أهله، متعمّدا، أدخله اللّه مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن

عورات الناس و لم يخرج من الدنيا حتى يفضحه اللّه إلّا أن يتوب) «1».

الثانية: مرسلة الصدوق قال (و سأل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عز و جلّ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ) «2» فقال: كلما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا، إلّا في هذا الموضع فانه للحفظ من ان ينظر إليه) «3».

الثالثة: ما رواها علي بن الحسين المرتضى في رسالته المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعماني بسنده الآتي (عن علي عليه السّلام في قوله (عزّ و جلّ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ) معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النظر إلى فرجه، ثم قال (قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) «4» أي ممن يلحقن النظر كما جاء في حفظ الفرج فالنظر سبب ايقاع الفعل من الزنا و غيره) «5».

الرابعة: ما رواها (محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن حماد عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا ينظر الرجل إلى عورة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب احكام الخلوة من «ل».

(2) الآية النور 24، 30

(3) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب احكام الخلدة من «ل».

(4) الآية النور 24: 31

(5) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب احكام الخلدة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 235

أخيه) «1».

الخامسة: ما رواها في ثواب الاعمال عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمّه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمّد بن علي الانصاري عن عبد

اللّه بن محمد عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من دخل الحمّام فغض طرفه عن النظر إلى عورة أخيه آمنه اللّه من الحميم يوم القيامة) «2».

السادسة: ما رواها حمزة بن أحمد (عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال سألته أو سأله غيري عن الحمام؟ فقال: ادخله بمئزر و غض بصرك الحديث) «3».

السابعة: ما رواها الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم انّه قال (يا علي إيّاك و دخول الحمام بغير مئزر ملعون ملعون الناظر و المنظور إليه). «4»

و هنا بعض الاخبار يدل على المسألة نذكرها إن شاء اللّه عند التعرض لبعض فروع المسألة، و أيضا في أبواب الحمام من الوسائل اخبار اخرى تدل على وجوب التستر لا حاجة إلى ذكرها.

ثم اعلم ان ما ورد من تفسير العورة باذاعة الستر و ذكر زلات المؤمن، كما فى الرواية التي رواها حذيفة بن منصور (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام شي ء يقوله الناس: عورة المؤمن على المؤمن حرام، فقال: ليس حيث يذهبون، إنما عنى عورة المؤمن أن يزل زلة او يتكلم بشي ء يعاب عليه فيحفظ عليه ليعيره به يوما ما) «5»

و ما رواها (عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن عورة المؤمن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب احكام الخلوة من «ل».

(2) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب احكام الخلوة من «ل».

(3) الرواية 2 من الباب 3 من أبواب آدم الحمام من «ل».

(4) الرواية 5 من الباب 3 من ابواب آداب الحمال من «ل».

(5) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب آداب

الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 236

على المؤمن حرام؟ فقال: نعم قلت أعنى سفليه، فقال: ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره) «1».

و ما رواها زيد الشحام (عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، فى عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال: ليس أن ينكشف فيرى منه شيئا انّما هو ان يزرى عليه او يعيبه) «2».

لا ينافى مع كون المراد من العورة معناها المعهود، لان هذه الروايات وردت في تفسير رواية خاصة، و هى عورة المؤمن على المؤمن حرام، مضافا الى التصريح في بعضها بان المراد من العورة معناها المعهود، و صراحة بعض الآخر من الاخبار في ذلك، مثل ما رواها (حنان بن سدير عن ابيه، قال دخلت انا و ابى و جدى و عمى حماما بالمدينة، فاذا رجل فى البيت المسلخ فقال لنا فمن القوم (الى ان قال) ما يمنعكم من الازر؟ فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال فبعث ابى الى عمى كرباسة فشقها بأربعة، ثم اخذ كل واحد منا واحدا، ثم دخلنا فيها (الى ان قال): سألنا عن الرجل؟ فاذا هو على بن الحسين عليه السّلام). «3»

فعلى هذا يمكن ان يكون المراد من العورة في خصوص رواية عورة المؤمن على المؤمن حرام معنى يشمل كل من العورة المعهودة و ذكر زلات المؤمن، و على كل حال هذه الروايات الثلاثة لا تدل على جواز النظر الى العورة المعهودة و الاخبار المتقدمة تدل على وجوب سترها و عدم جواز النظر أيضا، فافهم.

إذا عرفت ذلك يظهر لك ان مقتضى الاخبار الواردة في الباب امران:

الأمر الأول: وجوب ستر العورة عن الغير.

الأمر الثاني: حرمة

النظر إلى عورة الغير و لا وجه للقول بكراهة ترك ستر العورة و كراهة النظر إلى عورة الغير إلّا ما يتوهم من التعبير بالكراهة في ما رواها

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب آداب الحمام من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب آداب الحمام من «ل».

(3) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب آداب الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 237

(ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يتجرد الرجل عند صب الماء ترى عورته أو يصب عليه الماء؟ أو يرى عورة الناس؟ قال كان ابى يكره ذلك من كل احد) «1».

و الحال ان كون المراد من قوله (كره) الكراهة المصطلحة غير معلوم، ان لم يكن معلوم العدم فافهم، مضافا إلى انه لو فرض كان المراد الكراهة المصطلحة لا بد من رد علمها إلى أهلها و عدم المكان القول بها لكونها مما لم يعمل بها الاصحاب.

ثم بعد ذلك

يقع الكلام في فروع:
الفرع الأول: يجب الستر عن الناظر المحترم

و يأتي الكلام فيه ان شاء اللّه في المسألة الثالثة

الفرع الثاني: لا فرق بين الناظر الواجب الستر عنه بين المحارم و غيرها،

فكما يجب عن غيرهم يجب الستر عنهم، و كذلك كما يحرم النظر إلى عورة الغير على غير المحارم، يحرم على المحارم عدا ما يستثنى سيأتى الكلام إن شاء اللّه فى المسألة الثالثة، و العمدة في وجه ذلك تسالم الاصحاب على ذلك.

و يدل عليه الرواية الاولى و الرواية السابعة و يمكن ان يقال ان ضعف سندهما ينجبر لمطابقته مضمونهما مع فتوى الاصحاب.

الفرع الثالث: لا فرق في الحكمين بين كون الناظر أو المنظور إليه رجلا أو امرأة

لاطلاق الاخبار.

الفرع الرابع: لا فرق في الحكمين بين كون الناظر و المنظور إليه كبيرا و بين كونه طفلا مميّزا،

لاطلاق الاخبار، و اما غير المميز، فياتي الكلام فيه ان شاء اللّه في المسألة الثالثة.

الفرع الخامس: هل يجب التستر عن المجنون مطلقا،

أو لا يجب مطلقا، أو يقال بالتفصيل، بين ما إذا كان مميزا لهذه الامور فيجب التستر و بين ما لا يكون مميّز

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب آداب الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 238

فلا يجب التستر.

و الحق عدم وجوب التستر عنه اذا لم يكن له ادراك، و شعور يتميز الامور، مثل الصبى الغير المميّز، لان منصرف الادلة هو التستر عن يكون له ادراك و شعور و لهذا لا يجب ستر العورة عن البهائم.

و اما الحكم في جواز النظر و عدمه، فنقول اما اذا كان له التميز، فلا يجوز النظر الى عورته، كما قلنا بوجوب التستر عنه، و إما اذا لم يكن له تمييز فما يأتى بالنظر أيضا عدم جواز النظر الى عورة هذا القسم من المجنون، لان عدم تميز المجنون لا يوجب جواز النظر و اطلاق ادلة يشمله، كما ان الامر في الصبي الغير المميز بالنسبة الى عدم جواز النظر الى عورته مثله، الا ان يدعى انصراف الادلة او عدم اطلاق لها يشمل المجنون و الصبي الذي لم يكن لهما تميز.

الفرع السادس: العورة في الرجل القبل و البيضتان و الدبر

و في المرأة القبل و الدبر، و ادعى عليه الشهرة بل الاجماع.

يدل عليه ما رواها أبو يحيى الواسطي عن بعض أصحابه (عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام قال: العورة عورتان القبل و الدبر و الدبر مستورة بالاليتين فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة) «1».

و مرسلة الكليني ذكرها صاحب الوسائل في ذيل الرواية 3 بترتيبه قال الكليني رحمه اللّه و قال (يعني أبي الحسن عليه السّلام) في رواية اخرى (فأما الدبر فقد سترته الأليتان و أما القبل فاستره بيدك) «2» و ضعفها منجبر بمطابقتهما

مع فتوى المشهور، مضافا إلى كون هذا المقدار هو المقدار المتيقن من العورة، إنّما الكلام في وجوب ازيد من ذلك و عدمه.

فنقول، قد يقال بكون العورة ما بين السرة و الركبة بدعوى دلالة بعض

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب آداب الحمام من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 4 من ابواب آداب الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 239

الاخبار عليه، منها ما رواها بشير النبال (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الحمام فقال: تريد الحمام؟ قلت نعم فأمر بإسخان الماء ثم دخل فاتزر بإزار فغطّى ركبتيه و سرته إلى أن قال ثم هكذا فافعل) «1».

و منها ما رواها (عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان بن جعفر عن أبيه عليه السّلام أنّه قال إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظرن إلى عورتها و العورة ما بين السرة و الركبة) «2».

و فيه انه بعد كون الروايتين الدالتين على كون العورة القبل و الدبر، و في الرجال باضافة البيضتين نص في ذلك، فلا بد من حمل الرواية التي رواها بشير النبال و رواية علوان بن جعفر على الاستحباب، يحمل ظاهرهما على النص الا ان يقال بان النسبة بين الطائفتين هى الاطلاق و التقييد، فهما مثبتان، و قد مضى فى محله بان حمل المطلق و المقيد المثبتان، يحمل المطلق على المقيد مع كشف وحدة الملاك، و اما مع عدم كشف الملاك فيجب الاخذ بكل منهما. مضافا إلى الشهرة و الاجماع المدعاة على كون العورة الواجبة سترها حتى بالنسبة إلى المحارم غير ما استثنى هو القبل و الدبر و البيضتان.

كما انه لا وجه للقول

بكون الفخذ من العورة بدعوى دلالة الرواية التي ما رواها في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الأربعمائة (قال إذا تعرّى (الرّجل) احدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا ليس للرجل ان يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم) «3».

لانه بعد دلالة الرواية التي رواها إسماعيل بن محمد بن حكيم (قال: الميثمي لا اعلمه إلّا قال رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام أو من رآه متجردا و على عورته ثوب فقال ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب آداب الحمام من «ل».

(2) الرواية 8 من الباب 42 من ابواب نكاح العبيد و الاماء من «ل».

(3) الرواية 3 من الباب 10 من ابواب احكام الملابس و لو في غير الصلاة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 240

الفخذ ليست من العورة) «1»، و مرسلة الصدوق رحمه اللّه (قال: قال الصادق عليه السّلام: السيد الفخذ ليس من العورة) «2» على عدم كون الفخذ من العورة مضافا إلى الروايتين المتقدمتين الدالتين على ان العورة القبل و الدبر، و لم يذكر الفخذ، فلا بد من حمل النهي في الرواية المروية في الخصال على الكراهة أي كراهة اظهار الفخذ و عدم ستره فافهم. و قد تعرض لحكم الفخذ المؤلف رحمه اللّه في المسألة الخامسة.

الفرع السابع: هل يكفي في الستر ستر لون البشرة فقط،

أو لا يكفي ذلك، بل يجب مضافا إلى ستر لون البشرة ستر حجم العورة أيضا، لان معنى ستر شي ء من البدن ستر البشرة، و لدلالتها الرواية التي رواها أبا عبد اللّه الرافقي (في حديث أنه دخل حماما بالمدينة فاخبره صاحب الحمام أن أبا جعفر عليه السّلام كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته و ما يليها ثم يلف ازاره على

اطراف احليله و يدعوني فاطلع سائر بدنه فقلت له يوما من الايام إن الذي تكره ان اراه قد رأيته فقال كلّا ان النورة سترة) «3».

ما رواها (محمد بن عمر عن بعض من حدثه ان أبا جعفر عليه السّلام يقول: من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلّا بمئزر قال فدخل ذات يوم الحمام فتنوّر فلما اطبقت النورة على بدنه القى المئزر فقال له مولى له بأبي انت و امي إنك لتوصينا بالمئزر و لزومه و قد القيته عن نفسك فقال أ ما علمت ان النورة قد اطبقت العورة) «4» على الاكتفاء في مقام الستر بالنورة و من الواضح ان النورة لا تستر إلّا لون البشرة لا حجمها، و لكن لا الأشكال في كون ستر حجمها مستحبا، لدلالة بعض الروايات على كون فعل المعصوم و لو في بعض الموارد على القاء الازار فوق النورة فافهم.

الفرع الثامن: يجب ستر العورة بحيث لا يرى شبحها أيضا،

و المراد بالشبح

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الحمام من «ل».

(2) الرواية 4 من الباب 4 من ابواب الحمام من «ل».

(3) الرواية 1 من الباب 18 من ابواب الحمام من «ل».

(4) الرواية 2 من الباب 18 من ابواب الحمام من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 241

كما قاله المؤلف رحمه اللّه هو ما يرى عند كون الساتر رقيقا لان ذلك في الحقيقة يرجع إلى ستر لون البشرة.

***

[مسئلة 2: لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم و الكافر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم و الكافر على الاقوى.

(1)

أقول: مقتضى اطلاق الاخبار المتقدمة حرمة النظر إلى عورة الكافر أيضا، نعم هنا بعض الاخبار يدل على عدم بأس بالنظر إلى عورة الكافر، و كون النظر إلى عورة غير المسلم كالنظر إلى عورة الحمار، منها ما رواها ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار) «1».

و منها مرسلة الصدوق (قال روى عن الصادق عليه السّلام انما اكره النظر إلى عورة المسلم فاما النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار) «2»، و لعلها ليست الا الرواية الاولى رواها الصدوق رحمه اللّه بنحو الارسال، و لو لا الشهرة المدعاة على حرمة النظر إلى عورة الكافر كان ما رواه ابن أبي عمير حجة على الجواز، و يرفع النظر عن اطلاق الاخبار لاجله، لكن مع عدم عمل المشهور به يوهن اعتباره ان ثبت ذلك، و لهذا نقول الاحوط ترك النظر إلى عورة الكافر.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب الحمام من «ل».

(2) الرواية 2 من الباب 6 من ابواب الحمام من

«ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 242

[مسئلة 3: المراد من الناظر المحترم]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: المراد من الناظر المحترم من عدا الطفل الغير المميّز و الزوج و الزوجة و المملوكة بالنسبة إلى المالك و المحلّلة بالنسبة إلى المحلّل له، فيجوز نظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر، و هكذا في المملوكة و مالكها و المحلّلة و المحلّل له، و لا يجوز نظر المالكة إلى مملوكها أو مملوكتها و بالعكس.

(1)

أقول: بعد فرض اطلاق الادلة الدالة على وجوب الستر عن الناظر و حرمة النظر إلى عورة الغير،

يقع الكلام فيمن لا يجب الستر عنه و من يجوز النظر إلى عورته:
الأوّل: الصبي الغير مميّز،

اما عدم حرمة نظره إلى عورة الغير فلعدم كونه مكلّفا، و أما عدم وجوب ستر العورة عنه لان منصرف الادلة ليس إلّا هذا من باب ان المستفاد من الامر التستر ليس إلّا التستر عمن له ادراك و شعور، و لهذا لا يلزم التستر عن البهائم كما في المجنون يكون كذلك إذا لم يكن له ادراك و شعور يستطيع تميز هذه الامور فلا يجب التستر عن الصبي الغير المميّز.

الثاني: الزوج و الزوجة،

فلا يجب على كل منهما ستر العورة عن الآخر كما لا يحرم على كل منهما النظر على عورة الآخر، و هذا مما لا إشكال فيه، لاقتضاء اختلاط كل منهما بالملاعبة و الوطء لعدم ستر كل منهما عن الآخر، و النظر على عورة الآخر مضافا إلى دلالة بعض الروايات على جواز نظر الزّوج على فرج زوجته مثل ما رواها إسحاق بن عمار (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل ينظر إلى امرأته و هي عريانة قال: لا بأس بذلك و هل اللذة إلّا ذلك) «1» و اطلاقها يقتضي جواز النظر

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 59 من ابواب مقدمات النكاح من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 243

الى تمام بدنها و منها عورتها، و بعض روايات اخرى دالة على جواز النظر على فرج الزوجة حال الجماع و ان كان ذلك مكروها.

الثالث: المالك و المملوكة:

فلا يجب على كل منهما ستر العورة، عن الآخر، و كذا في جواز نظر كل منهما الى عورة الآخر (إلّا في الموارد المستثناة تذكر إن شاء اللّه في المسألة الرابعة) لان ذلك في اسباب حلية النكاح اعنى الوطي، و مع جواز الوطي يجوز النظر كل منهما الى عورة الآخر و لا يجب ستر العورة على كل واحد منهما عن الآخر، اما من باب ان الوطي ملازم غالبا مع عدم التستر و النظر على العورة، و اما من باب انه بعد جواز الوطي و اللمس يجوز النظر على العورة و لا يجب سترها بطريق الاولى.

هذا بالنسبة الى مالك الامة مع مملوكها و اما المالكة مع مملوكها فنقول بعدم جوازه فيما يأتي إن شاء اللّه، كما انه لا يجوز نظر المولى على عبده

و يجب ستر عورته عنه و بالعكس، لاطلاق الاخبار و عدم دليل على الجواز.

الرابع: يجوز النظر إلى عورة المحللة

و لا يجب ستر العورة عنها و بالعكس لما قلنا في المملوكة.

ثم انه لا يجوز النظر للمالكة الى مملوكها و يجب الستر عنه و بالعكس، فلو كان للمراة عبدا و أمة، فلا يجوز نظر المولاة عليهما و يجب ستر العورة عنهما و بالعكس لاق لاط الادلة المتقدمة الدالة على وجوب الستر و حرمة النظر و عدم دليل على التخصيص.

***

[مسئلة 4: لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 244

إذا كانت مزوّجة أو محلّلة أو في العدة، و كذا إذا كانت مشتركة بين مالكين لا يجوز لواحد منهما النظر إلى عورتها و بالعكس.

(1)

أقول: لاطلاق ما دلّ على وجوب ستر العورة و حرمة النظر على عورة الغير، كما لا يجوز الوطء في الصورة الثالثة حتى يكشف من جواز الوطي عدم وجوب ستر العورة و جواز نظر كل منهما الى عورة الآخر.

***

[مسئلة 5: لا يجب ستر الفخذين و لا الاليتين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: لا يجب ستر الفخذين و لا الاليتين و لا الشعر النابت اطراف العورة نعم يستحب ستر ما بين السرة إلى الركبة بل إلى نصف الساق.

(2)

أقول: وجه عدم وجوب ستر الفخذين و الاليتين و الشعر النابت اطراف العورة مضى في الفرع السادس من الفروع التي تعرضنا لها في المسألة الاولى، و كذلك استحباب ستر ما بين السرة و الركبة، و اما استحباب الستر إلى نصف الساق الذي قال به المؤلف رحمه اللّه فلم أر له وجها إلّا دعوى دلالة بعض الاخبار الناهية عن دخول الحمام بغير مئزر، و قد ذكرنا بعضها في المسألة الاولى بضم دعوى كون المتعارف من المئزر شدّة من السرة إلى نصف الساق، فيقال بعد كون مفاد هذه الاخبار مع هذا التعارف الامر بالستر إلى نصف الساق، و بعد دلالة بعض الاخبار على عدم كون العورة إلّا القبل و الدبر في المرأة و هما مع البيضتين في الرجل، يحمل ما دلّ على ستر نصف الساق على الاستحباب، لكن الاشكال في كون المتعارف في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 245

المئزر هكذا، أو لاختيار الحلبي رحمه اللّه

هذا القول، و هذا أيضا لا يصير وجها للاستحباب، نعم لا مانع من ستره رجاء.

***

[مسئلة 6: لا فرق بين افراد الساتر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا فرق بين افراد الساتر، فيجوز بكلّ ما يستر و لو بيده او يد زوجته أو مملوكته.

(1)

أقول: هذا لاطلاق الاخبار من هذا الحيث و عدم بيان خصوصية للساتر و مع الشك في اعتبار خصوصيته و عدمه، يحكم بعدمه بمقتضى البراءة.

***

[مسئلة 7: لا يجب الستر في الظلمة المانعة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: لا يجب الستر في الظلمة المانعة عن الرؤية أو مع عدم حضور شخص أو كون الحاضر أعمى أو العلم بعدم نظره.

(2)

أقول: كل ذلك لكون وجوب الستر عن الناظر بحيث لو كان ناظرا كانت عورته مستورا، فمع الظلمة المانعة، أو عدم حضور ناظر أو كون الحاضر اعمى أو العلم بعدم نظره لا يجب الستر.

***

[مسئلة 8: لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 246

الشيشة بل و لا المرآة أو الماء الصافي.

(1)

أقول: لان مقتضى الجمود على ظاهر الادلة و ان كان عدم جواز النظر بلا واسطة بحيث يقع النظر بلا واسطة إلى العورة، لكن نعلم بان ما هو الملاك في حرمة النظر بلا واسطة موجود في الموارد المذكورة، بل يمكن أن يقال بأن المتفاهم من الادلة حرمة النظر على عورة الغير، و لم يذكر فيها كون النظر بلا واسطة أو مع الواسطة، و كما ان النظر بلا واسطة يعد عند العرف نظرا الى العورة كذلك مع الواسطة، فعلى هذا يستفاد حرمة النظر من وراء الشيشة و المرآة و الماء الصافي من نفس الأدلة فتامل.

***

[مسئلة 9: لا يجوز الوقوف في مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: لا يجوز الوقوف في مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير بل يجب عليه التعدى عنه أو غضّ النظر و اما مع الشك أو الظّن في وقوع نظره فلا بأس و لكن الاحوط أيضا عدم الوقوف أو غضّ النظر.

(2)

أقول: للمسألة صورتان:

الأولى: ما إذا يعلم بانه مع الوقوف في المكان الخاص يقع نظره الى عورة الغير و في الفرض، تارة يعلم بوقوع نظره بلا اختيار الى عورة الغير، ففي هذه الصورة يجب التعدي عن هذا المكان أو غض النظر، لكون وقوفه على هذا علة للوقوع في الحرام، فيحرم الوقوف بلا غض النظر، و تارة يعلم بوقوع نظره على عورة الغير مع الاختيار، فلا يكون الوقوف حراما لعدم كونه علّة تامة للحرام، بل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 247

يحرم عليه النظر مع كون عدم النظر مع الوقوف تحت اختياره،

و لهذا لو كان نظر المؤلف رحمه اللّه إلى الفرض الاول كما لا يبعد، فتم ما قال من وجوب التعدي أو غض البصر، و ان كان نظره إلى كلا الفرضين فلا يصح كلامه بالنسبة إلى الفرض الثاني.

الثانية: ما إذا شك أو ظن بان وقوفه في المكان الخاص يوجب وقوع نظره على عورة الغير، فنقول انه لا يجب التعدي عن هذا المكان أو غض النظر يشك أو يظن بوقوع النظر، لان موضع حرمة النظر او وجوب الغض فيما يكون عورة، و مجرد الشك فيها أو الظن الغير المعتبر لا يوجب الغض، لان وجوب الغض موقوف على تحقق موضوعه و هو وجود العورة، نعم كما قال المؤلف رحمه اللّه الاحتياط حتى في صورة الشك او الظنّ الغير المعتبر حسن.

***

[مسئلة 10: لو شك في وجود الناظر أو كونه محترما]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لو شك في وجود الناظر أو كونه محترما فالاحوط الستر.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الاولى: ما إذا شك في وجود الناظر و عدمه،

فنقول بانه مع الشك، تارة تكون معرضية وجود الناظر مثل الحمام مثلا، ففي الحمام تكون معرضية وجود الناظر أو في الشارع و امثالهما، ففي هذا الفرض يكون الاحوط بل الاقوى وجوب الستر.

و يدل عليه الرواية الأولى من الروايات المتمسكة على وجوب الستر لان فيها قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم (إذا اغتسل احدكم في فضاء من الارض فليحاذر على عورته) و ليس وجوب المحاذرة و الامر بها لا لكون فضاء الارض معرضا لوقوع النظر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 248

فاوجب صلّى اللّه عليه و آله و سلم الستر، و كذلك يمكن الاستشهاد بقوله تعالى (وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) لان مقتضى حفظ الفرج المفسّر بالعورة كما عرفت في بعض الروايات هو وجوب الستر فيما يكون معرضا لنظر الناظرين.

و تارة لا تكون معرضية وجود الناظر مثل ما قفل باب بيته فلم تكن معرضية، فلا يجب الستر، و ان شك في وجود الناظر و عدمه.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 248

الثانية: ما إذا علم بوجود الناظر و لكن يشك في انه الناظر المحترم أو غير المحترم،

مثل يعلم ان شخصا موجود في البيت و ينظر إليه لكن لا يدري أنه بالغ أو صبي غير مميّز، فهل يجب الستر أم لا، و الاقوى فيها عدم وجود الستر لكون الشبهة مصداقية حيث يشك في انّ الناظر من افراد العام أو الخاص و مع ذلك الاحتياط مستحسن.

***

[مسئلة 11: لو رأى عورة مكشوفة و شك في انها عورة حيوان أو انسان]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: لو رأى عورة مكشوفة و شك في انها عورة حيوان أو انسان فالظاهر عدم وجوب الغض عليه، و ان علم انها من انسان و شك في أنها من صبي غير مميز، أو من بالغ، أو مميّز، فالاحوط ترك النظر، و ان شك في انها من زوجته أو مملوكته أو اجنبية، فلا يجوز النظر و يجب الغضّ عنها، لان جواز النظر معلّق على عنوان خاص و هو الزوجية أو المملوكية فلا بد من اثباته، و لو رأى عضوا من بدن انسان لا يدري انه عورته أو غيرها من اعضائه جاز النظر و ان كان الاحوط الترك.

(1)

أقول: في المسألة صور:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 249

الصورة الأولى: ما إذا كان وجود العورة معلوما لكن الشك يكون في انها من الحيوان

حتى لا يجب الغض عنه، أو من الانسان حتى يجب الغض عنه، فلا يجب الغض عليه لكون الشبهة مصداقية و لا يجوز التمسك بعموم وجوب الغض عن عورة الانسان فيها فنشك في وجوب الغض و عدمه، فنقول بعدمه بمقتضى البراءة.

الصورة الثانية: ما إذا علم بكون العورة من الانسان، لكن يشك في انها ممن لا يجب الغض عن عورته،

مثل الصبي الغير المميّز، أو تكون ممن يجب الغض عنها، كالبالغ أو الصبي المميز، فنقول بان الاقوى فيها عدم وجوب الغض لكون الشبهة مصداقيته كالصورة الاولى، و لا ادري لم فرقّ المؤلف رحمه اللّه بين الصورتين فقال في الاولى بعدم وجوب الغض، و في الثانية بان الاحوط ترك النظر و ان كان وجه الاحتياط جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية، فلا بد من ان يقول بالاحتياط في الاولى أيضا فتأمل.

الصورة الثالثة: ما إذا علم بكون العورة من الانسان، لكن شك في انها من زوجته أو مملوكة

أو من أجنبية، فقد يقال كما قال المؤلف رحمه اللّه بوجوب الغض، و ذكر في وجهه بكون جواز النظر معلق على عنوان خاص و هو الزوجية أو المملوكية، فلا بد من اثبات ذلك فما لم يثبت يكون المصداق محكوما بحكم العام و هو وجوب الغض.

أقول: أن كان نظره إلى ان الحكم الواقعي الثابت للزوجة أو المملوكة و هو جواز النظر متفرع على العلم بكون المرأة زوجة أو مملوكة، فهو واضح الفساد، إذ ليس هذا الحكم مقيدا بالعلم مثل حكم وجوب الغض عن غيرهما فكما ان العام غير مقيد بالعلم كذلك الخاص، و ان كان نظره إلى ان الحكم الواقعي الثابت للزوجة و المملوكة الغير المقيد بالعلم و الجهل في حد ذاته، يجب امتثاله فيما علم بوجود موضوعه.

و بعبارة أخرى الآثار الموجودة للزوجية أو المملوكية لا يترتب عند المكلف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 250

الا بعد فعلية التكليف و تنجزه و هو لا يكون الا مع العلم بوجود الموضوع، فهو صحيح، لكن هذا لا يوجب الا عدم كون المصداق المشكوك محكوما بكونها من الزوجية أو المملوكية، كما لا يحكم بكونها من غيرهما، لكن هذا لا يوجب كون المصداق المشتبه محكوما بحكم العام،

لانه كما انه يشك في كونها من زوجته أو مملوكته كذلك يشك في انها من الاجنبية أم لا، فلا يحكم بكون المصداق محكوما بحكم العام، كما لا يحكم بكونه مصداق الخاص.

و هكذا لو كان نظره إلى ان جواز النظر مترتب على امر وجودي و هو الزوجية أو المملوكية، فكما قلنا يوجب ذلك عدم امكان الحكم بكون المشكوك من الزوجة أو المملوكة، لعدم تحقق هذا الامر الوجودي لكن لا يوجب مجرد ذلك كون المشكوك محكوما بحكم العام، لكونه محكوما بحكم العام مشكوك أيضا لعدم تحقق كونها من غير الزوجة أو المملوكة، فتصل النوبة إلى الاصل العملي، فان كان في البين اصل ينقح الموضوع المشتبه و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه فهو و الّا يحكم بجواز النظر من باب البراءة لا من باب دليل المخصص كى يقال ان الحكم لا يثبت موضوعه.

و قد يقال في المورد المشكوك بعدم جواز النظر، بانه لو ثبت عدم كون المصداق المشكوك من الزوجة أو المملوكة فهي محكومة بحكم العام، و هو عدم جواز النظر، و استصحاب عدم الزوجية أو عدم المملوكية يقتضي ذلك، فببركة الاستصحاب نحكم بعدم كونها زوجته أو مملوكته و بعد عدمهما محكوم المصداق المشتبه بحكم العام.

اقول اجراء الاستصحاب يتصور على نحوين:

الاول: ان يستصحب عدم زوجيته صاحب العورة أو عدم مملوكيته، فيقال الاصل بعدم كون صاحب العورة زوجة أو مملوكة، و بعد عدم كون صاحبها زوجة و مملوكة يقال فالعورة لا تكون من إحداهما.

و فيه ان استصحاب عدم كون صاحب العورة زوجة أو مملوكة، لا يثبت عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 251

كون العورة من الزوجة أو المملوكة الا على القول بالاصول المثبتة، لان

كون العورة منهما أو عدمها من الآثار العقلية لا من الآثار الشرعية حتى يثبت بالاستصحاب الثاني: ان يستصحب عدم كون نفس العورة من الزوجة أو المملوكة، و هذا ليس له حالة سابقة، لانه متى يكون زمان كانت الزوجية أو المملوكية و لم تكن العورة عورتها حتى يستصحب، الا بناء على صحة اجراء استصحاب العدم الازلي و كون عدمها بعدم موضوعها و في زمان لم تكن زوجية أو مملوكية، و قد عرفت في الاصول الاشكال في اجرائه ثم كونه مثبتا على تقدير اجرائه.

أو يقال بوجوب الغض من باب قاعدة المقتضى و المانع، و انه متى لا يثبت المانع يؤثر المقتضى أثره.

و فيه ان القاعدة غير حجّة، فعلى هذا الاقوى عدم وجوب الغض و ان كان الاحوط الغض عنها.

الصورة الرابعة: انه يرى عضوا من بدن الانسان و لكن يشك في انه هل عورتها

حتى يجب الغض أو غير عورتها حتى لا يجب الغض، و هذا يتصوّر فيما لا يكون الغض عن غير عورته واجبا، مثل ما يكون مماثلا أو من محارمه فهل يجب الغض أم لا، مقتضى القاعدة عدم وجوب الغض لكون الشبهة مصداقية، نعم الاحتياط حسن.

تنبيه: اعلم انه كلما يكون التخصيص في عموم وجوب الستر

و وجوب الغضّ لبيّا مثل تخصيص الحكمين بالنسبة إلى الصبي الغير المميّز أو المجنون الغير المميّز فمن يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية إذا كان لبّيا، لا بد ان يقول في الشبهات المصداقية من الحكمين فيما كان التخصيص لبّيا بوجوب الستر و وجوب الغض، و لكن حيث انا كما لم نجوّز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية فيما كان التخصيص لفظيا، كذلك قلنا بعدم الجواز فيما كان لبيا، لعدم تمامية الوجه الذي حكى عن الشيخ الانصاري رحمه اللّه، و لا ما قاله المحقق الخراساني رحمه اللّه، و لا ما قاله سيدنا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 252

الاعظم آية اللّه البروجردي قدّس سرّه. قلنا في الفروع التي تكون الشبهة في المصداق بعدم جواز التمسك بالعام و ان كان المخصص لبّيا و ان المرجع هو الاصل العملى و حيث لا يكون استصحاب ينقح الموضوع يكون المرجع أصالة البراءة.

***

[مسئلة 12: لا يجوز للرجل و الانثى النظر إلى دبر الخنثى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لا يجوز للرجل و الانثى النظر إلى دبر الخنثى، و اما قبلها فيمكن ان يقال بتجويزه لكل منهما للشك في كونه عورة، لكن الاحوط الترك بل الاقوى وجوبه لانه عورة على كل حال.

(1)

أقول: أما عدم جواز نظرهما إلى دبر الخنثى، فلأنّه عورة، فيحرم النظر إليه، و أما النظر إلى قبلها فتارة يقال بان كلا من قضيبها و بضعها، و بعبارة اخرى كل من آلتيها الواقعتين في محل قبلها عورة، فلا اشكال في حرمة النظر الى كل منهما لكل من مماثلها و غير مماثلها لانه مع كونهما عورة لا يجوز النظر إليهما و فيه كما قال في المستمسك: لا دليل على ذلك و ان قال المؤلف رحمه اللّه: بان الاقوى وجوب الستر عن

قبلها لانه عورة على كل حال، نعم يمكن ان يقال بوجوب الغض و عدم جواز النظر إلى قبلها من باب حصول العلم التفصيلي بحرمة النظر في بعض الصور، و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه، فهو ان تم في مورده لم يكن عدم جواز النظر من باب كون كل من الآليتين عوره بل يكون لاجل العلم التفصيلي المتولد من العلم الاجمالي لعلمه الاجمالي بكون قبلها أما عورة أو موضعا من بدنها، يجب الستر عنه، و تارة يقال بعدم كون كل من قضيبها و بضعها و بعبارة أخرى قبلها عورة كما قاله المؤلف رحمه اللّه يمكن ان يقال و فيه انه لا يمكن الالتزام بذلك لعدم الاشكال في أنّ قبلها عورة في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 253

الجملة، و ان لم نعلم ان العورة آلتها الرجولية أو الانوثية.

و تارة يقال بان واحدا من قضيبها و بضعها عورة مسلما، لكن لا نعلم انّ العورة ايهما، فنقول ان الكلام تارة يكون في النظر إلى كليهما فلا اشكال في عدم جواز النظر للمماثل أو المحارم أو غير المماثل و غير المحارم، لانه يعلم تفصيلا بانه لو نظر يقع نظره إلى عورتها لان العورة مرددة بينهما، و تارة يقع الكلام في حرمة النظر إلى واحد منهما فقد يقع الكلام في النظر إليها فيما يكون الناظر من محارمها، سواء كان النظر إلى ما يماثل مع عورة الناظر مثل ما كان الناظر الأب، فيقع الكلام في جواز نظر الأب و عدم جوازه إلى قضيبها، و سواء كان الكلام في حرمة النظر إلى غير ما يماثل عورتها مع كون الناظر من المحارم، مثل ما إذا كان الكلام في جواز

نظر الأب و عدمه إلى بضع ولده الخنثى، فالحق حرمة نظر المحرم بلا فرق بين نظره إلى ما يماثل عورته أو ما لا يماثله، لانه بعد العلم الاجمالي بكون احدهما عورة يقتضي تنجز العلم الاجمالي حرمة النظر إلى كل من طرفي العلم الاجمالي، كما نقول في اطراف العلم الاجمالي.

و تارة يكون الناظر من غير المحارم مثل ما يريد رجلا اجنبيا ان ينظر إلى بضعها، فهل يحرم النظر؟ أو لا يحرم النظر، الحق عدم جواز نظره إلى خصوص ما يماثل عورته و جواز النظر إلى ما لا يماثل عورته، فان كان رجلا يجوز له النظر إلى بضعها و لا يجوز له النظر إلى قضيبها، و ان كان الناظر امرأة يجوز النظر له إلى قضيبها و لا يجوز لها النظر إلى بضعها و السر في ذلك انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي و الشك البدوى، فالعلم الاجمالي بحرمة النظر بواحد من القضيب و البضع ينحل بالعلم التفصيلي بحرمة نظر كل من الرجل و المرأة الأجنبية على ما يماثل عورة الرجل أو المرأة و بالشك البدوى بالنسبة إلى النظر على غير ما يماثل عورتهما، لانه بعد العلم التفصيلي بحرمة النظر على ما يماثل عورة الناظر يكون الشك بالنسبة إلى النظر على ما لا يماثل عورة الناظر بدويا كما بيّنا في العلم الاجمالي بانه مع انحلاله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 254

بالعلم التفصيلي في احد طرفيه يكون الشك بالنسبة إلى طرفه الآخر بدويا و يجري الاصل فيه.

فتلخص مما مرّ بانه في غير المحارم لا يجوز النظر، على خصوص ما يماثل عورته مع آلة الخنثى، و جواز النظر على غير ما يماثل عورة الناظر، و اما في

المحارم لا يجوز النظر على كل من مماثل عورة الناظر و عدم المماثل من عورته للعلم الاجمالي.

***

[مسئلة 13: لو اضطر إلى النظر إلى عورة الغير]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: لو اضطر إلى النظر إلى عورة الغير كما في مقام المعالجة فالاحوط ان يكون في المرآة المقابلة لها ان اندفع الاضطرار بذلك و إلّا فلا بأس.

(1)

أقول: في صورة الاضطرار تارة يكون الاضطرار بحيث يحتاج إلى النظر إلى نفس العورة بلا واسطة فيجوز النظر، لان الاضطرار يبيح المحظورات، و تارة يرتفع بالنظر إليها مع الواسطة مثل ما يرتفع بالنظر إليها بواسطة المرآة، فيجوز هذا المقدار، لانه مع اهمية ترك النظر فكل مقدار يمكن حفظه يجب حفظه و النظر إلى العورة بوسيلة المرآة و ان كان نظر إليها لكن ليس مثل النظر إلى نفس العورة، فمع امكان دفع الاضطرار بالمرتبة الادنى لا وجه للارتكاب المرتبة الاعلى.

***

[مسئلة 14: يحرم في حال التخلّي استقبال القبلة و استدبارها]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: يحرم في حال التخلّي استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم بدنه، و ان امال عورته إلى غيرهما و الاحوط ترك الاستقبال و الاستدبار بعورته فقط، و ان لم يكن مقاديم بدنه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 255

إليهما و لا فرق في الحرمة بين الابنية و الصحارى، و القول بعدم الحرمة في الاول ضعيف، و القبلة المنسوخة كبيت المقدس لا يلحقها الحكم، و الاقوى عدم حرمتهما في حال الاستبراء و الاستنجاء و ان كان الترك احوط، و لو اضطر إلى احد الامرين تخيّر، و ان كان الاحوط الاستدبار و لو دار امره بين احدهما و ترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر، و لو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظن، و لو ترددت بين جهتين متقابلتين اختار الاخريين، و لو تردد بين المتصلين فكالترديد بين الاربع التكليف ساقط فيتخيّر بين الجهات.

(1)

اقول: يحرم في حال التخلي استقبال القبلة و استدبارها كما هو المشهور

بل عليه الاجماع، كما حكى عن غير واحد من الفقهاء رحمه اللّه

و يدل عليه روايات نذكرها

إن شاء اللّه حتى يظهر لك حكم أصل المسألة و بعض الفروع المتفرعة عليه فنقول بعونه تعالى:

الاولى: ما رواها محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم رفعه (قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبو الحسن موسى عليه السّلام قائم و هو غلام فقال له أبو حنيفة يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم فقال اجتنب افنية المساجد و شطوط الانهار و مساقط الثمار و منازل النزال و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول و ارفع ثوبك وضع حيث شئت) «1».

الثانية: ما رواها محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّه عن محمد بن يحيى بإسناده رفعه قال سأل أبو الحسن عليه السّلام ما حدّ الغائط (قال لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 256

و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها) «1».

الثالثة: ما رواها الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم (قال في حديث المناهي إذا دخلتهم الغائط فتجنبوا القبلة قال و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن استقبال القبلة ببول أو غائط) «2».

الرابعة: ما رواها عيسى بن عبد اللّه الهاشمي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه السّلام قال قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لكن شرقوا أو غربوا) «3».

الخامسة: ما رواها ابن أبي عمير عن عبد الحميد

بن أبي العلاء و غيره رفعه (قال سئل الحسن بن علي عليه السّلام ما حد الغائط قال لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها) «4».

ثم ان ظاهر الاخبار النهي عن الاستقبال و استدبار القبلة و مقتضاه حرمتهما، نعم حكى عن ابن جنيد من القدماء و بعض من المتأخرين، القول بكراهتهما، و ما يمكن وجهه:

أما كون الاخبار ضعيفة السند، فلا يمكن القول بحرمتهما بمقتضاها، نعم يقال بالكراهة من باب التسامح في ادلة السنن و المكروهات.

و أما اشتمال بعض الاخبار على ما لا يكون حراما، مثل الرواية الثانية المشتملة على النهي عن استقبال الريح و استدبارها حال التخلي، و بعد كون النهي فيه محمولا على الكراهة، لعدم الالتزام بحرمة استقبال الريح و استدبارها، لا بد من حمل النهي عن استقبال القبلة و استدبارها محمولا على الكراهة بقرينة السياق.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

(2) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

(3) الرواية 4 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

(4) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب الاحكام الخلوة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 257

و اما من باب دلالة الرواية التى رواها محمد بن إسماعيل، (قال: دخلت على ابن الحسن الرضا عليه السّلام، و في منزله كنيف مستقبلة القبلة و سمعته يقول: من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها اجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له) «1»، على ان الحكم يكون حكما تأديبيّا و هو يناسب مع الكراهة، لا الحرمة.

و فيه، اما ضعف سند الروايات، فبعضها و ان

كان مرفوعا، و لكن بعضها يكون مسندا، و مع ضعف السند فرضا ينجبر الضعف بعمل المشهور، على طبقها و لم ينقل الخلاف إلّا عن قليل.

و اما اشتمال بعض الاخبار على بعض المكروهات، نقول:

امّا أولا: فمع عدم كون النهي بهيئة واحدة، فلم يقل لا تستقبل القبلة و لا الريح، بل قال لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، ثم قال و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها، لا يوهن ظهور النهي في التحريم.

و ثانيا: بعد كون استقبال الريح مكروها، لا يوجب إلّا حمل النهي في هذه الرواية على مطلق المرجوحيّة، و هذا لا يوجب وهن في ساير الاخبار و ظهوره في الحرمة.

و اما ما قيل من كون الحكم تأديبيّا و هو يناسب الكراهة و الاستشهاد به بما رواه محمد بن إسماعيل، ففيه، أولا: كون الحكم تأديبيّا غير معلوم، بل معلوم العدم، لأنه ترك الاستقبال إن كان أدبا فترك الاستدبار لم يكن أدبا.

و ثانيا: ان ما في رواية محمد بن إسماعيل من كون الحكم لا جلال القبلة لو قلنا بدلالته على كون الحكم من باب رعاية الأدب، و هذا مناسب مع الكراهة غير تمام، إذا لا قرينة على كون الحكم الذي ملاكه ان حكمته الأدب ان يكون مكروها بحيث يوجب صرف ظهور النهي في الحرمة.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 258

و ما قيل من ان الوعد بالثواب فقط في الرواية على تركه يشهد على كون ترك الاستقبال و الاستدبار مكروها لا حراما، لأنه لو كان حراما كان المناسب التوعيد بالعذاب، لا وجه له، لعدم كون ذلك قرينة يوجب لاجلها صرف النظر عن ظهور النهي

في التحريم.

و مع قطع النظر، عن كل ذلك، لو لم يكن لخصوص هذه الرواية فرضا ظهور في التحريم، حسبنا سائر الروايات، و العمدة الشهرة، بل الاجماع كما عرفت، فلا اشكال في حرمة استقبال القبلة و استدبارها حال الخلوة.

إذا عرفت حال أصل المسألة،

يقع الكلام في فروع:
الفرع الأوّل: هل الاستقبال و الاستدبار المحرم حال الخلوة، هو الاستقبال و الاستدبار بمقاديم البدن

و العورة كليهما، أو العبرة ترك استقبال مقاديم البدن و استدباره للقبلة، و ان كانت عورته نحو القبلة، مثل ما جلس حال الخلوة و مقاديم بدنه منحرفا عن القبلة، لكن حرّف عورته نحو القبلة، أو العبرة ترك استقبال القبلة و استدبارها بعورته، و ان كان مقاديم بدنه مستقبل القبلة أو مستدبرها.

المشهور، الأوّل، و قال بعض بكفاية ترك استقبال القبلة و استدبارها بالعورة فقط، و ان كان مقاديم بدنه مستقبلها أو مستدبرها.

و منشأ الخلاف هو ما يتراءى من اختلاف لسان الاخبار، فمن بعضها يستفاد كون العبرة باستقبال مقاديم البدن أو استدباره عن القبلة، مثل الرواية الثانية، فان قوله عليه السّلام لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، يكون ظاهره مثل ساير الموارد التي أمر باستقبال القبلة، هو الاستقبال و الاستدبار بمقاديم البدن، و مثلها الرواية الرابعة و الخامسة.

و من بعضها يستفاد كون العبرة باستقبال نفس العورة و استدبارها، مثل الرواية الأولى و الثالثة، فان قوله عليه السّلام، فلا تستقبل القبلة بغائط و لا بول، يكون معناه النهي عن وقوع مخرجهما مقابلا أو مستدبرا للقبلة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 259

و لكن الأقوى كما ذهب إليه المشهور، كون العبرة في ترك استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم البدن و العورة كليهما، لان ما تخيل من كون العبرة باحدهما، ليس إلّا من باب ما يرى من كون مقتضى بعض الاخبار حرمة استقبال العورة و استدبارها

للقبلة و عدم حرمة استقبال مقاديم البدن و استدبارها للقبلة.

أقول بان النسبة بين الطائفتين من الاخبار و ان كان العموم من وجه، و كون مقتضى اطلاق بعضها هو حرمة استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم البدن في الامتثال، سواء كانت عورته مستقبل القبلة أو مستدبرها أم لا، و مقتضى بعضها حرمة الاستقبال و استدبارها بنفس العورة، و اطلاقه يقتضي كفاية ذلك في مقام الامتثال، بلا فرق بين كون مقاديم البدن مستقبلها أو مستدبرها، لكن لم يكن مفاد كل من الطائفتين نفي الآخر، إذ لم يكن مفاد كل منهما اثبات الحرمة فقط، و ليس مقتضى ما دل على كون العبرة بمقاديم البدن، هو عدم حرمة استقبال العورة أو استدبارها، و الحال ان مقتضى الطائفة الاخرى حرمة ذلك.

و كذلك فيما لا تكون العورة مستقبلها و لا مستدبرها، و لكن مقاديم البدن مستقبلها أو مستدبرها، ليس مقتضى ما دلّ على ان العبرة باستقبال العورة عدم حرمة تخلّي في هذا الحال و ان كان مقاديم البدن مستقبلها أو مستدبرها.

إذا عرفت ذلك نقول، لم يكن على هذا بين الطائفتين تعارض، بل مقتضى حرمة كل من الامرين بمقتضى الطائفتين من الاخبار هو حرمة استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم البدن و بالعورة، مضافا إلى ان مفاد الاخبار ليس إلّا امرا واحدا و هو ترك الاستقبال و استدبار القبلة بكل من مقاديم البدن و العورة، لا نا نقول:

امّا أوّلا: بعد كون الغالب بل الاغلب هو تحصيل استدبار القبلة و استقبالها بمقاديم البدن و بالعورة أيضا حال التخلّي، لانه قل مورد يوجد ان احدا يستقبل القبلة أو يستدبرها بمقاديم بدنه و يحرّف عورته إلى غير القبلة و بالعكس، بل هو مجرد الفرض أو الاندر من

النادر، بل المتعارف في مقام قضاء الحاجة الجلوس بنحو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 260

لو انحرف عن القبلة بمقاديم بدنه، ينحرف بعورته أيضا، و لو استقبل فرضا إلى القبلة أو استدبر بمقاديم بدنه، يستقبل أو يستدبر بعورته أيضا، و بعد هذا التعارف فالروايات منزّلة على المتعارف و لا يشمل غير المتعارف من رأس حتى يقع مورد الكلام، فالنهي عن الاستقبال أو الاستدبار بمقاديم البدن أو بالعورة، لا يفيد إلّا امرا واحدا.

و امّا ثانيا: بعد كون العورة عبارة عن القبل و الدّبر، ففي القبل بالنسبة إلى الرجل ان كان يفرض امكان الانحراف بآلته و لاجل ذلك يمكن التفكيك خارجا بين الاستقبال و الاستدبار عن القبلة، و بين استدبارها أو استقبالها بعورته، لكن لا يمكن التفكيك بينهما بالنسبة إلى دبر كل من الرجل و المرأة، و بالنسبة إلى قبل المرأة و دبرها، لانه حتى يستقبل القبلة بمقاديم البدن يحصل استقبال الدبر في الرجل و المرأة، و في المرأة تحصيل استقبال القبل أيضا، و كذلك في الاستدبار بمقاديم البدن فبعد عدم امكان التفكيك في الدبر، على كل حال فإذا قال لا تستقبل القبلة بغائط أو لا بول، لا معنى لذلك الاستقبال بمقاديم البدن أيضا.

فلهذا نقول الاقوى حرمة الاستقبال و الاستدبار بمقاديم البدن و بالعورتين، و ان قال المؤلف رحمه اللّه بأنّ الاحوط ترك استقبال القبلة و استدبارها بالعورة مع تحقق ترك الاستقبال و الاستدبار بمقاديم البدن.

الفرع الثاني: لا فرق في الحرمة بين الابنية و الصحاري،

لاطلاق الأدلة، بل التصريح في بعضها في الأبنية، مثل الرواية الثالثة و الرابعة من الروايات المتقدمة، و حكى عن بعض كابن الجنيد و المفيد و سلار عدم حرمة استقبال القبلة و استدبارها حال التخلّي في الابنية، و لعلّ

منشأه الرواية التي رواها محمد بن إسماعيل المتقدمة ذكرها، (قال دخلت على بن الحسن الرضا عليه السّلام و في منزله كنيف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 261

مستقبل القبلة (الخ) «1»)، بدعوى ان جعل الكنيف مستقبل القبلة دليل على عدم الحرمة في الأبنية.

و فيه، انه لا يستفاد كون بناء الكنيف مستقبل القبلة بامر الإمام عليه السّلام أوّلا، و كون بناء الكنيف مستقبل القبلة محرم، غير معلوم، و انما المحرم استقبال القبلة و استدبارها حال التخلّي و ثانيا فلا يستفاد من الرواية جواز استقبالها حال الخلوة في الابنية، فإذا الاقوى عدم الفرق في الحكم بين الابنية و الصحاري.

الفرع الثالث: هل يحرم استقبال القبلة المنسوخة،

أي بيت المقدس و استدبارها حال التخلّي، أم لا؟

الحق عدم الحرمة، لعدم دليل على التحريم، و الروايات الواردة في المسألة تدلّ على حرمته بالنسبة إلى الكعبة المشرّفة، لأنها القبلة عند صدور الروايات.

الفرع الرابع: هل التحريم مخصوص بحال التخلي فقط،

فلا يحرم حال الاستبراء و الاستنجاء، أو يحرم في حالهما أيضا.

ما يمكن ان يكون وجها لحرمة حالهما أمور:

الأمر الأوّل: ما في الرواية 4 من الروايات المتقدمة، (إذا دخلتم المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها (الخ)) بدعوى دلالتها على ان الانسان ما دام يكون في المخرج، أي بيت الخلاء، يحرم عليه استقبال القبلة و استدبارها، و من جملته حال الاستبراء و الاستنجاء.

و فيه، انه لو كان يؤخذ بهذا الاطلاق كان اللازم الالتزام بحرمته حتى في غير حال التخلّي و الاستبراء و الاستنجاء إذا كان في بيت الخلاء، و الحال انه لا يلتزم به احد و إذا لم يمكن القول بذلك، نفهم انها تبيّن ما بيّن في ساير الاخبار و هو حرمته حال التخلي، إذا لم تبيّن هذه الاخبار إلّا حكما واحدا.

الأمر الثاني: ما في رواية محمد بن إسماعيل المتقدم ذكرها، من كون التحريم

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب احكام الخلوة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 262

من باب اجلال الكعبة، و حكما تأديبيّا، و هذا الملاك و المناط يقتضي التحريم حتى حال الاستبراء و الاستنجاء.

و فيه، انه كما بينّا سابقا لم نفهم كون مجرد ذلك ملاك الحكم، حتى نسري إلى غير مورده، بل يمكن دعوى عدم كون ذلك ملاكا، لأن الاستدبار لا يناسب الاجلال.

الأمر الثالث: ما في رواية التي رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قلت له الرجل يريد اين يستنجى كيف يقعد،

قال كما يقعد للغائط، قال و انما عليه ان يغسل ما ظهر منه و ليس عليه ان يغسل باطنه) «1»، بدعوى دلالتها على انه يجب القعود حال الاستنجاء، كما يقعد حال التغوط، فكما يحرم عليه ان يقعد حال التخلي مستقبل القبلة أو مستدبرها، كذلك حال الاستنجاء، و هذه الرواية على فرض دلالتها لا تدلّ إلّا على حرمته حال الاستنجاء، و أما حال الاستبراء فلا تدل عليه.

و فيه، ان ظاهر الرواية كونها في مقام بيان كيفية الجلوس من وضع ثقالة البدن على كلتا الرجلين، أو على رجل اليسرى، أو الجلوس بنحو يمكن تطهير باطن المخرج بادخال الانملة على داخل العورة، كما ينسب إلى العامة من تطهير الباطن بالانملة، و لذا صار مورد السؤال في بعض الروايات، و لا ريب في ان هذا يوجب زيادة التفريح حال القعود، فيسأل السائل عن هذه الجهة، كما يشهد بذلك ذيل الرواية، فالرواية غير مربوطة بالمقام.

نعم كما قال المؤلف رحمه اللّه الاقوى عدم حرمة استقبال القبلة و استدبارها حال الاستبراء و الاستنجاء و لكنه احوط.

ثم ان عدم تحريم استقبالها و استدبارها حال الاستبراء يكون فيما يشك في اخراج البول عن المخرج حال الاستبراء أو الظن الغير المعتبر، و لكن إذا علم أو

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 37 من أبواب احكام الخلوة من «ل».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 263

اطمأن كما هو الغالب من خروج قطرة أو قطرات من البول حين الاستبراء، فيحرم استقبالها و استدبارها حتى في هذا الحال، لانه في الحقيقة يكون حال التخلّي و اخراج البول، فافهم.

الفرع الخامس: إذا دار الامر لاجل الاضطرار بين ارتكاب أحد الامرين

من استقبال القبلة أو استدبارها حال التخلي، فهل يكون مخيرا بين ارتكاب أيّ منهما شاء، أو يكون الواجب

ارتكاب الاستدبار فيستدبر القبلة حاله.

قد يقال بتقديم الاستدبار من باب كون ملاك الحكم هو التأدب و اجلال الكعبة المشرّفة و استقبالها أو استدبارها مخالف لذلك و لهذا نهى عنه.

و نحن و ان قلنا بعدم كون الملاك هذا، و لكن يكفي في الاخذ بالاستدبار احتمال ذلك، لأنّ و ان احتملنا كون الاستقبال أو الاستدبار بها حال الخلوة توهين بها، فحيث يكون وهن الاستدبار اقل من وهن الاستقبال، يحكم العقل بالاخذ بمحتمل الاهمية و تركها و هو الاستقبال، ففي مقام الاضطرار بارتكاب أحد الامرين يرتكب الاستدبار.

الفرع السادس: لو اضطر بين واحد من الاستقبال و الاستدبار

و بين ترك الستر مع وجود الناظر المحترم، فالاقوى وجوب الستر لما يرى، من أهميّة حفظ الستر لدى المتشرعة الكاشف من اهميته عند الشارع، مثل دوران الامر بين الستر و الركوع و السجود فقد رفع اليد عن الركوع و السجود الاختياري لحفظ الستر، و اكتفى بالايماء بهما، و كذا فيما دار الامر بين الستر و الساتر النجس فجوّز الصلاة مع الساتر النجس لحفظ الستر.

الفرع السابع: لو اشتبهت القبلة،
اشارة

فتارة يمكن للمكلّف تحصيل العلم أو ما يقوم مقامه بها، فيجب ذلك، لكون التكليف بالنسبة إلى الشرط مطلقا فيجب تحصيل الشرط، فما حكى من صاحب المدارك من عدم حرمة استقبال القبلة أو استدبارها في هذا الحال، غير تمام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 264

و تارة لا يتمكّن من تحصيل العلم و لا مما يقوم مقامه، فنقول، ان للمسألة صور:

الصورة الأولى: ان تشتبه القبلة بين اربع جهات،

فهل يتخيّر في التخلّي في أي جهة شاء من الجهات الأربع، و لو كان ظانا بكون القبلة في واحدة منها، أو يتعيّن الأخذ بالظن مع وجوده، و التخيير إذا لم يظنّ باحدى الجهات.

الاقوى الثاني، و قد ذكر وجوها لتعيّن الاخذ بالظن مع تحقّقه و مع عدمه التخيير نذكرها و نذكر الوجه الوجيه منها ان شاء اللّه:

الوجه الأوّل: الحاق حكم دوران وجود القبلة في اربع جهات و عدم معلومية جهتها بباب الصلاة، فكما انه إذا اشتبهت القبلة بين اربع جهات، يجب الاخذ بجهة المظنونة منها، فكذلك في حال التخلّي يحرم استقبال الجهة المظنونة و استدبارها من بين الجهات الأربع.

و فيه، ان هذا قياس و ليس من مذهبنا.

الوجه الثاني: انا نكشف من النهي عن استقبال القبلة و استدبارها قيام الظن مقام العلم.

و فيه، ان الاخبار ليست إلّا في مقام بيان حكم واقعي عارض على موضوع واقعي، و لم تكن متعرّضة لطريق الحكم من العلم أو الظنّ.

الوجه الثالث: استصحاب بقاء التكليف، فيحكم العقل بالاكتفاء في مقام الامتثال بالظن حتى لا يلزم التكليف بما لا يطاق، لانه مع فرض بقاء التكليف في هذا الحال، ان كان الواجب تحصيل العلم فعلى الفرض غير مقدور فيجب الاكتفاء بالظن بحكم العقل.

و فيه، كما قيل انه ان كان النظر إلى التكليف

التحريمي الواقعي الثابت لاستقبال القبلة و استدبارها حال الخلوة على المكلّف، فهو معلوم لا حاجة إلى استصحابه، غاية الامر بعد عدم التمكّن من امتثال هذا التكليف لاشتباه القبلة بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 265

اربع جهات، يكون الكلام في ان التكليف ساقط لعجز المكلّف عن امتثاله، أو لا بد من الاكتفاء بالامتثال الظنّي، و العقل مع عدم تمكّن المكلّف من الامتثال العلمي يحكم بعدم وجوب تحصيله، لا يلزم الاخذ بالظن في مقام الامتثال.

أقول: و ما يأتي بالنظر كون حاصل هذا الوجه و كذا ما قاله الشيخ الانصاري رحمه اللّه هو دعوى حجيّة الظن المطلق، و لزوم الأخذ به مع عدم التمكّن من العلم، و العلمي بدعوى الانسداد في خصوص المورد و كون الظنّ لازم الاتّباع في المورد من باب دليل الانسداد، لانه مع فرض بقاء التكليف بترك الاستقبال و استدبار القبلة حتى مع اشتباهها بين اربع جهات، لعدم رفع الشارع يده عن حكمه لاجل الاشتباه، و مع فرض عدم تمكّن المكلّف من الأخذ بعلم و لا علمي لعدم وجود ظن خاص، مثل عدم تحقّق العلم بجهة القبلة، فلا بد من أن يقال: اما بانّ العقل يحكم بكون اللازم الاخذ بالظن بناء على الحكومة، أو بأن العقل يكشف اكتفاء الشارع بالظن، و على كل حال تكون النتيجة العمل بالظن، و لا يبعد تمامية هذا الوجه، و لهذا لا بد من الأخذ بالجهة المظنونة و ترك استقبال الجهة المظنونة كونها جهة القبلة و ترك استدبارها.

الوجه الرابع: و هو ما رواها زرارة قال، قال أبو جعفر عليه السّلام (يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم اين وجه القبلة) «1»، تدل على اجزاء التحرّي، و الأخذ

بطرف الراجح، أعني الظن إذا لم يعلم وجه القبلة.

و استشكل بالرواية بأنّها منصرفة إلى مورد يجب استقبال القبلة، فلا تشمل المورد الذي حرّم فيه استقبال القبلة.

و فيه، انه لا وجه للانصراف، و لعلّ سبب توهّم الانصراف ذكرها في باب القبلة من الصلاة، و على كل حال بعد عدم تسلّم الانصراف لا مانع من الاخذ

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب القبلة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 266

بإطلاق الرواية.

فتلخّص انه مع امكان تحصيل الظنّ و حصوله، يكتفي به فيحرم استقبال الجهة المظنونة و استدبارها حال التخلّي، و لزوم التخلّي إلى غير الجهة المظنونة، و اما مع عدم الظن بجهة تكون الوظيفة، التخيير.

الصورة الثانية: ان تشتبه القبلة بين جهتين متقابلتين،

فالتكليف اختيار غير هاتين الجهتين، اعني الجهتين الأخيرتين، لان مقتضى العلم الاجمالي بكون القبلة في الجهتين المتقابلتين يحرم التخلّي مستقبلا و مستدبرا الى كل منهما.

الصورة الثالثة: لو اشتبهت القبلة بين الجهتين المتصلتين،

فيكون مثل الترديد بين اربع جهات، فمع الظن بكونها في جهة لا يستدبر و لا يستقبل هذه الجهة، و مع عدم الظن يكون مخيرا.

ثم اعلم، ان ما قلنا من الأخذ بالظن مع حصوله و التخيير مع عدم الظن بكون القبلة بعض الجهات، يكون فيما يضطر الشخص بالتخلّي فعلا، و اما لو امكن له الصبر و الانتظار فيجب عليه الصبر خصوصا مع رجاء حصول العلم، أو العلمي له بجهة القبلة بعد ذلك، لان التكليف التحريمي باستقبال القبلة و استدبارها فعلى منجّز، إلّا إذا بلغ بحدّ لا يتمكن من امتثال التكليف فهو مخيّر، و مع امكان الصبر لا يسقط التكليف، و لا وجه للاخذ بطرف المظنون، لان القدر المتيقّن من مورد الاكتفاء به صورة الاضطرار.

***

[مسئلة 15: الاحوط ترك اقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبلا أو مستدبرا]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: الاحوط ترك اقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبلا أو مستدبرا و لا يجب منع الصبي و المجنون إذا استقبلا و استدبرا عند التخلّي و يجب ردع البالغ العاقل العالم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 267

بالحكم و الموضوع من باب النهي عن المنكر، كما انه يجب ارشاده ان كان من جهة جهله بالحكم، و لا يجب ردعه ان كان من جهة الجهل بالموضوع، و لو سأل عن القبلة، فالظاهر عدم وجوب البيان، نعم لا يجوز ايقاعه في خلاف الواقع.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الأولى: هل يحرم اقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبل القبلة أو مستدبرها أو لا؟

وجه التحريم كون ذلك استقبال القبلة أو استدبارها ببدن الغير، فيشمله اطلاق الادلة، لان النهي عن استقبال القبلة و استدبارها حال التخلّي سواء كان ببدنه أو ببدن الغير.

و فيه، ان ظاهر النواهي استقبال القبلة و استدبارها ببدنه، لانه إذا قال لا تستقبل القبلة، يكون المراد ان المكلّف المخاطب لا يستقبل القبلة و هو يتحقق بترك استقبال نفسه و استدبارها عنها، فالاقوى عدم التحريم، و ان كان الاحتياط حسن.

المسألة الثانية: هل يجب على المكلّف منع غير المكلّف

كالمجنون و الصبي الغير المميّز عن استقبالها أو استدبارها حال الخلوة؟

الحق العدم، لعدم دليل عليه، و مع الشك في وجوب الردع يكون المرجع البراءة.

المسألة الثالثة: يجب ردع البالغ العاقل العالم بالحكم و الموضوع ان استقبل أو استدبر القبلة حال الخلوة،

لوجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هذا من صغرياته.

المسألة الرابعة: يجب ارشاد الجاهل بالحكم،

و يكفي دليلا عليه آية النفر، مضافا إلى حكم العقل به، و اما الجاهل بالموضوع، فلا دليل على وجوب تنبيهه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 268

المسألة الخامسة: لو سئل شخص عن القبلة،

هل يجب على المسئول عنه البيان أو لا يجب ذلك؟ الاقوى عليه البيان، لوجوب ارشاد الجاهل.

المسألة السادسة: هل يجوز إيقاع السائل في خلاف الواقع أم لا؟

الاقوى عدم جواز ايقاع السائل في خلاف الواقع.

***

[مسئلة 16: يتحقّق ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرد الميل إلى احد الطرفين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: يتحقّق ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرد الميل إلى احد الطرفين و لا يجب التشريق و التغريب و ان كان احوط.

(1)

أقول: لان الروايات الواردة في المسألة لا تدل إلّا على حرمة استقبال القبلة و استدبارها، و هذا يحصل بمجرد الميل إلى أحد الطرفين.

نعم في الرواية 4 من الروايات المتقدمة و هي رواية عيسى بن عبد اللّه الهاشمي قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم (و إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لكن شرقوا أو غربوا)، و يتوهم دلالتها على وجوب التشريق و التغريب.

و فيه، انه بعد عدم نقل قائل بوجوب التشريق و التغريب، و قابلية حمل هذه الفقرة من الرواية على الامر بالميل إلى جهة المشرق و المغرب، لا خصوص نقطة المشرق و المغرب لحصول ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرد الميل، أو حمل الامر بالتشريق و التغريب على الاستحباب، و يقال لاجل هذا الامر الاستحبابي بان التشريق و التغريب أحوط استحبابا.

و الحاصل، انه اما لا بد من طرح الخبر في هذه الفقرة أو حملها على الوجوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 269

لعدم حكاية قائل به، أو توجيها باحد النحوين.

***

[مسئلة 17: الاحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: الاحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه مراعاة ترك الاستقبال و الاستدبار بقدر الامكان، و ان كان الاقوى عدم الوجوب.

(1)

أقول: وجه ذلك اما عدم اطلاق للروايات يشمل المورد، لان موارد الاخبار جلها أو كلها هو حال التخلّي أعني في حال يذهب الانسان للتخلية، فلا يشمل من يدر بوله أو يخرج غائطه دائما، أو كون الاخبار على فرض اطلاق لها منصرفا عن هذا المورد، و لكن مع ذلك الاحتياط حسن، لو لم

يصل إلى حد العسر و الحرج كما في بعض موارد المسألة.

***

[مسئلة 18: عند اشتباه القبلة بين الاربع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: عند اشتباه القبلة بين الاربع لا يجوز ان يدور ببوله إلى جميع الاطراف، نعم إذا اختار في مرة احدها لا يجب عليه الاستمرار عليه بعدها، بل له ان يختار في كل مرة جهة أخرى إلى تمام الاربع و ان كان الاحوط ترك ما يوجب القطع باحد الامرين و لو تدريجا خصوصا إذا كان قاصدا ذلك من الأوّل، بل لا يترك في هذه الصورة.

(2)

أقول: أما عدم جواز ادارة البول إلى جميع الاطراف فللعلم بمخالفة القطعية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 270

للتكليف التحريمي بالاستقبال و الاستدبار، لان احد الاطراف وجه القبلة فبادارة البول إلى جميع الاطراف ارتكب المحرم، فلا يجوز ادارة البول.

و اما إذا اختار مرة احد الاطراف للتخلّي، هل يجب الاستمرار على هذا الطرف بعد ذلك؟ فلا يجوز التخلّي في المرات البعدية إلى سائر الاطراف أو يجوز ذلك؟ و بعبارة أخرى هل التخيير بين الجهات الاربع فيما اشتبهت القبلة تخيير البدوي أو استمراري؟

قد يقال بكون التخيير استمراريا فيجوز في الدفعات البعدية التخلّي إلى ساير الجهات غير الجهة التي تخلّى إليها في الدفعة الأولى، لان الأمر دائر بين احتمال الموافقة القطعية و احتمال المخالفة القطعية و بين الموافقة القطعية و المخالفة القطعية، و لا يكون الاول بنظر العقل أولى من الثاني. و اما الدوران، فلانه لو اختار التخلّي في المرات البعدية الطرف الذي اختاره أوّلا، بمعنى انه يتوجّه في التخلّي مطلقا طرفا واحدا من الاطراف الاربعة، فهو ان لم يعلم بالمخالفة القطعية للنهي المتعلق باستقبال القبلة و استدبارها، لكن لا يعلم بالموافقة القطعية، لان المحتمل كون هذا الطرف

القبلة، كما ان المحتمل عدم كونه طرف القبلة، فمع هذا الشك، لا يعلم بالموافقة القطعية كما لا يعلم بالمخالفة القطعية.

و لو اختار في كل مرة من المرات البعدية غير الطرف السابق، و بعبارة أخرى تخلّى كل مرة عن أحد من الاطراف الأربعة فبعد اربع مرات و ان كان يعلم بالمخالفة القطعية للتكليف، لكن يعلم بالموافقة القطعية لانه بعد التخلّي إلى الجهات الاربع فهو و ان تخلّى مرّة إلى القبلة و مرة مستدبرا لها فخالف التكليف المتوجه إليه بترك استقبال القبلة، و بترك استدبار القبلة لوقوع مرة من المرّات الاربع حال التخلّي مواجها للقبلة أو مستدبرا لها مرة، لكن يعلم بالموافقة القطعية أيضا، لأنه بعد اربع مرّات يعلم بوقوع تخليه على غير جهة القبلة مرّتين، فهو امتثل التكليف مرّتين قطعا، و إذا دار الامر بين الموافقة و المخالفة الاحتمالية للعلم بالتكليف، و بين الموافقة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 271

و المخالفة القطعية للعلم، لا يكون الاول أولى من الثاني بنظر العقل، فيكون التخيير تخييرا استمراريا و ثمرته جواز التخلّي في المرات البعدية إلى غير الجهة التي تخلّى إليها في المرة الأولى.

و لكن ما يأتي بالنظر عاجلا، هو عدم جواز التخلّي في المرّات البعدية إلى غير الجهة التي تخلّى إليها في المرة الأولى، لانه في المرة الأوّلى لا يجوز التخلّي إلى اربع جهات، و وجهه ليس إلّا أن العقل مع تنجز العلم الاجمالي يحكم بموافقة القطعيّة و حرمة مخالفة القطعية، و إذا لا يتمكن من موافقتها القطعية يحكم لا أقل بحرمة مخالفة القطعية، و ثمرته عدم جواز التخلّي في دفعة واحدة إلى الجهات الاربع، كما في فرض ادارة البول قلنا بعدم جوازها، فكذلك

بعد العلم الاجمالي بكون القبلة في احدى الجهات الاربع، فلو اراد التخلي اربع مرات في كل مرة إلى جهة من الجهات الاربع، فالعلم الاجمالي يحصل له بحرمة استقباله الى جهة من الجهات و حرمة استدباره إلى جهة من الجهات الاربع، فكما ان العقل يحكم بوجوب الموافقة القطعية و حرمة المخالفة القطعية إن كان متمكنا من كل منهما، فكذلك يحكم بعد ما يرى عدم قدرة المكلّف من الموافقة القطعية لاضطراره بالتخلّي يحكم بحرمة المخالفة القطعية لتمكّنه عن عدم المخالفة القطعية، فلا دوران كما توهم بين الموافقة الاحتمالية و المخالفة الاحتمالية و بين المخالفة القطعية و الموافقة القطعية، حتى يقال لا يحكم العقل بتقديم الاولى على الثانية، بل بعد العلم الاجمالي بحرمة استقبال احد الاطراف، و حرمة استدبار احد الأطراف من الجهات الاربع في التخلّي إلى اربع جهات، و فرض اضطراره إلى التخلّي يحكم العقل بحرمة المخالفة القطعية،

و اثرها عدم جواز التوجه في المرات الاربعة و ما بعدها مع اشتباه القبلة إلى طرف واحد.

نعم كما يجوز له في اربع مرات التوجه إلى طرف واحد حال التخلي، يجوز له التخلي إلى طرف آخر أيضا بشرط كون هذا الطرف، الطرف المقابل للطرف الأوّل،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 272

و ان كان الطرف الغير المقابل له يعلم بالمخالفة القطعية، مثلا إذا توجّه الأوّل نحو نقطة المشرق يجوز التوجه في الثانية إلى نقطة المغرب، فلا يعلم بالمخالفة القطعية،

لكن إذا توجّه في المرة الثانية بنقطة الجنوب، أو الشمال يعلم بمخالفته القطعية، لانه بعد ذلك اما استدبر القبلة حال التخلّي أو استقبلها و القبلة أما في المشرق أو في المغرب، فبالتوجه إلى المشرق اما استقبلها أو استدبرها، و اما نقطة

الشمال أو الجنوب فالتوجّه بالجنوب أو بالشمال أما استقبلها أو استدبرها، فيقطع بعد التوجه بالمشرق و الجنوب إنه استقبل القبلة أو استدبرها، لان التوجه إلى طرفين من اربع اطراف بالنحو الذي قلنا، لا يوجب المخالفة القطعية كما لا يوجب المخالفة الاحتمالية، بل حال التوجه بالطرفين من الاربع حال التوجه إلى طرف واحد إذا كان بالطرف المقابل للطرف الأول على ما عرفت هذا.

فتلخّص ان الاحوط بل الاقوى هو كون التخيير بدويا لا استمراريا، فلا يجوز التوجه بأربع جهات حال التخلي في مرات أربعة.

ثم انه قال بعض اعاظم معاصرينا في شرحه على العروة، بانه فيما يبول مرة واحدة يكون الموضوع مثل المرات المتعددة باعتبار تعدّد قطرات البول، فان لم نجوز التخلّي إلى اربع جهات مع اشتباه القبلة لحصول العلم بالمخالفة القطعية فكذلك في المرة الواحدة، و ان جوّزنا ذلك في المرات العديدة، كما اختار المؤلف رحمه اللّه فكذلك في المرة الواحدة، لان البول في المرة الواحدة يكون متعددا باعتبار تعدّد قطراته، فكما ان المرات المتعددة وقائع متعددة باعتبار تعددها كذلك المرة الواحدة وقائع متعددة باعتبار تعدد قطراته، فان جوزنا المخالفة القطعية في الصورة الاولى، فلا بد ان نجوز في الصورة الثانية.

فلو بال إلى الاطراف بان يدور ببوله لا وجه لعدم الجواز، لو قلنا بالجواز، فيما بال مرات اربع إلى الجهات الاربع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 273

و فيه: ان صيرورة المرات المتعددة وقائع متعددة يكون لاجل تعدّد وجودها، فكل وجود يصير مورد التكليف الشرعي أو العقلي بخلاف القطرات في المرة الواحدة، فليس لكل من القطرات وجودا منحازا عن الاخرى حتى يكون كل منهما مورد التكليف مستقلا، فمع علمه بكون القبلة في طرف من الاطراف

الاربعة لا يجوز ان يبول مستقبلا لها أو مستدبرها، و يقتضي هذا العلم بحكم العقل عدم جواز التخلي في كل من الاطراف الاربعة لوجوب موافقة هذا العلم و حرمة مخالفته غاية الامر في المورد لاجل الاضطرار بالتخلّي يسقط بحكم العقل وجوب موافقته القطعية، لكن يحرم مخالفته القطعية، و لأجل هذا يحرم عليه البول بنحو يوجب المخالفة القطعية مثل ان يدور ببوله إلى جميع الاطراف، لانه لو بال دورا يعلم بالمخالفة القطعية و لا يعلم بالموافقة القطعية، لانه بعد كون الواقعة واحدة، و على الفرض توجه بادارة بوله نحو القبلة و استدبرها أيضا، فقد خالف الواقع و ارتكب الحرام في البين مسلما و لم يوافق الواقع.

و هذا بخلاف الصورة الثانية و كون المفروض وقائع متعددة فانه يفرض الموافقة القطعيّة كما يفرض المخالفة القطعية كما مر بيانه، فالفرق بين الصورتين معلوم، و نحن و إن قلنا في الصورة الثانية و هي ما يتخلّى أربع مرات إلى الاطراف الاربعة، لكن لأجل ما بينّا من فرض العلم الاجمالي و ان كانت وقائع متعددة، فظهر لك فساد ما توهّمه.

ثم انه لا فرق من عدم جواز التوجه حال التخلّي إلى سائر الجهات إذا كان بحيث يوجب القطع بالمخالفة القطعية بتفصيل مر هنا بيانه، بين ما إذا كان قاصدا من الأول الأمر قبل ان يتخلّى إلى احدى الجهات الأربع للتخلّي بنحو يحصل له العلم بالمخالفة القطعية، و بين ما يبدو له ذلك بعد ان تخلى في المرة الاولى إلى جهة منها، كما قلنا من ان المحذور و هو المخالفة القطعية و هو غير جائز بحكم العقل سيان بين صورة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 274

القصد و عدمه، فما

قاله المؤلف رحمه اللّه من ذكر الخصوصية لما إذا قصد من أول الامر التخلّي إلى اربع جهات بالنسبة إلى ما لم يقصد ذلك، لا وجه له.

***

[مسئلة 19: إذا علم ببقاء شي ء من البول في المجرى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا علم ببقاء شي ء من البول في المجرى يخرج بالاستبراء، فالاحتياط بترك الاستقبال أو الاستدبار في حاله اشدّ.

(1)

أقول: و قد بينا سابقا بانه و ان لم يكن الاستقبال و استدبار القبلة حال الاستبراء محرّما في حدّ ذاته، لكن إذا علم بوجود شي ء من البول في المجرى يخرج بالاستبراء، يحرم استقبالها و استدبارها حال الاستبراء، لانّه على هذا يكون حال التخلّي و لأنّه باستعانة الاستبراء يتخلّى البول و يحرم استقبالها و استدبارها حال التخلّي كما عرفت، فالاقوى الحرمة في هذه الصورة.

***

[مسئلة 20: يحرم التخلّي في ملك الغير من غير اذنه]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: يحرم التخلّي في ملك الغير من غير اذنه حتى الوقف الخاص، بل في الطريق الغير النافذ بدون اذن اربابه، و كذا يحرم على قبور المؤمنين إذا كان هتكا لهم.

(2)

أقول: في المسألة مسائل:

المسألة الأولى: لا يجوز التخلي في ملك الغير بغير إذنه،

لانه نوع من التصرف، و لا يجوز التصرف في ملك الغير بغير اذنه، و مثله الوقف الخاص، سواء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 275

نقول بصيرورة رقبة الوقف ملكا للموقوف عليهم أم لا، لعدم جواز التصرف فيه بغير ما وقف به إذا كان ذلك مخالف الوقف.

المسألة الثانية: الطريق قسمان: نافذ و غير نافذ،

و في كل منهما تارة يكون ملكا لشخص أو أشخاص، مثل ما إذا اشترى شخصا ملكا و بنى فيه دارا و جعل قسمة من هذا الملك طريقا لداره من ملكه، فلا اشكال في عدم جواز التصرف في هذا الطريق بغير إذن صاحبه، إلّا ما كانت السيرة قائمة على جوازه و كاشفة على رضاه، كالاستطراق إلى داره، و أما التخلّي فغير جائز، و تارة لا يكون ملكا لأحد مثل ما إذا كانت ارض مباحا و بنى فيها ابنية و جعل لها طرقا أو طريقا فصار تحت يدهم بالحيازة، فان كانوا قاصدين للتمليك حين حيازة الطريق، فيصير ملكهم، و لا يجوز التصرف حتى بالتخلّي من دون اذنهم، و ان كانوا قاصدين الاستطراق فقط بدون قصد التمليك، فيجوز التصرف فيه من ناحية غير المحيزين تصرفا لا ينافي مع حقهم، و اما غير ذلك فجائز، فبناء عليه يجوز التخلّي إلّا إذا كان مناف لاستطراقهم أو كان إيذاء لهم، و حيث انه في صورة الحيازة كون المحيز قاصدا لتمليك الطريق غير معلوم فيجوز التصرفات الغير المانعة للاستطراق، و لو شككنا فيستصحب اباحته السابقة على استطراقهم.

المسألة الثالثة: يحرم التخلّي على قبور المؤمنين

إذا كان هتكا لهم لعدم جواز هتك المؤمن حيّا و ميتا، هذا إذا لم يكن ملكا لشخص، و اما إذا كان ملكا فلا يجوز التخلّي فيه، و ان لم يكن هتكا، و كذا لو كان وقفا و كان التخلّي مناف لوضع الوقف، فلا يجوز أيضا و ان لم يكن هتكا للمؤمنين، و كذا لا يجوز التخلّي في كل مورد يكون إيذاء للغير.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 276

[مسئلة 21: المراد بمقاديم البدن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: المراد بمقاديم البدن الصدر و البطن و الركبتان.

(1)

أقول: اما الاستقبال بالصدر و البطن فلا اشكال فيه، لانه كما عرفت سابقا يحرم الاستقبال و استدبار القبلة بمقاديم البدن و بالعورة و الصدر و البطن من مقاديم البدن مسلّما.

و اما الركبتان، فتارة يقال بانه مع توجه الصّدر و البطن إلى القبلة لا يتوجّه الركبتان نحوها، و كذا لو استدبر أو استقبلها ببطنه و صدره يقع الركبتان مواجها أو مستدبرا للقبلة.

و فيه، انه ليس كذلك لان الركبتان حال التخلّي لا ينحرفان بحيث مع عدم مواجهة الصدر و البطن و القبلة يقع الركبتان مواجها أو مستدبرا لها، مثلا إذا تخلّى بنقطة المشرق، و فرض كون القبلة في نقطة الجنوب، أو الشمال فلا يقع الركبتان إلى نقطة الجنوب أو الشمال، حتى يقال متى يحصل استقبال الصدر و البدن للقبلة أو استدبارها يقع استدبار القبلة أو استقبالها بالركبتين فيمكن الجمع بين ترك استقبال القبلة و استدبارها مع ترك استقبالها و استدبارها بالركبتين أيضا. ثم بعد ذلك يقع الكلام في انه هل يحرم استقبال القبلة أو استدبارها بالركبتين حال التخلّي أم لا، عمدة ما يقال في الباب بعد عدم تعرض اخبار الباب لهذه الجهة، هو دعوى ان

العرف لا يفهم عن النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها حال التخلّي، إلّا النهي عن استقبالها أو استدبارها بالصدر و البطن، و عندي في ذلك تأمل، و لهذا نقول الاحوط ترك استقبال القبلة و استدبارها حال التخلي بالركبتين أيضا، فتأمّل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 277

[مسئلة 22: لا يجوز التخلّي في مثل المدارس التي لا يعلم كيفية وقفها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: لا يجوز التخلّي في مثل المدارس التي لا يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بالطلاب أو بخصوص الساكنين منهم فيها أو من هذه الجهة أعمّ من الطلاب و غيرهم، و يكفي إذن المتولى إذا لم يعلم كونه على خلاف الواقع و الظاهر كفاية جريان العادة أيضا بذلك، و كذا الحال في غير التخلّي من التصرفات الأخر.

(1)

أقول: اما إذا علم كيفية وقفها من حيث التعميم و الاختصاص، فيجوز فيما كان غير مخصوص بالطلاب أو بالساكنين من المدرسة لغيرهما، و لا يجوز فيما كان مختصا لطائفة خاصة التخلّي لغير هذه الطائفة.

و اما إذا لم يعلم كيفية وقفها فلا يجوز التخلّي لغير من يعلم كونه من الموقوف عليه بناء على ان الاصل الأولى في الاموال عدم جواز التصرف إلّا ما ثبت بالدليل جوازه، نعم فيما اجاز المتولى يصح التخلّي فيما لا يعلم كون إذنه على خلاف مقتضى الوقف حملا لفعله أي اذنه على الصحيح. و كذا لو كانت العادة جارية على التخلّي فيها و السيرة على ذلك ممّن يكون له المبالات و الاعتناء بهذه الامور لا من غير المعتنين بالجهات الدينية، و لكن يأتي ان شاء اللّه في المسألة 8 من المسائل المتعلقة بشرائط الوضوء عدم تمامية الوجوه المتمسّكة بها على عدم الجواز، فلا يبعد الجواز فيما لا يعلم كيفية الوقف، إلّا إذا كان مزاحما لحق

الموقوف عليهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 279

فصل: في الاستنجاء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 281

قوله رحمه اللّه

فصل في الاستنجاء يجب غسل مخرج البول بالماء مرتين، و الافضل ثلاث بما يسمّى غسلا، و لا يجزئ غير الماء و لا فرق بين الذكر و الانثى و الخنثى، كما لا فرق بين المخرج الطبيعي و غيره معتادا أو غير معتاد، و في مخرج الغائط مخير بين الماء و المسح بالاحجار أو الخرق، ان لم تتعد عن المخرج على وجه لا يصدق عليه الاستنجاء، و إلّا تعيّن الماء، و إذا تعدى على وجه الانفصال كما إذا وقع نقطة من الغائط على فخذه من غير اتصال بالمخرج، يتخيّر في المخرج بين الأمرين و يتعيّن الماء فيما وقع على الفخذ، فالغسل افضل من المسح بالاحجار و الجمع بينهما اكمل، و لا يعتبر في الغسل التعدّد بل الحد النقاء بالاقل، و إن حصل بغسلة، و في المسح لا بد من ثلاث و ان حصل النقاء بالاقل، و إن لم يحصل بالثلاث فالى النقاء، فالواجب في المسح اكثر الامرين من النقاء و العدد، و يجزي ذو الجهات الثلاث من الحجر و بثلاثة اجزاء من الخرقة الواحدة و ان كان الاحوط ثلاث منفصلات، و يكفي كل قالع و لو من الاصابع، و يعتبر فيه الطهارة، و لا يشترط البكارة، فلا يجزي النجس، و يجزي المتنجس بعد غسله، و لو مسح بالنجس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 282

أو المتنجس لم يطهر بعد ذلك إلّا بالماء، إلّا إذا لم يكن لاقى البشرة بل لاقى عين النجاسة، و يجب في الغسل بالماء ازالة العين و الاثر بمعنى الاجزاء

الصغار التي لا ترى لا بمعنى اللون و الرائحة، و في المسح يكفي ازالة العين و لا يضر بقاء الاثر بالمعنى الأوّل أيضا.

(1)

أقول: في الفصل مسائل متعلقة بالاستنجاء، و الاستنجاء عبارة عن تطهير مخرج البول و الغائط في عرف الفقهاء، فنقول:

المسألة الاولى: يجب غسل مخرج البول بالماء مرتين،

و الكلام في هذه المسألة يقع مرة، في ان الوجوب الذي قلنا الوجوب الغيري كالنفسي لوجوبه مقدمة لما يشترط فيه طهارة البدن كالصلاة.

و أخرى في وجوب غسل مخرج البول بالماء مرتين، و يدل عليه اطلاقه بعض الاخبار الدالة على وجوب غسل الجسد الملاقى للبول مرتان، و ان قيد اطلاق بالنسبة إلى غير الماء القليل، أو دعوى عدم اطلاق له يشمل غير الماء القليل، و قد مضى عند البحث عن كيفية تطهير المتنجس بالبول و بالخصوص في غسل مخرج البول ما رواها نشيط بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته كم يجزى من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل) «1»، بناء على حمل مثليه على الغسل مرتين بدعوى ان تحقق مثلا ما على الحشفة من البلل متوقف على كون كل واحد من المثلين بقدر ما على الحشفة من البلل، و هذا لا يحصل إلّا بتخلّل الفصل بينهما، فهو عبارة اخرى عن الغسلين، و إلّا لو لم يتحقّق فصل بينهما و القى على الحشفة ماء، و لو ضعف ما على الحشفة من البلل، لا يصدق المثلان، بل يقال انه ضعف ما على الحشفة من البلل، و هذا شاهد على ان المثلين يحتاج إلى التعدّد في الغسل،

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 283

فالتعبير بالمثلين

كالتعبير بالغسل مرتان، فعلى هذا يستفاد من الرواية الغسل مرتين كما هو المطلوب، و لو لم تقبل ما بينّا في المراد من الرواية، فالمطلقات الواردة في وجوب غسل الجسد من البول مرتان يكفي لنا.

و قد اورد على التمسّك بالرواية تارة بضعف السند، و هو مرفوع بجبر ضعفه بمطابقة مضمونها لفتوى المشهور على طبقها، بل استنادهم بها، كما في بعض عبائرهم، فلا وجه للاشكال بضعف السند.

و تارة بعد دلالة بعض الروايات على كفاية المرة، لا بد من حمل الرواية على الاستحباب، أما الرواية فهي ما رواها نشيط (الراوي للرواية السابقة) عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قال يجزي من البول ان تغسله بمثله) «1» و انها تدل على كفاية المرة. و ما رواها الكليني رحمه اللّه (هي مرسلة الكليني) قال الكليني (روى انه يجزي ان يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة و غيره) «2»، لانها تدلّ على كفاية غسل الحشفة مرّة واحدة.

و فيه، ان الروايتين مع ضعف سندهما في حد ذاتهما لكونهما مرسلتين لم يعلم بهما الاصحاب، بل اعرضوا عنهما لما قلنا انّ المشهور افتوا على وجوب الغسل المرتين.

و يظهر من المحقق الهمداني رحمه اللّه الاشكال بالرواية الواردة فيها (مثلى ما على الحشفة) بأنه ان كان المراد من المثلين تعدّد الغسل و يكون المراد الغسل في كل مرة مثل ما على الحشفة من البلل، فلا يتحقق به الغسل لعدم قاهرية الماء المساوي لما على الحشفة من البول عليه و عدم بقائه على الاطلاق، و اما ان كان المراد من المثلين غلبته عليه في مرة واحدة، و لهذا لا بد من حمل مثليه على ضعفيه و تكون النتيجة

______________________________

(1) الرواية 7

من الباب 26 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 26 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 284

كفاية الغسل مرة واحدة.

كما ان الالتزام بوجوب ثلاث مرات لا وجه له، إلّا ما رواها حريز عن زرارة، (قال كان يستنجى من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق) «1» بدعوى ان زرارة يخبر عن فعل المعصوم عليه السّلام و انه يستنجي من البول ثلاث مرات.

و فيه مضافا إلى احتمال كون حريز ينقل فعل زرارة و كان فاعل قال حريز، او كان فاعل قال زرارة و هو يقول كان أي كان المعصوم عليه السّلام يستنجى من البول ثلاث مرّات، لا يدل فعله عليه السّلام إلّا على مجرد مطلوبيته ثلاث مرات، و هو اعم من الوجوب و الاستحباب خصوصا مع وجود الاخبار المطلقة، أو خصوص رواية نشيط على كفاية المرتين، فافهم.

نعم، الافضل ثلاث مرات لوجود هذه الرواية، لانه اما يخبر عن فعل المعصوم عليه السّلام فيستفاد منه مطلوبيته، أو يخبر عن فعل زرارة و زرارة لا يفعل قاعدة فعلا إلّا كان مستنده قول الباقر أو الصادق عليهما السّلام، فيستفاد الافضلية.

و ثالثة: يقع الكلام في عدم اجزاء غير الماء في تطهير مخرج البول لدلالة بعض الروايات:

الأولى: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة احجار، بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و اما البول فانه لا بد من غسله) «2».

الثانية: ما رواها بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام، انه (قال يجزي من الغائط المسح بالاحجار و لا يجزي

من البول إلّا الماء) «3». و في قبالهما روايات، قد يقال بدلالتها على اجزاء غير الماء في تطهير مخرج البول:

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 26 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 9 من أبواب احكام الخلوة من ل. پ

(3) الرواية 6 من الباب 9 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 285

الأولى: ما رواها عبد اللّه بن بكير، قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام (الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط؟ قال: كل شي ء يابس ذكى) «1».

الثانية: ما رواها سماعة (قال قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام إني أبول ثم أتمسح بالاحجار فيجي ء منّي البلل ما يفسد سراويلي؟ قال: فليس به بأس) «2».

الثالثة: ما رواها حنّان بن سدير، (قال سمعت رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إني ربّما بلت فلا اقدر على الماء و يشتدّ ذلك عليّ؟ فقال إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل: هذا من ذاك) «3».

و هذه الروايات مع قابلية بعضها لبعض التوجيهات كما قيل، لا يمكن الاخذ بها على فرض تمامية دلالتها لسقوطها عن الحجيّة لكونها معرضا عنها عند الاصحاب، فلا اشكال فيما قلنا من انه لا بد في تطهير مخرج البول من الاقتصار بالماء فقط.

الرابعة: يقع الكلام في انه هل يكون فرق بين الذكر و الانثى و الخنثى في وجوب تطهير المخرج بخصوص الماء مرتان، أو لا فرق بينهم؟ الاقوى عدم الفرق لشمول اطلاق الاخبار لكل من الثلاثة، و لو كان بعض الروايات سائله الرجل أو ورد في مورد الرجل، فلا اشكال في عدم الخصوصية له قطعا.

الخامسة: في انه

هل يكون فرق في الحكم بين المخرج الطبيعي و غير الطبيعي، أو فرق في المخرج الغير الطبيعي بين المعتاد، أو غير المعتاد مثل ما يكون عارضيا أم لا؟ الاقوى عدم الفرق لشمول اطلاق الاخبار لكلها.

المسألة الثانية: يجب تطهير مخرج البول بالماء متعيّنا

بخلاف ما نقول في تطهير مخرج الغائط، إذا لم يتعدّ فيكون المكلف مخيّرا بين تطهيره بالماء و بين المسح

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 31 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء من ل.

(3) الرواية 7 من الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 286

بالاحجار و الخرق.

اما كفاية المسح بالاحجار و الخرق، فلما ذكرنا من الروايتين رواية زرارة و بريد بن معاوية لدلالتهما على اجزاء الاستنجاء من مخرج الغائط بالمسح بالاحجار.

و يدل على ذلك أيضا ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، (قال: سألته عن التمسح بالاحجار؟ فقال: كان الحسين بن علي عليهما السّلام يمسح بثلاثة احجار) «1»، بناء على كون النظر إلى التمسح في مقام الاستنجاء كما هو الظاهر.

و ما رواها عيسى بن عبد اللّه عن أبيه عن جده عن علي عليه السّلام: (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، إذا استنجى احدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء) «2»، هذا يدلّ من حيث اجزاء المسح بالاحجار في تطهير مخرج الغائط.

و الرواية 3 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من و الرواية 4 من الباب المذكور، نتعرض لهما في المسألة السابعة من مسائل هذا الفصل ان شاء اللّه.

و أما بالنسبة إلى اجزاء المسح بالخرق:

ما رواها حريز عن زرارة، (قال كان يستنجى من البول ثلاث مرات

و من الغائط بالمدر و الخرق) «3»، اما بناء على كون فاعل (قال) المعصوم عليه السّلام، فهو ينقل فعل المعصوم، و اما بناء على كون حريز ناقل فعل زرارة و كان فاعل (قال) حريز، فيقال ان زرارة لا يكون فعله إلا مستندا إلى رأي المعصوم عليه السّلام، ففعله يدل على اجزاء الخرق.

و ما رواها زرارة (قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام، يقول: كان الحسين بن علي عليهما السّلام

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 30 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 35 من أبواب الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 287

يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغسل) «1».

و أما التخيير بين المسح بالاحجار و غيره مما يجوز و بين الغسل بالماء، فيدل عليه أوّلا: التعبير في بعض الروايات من اجزاء المسح لا تعيّنه، و ثانيا: بعض الروايات:

الأولى: ما رواها هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، يا معشر الانصار ان اللّه قد احسن عليكم الثناء فما ذا تصنعون؟

قالوا نستنجى بالماء) «2».

الثانية: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قال الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير) «3».

الثالثة: ما رواها أبو خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قال كان الناس يستنجون بثلاثة احجار لانهم كانوا يأكلون البسر فكانوا يبعرون بعرا فأكل رجل من الانصار الدبا فلان بطنه فاستنجى بالماء، فبعث إليه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: فجاء الرجل و هو خائف يظن أن يكون قد نزل فيه شي ء

يسوؤه في استنجائه بالماء فقال له هل عملت في يومك هذا شيئا؟ فقال له نعم يا رسول اللّه، اني و اللّه ما حملني على الاستنجاء بالماء إلّا اني اكلت طعاما فلان بطني فلم تغن عني الحجارة شيئا فاستنجيت بالماء فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: هنيئا لك، فان اللّه عزّ و جلّ قد انزل فيك آية فابشر (ان اللّه يحبّ التوابين و يحبّ المتطهرين) «4» فكنت انت اوّل من صنع هذا و أول التوابين و أول المتطهرين) «5».

أقول: يمكن الاشكال في دلالة الرواية على التخيير بين الماء و الاحجار في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 34 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(4) البقرة 2 آية 222

(5) الرواية 5 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 288

صورة عدم التعدي، لان مورد الخبر صورة التعدي.

الرابعة: ما رواها الحسين بن مصعب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال جرت في البراء بن معرور الانصاري ثلاث من السنن أما أوّلهن فان الناس كانوا يستنجون بالاحجار فاكل البراء بن معرور الدبا فلان بطنه فاستنجى بالماء فانزل اللّه فيه (ان اللّه يحبّ التوابين و يحبّ المتطهرين) «1» فجرت السنة في الاستنجاء بالماء فلما حضرته الوفاة كان غائبا عن المدينة فامر أن يحوّل وجهه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أوصى بالثلث من ماله فنزل الكتاب بالقبلة و جرت السنة بالثلث) «2».

الخامسة: ما رواها جميل بن درّاج عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام (في قول اللّه عزّ و جلّ (ان اللّه يحبّ التوابين و يحب المتطهرين) قال كان الناس يستنجون بالكرسف و الاحجار ثم احدث الوضوء و هو خلق كريم، فامر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و صنعه فانزل اللّه في كتابه ان اللّه يحبّ التوابين و يحبّ المتطهرين) «3».

أقول: و ربّما يأتي بالنظر ان مفاد هذه الاخبار الثلاثة أي الثالثة و الرابعة و الخامسة تعيّن الاستنجاء في مخرج الغائط بالماء فقط.

أما في صورة التعدي كما هو ظاهر الرواية الثالثة و الرابعة أو مطلقا كما هو ظاهر الرابعة، فيستفاد منهما تعيّن الماء في الاستنجاء من الغائط.

و فيه، انه بعد دلالة الروايات المتقدمة الدالة على اجزاء المسح بالاحجار يحمل ما يدل على تعيّن الماء على استحباب ذلك فيما لم يتعد الغائط، كما نقول بان الماء افضل، و بالنسبة إلى صورة التعدي نقول بتعيّن الماء، و يأتي الكلام فيه ان شاء اللّه.

السادسة: ما رواها إبراهيم بن أبي محمود (قال سمعت الرضا عليه السّلام يقول في الاستنجاء يغسل ما ظهر منه على الشرج و لا يدخل فيه الانملة) «4».

______________________________

(1) البقرة 2 آية 222

(2) الرواية 6 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 4 من الباب 34 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 289

السابعة: ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (إنما عليه أن يغسل ما ظهر منها يعني المقعدة و ليس عليه أن يغسل باطنها) «1» هذا كله في الروايات الدالة على كفاية الاستنجاء بالماء في مخرج

الغائط و بعد ضمها مع ما يدل على كفاية الاستنجاء بالاحجار و الخرق، تكون النتيجة التخيير بينهما، هذا كله فيما لم يتعدّ الغائط.

المسألة الثالثة: إذا تعدى الغائط،

قالوا بانه لا يجزي في تطهير المخرج إلّا الماء، و هذا في الجملة مما لا اشكال فيه، انما الكلام في ضابط التعدي و فيه احتمالات بل اقوال:

الأوّل: ما ذكره المؤلف رحمه اللّه من كون ضابط التعدي خروجه و التلوث به بحيث لا يصدق على ازالته عنوان الاستنجاء.

الثّاني: مجرد تعديه عن موضع النجو أي موضع خروج الغائط و الحدث.

الثّالث: التعدي عن الشرج أي حلقة الدبر.

الرّابع: التعدي عن حواشي الدبر.

و على طبق كل من الاحتمالات، ذهب بعض الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم.

و اعلم انه يدعى الاجماع على انه مع التعدّي لا يجزي إلّا الماء، و هذا الاجماع في الجملة ثابت، و لكن اختلفت كلمات مدعي الاجماع في ضابط التعدّي، فلهذا لا يمكن الاخذ بخصوص احد الاحتمالات الاربعة بالاجماع، و ليس في طرقنا رواية يستفاد منها ضابطة للتعدي، نعم يمكن استفادة كون المطهّر في صورة التعدي خصوص الماء من بعض الروايات التي ذكرناها عند البحث عن كون الحكم مع عدم التعدي التخيير في تطهير مخرج الغائط بالماء و الاحجار، في مقام اجزاء الماء في قبال اجزاء الاحجار كالرواية 5 من الروايات المتقدمة ذكرها و هي ما رواها أبو خديجة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 29 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 290

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، لكن لا يستفاد منها ما هو الميزان في التعدي عن المخرج.

و قد ورد من طرق العامة روايتان:

الأوّلى: عن أمير المؤمنين عليه السّلام: انكم كنتم تبعرون بعرا و اليوم تثلطون ثلطا

فاتبعوا الماء الاحجار.

الثانية: أيضا عنه عليه السّلام (يكفي احدكم ثلاثة احجار إذا لم يتجاوز محل العادة)، و قيل بانجباره بعمل الاصحاب.

أقول: اما الكلام في سند هما فضعيفان في حد ذاتهما، و اما ما قيل من انجبار هما بعمل الاصحاب فغير تمام، لانه بعد كون الرواية الاولى غير متعرضة لضابط التعدي، و الثانية و ان قال فيها إذا لم يتجاوز محل العادة، لكن هذا لا ينطبق إلّا مع احد الاقوال الاربعة، أما مع الاحتمال الثاني أو الثالث فتكون النتيجة مطابقة مضمونهما مع احد الاقوال الاربعة، لا مع قول الاصحاب و لا المشهور منهم حتى يجبر ضعفها بعملهم. إذا عرفت ذلك نقول، اما التعدي بنحو لا يصدق معه الاستنجاء، و هو الاحتمال الأوّل، فلا ينبغي الاشكال في انه لا يكتفي في هذا المورد إلّا بالماء و لا يكتفي بالاحجار و الخرق.

و يكفي دليلا عليه نفس الروايات الدالة على الاجتزاء بالاحجار، لانها تدل على اجزاء الاحجار في الاستنجاء، و الاستنجاء تطهير موضع النجو، و مع التعدي بهذا النحو لا يصدق الاستنجاء، فلا يشمله الاخبار الدالة على مطهرية مسح الاحجار في الاستنجاء.

مضافا إلى ان هذا المورد هو القدر المتيقّن من الاجماع و الاتفاق على عدم كفاية المسح بالاحجار، و انه لا يجزي إلّا الماء.

ثم انه بعد ذلك يقع الكلام في سائر الاقوال و الاحتمالات، فنقول بعونه تعالى:

امّا الاحتمال الثاني، و هو كون العبرة في التعدي بمجرد التعدي عن موضع النجو أي موضع خروج الغائط، لا يمكن الاخذ به، لان المتعارف هو التعدي عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 291

هذا الموضع، بل لو لم يتعد عن موضع خروج الغائط، فربما لا يتلوّث الظاهر بالغائط راسا، فلو

كان الواجب في هذه الصورة التطهير بالماء فقط، فلم يبق مورد الاكتفاء بالمسح بالاحجار.

و ما ورد في بعض الروايات من ان الواجب غسل ما ظهر على الشرج أي حلقة الدبر و عدم وجوب تطهير الباطن، شاهد على ان المتعارف تلوث ازيد من المخرج حين خروج الغائط، و لهذا الاحتمال و ان كان قائل به بين الاصحاب، لكن ليس معقد الاجماع خصوص مورد هذا الاحتمال.

و اما الاحتمال الثالث، و هو التعدي عن الشرج أي حلقة الدبر: و الاحتمال الرابع و هو التعدي عن حواشي الدبر، و ان لم يكن لنا دليل على كون العبرة في التعدي باحد هما، و لا اجماع ثابت على احد هما، لكن يمكن ان يقال بان التعدي عن حواشي الدبر، و هو الاحتمال الرابع، حيث يكون خارجا عن المتعارف، يصدق في صورته التعدي و خارج عن مورد الاستنجاء بالمسح بالاحجار، لعدم صدق الاستنجاء مع فرض التعدي عن حواشي الدبر، فيكون الاحتمال الرابع مثل الاحتمال الاول، فإذا تعدى عن حواشي الدبر لا يكتفي في التطهير إلّا بالماء، لخروجه عن صدق الاستنجاء كما بينّا فى الاحتمال الاوّل فلا يشمله الاخبار الدّالة على كفاية المسح بالاحجار و الخرق في مقام الاستنجاء عن مخرج الغائط فتأمّل.

المسألة الرابعة: ما قلنا من التخيير في تطهير مخرج الغائط بين الغسل بالماء

و بين المسح بالاحجار في صورة عدم التّعدي، نقول بانّه مع التّخيير يكون الغسل بالماء افضل، لما رأيت من ظهور بعض الاخبار في تعيّن الماء فى التّطهير، و بعد دلالة بعض الاخبار على اجتزاء المسح، قلنا بجوازه، و يحمل الأمر بالغسل بالماء و تعيّنه على الاستحباب.

كما انّ المسح بالاحجار و الغسل بالماء بالجمع بينهما يكون اكمل، للاخذ بكلا طرفى التّخيير و لمرسلة الكليني رحمه اللّه المتقدّمة ذكرها و قد قال

فيها (جرت السّنة فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 292

الاستنجاء بثلاثة احجار ابكار و يتبع الماء) و الرّواية الواردة في طرق العامّة المتقدّمة ذكرها و قال فيها (فاتّبعوا الماء الاحجار) فافهم.

المسألة الخامسة: إذ تعدّى الغائط عن المخرج على نحو الانفصال

مثل ما وقع منه نقطة على فخذه، فلا اشكال في انه لا يكتفي في تطهير المحل المنفصل بالمسح بالاحجار، بل لا بد في تطهيره بالماء لعدم شمول ما يدل على كفاية المسح بالاحجار لما كان الغائط في غير المخرج، و اما في المخرج فان لم يتعدّ يكتفي بالمسح بالاحجار كما يكتفي بالماء، و إذا تعدى عن المخرج عل وجه الاتصال لا يكتفي إلّا بالماء كما عرفت.

المسألة السادسة: فيما يغسل مخرج الغائط بالماء يكتفي بالغسل بمقدار يحصل النّقاء،

و لو يغسله لا يجب ازيد من ذلك، و يدل عليه ما رواها ابن المغيرة عن ابي الحسن عليه السّلام، (قال قلت له للاستنجاء حدّ قال لا، ينقي ما ثمّة قلت ينقي ما ثمّة و يبقى الريح؟ قال: الريح لا ينظر إليها) «1». و ما رواها يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين) «2».

المسألة السابعة: هل المجزي في تطهير مخرج الغائط بالاحجار أو مثلها،

هو مجرد ما يحصل به النقاء و ان كان بمسح حجر واحد مرة واحدة، أو يجب المسح بثلاثة احجار، و ان حصل النقاء باقل من ثلاثة، و على فرض وجوب الثلاثة، هل يكون وجوبها شرطيا بمعنى عدم حصول الطهارة إلّا بها، أو يكون وجوبها نفسيا بمعنى ان المقدار المعتبر في الطهارة هو ما يحصل به النقاء و ذهاب الغائط، و لكن يجب ازيد منه إلى ان تكمل ثلاثة احجار بالوجوب النفسي و الاحتمالات ثلاثة.

و اعلم ان محل الكلام هو ما يحصل النقاء باقل من ثلاثة، و اما لو لم يحصل النقاء إلّا بالثلاثة، فلا اشكال في وجوب المسح بها لتطابق الاخبار عليه، كما انه لو لم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 5 من الباب 9 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 293

يحصل النقاء بالثلاثة يجب ازيد من الثلاثة، و يأتي الكلام فيه ان شاء اللّه في المسألة الآتية.

إذا عرفت ذلك، نقول وجه كفاية مجرد النقاء، اطلاق بعض الاخبار من هذا الحيث و وجه عدم الاكتفاء إلّا بالثلاث و كون وجوبه

شرطيا، التصريح في بعض الاخبار باعتبار الثلاثة و تقييد الطائفة المطلقة بهذه الطائفة و ظاهرها شرطيتها.

وجه كون الزائد على ما يحصل به النقاء من الثلاثة واجبا نفسيا كون ذلك وجه جمع بين ما دلّ على حصول الطهارة بمجرد النقاء على الوجوب الشرطي، فيحمل ما يدل على اعتبار الثلاثة على الوجوب النفسي.

أقول: اما احتمال كون الزائد على ما يحصل به النقاء من ثلاثة احجار واجبا نفسيا لا يعتني به، أوّلا لعدم موافقته مع ما في بعض الروايات من كون ثلاثة احجار ما يجزي به في مقام التطهير، و ثانيا ليس هذا الجمع جمعا عرفيا، بل هو جمع تبرعي لا يمكن الاخذ به.

و بعد ردّ هذا الاحتمال لم يبق الّا الاحتمالان نذكر اخبار الباب قبلا و ان ذكرناها في بعض المسائل السابقة و نذكر مقدار دلالتها، ثم ما ينبغي ان يقال في المقام ان شاء اللّه.

فنقول، اما ما يتمسك به على كفاية مجرد النقاء و لو بمسح مرة اخبار يدعى اطلاقها من هذا الحيث:

الأولى: ما رواها ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السّلام، (قال: قلت له للاستنجاء حدّ؟ قال لا ينقي ما ثمة قلت ينقي ما ثمة و يبقي الريح قال الريح؟ لا ينظر إليها) «1»، و هي تدل على كفاية حصول النقاء في تطهير مخرج الغائط، لان الاستنجاء عبارة عن تطهير مخرج البول و الغائط و خصوصا بقاء الريح يناسب كون السؤال عن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 294

مخرج الغائط.

الثانية: ما رواها يونس بن يعقوب، (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من

الغائط أو بال؟ قال يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين) «1»، و لا يبعد كون مورد السؤال و الجواب فيها هو خصوص الغسل بالماء، لان السؤال يكون عن الوضوء الذي افترضه اللّه و قوله يغسل ذكره، فمع ذلك دعوى اطلاق قوله عليه السّلام (و يذهب الغائط) من حيث وقوع الذهاب بالماء أو بالمسح بالاحجار، يكون دعوى بلا دليل فيكون مفادها كفاية النقاء بالماء و أما شموله للمسح غير معلوم، ان لم يكن معلوم العدم، فلا تشمل المسح حتى نقول بانه مطلق من حيث الحجر الواحد أو أزيد.

الثالثة: ما رواها حريز عن زرارة (قال كان يستنجى من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق) «2». يحتمل كون فاعل قال زرارة و هو يقول (قال يستنجي) أي المعصوم عليه السّلام، فتكون الرواية مضمرة، و يحتمل كون فاعل قال حريز يعني هو يقول كان زرارة يستنجي من البول إلى آخر الرواية، فعلى هذا حريز ينقل فعل زرارة.

فيقال، على الاحتمال الأوّل ان زرارة مع جلالة قدره لا ينقل إلّا فعل المعصوم، و على الاحتمال الثاني ينقل حريز فعل زرارة، و زرارة لا يفعل إلّا بما أخذ عن المعصوم عليه السّلام، فتكون بعد هذه المقدمة الرواية دليلا على ان الاستنجاء من البول يكون ثلاث مرات، و لا بد من حمله على الاستحباب لعدم وجوب ثلاث مرات كما عرفت، و في المخرج الغائط يستنجى بالمدر و الخرق، و يقال بعد عدم ذكره مرة أو ثلاث مرات و اطلاقها من هذا الحيث، نقول بكفاية مجرد النقاء مطلقا، و ان حصل بمسح مرة بالحجر و امثاله.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 9 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية

6 من الباب 26 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 295

و لكن مع ذلك حيث يكون راوي الفعل في مقام بيان اجزاء المسح بالمدر و الخرق في تطهير مخرج الغائط في قبال مخرج البول، الّذي لا يطهر إلّا بالماء، و لا يكون في مقام بيان ما يجزي في المسح بالمدر و الخرق في تطهير المخرج من العدد يكون اخذ الاطلاق مشكلا إلّا أن يقال بعد ذكر ثلاث مرات في البول، نفهم كونه في مقام بيان هذا الحيث أيضا، و حيث لم يبيّن العدد في المدر و الخرق، نفهم كون الحكم مطلقا من هذا الحيث، هذا كله على تقدير حجية هذا الخبر و حصول الاطمينان بكون النقل عن فعل المعصوم على الاحتمال الاول، أو كون عمل زرارة حجة على الاحتمال الثاني في الخبر.

الرابعة: ما رواها زرارة (قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول كان الحسين بن علي عليهما السّلام يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغتسل) «1». و يمكن منع اطلاقها لما نحن بسدده، لانه عليه السّلام في مقام بيان اجزاء المسح و عدم لزوم الغسل بالخصوص، و اما المقدار المجزي في المسح هو المرة أو المرات، فليس في مقامه، ثم انّه قد ظهر لك ان الرواية الاولى تدل على كفاية مجرد النّقاء و لو حصل بمرة، و ما بقي من الروايات يمكن الخدشة فى دلالتها و يكفي للحكم الرواية الأولى.

و في قبال هذه الاخبار ما يتمسك به على اشتراط ثلاثة حجار أو مثلها في التطهير، روايات في طرق العامة، لا حاجة إلى ذكرها لضعف سندها، و مجرد مطابقة عمل المشهور معها لا يوجب جبر ضعف سندها، لانهم

يستندون في فتواهم إلى ما ورد في طرقنا، فنذكر ما ورد في طرقنا ان شاء اللّه.

الأولى: ما رواها عبد اللّه بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال سألته عن التمسح بالاحجار، فقال كان الحسين بن علي عليهما السّلام يتمسح بثلاثة احجار) «2»، و الرواية ذات احتمالين، احتمال كون السؤال عن نفس مشروعية المسح بالاحجار،

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 296

لا عن عددها، فذكر جوابا فعل الحسين عليه السّلام من مسحه بالاحجار، فلا يستفاد من فعله وجوب الثلاثة، لان فعله اعم من الواجب و المستحب، و تمسك ابي جعفر عليه السّلام بفعله ليس إلّا في نفس مسحه بالاحجار، و احتمال كون السؤال عن عدد المسح مع مفروغية مشروعيتها عند السائل و المسئول عنه، فاجاب عليه السّلام بفعل صادر عن الحسين عليه السّلام و هو المسح بالثلاثة، فتدل على هذا على وجوب الثلاثة، لكن الاحتمال الاول لو لم يكن اظهر لا يكون الاحتمال الثاني اظهر منه، فلا يمكن الاستدلال بها.

الثانية: ما رواها بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام (انه قال يجزي من الغائط المسح بالاحجار و لا يجزي من البول إلّا الماء) «1»، بناء على ان اقل الجمع ثلاثة، فالاحجار أقلها ثلاثة.

و فيه، ان ظاهر الجمع المعرّف هو الجنس فلا يفيد لما نحن بسدده.

الثالثة: ما رواها حريز بن عبد اللّه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال جرت السنة في اثر الغائط بثلاثة احجار ان يمسح العجان و لا يغسله و يجوز ان يمسح رجليه و

لا يغسلهما) «2».

الرابعة: و هي ما رواها أحمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة احجار ابكار و يتبع الماء) «3».

و يحمل اتباع الماء بعد المسح على الاستحباب بقرينة ما دل على اجزاء مجرد المسح بالاحجار، تدل الرواية على وجوب الثلاثة فلا اشكال من حيث دلالتها كالثالثة، غاية الامر ضعيفة السند لكونها مرفوعة.

الخامسة: و هي ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال لا صلاة إلّا بطهور و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة احجار. بذلك جرت السنة من

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 4 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 297

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و اما البول فانه لا بد من غسله) «1»، تدل على كون المعتبر ثلاثة احجار، فلو اشكل في الرواية الاولى و الثانية و الرابعة، فلا اشكال في الثالثة و الخامسة، و دلالتها على اعتبار ثلاثة احجار.

فقد ظهر لك وجود بعض الروايات الدال بإطلاقه على كفاية مجرد النقاء بالمسح، و ان كان بحجر واحد و مرة واحدة، و وجود بعض الروايات على وجوب ثلاثة احجار بالخصوص، و مقتضى ذلك هل هو تقييد الطائفة الاولى بالثانية، و كون النتيجة وجوب الثلاث و ان حصل النقاء باقلّ منها، أو حمل الطائفة الثانية على مورد الغالب، بمعنى ان ذكر الثلاثة ليس إلّا من جهة كون الغالب عدم تحقق النقاء باقل منه، فلا تعارض بينها و بين الطائفة

الاولى، لان الاولى تدل على لزوم النقاء، و الثانية تدل على ذلك، غاية الامر دخل الثلاثة ليس إلّا من باب عدم حصول النقاء غالبا إلّا بها خصوصا مع عدم الاكتفاء بالثلاث لو لم يحصل النقاء بها، بل يجب المسح حتى يحصل النقاء، و لو بعشر مرات، و هذا شاهد على عدم خصوصيّة للثلاثة.

و فيه، اما حمل اعتبار الثلاثة على الغالب فلا وجه له بعد ظهور الاخبار في دخلها، و انها ما يجزي به و بها جرت السنة، و اما عدم الاكتفاء بها لو لم يحصل النقاء بها، فلا يوهن اعتبارها.

أمّا أوّلا: فلأن هذه الاخبار تكون في مقام بيان عدم اجزاء الاقل من ثلاث، و ليست في مقام بيان عدم وجوب الاكثر. ان قلت، ظاهر قوله (يجزي من الغائط المسح بثلاثة احجار) هو اجزاء هذا المقدار و عدم وجوب الزيادة.

قلت مضافا إلى ما نقول في قولنا ثانيا من عدم كون هذه الاخبار متعرضة لصورة عدم حصول النقاء بثلاثه احجار، بان بعض الاخبار ليس بلفظ الاجزاء بل قال مثلا جرت السنة و جري السنة يكون مع حصول النقاء بالمسح بالثلاثة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 298

و ثانيا، في مورد عدم حصول النقاء بالثلاثة يجب الازدياد حتى يحصل النقاء و ليس هذا إلّا من باب بقاء عين النجس، و لا معنى لحصول الطهارة مع بقائها، فقهرا يكون هذا الفرض خارجا عن مورد الاخبار الدالة على اعتبار الثلاث لأن موردها بمناسبة الحكم و الموضوع ما يحصل النقاء بالثلاثة، فلا يكون هذا موجبا للوهن في هذه الاخبار.

فإذا تمّت دلالة هذه الاخبار على الخصوصية أي اعتبار خصوصية

الثلاثة يقيّد بها الطائفة الدالة على كفاية مجرد النقاء، و لو كان لها اطلاق كما هو ظاهر بعضها، فتكون النتيجة اعتبار المسح بثلاثة احجار في التطهير، و ان حصل النقاء باقل منها، الّا ان يقال بانّ هذا المورد ليس من الموارد الّتي يجمع بين المطلق و المقيّد و حمل المطلق على المقيّد لانّ لسان ما يدلّ على الاطلاق و ما يدلّ على التقييد غير قابل لهذا الجمع، لانّ مفاد كلّ منهما معارض مع الآخر فانّ مقتضى ما دلّ على الاطلاق هو اجزاء مجرّد النّقاء، و مقتضى الرّواية الرّابعة و الخامسة وجوب الثلاثة، لانّ فيها بعد الامر بالمسح بثلاثة احجار قال بذلك جرت السنّة و بعد عدم امكان الجمع العرفى و كون الطائفتين، متعارضتين لا بدّ اعمال قواعد التّعارض.

المسألة الثامنة: ما قلنا من اجزاء ثلاثة احجار

يكون فيما يحصل نقاء مخرج الغائط بها أو باقل منها، و اما لو لم يحصل النقاء حتى بثلاثه احجار فيجب المسح إلى ان يحصل النقاء، و هذا معنى كون الواجب في المسح اكثر الامرين من النقاء و العدد، لما بينّا في طي المسألة السابعة من انه مع بقاء عين النجاسة لا معنى لحصول الطهارة و ان مسح بثلاثة أحجار، لانّ النّقاء واجب غاية الأمر اذا حصل باقلّ من الثلاثة يجب الازدياد الى الثلاثة للدّليل، و اذا لم يحصل بالثّلاثة يجب المسح الى ان يحصل النّقاء.

المسألة التّاسعة: هل يجزى ذو الجهات الثلاث

من الحجر و بثلاثة اجزاء من الخرقة الواحدة فيما يجزى ثلاثة احجار، أو لا يجزى الّا ثلاثة احجار منفصلات؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 299

الظّاهر هو الثّاني لانّ ما دلّ على ثلاثة احجار يدلّ على اجزاء ثلاثة احجار، فلا يجزى حجر واحد ذو جهات ثلاث، و ما قيل من الواجب ثلاث مسحات كما لو قيل اضربه عشرة اسواط يكون المراد به عشرة ضربات و لو بسوط واحد.

ففيه انّ المورد لا يقاس بهذا المثال، لانّ فى المورد قال جرت احجار السنة فى الاستنجاء بثلاثة احجار، و هذا غير قولك اضربه عشرة أسواط، لان دخول الباء يوجب كون المسح بثلاثة احجار، كما انه لو قال اضربه بعشرة اسواط، لا يكتفي عشرة ضربات بسوط واحد، كما ان ما قيل من ان الغرض ازالة النجاسة فلا فرق بين ازالتها باحجار ثلاث أو بحجر واحد ذي جهات ثلاث غير تمام، إذا المعتبر ازالة النجاسة الشرعية و زوالها بحجر واحد غير معلوم، و كذا ما قيل من ان الحجر الواحد لو انفصل بثلاث يجزي فكذلك مع الاتصال.

و فيه، ان ذلك قياس ليس من

مذهبنا، فالاقوى اعتبار التعدد، ثم ان المحكى عن صاحب المدارك رحمه اللّه اختيار الاكتفاء بالحجر الواحد إذا كان عظيما، و كذا الخرقة الطويلة الواحدة، و عندي في جوازه تأمل، لعدم صيرورة الحجر عظيما أو الخرقة طويلة موجبا لتعدده، و الظاهر من الدليل اعتبار التعدد.

المسألة العاشرة: هل يجب الاقتصار في الماسح في مقام تطهير المخرج بالمسح بخصوص الحجر،

أو به و بالكرسف و الخرق و المدر، أو يتعدى بكل قالع حتى باصابع نفسه إلّا ما ورد النهي عنه بالخصوص. اما الحجر فقد صرّح فيه في بعض الاخبار بجواز المسح به بالخصوص، و كذلك بالكرسف و المدر و الخرق، للتصريح بها في بعض الروايات المتقدمة ذكرها، و كذلك العود بل العظم و البعر على كراهية فيهما، لدلالة الرواية و هي ما رواها ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، (قال سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود؟ فقال: العظم و الروث فطعام الجن و ذلك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 300

مما اشترطوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فقال لا يصلح بشي ء من ذلك) «1»، لدلالة الرواية على الجواز في العود على الكراهة في العظم و البعر و الروث، لان قوله لا يصلح يفيد الكراهة، نعم يأتي الكلام في العظم و الروث في المسألة 1 ان شاء اللّه، و حيث يدعى الاجماع على عدم الجواز بهما، لا يمكن الالتزام بالجواز، و اما في العود فلا مجال للاشكال في جواز المسح به.

و اما الجواز بمطلق القالع، فيستدل عليه بامور:

الأوّل: الغاء الخصوصية بانا نعلم بعدم خصوصيّة في الحجر و المدر و الخرق و عدم كون جواز المسح بها، إلّا كونها قالعا، فيكتفي بكل قالع مثل الخزف بل و أصابع نفسه إلّا

فيما ورد نص على عدم الاكتفاء به بالخصوص بنحو التحريم أو الكراهة أو ما يكون استعماله في مسح المخرج موجبا للهتك كالمسح بالمحترمات.

الثاني: ان الغرض من المسح هو حصول النقاء كما قال في رواية المغيرة حتى ينقى ما ثمة فيجوز المسح بكل ما يحصل به النقاء.

الثّالث: دعوى الاجماع على كفاية كل قالع، إلّا ما استثنى كما حكى عن ف و الغنية.

أقول: الحق جواز الاكتفاء بكل قالع سوى ما يستثنى من المحترمات، أو ما يكره، و يأتي إن شاء اللّه الكلام فيه للوجه الاول و هو علام خصوصيّة مسلما للحجر و الخرق و الكرسف و المدر، نعم في خصوص اصابع نفسه، ربما يدعى انصراف الادلة عنها، و لكن لا وجه له و ان كان الاحوط استحبابا ترك المسح بها، نعم لو كان المستند الاجماع يمكن دعوى عدم شموله لها و لكن المستند ليس منحصرا به.

المسألة الحادي عشر: يشترط في الجسم الذي يستنجى به بعض امور:

الأوّل: أن يكون طاهرا، اما للاجماع المدعى على اشتراط طهارته، و اما لما

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 301

يقال من ان النجس لا يكون مطهرا لما هو المرتكز من ان فاقد الشي ء لا يعطيه.

الثاني: هل يشترط في القالع ان يكون بكرا أو لا، مقتضى اطلاق الاخبار عدم اعتباره، لكن في الرواية المتقدمة و هي ما رواها احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة احجار ابكار و يتبع الماء) «1»، اعتبار كون الاحجار بكرا بحسب ظاهرها.

و فيه، ان الرواية ضعيفة السند أوّلا و حيث اعتبر التطهير بالماء بعد ثلاثة احجار مع عدم وجوب التطهير بالماء

بعد المسح بالحجارة مسلما لما دل على اجزاء مجرد المسح بثلاثه احجار، فيحمل اتباع الماء على الاستحباب، يحمل اعتبار البكارة على الاستحباب ثانيا، و لو اشكل في الجواب الثاني بعدم موجبية كون اتباع الماء مستحبا للالتزام باستحباب بكارة الاحجار فيكفي لنا الجواب الاول من ضعف سند الرواية.

المسألة الثانية عشر: بعد ما عرفت من اشتراط كون القالع و الماسح طاهرا،

عرفت انه لا يكتفى بالماسح النّجس، و عرفت عدم اشتراط البكارة، يظهر لك الاكتفاء بالمتنجّس بعد تطهيره، فلو كان حجرا نجسا، أو صار بسبب استعماله في تطهير المخرج نجسا إذا تطهر يجوز المسح به ثانيا.

المسألة الثالثة عشر: لو مسح المخرج بالنجس أو المتنجس

لم يطهر بعد ذلك إلّا بالماء، لان مسح المخرج بالاحجار و شبهها يكفي في الاستنجاء و تطهير المخرج المتلوث بنجاسة الغائط فقط، و اما كونها مطهرة للنجاسة الاخرى فلا دليل عليه، لان معنى كفاية المسح في الاستنجاء هو الاكتفاء بها لرفع النجاسة الاخرى ليست استنجاء حتى يكتفي بالمسح، ثم بعد ذلك نقول بان القالع تارة يكون متنجّسا بغير الغائط مما اثره ازيد من الغائط، مثل تنجسه بالبول، بناء على الالتزام بالتعدد في المتنجس بالبول، فإذا مسح به المخرج تنجس المخرج بالبول، و ليس المسح بعد

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 30 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 302

ذلك و لو بقالع طاهر مطهر للمخرج، لان المسح بالاحجار مطهر للمحل المتلوث بالغائط فقط، لا للمتنجس بالبول.

و كذلك إذا تنجس القالع بالغائط الواقع على المخرج، مثل ما إذا وضع الحجر على الغائط الواقع في المخرج ثم يريد تطهير المخرج بهذا الحجر، فحيث ان تنجس المخرج بهذا الحجر يوجب اثرا زائدا على الاثر الثابت للمخرج بالغائط، لان مقدار الدليل الدال على كفاية المسح في تطهير المخرج، هو طهارته بالنسبة إلى خصوص النجاسة الحاصلة من خروج الغائط و تلوث المخرج به، و اما تنجس المخرج بما تنجس بالغائط و هو الحجارة، فلا يطهر بالمسح، بل لا بد من تطهيره من الماء، فالنجاسة الثانية موجبة للاثر الزائد و هو الاقتصار بالماء، بخلاف النجاسة الاوليّة التي يطهر بالماء

و بالمسح بالاحجار، فإذا كان تنجس المخرج ثانيا من الخارج موجبا للاثر زائد، فلا يكفي المسح بالاحجار، بل لا بد من الاقتصار في تطهيره بالماء.

هذا كله فيما لاقى الشي ء المتنجس مع نفس المخرج أي البشرة و اما لو لاقى الغائط الواقع على المحلّ لا البشرة فلاقى النجس النجس الآخر، فهل يكون مثل الفرض الاول من عدم الاكتفاء في تطهير المخرج بالماء، أ و ليس مثل الفرض الاول، و يكتفي مع ذلك بالمسح بالاحجار؟

اختار المؤلف رحمه اللّه الثاني، و لكن بناء على ان عين النجس تنجّس بملاقاتها مع المتنجس اثرا زائدا مثل ما اذا لاقى الغائط البول ثم يسري إلى موضع يجب فيه التعدد، ففي المقام بعد ملاقات الغائط الواقع على المخرج المتنجس الذي يكون له اثرا زائدا و هو وجوب الاقتصار في تطهيره بالماء فينجس المخرج بهذه النجاسة، فلا يكتفي في تطهيره إلّا بالماء، إلّا إذا لم تكن الملاقات موجبا لسراية النجاسة إلى المخرج مثل ان يكون الغائط جامدا بحيث لا تسرى النجاسة منه إلى المخرج هذا.

المسألة الرابعة عشر: قال المؤلف رحمه اللّه و يجب في الغسل بالماء ازالة العين و الأثر،

بمعنى الاجزاء الصغار التي لا ترى، لا بمعنى اللون و الرائحة و في المسح يكفي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 303

ازالة العين و لا يضر بقاء الاثر بالمعنى الأوّل أيضا.

اقول، بانه تارة يقع الكلام في الفرق الذي قيل بين تطهير مخرج الغائط بالماء، و بين تطهيره بالمسح بالاحجار بوجوب ازالة الاثر مضافا إلى وجوب ازالة العين في الأوّل و كفاية ازالة مجرد العين في الثاني كما عن المحقق رحمه اللّه من الشرائع و غيره، حتى حكى عن الشيخ الانصاري رحمه اللّه دعوى الاتفاق على وجوب ازالة الاثر في مقام الغسل و عدم وجوبه في

مقام المسح بالاحجار، و عن صاحب الجواهر رحمه اللّه دعوى الشهرة عليه و حكى ذهاب جمع من القدماء من الفقهاء و بعض المتأخرين إلى ما نقول به.

و ما يمكن ان يكون وجها لهذا الفرق ليس إلّا ما عرفت من دعوى الشهرة بل الاتفاق و إلّا فاستفادة اعتبار ازالة الاثر في التطهير بالغسل و عدمه في التطهير بالمسح لا يستفاد من الروايات، و ما ذكر من دلالة بعض الروايات عليه ليس بتمام فالعمدة هذا.

نعم مضافا إلى دعوى الشهرة أو الاجماع، يمكن كون وجه الفرق بين تطهير المخرج بالماء و بين تطهيره بالاحجار من وجوب ازالة الاثر في الاول و عدمه في الثاني، ما نبيّن ان شاء اللّه في معنى من معاني المحتملة في الاثر و لعلّه هو مختارنا.

و تارة يقع الكلام فيما هو المراد من الاثر، و فيه احتمالات:

الأوّل: ان يكون المراد منه هو اللون و هو المحكي عن العلامة رحمه اللّه في المنتهى، و استدل عليه بان اللون عرض لا بد من تقومه في الجوهر، فمع بقاء اللون نكشف وجود الجوهر لعدم امكان وجود العرض بلا محلّ و هو الجوهر، أو انتقاله إلى محل آخر و هو محال، فمع بقاء لون الغائط نكشف وجود الغائط فلا بد من ازالة الاثر.

و فيه، كما اورد عليه أوّلا: بالاجماع على عدم وجوب ازالة لون النجس، أو بان الميزان نظر العرف، و العرف لا يرى بقاء العين و ان بقى لونه.

و ثانيا: ان كان هذا تماما، فواجب ذلك في المسح بالاحجار، لانه لاشكال في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 304

المسح بالاحجار من حصول نقاء المحل عن عين النجس، و على ما قلت تكون العين باقية

لبقاء لونها.

الثاني: كون المراد من الاثر هو الرائحة.

و فيه ما قلنا في اللون من عدم وجوب ازالتها في تطهير النجاسات أوّلا و عدم الفرق بين تطهير المخرج بالماء و بين تطهيره بالمسح في هذا ثانيا.

الثالث: كون المراد بالاثر، هو النجاسة الحكمية الباقية بعد ازالة العين.

و فيه، انه مع التصريح في بعض الروايات المتقدمة ذكرها من حصول الطهارة بحصول النقاء و ذهاب الغائط لا تبقى نجاسة حكمية حتى تكون هي المراد من الاثر.

الرابع: كون المراد هو الاجزاء الصغار التي لا ترى و لا تزول بحسب المتعارف إلّا بالغسل و وصول الماء به و لا تزول بغير الماء من المسح بالاحجار و غيرها، و هذا المعنى من الاثر يمكن دعوى اعتبار ازالته في مقام الغسل بالماء و عدم اعتبار ازالته في التطهير بالمسح.

لأن الادلة و ان كانت ساكتة عن اعتبار الاثر في الأول، و عدمه في الثاني، لكن بعد ما يعتبر ازالة العين كما بينا فلا فرق بين الصغار منها و كبارها و على الفرض يذهب بالماء بحسب متعارف الغسل بالماء فيجب في المقام غسل المخرج بالماء.

و اما في مقام التطهير بالاحجار، فحيث ان المفروض كون الاثر بهذا المعنى مما لا يذهب عادة و بحسب المتعارف بالمسح بالاحجار و شبهها، فمع ورود الدليل على الاكتفاء في مقام تطهير مخرج الغائط بالمسح، و مع فرض عدم ازالة هذه الاجزاء الصغار بالمسح، نكشف بالالتزام من عدم وجوب ازالة الاثر بهذا المعنى في مقام التطهير بالمسح بالاحجار، و هذا هو سر الفرق بين اعتبار ازالة الاثر في تطهير المخرج بالماء و عدم اعتباره في تطهيره بالمسح، و أيضا هذا هو المراد من الاثر.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص:

305

[مسئلة 1: لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات و لا بالعظم و الروث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات و لا بالعظم و الروث، و لو استنجى بها عصى، لكن يطهر المحل على الاقوى.

(1)

أقول: اما عدم جواز الاستنجاء بالمحترمات، فلكونه موجبا للوهن بها، و ما يكون تكريمه و تعظيمه من شعائر اللّه تعالى كالقرآن الكريم، و كتب الادعية، و الاخبار، و التربة الحسينية و نظائرها، لا يجوز الاهانة لها.

و اما الاستنجاء بالعظم و الروث، فما يمكن ان يكون وجها له ما رواها ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود، فقال العظم و الروث فطعام الجن و ذلك ممّا اشترطوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فقال لا يصلح بشي ء من ذلك) «1».

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه و لا يبعد كونها الرواية السابقة «2».

و ما رواها الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث المناهي (قال: و نهى ان يستنجى الرجل بالروث و الرمة) «3».

و لو حمل الخبر الثالث على التحريم في حد ذاته لان فيها قال و (نهى) لكن بعد كون المذكور في الرواية الاولى كلمة (لا يصلح) و هو يناسب الكراهة، و كذلك في الرواية الثانية من قوله فيها (و لذلك لا ينبغي ان يستنجي بهما) أي بالعظم و الروث، فيوهن ظاهر لفظ (نهى) في التحريم و يحمل على الكراهة، فلا يستفاد التحريم من الاخبار في حد ذاتها، إلّا ان يقال بان عدم امكان حمل النهي في الرواية الأولى و الثانية على التحريم، لا يوجب رفع اليد عن ظهور الرواية الثالثة في التحريم، و

لو

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 35 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 5 من الباب 35 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 306

اشكل في سندها فضعفها منجبر بعمل الاصحاب، لموافقة فتواهم معها.

و بدعوى الاجماع على حرمة الاستنجاء بهما، و ان الاخبار لو كانت ضعيفة من حيث السند أو الدلالة، لكن عمل الاصحاب على وفقها، نقول بعدم جواز الاستنجاء بهما.

ثم بعد ذلك يقع الكلام في انه بعد حرمة الاستنجاء بالمحترمات مسلّما، و على فرض القول بحرمة الاستنجاء بالعظم و الرّوث، فلو عصى و استنجى بها هل يحصل بها تطهير المخرج مطلقا، أو لا يحصل مطلقا، أو نقول بحصول الطهارة فيما استنجى ببعض المحترمات و عدم حصولها فيما استنجى بالعظم أو الروث؟ وجه حصول التطهير مطلقا اطلاق اخبار الاستنجاء من هذا الحيث و النهي عن الاستنجاء بالمحترمات أو بالعظم و الروث لا يقتضي إلّا الحرمة التكليفية، و اما الحرمة الوضعية بمعنى عدم حصول الطهارة بها فلا دليل عليها.

وجه عدم حصول الطهارة مطلقا:

أوّلا: ان ما يدل على الاستنجاء لا يدل إلّا على الإذن في الاستنجاء فلا يشمل النهي عنه.

ثانيا: مع الاستنجاء بها نشك في حصول الطهارة و عدمها فيستصحب النجاسة المتيقنة.

وجه التفصيل هو انه بعد كون النهي في الاخبار الثلاثة المتقدمة عن الاستنجاء بالعظم و الروث للتحريم، فظاهره الحرمة الوضعية. و هذا لظهور الامر بشي ء في شي ء من دخله فيه شطرا أو شرطا، و لظهور النهي عن شي ء في شي ء في دخل عدمه فيه، و بعبارة اخرى يستفاد من النهي المانعية، مثل قوله مثلا: لا تصل في

غير المأكول، فكذلك مع النهي عن الاستنجاء بالعظم و الروث، معناه مانعية الاستنجاء بهما لحصول الطهارة.

و هذا بخلاف الاستنجاء بالمحترمات، لانه ليس ظاهره إلّا النهي التكليفي،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 307

مثل النهي عن الاستنجاء بالماء المغصوب، نعم لو كان العمل تعبديا يبطل، لعدم كون العمل مع النهي مقربا، كما افاد سيدنا الأعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه في مبحث اجتماع الأمر و النهي أو الاجماع كما هو ظاهر غيره.

أقول: لا اشكال في اطلاق الاخبار الواردة في الاستنجاء بعد الغاء الخصوصية، كما بينّا سابقا يقتضي جواز الاستنجاء بكل قالع و حصول الطهارة به، (نعم كان كلام في خصوص اصابع نفسه)، فلو ورد دليل خاص على عدم حصول الطهارة فيما كان القالع من المحترمات أو العظم أو الروث، نقول به، و إلّا فمقتضى الغاء خصوصية الحجرية و الخرق و شبههما مما يكون منصوصا حصول الطهارة بها.

فنقول، اما في المحترمات فليس النهي، إلّا النهي التكليفي، لان النهي يكون عن الهتك و الوهن بها تكليفا، فلو استنجى بها يحصل بها الطهارة، و ان كان عاصيا بفعله لمخالفة الحرمة التكليفية.

و أما في العظم و الروث، فان كانت دلالة الاخبار الثلاثة المتقدمة على النّهي التحريمي تماما، كان اللازم ان يقال بعدم حصول الطهارة لو استنجى بها، لظهور النهي في النهي الوضعي كما بيّنا وجهه في وجه القول بالتفصيل، و لا يبعد دلالة الرواية الثالثة المتقدمة على التحريم، فيحمل النهي على النهي الوضعي كما هو مختار صاحب الجواهر رحمه اللّه.

و اما ما ذكره وجها لعدم حصول الطهارة مطلقا، اما ما قيل من ان دليل الدال على الاستنجاء لا يدل إلّا على الجواز و الاذن فلا يشمل النهي عنه.

ففيه،

انه مع فرض الاذن و الجواز مطلقا و حصول الطهارة مطلقا فيشمل حتى مورد النهي و ان كان عاصيا في الاخذ بهذا الاذن، و لكن لا ينافي في النهي حصول الطهارة إلّا فيما يستفاد من النهي المانعية و هو في مورد خصوص العظم و الروث.

و اما ما قيل من استصحاب النجاسة يقتضي بقاء النجاسة فيما مسح بالمحترمات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 308

ففيه، انه مع وجود الدليل على كفاية استعمال كل قالع لا تصل النوبة بالاصل.

***

[مسئلة 2: في الاستنجاء بالمسحات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: في الاستنجاء بالمسحات إذا بقيت الرطوبة في المحل يشكل الحكم بالطهارة فليس حالها حال الاجزاء الصغار.

(1)

أقول: و من المحتملات في معنى الاثر المبحوث عنه في المسألة الرابعة عشر من الفصل، هو كون المراد منه الرطوبة، فكان الواجب زوال الاثر مع العين فيما يكون تطهير المخرج بالماء، و اما في التطهير بالمسحات فلا يضرّ بقاء الرطوبة.

أقول: اعلم ان الرطوبة المتخلفة من العين بعد زوال العين يكون الواجب ازالتها لانها من العين، فمع بقائها يشكل الحكم بالطهارة، بل لا يصح الحكم بالطهارة.

و لهذا لا يمكن أن يقال بان المراد من الاثر هو الرطوبة، لانّ هذا المعنى من الاثر يجب زواله في مقام التطهير بالمسحات، كما يجب في التطهير بالماء، و قد ادعى عليه الاجماع.

***

[مسئلة 3: في الاستنجاء بالمسحات يعتبر أن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: في الاستنجاء بالمسحات يعتبر أن لا يكون في ما يمسح به رطوبة مسرية فلا يجزي مثل الطين و الوصلة المرطوبة، نعم لا تضرّ النداوة التي لا تسرى.

(2)

أقول: ان كان الوجه ما حكى عن التذكرة من ان الرطب لا ينشف المحل، أي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 309

لا يرتفع ما في المحل، ففيه ان الرطوبة الواقعة في القالع لا يمنع عن ذلك.

و ان كان الوجه انه مع وجود الرطوبة في القالع ينجس القالع، فينجس المحل بنجاسة غير النجس الواقع على المخرج يعني الغائط، فلا يكون المسح بالاحجار و شبهها مطهر المخرج كما عرفت في المسألة الثالثة عشر من الفصل، فهو في محله لانه مع الرطوبة المسرية و نجاسته بالغائط الواقع في المخرج ينجس المحل بنجاسة خارجية، و لا يطهره بعد ذلك إلّا الماء، و قد عرفت وجهه في المسألة المذكورة.

و ما قيل

من عدم مضرية تنجسه بمسحه بالمحل كما لا يضرّ بتنجس الماء المطهر بوقوعه على المحل النجس، قياس مع الفارق، لانه كما قلنا لا يمكن تصوير كون الماء مطهرا للموضع النجس مع فرض تنجسه بملاقاته للموضع النجس، إلّا بان نلتزم بدلالة الالتزام على اغتفار هذا و عدم مضريته.

و أما في المقام فيمكن كون الماسح مطهرا مع عدم حصول محظور تنجس المحل به و هو عدم كونه مع الرطوبة.

***

[مسئلة 4: إذا خرج مع الغائط نجاسة أخرى]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا خرج مع الغائط نجاسة أخرى كالدم أو وصل إلى المحل إلى المحل نجاسة من خارج يتعيّن الماء، و لو شك في ذلك يبنى على العدم فيتخيّر.

(1)

أقول: الكلام في الجهتين:

الجهة الأولى: ما خرج مع الغائط نجاسة أخرى

أو وصل إلى المحل نجاسة من الخارج، فلا يكتفي بالمسحات، بل يتعيّن غسل المخرج بالماء لان المتيقّن من الاكتفاء بالمسحات في تطهير مخرج الغائط هو مطهريتها للنجاسة من الغائط الخارج عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 310

المخرج لا غيره.

الجهة الثانية: إذا شك في خروج نجاسة أخرى من المخرج

مع الغائط أو شك في نجاسة المخرج من خارج، يبنى على العدم، و ما قيل من استصحاب النجاسة في المورد المتيقّن سابقا بنجاسة المحل قبل المسح، ففيه ان هذا الاستصحاب لا يجري إلّا على القول بحجّية استصحاب القسم الثالث من الكلي، و قد بيّنا في الاصول عدم حجيّته.

***

[مسئلة 5: إذا خرج من بيت الخلاء ثم شك في انه استنجى أم لا]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا خرج من بيت الخلاء ثم شك في انه استنجى أم لا بنى على عدمه على الاحوط و ان كان من عادته، بل و كذا لو دخل في الصلاة ثم شك، نعم لو شك في ذلك بعد تمام الصلاة صحت و لكن عليه الاستنجاء للصلاة الآتية، لكن لا يبعد جريان قاعدة التجاوز في صورة الاعتياد.

(1)

أقول: يقع الكلام في مسائل:

المسألة الأولى: ما إذا خرج من بيت الخلاء

ثم شك في انه استنجى أم لا، فتارة يكون معتادا بالاستنجاء قبل خروجه من بيت الخلاء، و تارة لم يكن معتادا، فهل نقول بالبناء على العدم مطلقا لاستصحاب بقاء النجاسة المتيقنة سابقا، أو نقول بالبناء على الاستنجاء لقاعدة التجاوز، أو نقول بالتفصيل بين صورة الاعتياد و عدمه، فنقول بالبناء على الاستنجاء في صورة عدم الاعتياد، لان مورد قاعدة التجاوز، التجاوز عن محل المعتاد و عدمه في صورة عدم الاعتياد لعدم شمول قاعدة التجاوز، صورة التجاوز عن محل الغير المعتاد. الحق الأوّل لاستصحاب النجاسة، و كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 311

قاعدة التجاوز مخصوصة بالصلاة.

المسألة الثانية: لو دخل في الصلاة و قبل تمامها شك في انه استنجى أم لا،

يبنى على العدم كالصورة السابقة، و لا يكفي اجراء قاعدة التجاوز بصحة الاجزاء السابقة للاجزاء اللاحقة.

المسألة الثالثة: لو شك بعد الفراغ من الصلاة في أنه استنجى أم لا

فبالنسبة إلى الصلاة الماضية يحكم بصحّتها القاعدة الفراغ و يجب الاستنجاء للصلوات الآتية كما قلنا في المسألة الأولى.

***

[مسئلة 6: لا يجب الدلك باليد في مخرج البول عند الاستنجاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا يجب الدلك باليد في مخرج البول عند الاستنجاء، و ان شك في خروج مثل المذي بنى على عدمه، لكن الاحوط الدلك في هذه الصورة.

(1)

أقول: اما عدم وجوب الدلك باليد في مخرج البول، فلعدم عين و وسخ للبول يحتاج إلى الدلك، و انما هو ماء فيطهر المخرج بوصول الماء إليه.

و اما فيما شك في خروج مثل المذي، فهل يجب الدلك أم لا، وجه وجوب الدلك احتمال وجود الحائل المانع من التطهير باحتمال خروج المذي من المخرج، كما في المستمسك.

و فيه، انه مع الشك في اصل الخروج، يكون الشك في وجود الحائل سببا عن الشك في خروج المذي، و مع الشك في خروج المذي، يبنى على العدم بالاستصحاب، و ما قال في وجه عدم وجوب الدلك من السيرة.

ففيه: ان تحقق السيرة على عدم الدلك فيما شك في خروج المذي غير معلوم.

ثم بعد ذلك نقول: بان الاقوى عدم وجوب الدلك كما قلنا في جواب وجه اعتباره

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 312

الدلك.

ان قلت على الفرض هو يشك في ان الخارج يكون البول أو البول مع المذي، فبعد صب الماء عليه يشك في زوال النجاسة و عدمه، لانه لو كان الخارج البول فقط، يكفي صب الماء في زوال النجاسة، و ان كان المذي معه يجب الدلك ثم صب الماء، فيشك في زوال النجاسة و عدمه فيستصحب النجاسة.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛

ج 4، ص: 312

و فيه انه ليس المقام من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلى حتى يكون استصحاب الكلى جاريا، بل المورد من قبيل القسم الثالث منه، لانه مع علمه بخروج البول يشك في خروج المذي مقارنا له فلا يقين بوجوده سابقا كي يستصحب، فالفرد الذي يعلم بوجوده و وجود الكلى في ضمنه يعلم بزواله بصب الماء و هو البول، و الفرد الآخر يكون مشكوك الحدوث.

***

[مسئلة 7: إذا مسح مخرج الغائط بالأرض ثلاث مرات]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا مسح مخرج الغائط بالأرض ثلاث مرات، كفى مع فرض زوال العين بها.

(1)

أقول: وجه كفاية صدق المسح عليه، كما تقول فيما مررت اصبعك بالجدار مسح الاصبع بالجدار مع كون القدارة في الاصبع.

وجه عدم الكفاية اعتبار مرور الماسح على الممسوح، و في المثال يكون الاصبع ماسحا لا ممسوحا، لانه يمرّ على الجدار، و الظاهر من الاخبار هو مسح المخرج بالاحجار و شبهها، فلا يكتفي بمسح المخرج بالجدار او الأرض على الاقوى.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 313

[مسئلة 8: يجوز الاستنجاء بما يشك في كونه عظما أو روثا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: يجوز الاستنجاء بما يشك في كونه عظما أو روثا أو من المحترمات، و يطهر المحل، و إما إذا شك في كون مائع ماء مطلقا أو مضافا لم يكف في الطهارة بل لا بد من العلم بكونه ماء.

(1)

أقول: لو قلنا بعدم جواز الاستنجاء بالمحترمات و بالعظم و الروث و عدم حصول الطهارة فيما استنجى بهما، كما اختاره المؤلف رحمه اللّه، فيصح ما قال من جواز الاستنجاء و طهر المحل، اما طهر المحل فلحصول التطهير بها، و اما الجواز فلكون الشبهة مصداقية، فمع شكه في ان المشكوك منها أو لا يحكم بجواز الاستنجاء تكليفا، لكون الشبهة موضوعية و تجري اصالة الحلية.

و اما لو قلنا بعدم الجواز و عدم حصول الطهر مطلقا، أو عدم حصول الطهر فيما استنجى بالعظم و الروث، فيجوز الاستنجاء تكليفا لكون الشبهة مصداقية، و تكون مجرى البراءة لعدم وجود أصل حاكم عليه. و اما من حيث حصول الطهر، ففي كل مورد قلنا بعدم حصول الطهر به و هو الاستنجاء بالعظم و الروث، إذا كان عالما بهما.

كذلك فيما يكون شاكا في كون المشكوك منهما أولا، و يكون حاله

حال المشكوك في كون المائع ماء مطلقا أو مضافا، فكما لا يحصل التطهير به، كذلك في المقام للشك في كون المشكوك مطهرا أم لا، و يكون مورد استصحاب النجاسة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 315

فصل: في الاستبراء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 317

قوله رحمه اللّه

فصل في الاستبراء قوله رحمه اللّه

و الاولى في كيفياته ان يصبر حتى ينقطع دريرة البول ثم يبدأ بمخرج الغائط فيطهره، ثم يضع اصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط و يمسح إلى اصل الذكر ثلاث مرات، ثم يضع سبابته فوق الذكر و ابهامه تحته و يمسح بقوة إلى رأسه ثلاث مرات، ثم يعصر رأسه ثلث مرات، و يكفي سائر الكيفيات مع مراعات ثلاث مرات، و فائدته الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة و عدم ناقضيتها، و يلحق به في الفائدة المذكورة طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المجرى بان احتمل ان الخارج نزل من الاعلى و لا يكفي الظن بعدم البقاء، و مع الاستبراء لا يضرّ احتماله، و ليس على المرأة استبراء، نعم الأولى تصبر قليلا و تتنحنح و تعصر فرجها و على أي حال الرطوبة الخارجة منها محكومة بالطهارة و عدم الناقضية ما لم تعلم كونها بولا.

(1)

أقول: و قبل الشروع في المسائل المذكورة في الفصل، ينبغي

ذكر الاخبار المربوطة بالمقام،

حتى نستفيد منها ما هو الحكم الشرعي في المسائل، فنقول بعونه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 318

تعالى:

الرواية الأولى: ما رواها عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يبول ثم يستنجى ثم يجد بعد ذلك بللا، قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلث مرات و غمز ما بينهما ثم استنجى فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي) «1»، و هي كما ترى تدل على عدم الباس بمجرد الخرط بين المقعدة و الانثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما، و اطلاقها في حد

ذاتها يقتضي عدم الباس بما يخرج بعد ذلك و ان لم يخرط الذكر بعد ذلك.

الرواية الثانية: ما رواها حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يبول قال ينتره ثلاثا ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي) «2»، تدل على انه ينتره و يستخرج بقية بوله من الذكر ثلاثا، و اما كيفية الاستخراج فغير متعرضة له كما انه لا يستفاد منها إلّا كون الاستخراج ثلث مرات فقط، فلا يستفاد منها الخرط ثلث مرات من المقعد إلى اصل الذكر، ثم الخرط أو العصر من اصل الذكر إلى رأسه ثلاث مرات.

الرواية الثالثة: ما رواها محمد بن مسلم (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل بال و لم يكن معه ماء؟ قال: يعصر اصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنه من الحبائل) «3»، و هي بظاهرها تدل على العصر ثلاث مرات من اصل الذكر إلى طرفه و نتر طرفه و هو كما في اقرب الموارد اجتذاب البول و استخراجه من الذكر. (و هذه الروايات مذكورة في الوسائل و قد ذكر في الكتب الفقهية بعض آخر من الروايات لم يذكر في ل، و لهذا استخرجناه من جامع احاديث الشيعة فنقول).

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من أبواب نواقص الوضوء من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 13 من أبواب نواقص الوضوء من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 11 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 319

الرواية الرابعة: ما رواها في الجعفريات باسناده عن علي عليه السّلام (قال: قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و

سلم: كان إذا بال ينتر ذكره ثلاث مرات) «1»، و لا يستفاد منها إلّا نتر الذكر ثلاث مرات.

الرواية الخامسة: ما رواها في الجعفريات باسناده عن علي عليه السّلام (قال قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، من بال فليضع اصبعه الوسطى في اصل العجان ثم يسلتها ثلاثا) «2»، رواها السيد فضل اللّه الراوندي في نوادره باسناده عن موسى بن جعفر عليهما السّلام مثلها و فيها (ثم ليسلّها ثلاثا)، و يستفاد من الرواية سواء كان ما صدر هو (يسلتها) أو (ليسلها) انه يضع اصبعه الوسطى في اصل العجان ثم يخرج البول من الذكر بيده ثلاث، و لا يذكر في الرواية انه يجرّ اصبعه إلى أي موضع من بدنه هل يجره إلى تحت الانثيين أو إلى طرف الذكر أو إلى غيرهما؟ و لا يستفاد منها إلّا كون المطلوب هو الخرط ثلاث مرات، و هنا بعض الروايات ذكرها في (ج) و لا يستفاد منها شيئا زائدا مما في الروايات المذكورة.

إذا عرفت ذلك نقول ان الكلام يقع في جهات:

الجهة الأولى: في كيفية الاستبراء.

(قال المؤلف رحمه اللّه و الأولى في كيفياته، ان يصبر حتى تنقطع دريرة البول ثم يبدأ بالمخرج الغائط فيطهره (الخ)).

أقول: اما الصبر إلى ان تنقطع دريرة البول فهو مما لا بد منه لعدم اثر الاستبراء مع درّ البول، فالتعبير بالاولوية بالنسبة إلى ذلك مسامحة وقعت منه رحمه اللّه، أو تحمل الاولوية في كلامه بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع، فحيث ان الاستبراء بالكيفية التي ذكرها أولى عنده قال (و الاولى) لا بالنسبة إلى خصوص الصبر إلى انقطاع دريرة البول.

و اما أولوية الابتداء بالمخرج الغائط و تطهيره ثم الاستبراء، فقد يقال بانّ

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 15 من ابواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية

5 من الباب 15 من ابواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 320

وجه أولوية تقديم تطهير المخرج الغائط عدم تلوث الاصبغ حين الاستبراء بنجاسة الواقعة على المقعد، و ما قيل من ان في تقديم الاستنجاء للمخرج الغائط يكون خوف نجاسة اليد بملاقاتها لرأس الاحليل، ففيه، ان هذا محتمل، و لكن مع تقديم الاستنجاء للمخرج البول يكون تلوث اليد بنجاسة المقعد مسلما، خصوصا مع ما قاله المؤلف رحمه اللّه من وضع الاصبع على مخرج الغائط حين الشروع في الاستبراء.

و يمكن ان يقال كما يأتي إن شاء اللّه في مستحبات التخلي، باستحباب تقديم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول بان الاستبراء من البول من جملة آداب الاستنجاء من البول، فيستحب تقديم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول بمقدماته (فتأمل)، و على كل حال لا وجه لأولوية تقديم الاستنجاء من الغائط على الاستبراء غير ما ذكرنا.

و اما الكلام في كيفية الاستبراء، فكما ترى قال المؤلف رحمه اللّه بأن الأولى ان يضع اصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط و يمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات، ثم يضع سبابته فوق الذكر و ابهامه تحته و يمسح بقوة إلى رأس ثلاث مرات، ثم يعصر رأسه ثلاث مرات.

أقول: نعطف عنان الكلام فعلا إلى كفاية هذه الكيفية أوّلا، ثم أولويته على سائر الكيفيات ثانيا ان شاء اللّه.

أما الكلام في الاكتفاء في الاستبراء بهذه الكيفية، فنقول: ان هذا تقتضي الجمع بين الاخبار، لان مقتضى الرواية الاولى و هي رواية عبد الملك من انه (إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلاث مرات غمز ما بينهما) يتحقق اثر الاستبراء و هو طهارة الماء المشكوك

الخارج من المجرى، و كذا الرواية الخامسة و هي ما روي في الجعفريات و في نوادر الراوندي باختلاف يسير من وضع اصبع الوسطى في اصل العجان ثم يسلتها ثلاثا بنقل الجعفريات، او يسلّها ثلاثا بنقل الراوندي، و بين الرواية الثالثة و هي ما رواها محمد بن مسلم من انه (يعصر أصل ذكره إلى طرفه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 321

ثلث عصرات و ينتر طرفه) لان مقتضى الجمع بين الاولى و الخامسة و بين الثالثة هو تحقق الاستبراء بالخرط بين المقعد و الانثيين ثلاث مرات، و من اصل الذكر الى طرفه ثلاث مرات، و اما عصر رأسه ثلاث مرات، فكما ترى لا يوجد في هذه الروايات الثلاثة ما يدل على عصر رأس الذكر ثلاث مرات.

نعم يمكن ان يقال بعد دلالة الرواية الثالثة على نتر طرف الذكر بعد عصره من اصله إلى طرفه أي رأسه، و دلالة الرواية الثانية و الرابعة على انه ينتر ذكره ثلاث مرات بدون ذكر محل نتره، بان الرواية الثانية و الرابعة تدلان على نتر الذكر ثلاث مرات بدون ذكر موضع النتر، و الرواية الثالثة تدل على موضع النتر، و هو طرف الذكر يعني رأس الذكر، و ان النتر يكون بعد عصر اصل الذكر إلى طرفه، فيقتضي الجمع بين الثانية و الرابعة و بين الثالثة هو كون النتر ثلاث مرات.

و النتر، كما في أقرب الموارد. عبارة: عن اجتذاب البول و استخراج بقيته من الذكر، و هو يحصل بالعصر، لان به يستخرج بقية البول، فيتم قول المؤلف رحمه اللّه من عصر رأس الذكر ثلاث مرات بهذا البيان و تفصيل المطلب يظهر لك في طي امور:

الأول: وضع الاصبع الوسطى منصوص لدلالة

الرواية الخامسة عليه.

الثاني: كون الاصبع من اليد اليسرى يكون وجهه استحباب الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى، و يأتي الكلام في ذلك في مستحبات التخلي ان شاء اللّه.

الثالث: وضع الاصبع على مخرج الغائط بمعنى كون الشروع بالمسح من هذا الموضع، يدل عليه الرواية الخامسة (في قوله فليضع اصبعه الوسطى في اصل العجان ثم يسلتها ثلاثا)، سواء كان (العجان) هو الاست، لكون الاست أحد معانيه على ما في أقرب الموارد، فلا بد من وضع الاصبع أو لا على مخرج الغائط، لانه الاست ثم مسحه الى الانثيين، أو كان المراد من العجان هو ما بين السبيلين من الرجل و المرأة، لانه أحد معانية كما في اقرب الموارد، لانه بعد اعتبار مسح ما بين السبيلين لخروج بقية البول الواقعة في المخرج، فلا بد من الشروع من طرف مخرج الغائط إلى الذكر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 322

حتى يخرج ما في المخرج من رأس الذكر بالمسح، لا عكس ذلك، كما ان الرواية الأولى التي قال فيها (فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلاث مرات) يحمل على ما قلنا من كون الشروع من طرف مخرج الغائط، لما قلنا من ان الفرض اخراج بقية البول، و هو يحصل بهذا النحو لا بالعكس، كما انه يستفاد مما بينا كون انتهاء هذا المسح إلى اصل الذكر، كما في الرواية الاولى من كون الانتهاء الى الانثيين و هو موضع اصل الذكر.

الرابع: كون هذا المسح ثلاث مرات، يدل عليه الرواية الأولى و الخامسة.

الخامس: قال المؤلف رحمه اللّه (ثم يضع سبابته فوق الذكر و ابهامه تحته)، ليس فيما بايدينا من الروايات ما يدل على ذلك، بل القدر المذكور في خصوص الرواية الثالثة، هو

عصر اصل الذكر إلى طرفه ثلاث مرات، و اطلاقها يقتضي جواز المسح بأي من اصابعه شاء، نعم الوضع الطبيعي و نحو اسهل يقتضي عكس ما قاله المؤلف رحمه اللّه بجعل الابهام فوق الذكر و سبابته الوسطى أو البنصر أو الخنصر تحت الذكر، و لهذا قال سيدنا الأعظم آية اللّه العظمى البروجردي قدّس سرّه في حاشيته في هذا الموضع (هذا من سبق القلم و الصحيح عكس هذا)، و على كل حال لا يكون فيما بايدينا ما يدل على كون المسح من اصل الذكر إلى طرفه بخصوص بعض الاصابع، نعم الوضع الطبيعي مقتض لوضع الابهام فوق الذكر واحدا آخر من اصابعه تحت الذكر و المسح بهما إلى رأس الذكر.

السادس: المسح بقوة من اصل الذكر إلى رأسه، يدل عليه الرواية الأولى، لان الخرط الاجتذاب بالكف و الغمز هو العصر، كما في اقرب الموارد، و الرواية الثالثة، لان فيها قال يعصر أصل ذكره إلى طرفه و المسح بالقوة يلازم العصر.

السابع: كون ذلك ثلاث مرات، لدلالة الرواية الثالثة عليه.

الثّامن: عصر رأس الذكر ثلاث مرات، و قد ذكرت في وجهه بان هذا مقتضى الجمع بين ما يدل على النتر ثلاث مرات بدون ذكر موضع النتر، و هي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 323

الرواية الثانية و الرابعة، و بين ما يدل على كون النتر في رأس الذكر، كما يدل عليه الرواية الثالثة، و بعد كون النتر عبارة عن اجتذاب البول و استخراج بقية البول عن الذكر عند الاستنجاء و هو يحصل بالعصر، فلهذا قال المؤلف رحمه اللّه ثم يعصر رأسه ثلاث مرات.

نعم يمكن ان يقال بانه يحصل الاجتذاب و الاستخراج بغير العصر مثل حركة الذكر ثلاث مرات، و

لهذا الاولى العصر ثلاث مرات و حركة رأس الذكر ثلاث مرات، هذا تمام الكلام في هذه الكيفية.

الجهة الثانية: هل يكفي في تحقق الاستبراء الكيفيات المذكورة في الكتب الفقهية أم لا،

نذكر بعض الكيفيات و كفاية الاكتفاء به و عدمها.

منها، الاكتفاء بكلما يخرج معه بقايا البول الواقعة في المخرج حتى يحصل القطع بعدم وجود شي ء من البول في المخرج، أقول هذا نظير ما يقوله المؤلف رحمه اللّه بل هو مصداق آخر منه، يقول المؤلف رحمه اللّه بعد ذلك من انه و يلحق به في الفائدة المذكورة طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المخرج، و يأتي الكلام فيه ان شاء اللّه.

منها، الاكتفاء في مقام الاستبراء بالمسح بين مخرج الغائط إلى الانثيين ثلث مرات، ثم خرط القضيب ثلث مرات، و ما اعتبر في هذه الكيفية عصر رأس الذكر بعد ذلك ثلاث مرات، و قد يقال بارجاع هذه الكيفية إلى الكيفية الأولى التي ذكرها المؤلف رحمه اللّه لان بهذه الكيفية يحصل عصر رأس الذكر ثلاث مرات، لان العصر من اصل الذكر إلى رأسه ثلاث مرات يلازم عصر رأس الذكر في كل مرة فقد عصر رأس الذكر ثلاث مرات.

أقول: و لعل إلى هذا ينظر المؤلف رحمه اللّه في قوله (و يكفى سائر الكيفيات مع مراعات ثلاث مرات) بدعوى ان العصر بهذه الكيفية يلازم العصر بالكيفية الأولى، غاية الامر في الكيفية الأولى يقع عصر رأس الذكر ثلاث مرات بعد عصر الذكر، و في هذه الكيفية يقع عصر رأسه في كل مرة مع عصر الذكر من اصله إلى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 324

رأسه، و إلّا لا معنى معقول لقول المؤلف رحمه اللّه من انه (يكفي سائر الكيفيات مع مراعات ثلاث مرات) لأنه أورد في الاستبراء بالكيفية الأولى

بجميع خصوصياته فهو الكيفية الأولى نفسها و لا يحصل في الكيفيات الأخرى، فلا يتم كلامه إلّا بهذا التوجيه. و على كل حال نقول، الاقوى عدم الاكتفاء بهذه الكيفية، لان ظاهر رواية محمد بن مسلم اعني الرواية الثالثة كون نتر رأس الذكر بمعنى عصره أو حركته ثلاث مرات على ما قلنا هو بعد عصر الذكر من اصله إلى رأسه ثلاث مرات.

منها، الاكتفاء بالمسح ما بين المقعدة و الانثيين ثلث مرات، لدلالة الرواية، الأولى و الخامسة عليه.

و فيه انهما لا ينفيان مسحات اخرى و مقتضى الرواية الثالثة مسح الذكر و نتر رأسه و الجمع يقتضي الجمع بين الكيفيتين المذكورتين في الروايات الثلاثة.

منها، الاكتفاء بالعصر من اصل الذكر إلى رأسه ثلث مرات، لدلالة الرواية الثالثة.

و فيه ان الجمع يقتضي العصر ما بين المقعدة و اصل الذكر ثلاث مرات و من اصل الذكر إلى رأسه ثلاث مرات و نتر رأس الذكر ثلاث مرات كما عرفت.

فتلخص مما مر، ان الاستبراء الذي يحكم بعده بطهارة البلل المشكوك الخارج من مجرى البول، متيقنه هو الكيفية الأولى بالنحو الذي بيناه.

الجهة الثالثة: فائدة الاستبراء

الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة و عدم ناقضيتها لما عرفت من دلالة بعض الاخبار المتقدمة، على ذلك لا يقال انه لو لا الاخبار كان مقتضى القاعدة الحكم بطهارة البلل المشتبهة و عدم ناقضيته للوضوء أو الغسل، قلت مقتضى القاعدة الحكم بالطهارة في صورة خروج البلل المشكوك لاصالة الطهارة و عدم ناقضيته بمقتضى الاستصحاب في حد ذاته، و لكن بعد ورود الروايات المتقدمة ذكرها و دلالة بعضها بالمنطوق على انه لو استبرء يحكم بطهارة البلل المشكوك، و بالمفهوم على عدم الحكم بالطهارة في صورة عدم الاستبراء لا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص:

325

يمكن الذهاب على طبق القاعدة فيما لم يستبرأ، نعم يكون الحكم بالطهارة و عدم الناقضية بعد الاستبراء على طبق القاعدة.

و بهذه الاخبار الدالة على التفصيل بين صورة عدم الاستبراء من الحكم بالنجاسة و الناقضية، و بين صورة استبرائه من الحكم بالطهارة و عدم الناقضية، يقيّد بعض ما يدل بإطلاقه على طهارة البلل المشتبه و عدم ناقضيته و ان لم يستبرأ راجع الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من ل، كما ان ما رواها محمد بن عيسى (قال كتب إليه رجل هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء فكتب نعم) «1»، يحمل بقرينة الاخبار الدالة على طهارة المشكوك و عدم كونه محكوما بالبوليّة بعد الاستبراء على الاستحباب، مضافا إلى ضعف سندها لكونها مضمرة.

الجهة الرابعة: و هل يلحق بالاستبراء في الفائدة المذكورة طول المدة

على وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المجرى، بات احتمل ان الخارج نزل من الاعلى كما قال المؤلف رحمه اللّه أو لا يلحق به.

وجه اللحوق القطع بعدم بقاء شي ء في المجرى لكونه بعد القطع بذلك يقطع بان الخارج نزل من الاعلى لا انّه يحتمل ذلك كما قال المؤلف رحمه اللّه فيخرج بسبب ذلك القطع عن مورد الاخبار المتقدمة الواردة في الاستبراء، لان موردها ما إذا يشك في بقاء شي ء من البول في المجرى، فلو استبرء يحكم بطهارة الخارج و عدم ناقضيته، و لو لم يستبرأ يحكم بنجاسة الخارج المشتبه و ناقضيته، و اما البلل الخارج الذي يقطع بعدم كونه في المجرى، بل خرج من الاعلى، فغير داخل في مورد هذه الاخبار، و بعد عدم كونه مصداقا لهذه الاخبار، فيشك في انه بول حتى يكون نجسا و ناقضا، او ماء طاهرا غير البول حتى يكون طاهرا و غير ناقض، فبأصالة الطهارة

يحكم بطهارته و ببركة استصحاب الطهارة لو كانت حالته السابقة الوضوء أو الغسل، يحكم ببقاء

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 326

طهارته و عدم ناقضيته.

أقول: و لكن تمامية هذا الوجه متفرع على كون منشأ أماريّة الاستبراء و كونه علة للحكم بعدم نجاسة البلل المشتبه و عدم ناقضيته هو القطع بحصول نقاء المجرى به، فان كان هذا يمكن ان يقال بانه، كلما يحصل به القطع بنقاء المجرى عن البول فهو في حكم الاستبراء، و قد يقال بانّ هذا غير معلوم، بل القدر المسلم هو كون اثر الاستبراء الحكم بطهارة البلل المشتبه و عدم ناقضيته، و اما كون علّيته لذلك من باب العلم بتحقق نقاء المجرى به فهو غير معلوم، و لهذا لو كان قاطعا ببقاء شي ء في المجرى بعد الاستبراء يكون له هذا الاثر، كما انه مع القطع بعدم شي ء من البول في المجرى لو خرج بللا مشتبها بين البول و غيره، يحكم بكونه بولا، هذا غاية ما يمكن ان يقال وجها لعدم الحاق طول المدّة بالاستبراء، و ان قطع بعدم بقاء بقية البول في المجرى.

و ما يأتي بالنظر عاجلا، هو انه ليس في جعل الاستبراء سببا للحكم بطهارة البلل المشتبه و عدم ناقضيته من قبل الشارع تعبدا صرفا، بحيث يكون هذا العمل له هذا الاثر تعبدا بدون كونه أمارة على نقاء المجرى من البول، بل نفس وضع الحكم من اعتبار المسحات و العصرات الثلاث، يشهد على كون الاستبراء أمارة على حصول النقاء، و لو لم تكن هذه الامارة دائم المطابقة مع الواقع (سئل ساير الامارات المجعولة عقلا أو شرعا.) عبارة لا

معنى لها يراجع المؤلف.

و بعد كون اعتباره لاجل أماريته على نقاء المخرج، فكلما يحصل منه القطع بالنقاء يكون مثله في الاثر، فإذا قطع بعدم بقاء شي ء من البول في المجرى، مثل ما إذا استبرء بعد البول فالبلل المشتبه الخارج محكوما بالطهارة، لانه مشكوك بين البول و غيره من المياه الطاهرة، و ليس مثل ما لم يستبرأ بحسب الحكم و ان كان مثله بحسب الموضوع حتى يشمله مفهوم ما دل على طهارة البلل بعد الاستبراء، لانه مع القطع بنقاء المجرى عن البول بحكم الاستبراء من حيث الامارية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 327

الجهة الخامسة: و لا يكفي الظن بعدم بقاء شي ء من البول في المجرى

لكون البلل المشتبه محكوما بالطهارة و عدم الناقضية لعدم حجية هذا الظن.

الجهة السادسة: مع الاستبراء لا يضر احتمال بقاء شي ء من البول في المجرى،

لان اطلاق الدليل على الدال على كون البلل المشتبه بعد الاستبراء محكوما بالطهارة يشمل صورة الظن ببقاء شي ء من البول في المجرى أيضا.

الجهة السابعة: ليس على المرأة استبراء،

لان المذكور في بعض اخبار الاستبراء هو السؤال عن الرجل و في بعضها يكون الضمير مذكرا، فظاهر الاخبار اختصاص الحكم بالرجال.

و لا يمكن في المورد القول بإلغاء خصوصية الرجولية، لان المذكور في كيفية الاستبراء على ما في الاخبار ما لا يتمشى إلّا في الرجال، من المسح إلى اصل الذكر و من اصل الذكر إلى رأسه، و عصر رأس الذكر ثلاث مرات، و هذا شاهد آخر على اختصاص الحكم بالرجال.

و هل الأولى و المستحب للمرأة صبرها بعد البول قليلا و تنححها و عصر فرجها عرضا أم لا، لم أجد دليلا على استحباب هذه الامور، و إن كان لها أو بعضها قائل، نعم لا مانع من اتيانها رجاء.

و على كل حال، البلل المشتبه الخارج من المرأة بعد البول محكوم بالطهارة، لاصالة الطهارة.

***

[مسئلة 1: من قطع ذكره يصنع ما ذكر فيما بقي]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: من قطع ذكره يصنع ما ذكر فيما بقي.

(1)

أقول: لانه بناء على كون الاستبراء، أمارة على عدم بقاء شي ء في المجرى،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 328

ففي كلما بقي من الذكر، إذا عمل ما يعمل في الاستبراء، يكفي في تحقق ما هو الامارة، لعدم بقاء شي ء في المجرى، نعم لو كان الحكم بالاستبراء حكما تعبديا، يمكن الجمود على ان موضوعه صورة تمامية ذكره، و لكن عرفت ضعف هذا المبنى.

***

[مسئلة 2: من ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة بالنجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: من ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة بالنجاسة و الناقضية، و ان كان تركه مع الاضطرار و عدم التمكن منه.

(1)

أقول: لاطلاق دليل الاستبراء و الاضطرار لا يقتضي إلّا نفي الحكم التكليفي، ففي المورد مع الاضطرار يرفع الاستحباب.

و اما الاثر الوضعي و هو محكومية البلل المشتبهة الخارج قبل الاستبراء و ناقضيته لا يرتفع بالاضطرار.

***

[مسئلة 3: لا يلزم المباشرة في الاستبراء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يلزم المباشرة في الاستبراء فيكفي في ترتب الفائدة ان باشره غيره كزوجته أو مملوكته.

(2)

أقول: لان الفرض من الاستبراء هو نقاء المجرى و هو يحصل و لو بفعل الغير.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 329

[مسئلة 4: إذا خرجت رطوبة من شخص و شك شخص آخر في كونها بولا أو غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: إذا خرجت رطوبة من شخص و شك شخص آخر في كونها بولا أو غيره، فالظاهر لحوق الحكم أيضا من الطهارة ان كان بعد استبرائه و النجاسة ان كان قبله و ان كان نفسه غافلا بان كان نائما مثلا، فلا يلزم ان يكون من خرجت منه هو الشاك و كذا إذا خرجت من الطفل و شك وليّه في كونها بولا فمع عدم استبرائه يحكم عليها بالنجاسة.

(1)

اقول: لان المستفاد من الادلة كون البلل المشتبه بعد الاستبراء محكوما بالطهارة و قبله محكوم بالنجاسة فلا فرق في هذا الحكم بين نفس الشخص و غيره و لا بين كون المستبرأ بالغا أو صبيا في كون الحكم الطهارة بعد الاستبراء و النجاسة قبله لنفس الشخص و لغيره.

***

[مسئلة 5: إذا شك في الاستبراء يبنى على عدمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: إذا شك في الاستبراء يبنى على عدمه و لو مضت مدة بل و لو كان من عادته، نعم لو علم انه استبرء و شك بعد ذلك في انه كان على الوجه الصحيح أم لا بنى على الصحة.

(2)

أقول: اما البناء على العدم في صورة الشك في اصل الاستبراء فلاستصحاب عدمه، و عدم كونه المورد مورد قاعدة التجاوز أو الفراغ.

و اما في صورة العلم بالاستبراء و الشك بعد ذلك في صحته فلقاعدة الفراغ و اصالة الصحة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 330

[مسئلة 6: إذا شك من لم يستبرأ في خروج الرطوبة و عدمه بنى على عدمه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا شك من لم يستبرأ في خروج الرطوبة و عدمه بنى على عدمه و لو كان ظانا بالخروج كما إذا رأى في ثوبه رطوبة و شك في انها خرجت منه او وقعت عليه من الخارج.

(1)

أقول: لاستصحاب عدمه و لو كان ظانا بالخروج لحجية الاستصحاب، حتى مع الظن الغير الحجة بالخلاف و لكن مع الظن المعتبر يعمل به و يطرح الاستصحاب.

***

[مسئلة 7: إذا علم ان الخارج منه مذي]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا علم ان الخارج منه مذي لكن شك في انه هل خرج معه بول أم لا، لا يحكم عليه بالنجاسة إلّا أن يصدق عليه الرطوبة المشتبهة بان يكون الشك في ان هذا الموجود بتمامه مذي أو مركب منه و من البول.

(2)

أقول: للمسألة صورتان:

الأولى: ما يعلم بخروج المذي و لكن شاك في انه هل خرج معه بول أم لا؟

فلا يحكم بنجاسة الخارج و ان كان قبل الاستبراء كما هو مفروض الكلام المؤلف رحمه اللّه لان ما يقطع بخروجه طاهرا و ما يكون نجسا شاك في خروجه و يستصحب عدمه.

الثانية: ما إذا كان الشك في ان الخارج هل هو بتمامه مذي

حتى يكون طاهرا، أو مركب من المذي و البول حتى يكون نجسا فيحكم بنجاسته و ناقضيته قبل الاستبراء؟ كما هو مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه لانه يكون على الفرض البلل الخارج مشتبه بين البول و غيره، فهو قبل الاستبراء محكوم بالنجاسة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 331

[مسئلة 8: إذا بال و لم يستبرأ ثم خرجت منه رطوبة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا بال و لم يستبرأ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول و المني يحكم عليها بانّها بول فلا يجب عليه الغسل بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء فانه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء و الغسل عملا بالعلم الاجمالي، هذا إذا كان ذلك بعد ان توضأ، و اما إذا خرجت منه قبل ان يتوضأ فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء، لان الحدث الاصغر معلوم و وجود موجب الغسل غير معلوم فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء و عدم وجوب الغسل.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الأولى: ما إذا بال و لم يستبرأ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة

من البول و المني، فتارة كان خروج الرطوبة المشتبهة بينهما بعد الوضوء، و تارة يكون قبل الوضوء.

إما إذا كان بعد الوضوء فقال المؤلف رحمه اللّه بأنه يحكم عليها بانها بول، و وجهه دلالة مفهوم الاخبار المتقدمة الواردة في الاستبراء بان البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء محكوم بانها بول، و في المورد على الفرض البلل المشتبه خرج قبل الاستبراء من البول.

و لكن الحق خروج ما نحن فيه عن الاخبار لان المستفاد من الرواية الثالثة من الاخبار المتقدمة أعني رواية محمد بن مسلم هو (كون البلل الخارج قبل الاستبراء بول و البلل الخارج بعد الاستبراء من الحبائل)، و كذا مفاد بعضها الآخر من عدم المبالات بما يخرج بعد الاستبراء من البلل، فمورد الاخبار نفيا و اثباتا هو ما يمكن جعل البلل الخارج بعد الاستبراء من الحبائل و الحكم عليه بالطهارة و عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 332

الناقضية.

و في مفروض المسألة لو استبرء عن البول ثم خرج البلل المشتبه بين البول و المني لا يمكن الحكم عليه بالطهارة و عدم الناقضية، كما يأتي في الصورة الثانية، فالاقوى كون

الوظيفة في هذا الفرض من الصورة الأولى الحكم بنجاسة البلل الخارج، و الجمع بين الوضوء و الغسل للعلم الاجمالي.

و اما إذا خرج البلل المشتبه بينهما قبل الاستبراء و قبل الوضوء فهل يجب عليه الجمع بين الغسل و الوضوء كالفرض الأول، أو يجب الوضوء خاصة؟

الاقوى وجوب الوضوء فقط كما قال المؤلف رحمه اللّه، لان الحدث الاصغر معلوم و وجوب موجب الغسل غير معلوم، و مقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء و عدم وجوب الغسل.

و بعبارة أخرى، و لو انه يعلم اجمالا بانه يجب عليه الوضوء أو الغسل، لكن ينحل علمه الإجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب الوضوء و الشك البدوي بوجوب الغسل، لانه بعد كون الخروج قبل الوضوء فكان الواجب عليه الوضوء، فيستصحب وجوبه بعد خروج البلل و بعد استصحاب وجوب الوضوء يكون اصالة البراءة عن الوجوب في طرف الغسل بلا معارض فيكون الشك بالنسبة إلى وجوب الغسل بدويا.

الصورة الثانية: ما إذا كان خروج البلل المشتبه بين البول و المني بعد الاستبراء،

فتارة يكون خروجه بعد الوضوء، فيعلم اجمالا بوجوب الوضوء أو الغسل عليه، لكون الخارج على الفرض أما بولا أو منيا، و مقتضى هذا العلم الاجمالي الجمع بين الوضوء و الغسل، و لا يفيد الاستبراء، كما قلنا في الصورة الاولى من خروج المسألة عن مورد الاخبار.

و تارة يكون قبل الوضوء، فكما قلنا في القسم الثاني من الصورة الأولى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 333

حيث انه بعد خروج البلل المشتبه بينهما، يستصحب وجوب الوضوء لوجوبه عليه قبل خروجه، فيكون الاصل بالنسبة إلى وجوب الغسل بلا معارض، فينحل العلم الاجمالي.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 335

فصل: في مستحبات التخلّي و مكروهاته

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 337

قوله رحمه اللّه

فصل في مستحبات التخلي و مكروهاته

[ان يطلب خلوة أو يبعد]

اما الاول فان يطلب خلوة أو يبعد حتى لا يرى شخصه.

(1)

أقول: يدل عليه ما رواها حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قال لقمان لابنه إذا سافرت مع قوم فاكثر استشارتهم إلى ان قال و إذا اردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الأرض) «1».

و ما رواها في مجمع البيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال ما أوتي لقمان الحكمة لحسبي و لا مال و لا بسط في جسم و لا جمال و لكنه كان رجلا قويا في امر اللّه، متورعا في اللّه سكيتا ساكنا و ذكر جملة من اوصافه و مدائحه إلى ان قال: و لم يره احد من الناس على بول و لا غائط قط و لا اغتسال لشدة تستّره و تحفظه في امره إلى ان قال فبذلك أوتي الحكمة و منح القضية).

قال صاحب الوسائل رحمه اللّه و روى الشهيد رحمه اللّه في شرح النّفلية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم (إنه لم ير على بول و لا غائط)، قال: و قال عليه السّلام: من اتى الغائط فليستتر، و علي بن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 338

عيسى الاربلي في كشف الغمة عن جنيد بن عبد اللّه في حديث قال: نزلنا النهروان فبرزت عن الصّفوف و ركزت محى و وضعت ترسى إليه و استترت من الشّمس فاني جالس إذ ورد عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا اخا الازد معك طهور؟ قلت نعم فناولته الأدوات فمضى حتى

لم اره و اقبل و قد تطهر فجلس في ظل الترس. «1»

***

[ان يطلب مكانا مرتفعا للبول]

قوله رحمه اللّه

و ان يطلب مكانا مرتفعا للبول أو موضعا رخوا.

(1)

أقول: يدل عليه ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من فقه الرجل ارتياد مكان مرتفع له او مكان كثير التّراب) «2».

و ما رواها عبد اللّه بن مسكان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم اشد الناس توقيا عن البول كان إذا اراد البول يعهد إلى مكان مرتفع من الارض أو إلى مكان من الامكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول) «3».

و ما رواها سعيد بن جناح عن بعض اصحابنا عن سليمان الجعفري (قال بت مع الرضا عليه السّلام في سفح من جبل فلما كان آخر الليل نام فتنحى و صار على موضع مرتفع فبال و توضأ و قال من فقه الرجل ان يرتاد لموضع بوله و بسط سراويله و قام عليه و صلى صلاة الليل) «4».

***

______________________________

(1) الوسائل الرواية 5 الباب 4 من احكام الخلوة.

(2) الرواية 1 من الباب 32 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 32 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 339

[ان يقدّم رجله اليسرى عند الدخول في بيت الخلاء]

قوله رحمه اللّه

و ان يقدّم رجله اليسرى عند الدخول في بيت الخلاء و رجله اليمنى عند الخروج.

(1)

أقول: لم أجد فيما بأيدينا من الاخبار ما يدل على استحبابه، و لكن ذكروه في الكتب الفقهية علمائنا رضوان اللّه عليهم، و علّل بعضهم بان ذلك الفرق بين بيت الخلاء و بين المسجد و حيث يستحب

عند دخول المسجد تقديم رجل اليمنى و عند الخروج تقديم رجل اليسرى، فيستحب عكسه في بيت الخلاء، و هذا لا يصح ان يصير وجها للاستحباب نعم من يقول بكفاية استحباب شي ء لقول الفقهاء من باب ادلة التسامح، فيمكن له القول بالاستحباب و نحن نقول لا بأس به رجاء.

***

[و ان يستر رأسه]

قوله رحمه اللّه

و ان يستر رأسه و ان يتنقّع و يحزى عن ستر الرأس.

(2)

أقول: اما الاستحباب التقنّع، فيدل عليه ما رواها الصدوق رحمه اللّه مرسلا و في المجالس و الاخبار باسناده الآتي عن أبي ذر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في وصيته (قال: يا أبا ذر استحيى من اللّه فاني و الذي نفسي بيده لا ظلّ حين أذهب إلى الغائط متقنّعا بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي، يا أبا ذر، أ تحب ان تدخل الجنة فقلت: نعم فداك أبي و أمّي قال: فاقصر الامل و اجعل الموت نصب عينك و استحي من اللّه حق الحياء) «1».

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 340

و ما رواها علي بن اسباط أو رجل عنه عمن رواها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنه كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه و يقول سرا في نفسه: بسم اللّه و باللّه تمام الحديث) «1».

و أما استحباب تغطية الرأس، فقد حكى عن المفيد رحمه اللّه في المقنعة انه قال ان تغطية الرأس ان كان مكشوفا عند التخلي سنة من سنن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و حكى عن المعتبر و الذكرى دعوى الاتفاق على استحبابه.

و قد روى في جامع احاديث الشيعة بعض ما

يمكن ان يستدل به على استحبابه. و هي ما رواها في الدعائم (قال رووا- أي الأئمة عليهم السّلام- ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان إذا دخل الخلاء تقنّع و غطّى رأسه و لم يره أحد) «2».

بناء على كون قوله (و غطّى رأسه) امرا مستقلّا، و امّا لو كان تفسير قوله (تقنّع) فلا يستفاد منه كون فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم على تغطية الرّأس، الّا ان يقال بانّه و لو كانت جملة (و غطّى رأسه) تفسيرا لقوله (و تقنّع) لكن يستفاد منه كون المطلوب تغطية الرّأس أيضا.

و ما رواها في الجعفريّات باسناده عن عليّ عليه السّلام: انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان اذا اراد ان يتنخّع و بين يديه النّاس غطّى رأسه ثمّ دفنه و اذا اراد أن يبزق فعل مثل ذلك و كان اذا اراد الكنيف غطّى رأسه «3».

يستفاد منها انّ فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان على تغطية الرّأس.

فعلى هذا نقول: امّا أوّلا، تدلّ رواية الجعفريّات على استحباب تغطية الرأس، و رواية دعائم الاسلام على الاحتمال الّذي بيّناه سابقا.

و ان قيل ان سند الروايتين ضعيف، يمكن ان يقال بعدم ضعفهما لاعتبار

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 7 من أبواب احكام التخلي.

(3) الرواية 4 من باب 7 من ابواب احكام التّخلي.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 341

الكتابين و لو فرض ضعفهما في حد ذاته، يجبر ضعفهما بمطابقتهما مع فتوى الاصحاب، لان هذا ممّا افتى به الاصحاب بل ادعى عليه اتفاقهم كما

حكى عن المعتبر و الذكرى.

و ثانيا: يمكن كون التقنّع الوارد في رواية أبي ذر و علي بن اسباط، هو عبارة اخرى عن تستر الرأس بناء على كون (و غطّى رأسه) في رواية الدعائم تفسير التقنّع، و كذلك ما في رواية أبي ذر من ان الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم يتقنّع بثوبه، او ما في رواية علي بن اسباط من ان الصادق عليه السّلام يقنع رأسه، يدل على استحباب تغطية الرأس أيضا لانه بعد استحباب القناع و هو خص يظهر استحباب تغطية الرأس و هو اعم قهرا، الا ان يقال بانه لو دل الدليل على استحباب الاخص بوصف الاخصيّة، لا يستفاد منه استحباب الاعمّ، و لهذا يكون التقنّع مستحبا، و اما ستر الرأس أو ستر بعضه، فلا يستفاد منه لامكان عدم الاستحباب إلّا بخصوص التقنّع بحيث يشمل الرأس و الرقبة كليهما، و اما اجزاء التقنّع عن تغطية الرأس كما قال المؤلف رحمه اللّه فمعلوم، لان بالتقنّع يستر الرأس أيضا.

***

[ان يسمّي عند كشف العورة]

قوله رحمه اللّه

و ان يسمّي عند كشف العورة.

(1)

أقول: لدلالة رواية علي بن اسباط المتقدمة ذكرها عليه، و لدلالة الرواية 1 من الباب 5 من ابواب احكام الخلوة من ل، و الرواية 6 من الباب المذكورة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 342

[ان يتّكي في حال الجلوس على رجله اليسرى]

قوله رحمه اللّه

و ان يتّكي في حال الجلوس على رجله اليسرى و يفرج رجله اليمنى.

(1)

أقول: لم نجد نصا يدل على ذلك، إلّا ما حكى عن العلامة رحمه اللّه في النهاية، انه روى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، علّم اصحابه الاتكاء على اليسار، و عن الذكرى اسناد استحباب الاتكاء في حال الجلوس على رجله اليسرى، إلى رواية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فلا بأس بفعله رجاء، و اما الاستحباب فلا يثبت بذلك.

***

[ان يستبرأ]

قوله رحمه اللّه

و ان يستبرأ بالكيفية التي مرّت.

(2)

أقول: وجهه ما دل من الروايات على المسحات و العصرات المسمّاة بالاستبراء اصطلاحا، و في هذه الروايات و ان بيّن وضع الاستبراء و كيفيّته لحصول الفائدة المترتّبة عليه، و لكن لا ينافي ذلك مع استحبابه لما في بعضها من الامر بهذا العمل، أو نقل فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فيستفاد الاستحباب منها.

***

[ان يتنحنح قبل الاستبراء]

قوله رحمه اللّه

و ان يتنحنح قبل الاستبراء.

(3)

أقول: لم نجد نصا على ذلك، نعم المحكى من جمع من فقهائنا رضوان اللّه عليهم استحبابه مع اختلاف هذا الجمع في وقته، انه قبل الاستبراء أو حال الاستبراء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 343

و بعده او مطلق من حيث الوقت، و بعد ذلك نقول لا دليل على استحبابه، نعم لا بأس بفعله رجاء.

***

[ان يقرأ الادعية المأثورة]

قوله رحمه اللّه

و ان يقرأ الادعية المأثورة بان يقول عند الدخول، اللهم اني اعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم.

(1)

أقول: تدل عليه روايات «1» و فيها و ان كان الاختلاف في تقديم بعض الجملات على بعضها الاخر، أو تغيير في بعض كلمات الدعاء لكن حيث ان كل المذكورات تكون مرويّا عنه يمكن الاقتصار به في مقام الدعاء، مضافا إلى ان ما رواها أبو أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث انه سئل و هو عنده ما السنة في دخول الخلاء قال تذكر اللّه و تتعوذ من الشيطان الرجيم (الخ)) «2»، تدل على كفاية مطلق الدعاء المشتمل على ذكر اللّه و التعوذ من الشيطان الرجيم.

*** قوله رحمه اللّه

أو يقول الحمد للّه الحافظ المؤدى.

(2)

أقول: يدل عليه بالخصوص مرسلة الصدوق رحمه اللّه المذكورة في ذيل الرواية 4

______________________________

(1) الرواية 1 و 2 و 4 و 6 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 8 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 344

و هي و ان كانت مرسلة، لكن يكفي في استحباب هذا الذكر انه ذكر «1». و الرواية 8 على ما عرفت تدل على استحباب ذكر اللّه

عند دخول بيت الخلاء.

*** قوله رحمه اللّه

و الاولى الجمع بينهما.

(1)

أقول: لان كل منهما يكون مأثورا على ما عرفت.

*** قوله رحمه اللّه

و عند خروج الغائط الحمد للّه الذي اطعمنيه طيبا في عافية و اخرجه خبيثا في عافية.

(2)

أقول: ما يمكن ان يقال دليلا عليه ما في مرسلة الصدوق رحمه اللّه و هي هذه محمد بن علي بن الحسين (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا أراد دخول المتوضأ قال: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم اللهم امط عني الاذى و أعذني من الشيطان الرجيم و إذا استوى جالسا للوضوء اللهم اذهب عني القذى و الأذى و اجعلني من المتطهرين و اذا انزحر قال: اللهم كما اطعمتنيه طيبا في عافية فاخرجه مني خبيثا في عافية) «2».

و هي كما ترى بحسب المتن غير ما نقله المؤلف رحمه اللّه مضافا إلى ارسال الحديث،

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 345

نعم لا بأس بإتيانه بقصد مطلق الدعاء، و إتيانه بقصد الخصوصية رجاء.

*** قوله رحمه اللّه

و عند النظر إلى الغائط، اللهم ارزقني الحلال و جنبني عن الحرام.

(1)

أقول: يدل عليه ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال كان علي عليه السّلام يقول ما من عبد إلّا و له ملك موكل يلوي عنقه حتى ينظر إلى حدثه ثم يقول له الملك يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من اين اخذته و إلى ما صار فينبغي للعبد عند ذلك ان يقول اللهم ارزقني الحلال و جنبني الحرام)

«1»، و هي كما ترى مرسلة مضافا إلى ان المروي فيها (و جنبني الحرام) لا (و جنبني عن الحرام) كما ذكر المؤلف رحمه اللّه و على كل حال لا بأس بقراءته بعنوان مطلق الدعاء، و بقصد الخصوصية رجاء.

*** قوله رحمه اللّه

و عند رؤية الماء الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا.

(2)

أقول: ما يمكن ان يكون دليله من النصوص على ما قيل، و هي ما رواها عبد اللّه بن كثير الهاشمي مولى محمد بن علي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال بينا أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم جالس سائب مع محمد ابن الحنفية إذ قال له يا محمد أتني باناء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 8 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 346

من ماء أتوضأ للصلاة فاتاه محمد بالماء فاكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا قال ثم استنجى فقال اللهم حصّن فرجي و اعفه و استر عورتي و حرمني على النار (الخ)) «1».

و كما ترى لا يستفاد من هذه الرواية استحباب الدعاء عند رؤية الماء، بل يستفاد استحبابه بعد اكفاء الماء على اليد، مضافا إلى اختلاف متن الدعاء مع ما في كلام المؤلف رحمه اللّه لانه قال في الرواية (بسم اللّه و باللّه) قبل قوله (الحمد للّه)، فلا يستفاد من الخبر استحباب هذا الدعاء عند رؤية الماء، نعم لا بأس باتيانه بعنوان مطلق الدعاء، و مستحب بهذا العنوان، كما انه يجوز اتيانه بقصد الخصوصية رجاء.

*** قوله رحمه اللّه

و عند الاستنجاء اللهم حصّن فرجي و

اعفه و استر عورتي و حرمني على النار و وفقني لما يقرّبني منك يا ذا الجلال و الاكرام.

(1)

أقول: لم أجد بايدينا من الاخبار ما يدل على ورود استحباب هذا الدعاء عند الاستنجاء، نعم ما رواها عبد اللّه بن كثير الهاشمي المتقدم ذكره فيما يقول عند رؤية الماء فيه ان عليا عليه السّلام إذا استنجى قال هذا الدعاء لا في حال الاستنجاء، نعم لا بأس به رجاء أو بقصد مطلق الدعاء.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 347

قوله رحمه اللّه

و عند الفراغ من الاستنجاء الحمد للّه الذي عافاني من البلاء و أماط عني الاذى.

(2)

أقول: يدل عليه ما رواها أبو بصير عن احدهما عليهما السلام (قال إذا دخلت الغائط فقل اعوذ باللّه من الرجس، الخبيث المخبث الشيطان الرجيم و إذا فرغت فقل الحمد للّه الذي عافاني من البلاء و أماط عني الأذى) «1».

بناء على كون المراد من قوله (و إذا فرغت) هو الفراغ من الاستنجاء و هو غير معلوم، فعلى هذا يؤتى بعنوان الخصوصيّة رجاء أو بعنوان مطلق الدعاء فيستحب بهذا العنوان.

نعم يستحب بعد الفراغ من الاستنجاء، اللهم حصّن فرجي (الخ) المذكور في رواية عبد اللّه بن كثير الهاشمي لان فيها قال ثم استنجى فقال اللهم (الخ).

*** قوله رحمه اللّه

عند القيام عن محل الاستنجاء يمسح يده اليمنى على بطنه و يقول الحمد للّه الذي أماط عني الاذى، و هنئني طعامي و شرابي و عافاني من البلوى.

(1)

أقول: لم اجد رواية تدل على استحباب ما قاله المؤلف رحمه اللّه عند القيام عن محل الاستنجاء، نعم في مرسلة الصدوق رحمه اللّه «2» (قال و كان عليه

السّلام إذا دخل الخلاء يقول الحمد للّه الحافظ على المؤدى فإذا خرج مسح بطنه و قال الحمد للّه الذي أخرج عني

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) في ذيل الرواية 4 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 348

اذاه و ابقى فيّ قوته فيا لها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها) «1»، و هي كما ترى ليست قابلة ان تكون مدركا لما قاله المؤلف رحمه اللّه:

أما أولا: فلان الوارد في الرواية كون فعله عليه السّلام حين خروجه و الظاهر كون المراد خروجه عن بيت الخلاء لا عند القيام عن محل الاستنجاء.

و ثانيا: الوارد فيها انه مسح بطنه و اما كون المسح بيد اليمنى فليس فيها.

و ثالثا: اختلاف ما في المرسلة مع ما نقله المؤلف رحمه اللّه، فعلى هذا نقول أيضا لا بأس بفعل ما قاله المؤلف رحمه اللّه رجاء من المسح، و اما الدعاء فلا بأس به بعنوان مطلق الدعاء أو إتيانه بقصد الخصوصية رجاء، مضافا إلى ان مرسلة الصدوق رحمه اللّه لإرسالها ضعيفة السند، فلا يثبت به استحباب ما فيها.

*** قوله رحمه اللّه

و عند الخروج أو بعده الحمد للّه الذي عرّفني لذته و أبقى في جسدي قوته و اخرج عني أذاه يا لها نعمة يا لها نعمة يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها.

(1)

أقول: و ما يكون دليلا عليه ما رواها عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن علي عليه السّلام (انه كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد للّه الذي رزقني لذته و ابقى قوته في جسدي

و اخرج عني اذاه يا لها نعمة ثلاثا) «2»، و هي كما ترى تدل على استحباب هذا الدعاء بعد الخروج، لا عند الخروج أو بعده كما قال المؤلف رحمه اللّه، مضافا إلى ان قول الراوي (ثلاثا) في آخر نقل فعله عليه السّلام ان كان راجعا

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 5 من ابواب الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 5 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 349

إلى قوله (يا لها نعمة) يعني قال عليه السّلام هذه الجملة ثلاثا يصح ما نقل المؤلف رحمه اللّه، و اما ان كان مراده انه عليه السّلام قال هذه الكلمات و بعبارة اخرى هذا الدعاء من أوله إلى آخره ثلاث مرات فلا يصح ما قاله المؤلف رحمه اللّه، و كذلك مطابق الرواية ليس بعد قوله (يا لها نعمة) جملة (لا يقدر القادرون قدرها) التي تكون في كلام المؤلف رحمه اللّه فمن أراد ان يعمل بهذا الدعاء يقرأ كما في الرواية، أو يقرأ ما قاله المؤلف رحمه اللّه بعنوان مطلق الدعاء و الخصوصية رجاء.

***

[ان يقدم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول]

قوله رحمه اللّه

و يستحب ان يقدم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول.

(1)

أقول: و يدل عليه ما رواها عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن الرجل إذا أراد ان يستنجي بالماء بيده بالمقعدة أو بالاحليل؟ قال: بالمقعدة ثم بالاحليل) «1».

و ظهور الجملة الخبرية في مقام الانشاء و ان كان في حد ذاته في الوجوب لكن لا قائل فيما اعلم بالوجوب و لهذا يحمل على الاستحباب.

***

[ان يجعل المسحات ان استنجى بها وترا]

قوله رحمه اللّه

و ان يجعل المسحات ان استنجى بها وترا فلو لم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 350

ينق بالثلاثة و اتى برابعة يستحب ان يأتي بخامس فيكون وترا و ان حصل النقاء بالرابع.

(1)

أقول: لدلالته ما رواها عيسى بن عبد اللّه عن أبيه عن جده عن علي عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إذا استنجى احدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء) «1»، حكى عن المعتبر ان الرواية من المشاهير.

***

[ان يكون الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى]

قوله رحمه اللّه

و ان يكون الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى.

(2)

أقول: اما استحباب كون الاستنجاء باليد اليسرى، ان كان وجهه مرسلة يونس عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إن يستنجى الرجل بيمينه) «2».

و ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الاستنجاء باليمين في من الجفاء) «3»، فلا يتم الاستدلال بهما، لان المستفاد منهما كون الاستنجاء باليمنى مكروها، و اما استحباب الاستنجاء باليسرى فلا يستفاد منهما، و ان كان ما روى (من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يستحب ان يجعل اليمنى لما علا من الامور و اليسرى لما دنا).

و ما روت عائشة انها قالت: (كانت يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم اليمنى لطعامه و شرابه و يده اليسرى للاستنجاء) فضعيفة السند.

إلّا أن يقال انه بعد فتوى بعض الاصحاب على استحبابه يكون الخبران

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من

أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 2 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 351

مطابقا مع فتواهم، و هذا كاف في جبر ضعف سندهما.

و فيه، اما أوّلا لا يكفي فتوى بعض الاصحاب في الانجبار، و ثانيا كون مجرّد مطابقة الفتوى مع خبر الضعيف جابرا غير معلوم، نعم لا بأس به رجاء.

و اما استحباب الاستبراء باليد اليسرى، اقول لم اجد على استحباب الاستبراء باليسرى دليلا، نعم يدل على كراهة الاستبراء باليمنى مرسلة الصدوق رحمه اللّه (قال: و قال: أبو جعفر عليه السّلام إذا بال الرجل فلا يمسّ ذكره بيمينه) «1»، و هذه الرّواية ضعيفة السند لكونها مرسلة، نعم مع قطع النظر عن ضعفها تدل على النهي عن مسّ الذكر إذا بال، و هي أما ناظرة إلى خصوص حال الاستبراء أو مطلق يشمل حال الاستبراء، و تدل عليه الخبران المذكوران، و قد قلنا انهما ضعيفة السند فنقول لا بأس بالاستبراء باليسرى رجاء.

***

[ان يعتبر و يتفكر في ان ما سعى و اجتهد في تحصيله و تحسينه كيف صار أذيّة عليه]

قوله رحمه اللّه

و يستحب ان يعتبر و يتفكر في ان ما سعى و اجتهد في تحصيله و تحسينه كيف صار إذيّة عليه و يلاحظ قدرة اللّه في رفع هذه الاذية عنه و اراحته منها.

(1)

اقول: يمكن ان يستشهد عليه بالخصوص ببعض الروايات المنقولة في الباب 18 من أبواب احكام الخلوة من ل. مثل الرواية الاولى، و بالعموم لحسن التفكر و الاعتبار بكل شي ء و وسيلة و هذا الحال من وسائل التفكر و الاعتبار.

***

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 353

فصل: في مكروهات التخلّي

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 355

قوله رحمه اللّه

و اما المكروهات فهي، استقبال الشمس و القمر بالبول و الغائط و ترتفع بستر فرجه و لو بيده او دخوله في بناء أو وراء حائط، و استقبال الريح بالبول بل بالغائط أيضا، و الجلوس في الشوارع، أو المشارع، أو منزل القافلة، أو دروب المساجد، أو الدور، أو تحت الأشجار المثمرة و لو في غير اوان الثمر، و البول قائما، و في الحمام، و على الارض الصلبة، و في ثقوب الحشرات، و في الماء خصوصا الراكد و خصوصا في الليل، و التطميح بالبول، أي البول في الهواء، و الاكل و الشرب حال التّخلي بل في بيت الخلاء مطلقا، و الاستنجاء باليمين، و باليسار إذا كان عليه خاتم فيه اسم اللّه، و طول المكث في بيت الخلاء، و التخلّي على قبور المؤمنين إذا لم يكن هتكا و إلّا كان حراما، و استصحاب الدرهم البيض بل مطلقا إذا كان عليه اسم اللّه أو محترم آخر إلّا أن يكون مستورا، و الكلام في غير الضرورة إلّا

بذكر اللّه أو آية الكرسي أو حكاية الأذان او تسميت العاطس.

(1)

أقول: المكروهات على ما عدّه المؤلف رحمه اللّه امور:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 356

الأوّل: استقبال الشمس و القمر بالبول و الغائط،

ما يمكن ان يكون وجها لكراهته روايات:

الرواية الأولى: ما رواها السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: ان يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول) «1»، و هي كما ترى تدل على النهي عن استقبال الشمس و القمر بالفرج لا بالبول و الغائط كما قاله المؤلف رحمه اللّه، إلّا أن يقال إن من يبول بحسب المتعارف، فكما يكون فرجه متوجها إلى جهة فيبول الى تلك الجهة و ان امكن انحراف الآلة بحيث يحصل استقبال الفرج بدون استقبال البول للشمس و القمر و بالعكس فبحسب المتعارف حيث يكون استقبال الفرج مساوقا لاستقبال البول، عبّر المؤلف رحمه اللّه بدل ذكر (كراهة استقبال الشمس و القمر للفرج كراهة استقبال الشمس و القمر للبول)، و على كل حال المستفاد من الخبر النهي عن استقبال الشمس و القمر بالفرج و هو يبول.

الرواية الثانية: ما رواها عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا يبولن احدكم و فرجه باد للقمر يستقبل به) «2»، يستفاد من الرواية النهي عن البول و فرجه ظاهر مقابل القمر.

الرواية الثالثة: و هي مرسلة الصدوق رحمه اللّه (قال: و في خبر آخر لا تستقبل الهلال و لا تستدبره يعني في التخلي) «3»، و هذه الرواية ضعيفة السند لارسالها و يستفاد منها النهي عن استقبال الهلال و استدباره، و بناء

على كون (يعني في التخلي) جزء الخبر لا من كلام الصدوق يستفاد منها كون مورد النهي حال التخلي.

الرواية الرابعة: و هي رواية أخرى من الصدوق رحمه اللّه باسناده في حديث

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 3 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 357

المناهي (قال: و نهى ان يبول الرجل و فرجه باد للشمس أو القمر) «1»، تدل على النهي عن ابراز الفرج للشمس و القمر و هو يبول.

الرواية الخامسة: و هي مرسلة الكليني رحمه اللّه (قال: و روى أيضا لا تستقبل الشمس و لا القمر) «2»، يستفاد منها مع قطع النظر عن ضعف الاسناد لارسالها التي، عن استقبال الشمس و القمر مطلقا، لعدم ذكر مورد خاص فيها بل النهي مطلق إلّا أن يحمل على حال التخلي، أو حال البول.

و الاشكال العمدة في استفادة الكراهة من هذه الاخبار، هو ان ظاهرها النهي، و النهي يقتضي الحرمة، و الروايات من هذا الحيث مما اعرض عنه الاصحاب لعدم قول بالحرمة، إلّا ما حكى عن الصدوق رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه و ما قيل من عدم ظهور كلام الصدوق رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه في الحرمة، لان الصدوق رحمه اللّه قال في الهداية (و لا يجوز ان يجلس للبول و الغائط مستقبل القبلة و لا مستدبرها و لا مستقبل الهلال و لا مستدبره) و عدم الجواز اعم من الحرمة.

ففيه، ان ظاهر كلامه من عدم الجواز هو الحرمة لانه بعد ما قال لا يجوز بالنسبة إلى امور منها

استقبال الهلال، قال (و يكره الكلام و السواك) و هذا شاهد على ان نظره الشريف من عدم الجواز هو الحرمة، و اما المفيد رحمه اللّه فلم يحضر عندي كتابه المقنعة حتى ارى ما فيه.

و بعد كونها معرض عنها الاصحاب فلا يمكن جعلها وجه القول بالكراهة حتى على القول بان المستفاد من اخبار من بلغ و التسامح في ادلة السنن و المكروهات هو استحباب الفعل، لانه ان كانت الاخبار حجة فمقتضاها حرمة الاستقبال، و ان كان ضعيفة و غير حجة، فأيضا مفادها الحرمة، فكيف يصحّ ان تكون مدركا للاستحباب، نعم لو كانت الاخبار مفادها الكراهة، و لكن سندها ضعيف، يمكن على

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 5 من الباب 25 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 358

القول باستفادة كراهة الفعل منها و من اخبار من بلغ.

نعم يمكن ان يقال بكراهة الاستقبال من باب ما يدعى من فتوى الاصحاب بالكراهة و عدم وجدان الخلاف في الكراهة، إلّا ما حكى عن الصدوق رحمه اللّه و المفيد رحمه اللّه، هذا بالنسبة إلى كراهته.

و اما الاشكال الآخر، و هو ان مفاد الاخبار هو النهى عن الاستقبال بالفرج لا بالبول و الغائط، فيمكن دفعه بما اشرنا في ذيل الرواية الاولى من ان المتعارف هو ملازمة استقبالة بالبول و الغائط لشي ء مع استقبال الفرج لان الانفكاك بينهما غير متعارف، فإذا نهى عن الاستقبال للفرج فقد نهى بالملازمة عن الاستقبال بالبول للشمس و القمر.

و لو لم نقل ذلك فلا يتم ما قاله المؤلف رحمه اللّه من كراهة استقبال الشمس و القمر بالبول و الغائط لعدم دليل عليه

في الاخبار، إلّا ان يكون مورد فتوى الاصحاب ما عنونه المؤلف رحمه اللّه، فيقال بكراهية من باب فتواهم، و هذا محتاج إلى مزيد تتبّع، و لم اقدر عليه فعلا.

او يقال بانه مع فهم الاصحاب من النهي في الاخبار الكراهة يوهن ظهور النهي فيها في الحرمة فيحمل على الكراهة.

ثم ان المذكور في الاخبار كما ترى هو النهي عن الاستقبال. بالفرج حال البول، فهل نقول بالكراهة عن الاستقبال حال الغائط كما قاله المؤلف رحمه اللّه، اما لعدم الفرق بينهما قطعا، و اما من باب كون وجه النهي الاحترام، فلا فرق بين البول و الغائط، بل مقتضى الاحترام حال الغائط اشد، أو من باب انّ الرواية الثالثة و فيها (قال لا تستقبل الهلال و لا تستدبره) يعني التخلي و الخامسة و فيها (قال لا تستقبل الشمس و لا القمر) مطلق يشمل حال البول و الغائط كليهما، أو من باب ان الفرج اعم يشمل مخرج الغائط أيضا، و في الرواية الأولى المنهي عنه هو الاستقبال الفرج، أو نقول بعدم وجه لكراهة استقبالهما حال الغائط، لان عدم الفرق غير معلوم، و كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 359

وجه كراهة استقبالهما هو الاحترام أيضا غير معلوم، و الروايتان مرسلتان فسندهما ضعيف ليستا بحجة مضافا إلى ان كون موردهما حال التخلي غير معلوم، لا ان الخامسة لم يذكر مورد النهي و حملها على كراهة الاستقبال مطلقا و في كل حال لم يفت به احد، و الثالثة يحتمل كون (يعني في التخلي) من كلام الصدوق رحمه اللّه و مقتضى فهمه لا يكون جزء الرواية، و اما التمسك بالرواية الأولى، لان المذكور فيها لفظ الفرج و هو يشمل مخرج الغائط

أيضا، ففيه انه لو كان لفظ الفرج اعم في حد ذاته، لكن في المقام حيث قال (نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول) يكون مورد النهي حال البول، اقول لكن تطمئن النفس بعدم فرق بين حال البول و الغائط، و لهذا لو قلنا بالكراهة في الاول نقول في الثاني أيضا.

ثم ان المنهى عنه هو استقبال عين الشمس و القمر، بحيث لو كان بين الفرج و بين الشمس و القمر حائلا يمنع عن مقابلة عينهما ترتفع الكراهة مثلا يستر فرجه بيده أو يدخل في بناء أو وراء حائط، أو أعم من ذلك و ليس حال استقبال الشمس و القمر حال البول و الغائط حال استقبال القبلة و استدبارها حال التخلي.

أقول، ظاهر الاخبار هو الأوّل لأن ظاهر النهي عن استقبال الشي ء استقباله بعينه، و لا تقل لم قلتم في النهي عن استقبال القبلة حال الخلوة بعدم جواز الاستقبال حتى مع الحائل و حتى مع كونه في داخل البناء، لأنه من الواضح انه بعد عدم كون الناس متوجها لعين القبلة إلّا من كان في موضع لم يكن بينه و بين الكعبة حائل، و من الواضح عدم اختصاص النهي بخصوص مواجهة عينها، فافهم، كون المنهي استقبال الكعبة و لو مع الواسطة و بعبارة أخرى المنهى عنه جهتها و لو بفواصل و سواتر و حجب.

فالقول في استقبال القبلة و أعمية الحرمة كان من باب القرينة و ليس في المقام قرينة يوجب انصراف اللفظ عن ظاهره، مضافا إلى ان قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الرواية الثانية (لا يبولنّ أحدكم و فرجه باد للقمر يستقبل

به) يدل على ان المنهى عنه هو استقباله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 360

بلا واسطة لان لفظ (باد) يقتضي ذلك.

الثاني: استقبال الريح بالبول بل بالغائط أيضا.

أقول، ما استدل عليها روايات:

الرواية الأولى: مرفوعة محمد بن يحيى و هي ما رواها محمد بن يحيى باسناده رفعه (قال: سئل أبو الحسن عليه السّلام ما حد الغائط قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها) «1».

الرواية الثانية: ما رواها عبد الحميد بن أبي العلاء و غيره رفعه (قال سئل الحسن بن علي عليه السّلام: ما حد الغائط قال لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها) «2».

الرواية الثالثة: ما حكى عن الخصال عن علي عليه السّلام قال (و لا يستقبل ببوله الريح).

الرواية الرابعة: ما حكى عن العلل عن محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (و لا تستقبل الريح لعلتين احداهما ان الريح ترد البول فيصيب الثوب و لم يعلم ذلك أو لم يجد ماء فيغسله، و العلة الثانية ان مع الريح ملكا فلا تستقبل بالعورة).

أقول: لم يحضرني الخصال و العلل حتى اراجعهما.

هذا ما يتمسك به على الكراهة و قد ترى ان ظاهر الاخبار المذكورة هو الحرمة، لان ظاهر النهي الحرمة، لكن الروايات من هذا الحيث مورد اعراض الاصحاب لعدم افتاهم بالتحريم، إلّا ما حكى عن الفقيه و المقنع من القول بوجوب ترك استقباله، و بعد سقوط الاخبار عن الحجيّة فلا دليل على كراهة استقبال الريح و استدباره كما لا دليل على حرمته.

نعم لو كان خبر ضعيف موجودا دالّا على الكراهة يمكن القول بكراهته بناء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 2 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 5 من

الباب 2 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 361

على استفادة استحباب الفعل أو كراهته بخبر ضعيف ببركة أخبار من بلغ و التسامح في ادلة السنن، و ليس هنا خبر يدل على ذلك، نعم يمكن القول بالكراهة من باب دعوى كون الاتفاق على كراهته، فيكون وجه الكراهة الاتفاق و الاجماع، و مع الشك في الاجماع يقال يترك الاستقبال رجاء أو يقال أن فهم الفقهاء الكراهة من الاخبار يوجبه حسب و من الظهور في الحرمة فيحمل ظاهر النّهي على الكراهة.

ثم أنه هل يختص الحكم بالبول؟ أو يكون الاستقبال مكروها بالغائط أيضا كالبول، الاقوى التعميم لان الروايتين الأوليتين مطلقتان و اختصاص النهي في الثالثة بالبول لا يوجب انحصار الكراهة حال البول فقط لعدم مفهوم لها، و كذلك ذكر علة الحكم في خصوص البول في الرواية الرابعة لا يوجب انحصار الكراهة بالبول.

ثم ان المذكور في المتن كراهة الاستقبال بالريح، و لكن على القول بالكراهة من باب الاخبار، فالاقوى شمول الحكم للاستدبار للتّصريح بالنهي عن الاستدبار في الرواية الاولى و الثانية من الروايات المتقدمة.

الثالث: الجلوس في الشوارع،

و الشوارع جمع مشارع و هو الطريق الاعظم.

أقول: و الحكم يعم لكل طريق نافذ و ان لم يكن بشارع كما ينادى به بعض مما نذكر من الروايات.

و الدليل على الحكم، ما رواها عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قال رجل لعلي بن الحسين عليه السّلام اين يتوضأ الغرباء قال تتّقى شطوط الانهار و الطرق النافذة و تحت الاشجار المثمرة و مواضع اللعن فقيل له و اين مواضع اللعن قال أبواب الدور) «1»، و هي كما ترى تدل على الاتقاء من الطرق النافذة سواء كان شارعا

أولا.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 362

و ما رواها الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام في حديث المناهي (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة أو على قارعة الطريق الحديث) «1».

و ما رواها في الوسائل و في الخصال بالاسناد الآتي عن علي عليه السّلام في حديث الاربع مائة (قال لا تبل على المحجة و لا تتغوط عليها) «2»، المحجة (اقرب الموارد) جادة الطريق أي معظمه و وسطه و مقتضى النهي عن بعض الاخبار المتقدمة و ان كان الحرمة، لكن لا يمكن القول بالحرمة لعدم وجود قول به فيما رأينا، و لهذا يوهن ظهور النواهي في الحرمة خصوصا مع قابلية قوله (تتقى) في الرواية الأولى للحمل على الكراهة.

الرابع: الجلوس للتخلي في المشارع

و هو جمع المشرعة و هي مورد الماء و يدل عليه من الاخبار:

الرواية الأولى من الروايات المتمسكة بها الكراهة التخلي في الشوارع.

و ما رواها علي بن ابراهيم رفعه (قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبو الحسن موسى عليه السّلام قائم و هو غلام فقال له أبو حنيفة يا غلام اين يضع الغريب ببلدكم فقال اجتنب افنية المساجد و شطوط الانهار و مساقط الثمار و منازل النزّال و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول و ارفع ثوبك وضع حيث شئت) «3».

و ما رواها السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام (قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يتغوط على شفير بئر ماء

يستعذب منها أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها) «4».

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 12 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 1 من الباب 2 من احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 3 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 363

و ما رواها الحصين بن مخارق عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام (أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نهى ان يتغوط الرجل على شفير بئر يستعذب منها أو على شفير نهر يستعذب منه أو تحت شجرة فيها ثمرها) «1».

و ما رواها أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام (ان أبا حنيفة قال له و هو صبي يا غلام اين يضع الغريب في بلدتكم؟ هذه قال يتوارى خلف الجدار، و يتوقى اعين الجار، و شطوط الانهار و مساقط الثمار و لا تستقبل القبلة و لا يستدبرها فحينئذ يضع حيث شاء) «2».

و ما رواها حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام في وصيته النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام (قال و كره البول على شط نهر جار و كره ان يحدث انسان تحت شجرة أو نخلة قد اثمرت و كره ان يحدث الرجل و هو قائم) «3».

و ما رواها عبد اللّه بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام (قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله و سلم ان اللّه كره لكم ايتها الامة اربعا و عشرين خصلة و نهاكم عنها إلى ان قال و كره البول على شط نهر جار و كره ان يحدث الرجل تحت شجرة مثمرة قد اينعت يعني اثمرت) «4».

و ظاهر بعض هذه الاخبار هو النهي عن التخلي في المشارع و هو يقتضي الحرمة لكن لم يفتوا بالحرمة، فليس وجه القول بالكراهة إلّا التعبير بالكراهة في بعض الاخبار، و هو أعم من الحرمة و انه مع عدم فهم الاصحاب من النواهي الحرمة يوهن ظهورها في التحريم فيحمل النهي فيها على الكراهة.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 7 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 9 من الباب 15 من احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 11 من الباب 5 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 364

الخامس: التخلي في منزل القافلة،

يدل عليها بعض الاخبار المتقدمة ذكرها في كراهة التخلي في المشارع.

و ما رواها إبراهيم بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: ثلاث ملعون من فعلهنّ: المتغوط في ظل النزال، و المانع الماء المنتاب، و ساء الطريق المسلوك) «1». و وجه الحمل على الكراهة ما قلنا في وجه حمل النهي عن التخلي في المشارع و الشوارع و غيرهما.

السادس: التخلي في دروب المساجد،

و يدل عليه الرواية الأولى من الروايات التي ذكرنا وجها للكراهة التخلي في المشارع لان فيها قال (اجتنب افنية المساجد)، و لكن افنية المساجد اعم من دروب المساجد، نعم يشمل الدروب لأنها من فناء المسجد أيضا. و يمكن الاستدلال على الكراهة في دروب المساجد بالرواية الاخيرة التي ذكرنا في الخامس من المكروهات، و هو عد المتغوط في ظل النزال من جملة الملعونين و دروب المساجد مما تنزل فيها النزال، و يحمل الامر بالاجتناب عن التخلي في افنية المساجد على الاستحباب لما قلنا من ان فهم الاصحاب يوجب وهن ظهور النهي في الوجوب، ثم ان لازم حمل قوله في الرواية (اجتنب افنية المساجد) بناء على حمله على الاستحباب كون ترك التخلي في أفنية المساجد مستحبا، لا كون فعل التخلي مكروها نعم لو تمسكنا بقوله في رواية إبراهيم بن أبي زياد من الملعونين من تغوط في ظل النزال، و ان اطلاق النزال يشتمل دروب المساجد و يحمل الخبر على الكراهة يكون هذا الخبر وجها لكراهة التخلي في دروب المساجد أيضا، و لا ينافي تعبير المعصوم عليه السّلام بالملعون مع الحمل على الكراهة لانه ربما يعبر هذا التعبير في فعل بعض المكروهات أو ترك بعض المستحبات.

السابع: التخلي في دروب (ابواب) الدور،

و يدل على الحكم الرواية التي

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 5 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 365

ذكرناها في كراهة التخلي في الشوارع، لانه قال فيها (و مواضع اللعن فقيل له و اين مواضع اللعن قال أبواب الدور) بعد حمل النهي على الكراهة، لما قدمنا من حمل (تتقى) في الرواية على مجرد مطلوبية الاتقاء، غاية الامر بعد كون الامر بالاتقاء يكون لازمه كون ترك

التخلي في أبواب الدور مستحبا، لا كون فعله مكروها، إلّا أن يقال ان كون أبواب الدور مواضع اللعن، فلم يكن اللعن إلّا على الفعل، فهذا دليل على مرجوحية الفعل و هو معنى الكراهة.

الثامن: التخلي تحت الاشجار المثمرة

و لو غير أوان الثمر، يدل على كراهة التخلي تحته في المجمل بعض الاخبار التي ذكرناها عند التعرض لكراهة التخلي في الشوارع و المشارع، و يدل على الكراهة حتى في غير أوان الثمر، اطلاق بعض الاخبار، و لا تقيد بما في رواية الحصين بن المخارق المذكورة في كراهة التخلي في المشارع بتوهم ان فيها قال (أو تحت شجرة فيها ثمرها) لانه على فرض كون النهي فيها مخصوصا بحال كون الثمر فيها، لكن لا مفهوم لها ينفي غير هذا الحال، فيؤخذ بإطلاق باقي الاخبار، و لا ينافي القول بالكراهة حتى في غير أوانى الثمر، القول بكون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ لما عرفت من ان المبادئ مختلف من حيث الفعلية و الشأنية و الملكة و الشجرة المثمرة ما من شأنها الاثمار أو لها ملكة الاثمار، فافهم.

و وجه حمل النهي على الكراهة عرفت فيما سبق.

التاسع: البول قائما،

وجه الكراهة ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال من تخلى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء قائما أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائما أو خلا في بيت وحده و بات على غمر فاصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه و اسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان و هو على بعض هذه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 366

الحالات، الحديث) «1».

و ما رواها حكم عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت: له أ يبول الرجل و هو قائم؟ قال: نعم و لكن يتخوف عليه ان يلتبس به الشيطان اي يحبله، الحديث) «2».

و مرسلة الصدوق محمد بن علي بن الحسين (قال قال عليه السّلام

البول قائما من غير علة من الجفاء).

و ما رواها حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام (قدمنا ذكرها عند التعرض للكراهة التخلي في المشارع) و فيها قال (و كره ان يحدث الرجل و هو قائم) «3».

لكن مقتضى هذه بإطلاقها كراهة التغوط قائما، لان الحدث اعم يشمل البول و الغائط، و على كل حال يستفاد من هذه الاخبار الكراهة، لان بعض التعبيرات في الرواية الاولى و خصوصا بيان جوازه في الرواية الثانية، لكن فيه خوف تلبيس الشيطان، و كذلك التعبير بالجفاء في الرواية الثالثة و كره في الرواية الرابعة يلائم مع الكراهة المصطلحة بعد القرائن المذكورة، و لهذا نقول بكراهة البول قائما كما قاله المؤلف رحمه اللّه، بل كراهة الغائط قائما لما قلنا.

و يستثنى من الحكم حال الاطلاء فلا كراهة في البول قائما لدلالة الرواية 2 من الباب 33 من أبواب احكام الخلوة من ل. على ذلك.

العاشر: التخلي في الحمّام،

يدل على كراهته ما حكى عن المستدرك عن جامع الاخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم (انه عدّ من الخصال الموجبة للفقر البول في الحمام)، و يستفاد منها الكراهة، و لكن لو كانت ضعيفة السند، و لم نقل باستحباب الفعل أو كراهته بالخبر الضعيف ببركة اخبار من بلغ، لا يمكن القول بكراهته بل يترك رجاء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 7 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 9 من الباب 5 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4،

ص: 367

و باحتمال مطلوبية تركه.

الحادي عشر: البول على الارض الصلبة،

يدل على كراهته ما يدل على استحباب اختيار الأرض الرخوة، مثل ما رواها عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم اشد الناس توقيا عن البول كان إذا اراد البول يعمد الى مكان مرتفع من الارض أو إلى مكان من الامكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية ان ينضح عليه البول) «1».

و هذه الرواية ذكرناها عند البحث عن استحباب طلب مكان مرتفع أو موضع رخو للبول، و إن ذلك من المستحبّات، فهل الرواية تدل على استحباب اختيار ارض رخوة أو على كراهة البول على الارض الصلبة؟

يمكن أن يقال باستحباب موضع رخو لانه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يطلب ذلك المكان، و كذلك على كراهة البول على الارض الصلبة، لأن كراهيته صلّى اللّه عليه و آله و سلم من أن ينضح عليه، يقتضي كراهة البول على الارض الصلبة؟

فلا بأس بالقول بكراهيتها كما قال المؤلف رحمه اللّه.

الثاني عشر: البول في ثقوب الحشرات،

لم أجد رواية في طرقنا دالّة عليه، نعم روى عن الطرق العامة، نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من البول في حجر الحشرات، فلا بأس بتركه رجاء.

الثالث عشر: البول في الماء

خصوصا في راكده و خصوصا في الليل، يدل على كراهته ما رواها أبو الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال لا بأس بان يبول الرجل في الماء الجاري و كره أن يبول في الماء الراكد) «2».

و ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، نقلنا الرواية في كراهة البول

______________________________

(1) الرواية 33 من الباب 22 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 5 من الماء المطلق من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 368

قائما و فيها قال (أو بال في ماء قائما) «1».

و ما رواها حكم عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: قلت له يبول الرجل في الماء قائما؟ قال: نعم و لكن يتخوف من الشيطان) «2».

و ما رواها الحسين عن بعض أصحابه عن مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلّا من ضرورة و قال: إن للماء أهلا) «3».

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه (قال و قد روى إن البول في الماء الراكد يورث النسيان) «4».

و ما رواها الحسين بن يد عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حديث المناهي (قال و نهى أن يبول احد في الماء الراكد فانه منه ذهاب العقل) «5».

و ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال لا تشرب

و انت قائم و لا تطف بقبر و لا تبل في ماء نقيع- فإن من فعل ذلك فاصابه شي ء فلا يلومنّ إلّا نفسه و من فعل شيئا من ذلك لم يكد يفارقه إلّا ما شاء اللّه) «6».

و هذه الاخبار كما ترى يدل بحسب ظاهرها و بعض الخصوصيات المشتملة على كراهة البول في الماء، و اطلاق بعضها يشمل الحكم لمطلق المياه و بالخصوص للماء الراكد، و الماء الجاري.

و أما ما قاله المؤلف رحمه اللّه من كون البول في الراكد اشد، فلعله كان من باب بعض

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 3 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 4 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

(5) الرواية 5 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

(6) الرواية 6 من الباب 24 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 369

التحذيرات في الراكد لم يذكر في الجارى، و ما في الرواية الأولى من عدم البأس في الجاري و الكراهة في الراكد و هذا يدل على اشديّة كراهته منه و اما شدة كراهته في الليل و خصوصيته كما قال المؤلف رحمه اللّه فلم أرى له وجها وجيها.

الرابع عشر: التطميح بالبول في الهواء،

يدل على كراهته ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يطمح الرجل ببوله من السطح و من الشي ء المرتفع في الهواء) «1».

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه «2».

و الرواية التي مضمونها تقريبا كالأولى «3».

و ما رواها في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في

حديث الأربعمائة و فيها قال (و إذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله) «4».

و المذكور في الروايات هو الطمح و قد فسّر المؤلف رحمه اللّه الطمح بانه البول في الهواء و المراد ان يرتفع ببوله في الهواء و هذا هو مراد المؤلف رحمه اللّه.

الخامس عشر: الأكل و الشرب حال التخلي

بل في بيت الخلاء مطلقا، أما على كراهة الأكل فللخبرين المنقولين عن أبي جعفر عليه السّلام مرسلا و عن الحسين بن علي عليهما السّلام مسندا من إنهما وجدا خبزا في بيت الخلاء و غسلاه و امرا بخادمهما بحفظه حتى يخرجا و يأكلا، نذكر الخبرين إن شاء اللّه عند التعرض للمسألة الثالثة الملحقة بمكروهات الخلوة.

و يستفاد منهما ترك المعصومين عليهما السّلام اكل اللقمة في بيت الخلاء، و يستفاد من تركهما مرجوحية الاكل في بيت الخلاء.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 4 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 8 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 6 من الباب 33 من احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 370

هذا بالنسبة إلى الاكل في بيت الخلاء، ثم انه يستفاد من الخبرين كراهة الأكل في بيت الخلاء مطلقا سواء كان حال التخلي أم لا، فلا وجه لانحصار المؤلف رحمه اللّه الكراهة بحال التخلي، هذا بالنسبة إلى الاكل.

و أما الشرب، فلا دليل عليه إلّا أن يقال بكون المناط موجود في الشرب، أعني كلما يفرض كونه مناط كراهة الأكل، هو موجود في الشرب، و هو مشكل، نعم لو ترك رجاء يثاب إن شاء اللّه.

السادس عشر: الاستنجاء باليمين و باليسار

إذا كان عليه خاتم فيه اسم اللّه، اقول اما كراهة الاستنجاء باليمن، يدل عليها ما رواها يونس عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يستنجى الرجل بيمينه) «1».

و ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الاستنجاء باليمين من الجفاء) «2»

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه

(قال قال عليه السّلام: الاستنجاء باليمين من الجفاء قال و قد روى انه لا بأس إذا كانت اليسار معتلة) «3».

و مرسلة أخرى من الصدوق رحمه اللّه (قال: و قال أبو جعفر عليه السّلام: إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه) «4».

و لا يبعد كون مرسلتي الصدوق رحمه اللّه هو ما ذكر مسندا و هو ما رواه بالارسال لا ان تكونا روايتان مستقلتان.

و ما رواها في الخصال ينتهي سندها بالسكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم (قال: البول قائما من غير علّة من الجفاء و الاستنجاء

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 4 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 6 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 371

باليمين من الجفاء) «1»، فلا اشكال في كراهة الاستنجاء باليمين. و اما كراهة الاستنجاء باليسار إذا كان عليه خاتم ففيه اسم اللّه، فما يمكن ان يكون مدركها من الروايات:

ما رواها أبو أيوب (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ادخل الخلاء في يدي خاتم فيه اسم من اسماء اللّه تعالى قال: و لا تجامع فيه) «2»، قال الكليني رحمه اللّه و روى أيضا (انه إذا اراد ان استنجى من الخلاء فليحوله من اليد التي يستنجى بها) و قد ترى ان الرواية مع قطع النظر عما ارسله الكليني رحمه اللّه يدل على النهي من ادخال خاتم فيه اسم اللّه في بيت الخلاء و كذلك المرسلة تدل على

الامر بتحويل الخاتم من يد تستنجى بها إلى غيرها و كلاهما غير مربوط بكراهة الاستنجاء باليسار إذا كان فيه خاتم فيه اسم اللّه.

و ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من نقش على خاتمه اسم اللّه فليحوله عن اليد التي يستنجى بها في المتوضى) «3».

و هي مثل المرسلة يدل على الامر بتحويل الخاتم عن اليد التي يستنجى بها لا كراهة الاستنجاء بها.

و ما رواها معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى فقال: ما احب ذلك قال: فيكون اسم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: لا بأس) «4»، و مفروض الرواية صورة عدم تلوث الخاتم بالنجاسة و إلّا فلا يجوز في خاتم فيه اسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال: سألته عن الرجل يجامع و يدخل الكنيف و عليه الخاتم فيه ذكر اللّه أو الشي ء من القرآن أ يصلح

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 12 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 4 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 6 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 372

ذلك؟ قال: لا) «1»، و هاتان الروايتان كسائر ما تقدم عليهما تدلان على عدم ادخال الخاتم في بيت الخلاء لا كراهة الاستنجاء باليسار إذا كان عليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى.

نعم

يستفاد الحكم و لو بنحو الاطلاق من بعض الروايات:

الأولى: ما رواها الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثاني عليه السّلام (قال: قلت له إنا روينا في الحديث ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يستنجي و خاتمه في اصبعه و كذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه السّلام و كان نقش خاتم رسول اللّه محمد رسول اللّه قال: صدقوا قلت فينبغي لنا ان نفعل؟ قال: أولئك كانوا يتختمون في اليمين و انكم انتم تتختمون في اليسرى الحديث) «2».

و يستفاد من هذه الرواية انه لا ينبغي الاستنجاء بيد فيها خاتم فيه اسم اللّه سواء كانت يد اليمنى أو اليسرى، فتدل بإطلاقها على انه لا ينبغي الاستنجاء باليسار إذا كان فيه خاتم فيه اسم اللّه تعالى.

الثانية: ما رواها عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (انه قال: لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه تعالى و لا يستنجى و عليه خاتم فيه اسم اللّه و لا يجامع و هو عليه و لا يدخل المخرج و هو عليه) «3»، تدل على المدعي كالسابقة بعد حمل النهي على الكراهة.

الثالثة: ما رواها الحسين بن خالد الصيرفي (قال: قلت لابي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام: الرجل يستنجى و خاتمه في اصبعه و نقشه لا إله إلّا اللّه؟ فقال: اكره ذلك له قلت جعلت فداك أو ليس كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و كل واحد من آبائك يفعل ذلك و خاتمه في اصبعه؟ قال: بلى و لكن اولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى فاتقوا اللّه

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية

3 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 5 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 373

و انظروا لانفسكم الحديث) «1».

فهذه الروايات دليل بإطلاقها على كراهة الاستنجاء باليسار إذا كان فيها خاتم فيه اسم اللّه تعالى.

و الرواية الثانية و ان كانت ظاهرها النهي، لكن يحمل على الكراهة بقرينة الرواية الأولى، المستفاد منها انه لا ينبغي ذلك، و لفظ لا ينبغي يساعد الكراهة، و الرواية الثالثة لو لم تكن ظاهرة في الكراهة المصطلحة، لم تكن ظاهرة في الحرمة، مضافا إلى دلالة الرواية التي رواها وهب بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام جواز الاستنجاء بيد فيها خاتم فيه اسم اللّه، فبعد الجمع بينهما و بين هذه الثلاثة تكون النتيجة الكراهة (قال كان نقش خاتم أبي العزة للّه جميعا و كان في يساره يستنجى بها و كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السّلام الملك للّه و كان في يده اليسرى يستنجى بها) «2».

لكن هذه الرواية ضعيفة السند بوهب بن وهب ابو البختري القرشي المدني بل قيل: في حقه أنه من أكذب البرية فلا يوثق بما رواه.

فتلخص مما مر كراهة الاستنجاء باليمين و كذا باليسار إذا ان فيه خاتم فيه اسم اللّه تعالى، ثم ان الكراهة تكون ف صورة لا يتنجس بالاستنجاء خاتم فيه اسم اللّه تعالى و الا لو تنجس فهو حرام، بل ربما يصل بحد الكفر، فافهم.

السابع عشر: طول المكث في بيت الخلاء،

يدل على كراهته ما رواها محمد بن مسلم (قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قال لقمان لابنه: طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور فكتب هذا على باب الحشّ) «3».

و ما رواها موسى بن القاسم

البجلّي عمن ذكره عن محمد بن مسلم (قال:

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 8 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 1 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 374

سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: طول الجلوس على الخلاء يورث البواسير) «1».

و ما رواها اسماعيل بن أبي زياد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عن علي عليهم السّلام (قال: طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور) «2».

و ما رواها الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان عند ذكر حكم لقمان (قال: و قيل دخل مولاه على المخرج فاطال الجلوس فناداه لقمان ان طول الجلوس على الحاجة يضجع الكبد و يورث منه الباسور و يصعد الحرارة إلى الرأس فاجلس هونا فكتبت حكمته على باب الحش) «3».

و لا يبعد كون مورد الكراهة ما لا حاجة له إلى المكث لدلالة الرواية التي رواها في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الأربعمائة (قال: لا تعجلوا الرجل عند طعامه حتى يفرغ، و لا عند غائطه حتى يأتي على حاجته) «4».

الثامن عشر: التخلي على قبور المؤمنين إذا لم يكن هتكا

و إلّا كان حراما، اما كراهته فيما لم يكن هتكا للرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: من تخلّى على قبر، أو بال قائما، أو بال في ماء قائما أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائما أو خلا في بيت وحده، و بات على غمر، فاصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه، و اسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان و هو على بعض هذه الحالات. «الحديث») «5».

و ما رواها عبد

الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام (قال: ثلاثة يتخوف منها الجنون: التغوط بين القبور، و المشي في خف واحد، و الرجل ينام وحده) «6».

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من ل.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 4، ص: 374

(2) الرواية 4 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 5 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 3 من الباب 16 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(5) الرواية 1 من الباب 16 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(6) الرواية 2 من الباب 16 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 375

أقول: الرواية الأولى تدل على كراهة التخلي على القبر، و الثانية على كراهة التغوط بين القبور، فلهذا نقول، يكره التخلي على القبور بمقتضى الأولى و التخلي اعم من البول و الغائط، فالثانية و ان كان ظاهرها خصوص التغوط بين القبور، لكن يمكن بعدم الفرق مناطا بين التغوط و بين البول، و لهذا يقال يكره البول و الغائط بين القبور أيضا.

ثم أن الروايتين مطلقتان من حيث صاحب القبر، فاطلاقهما يشمل كل قبر و ان لم يكن صاحب القبر مؤمنا، و لكن المؤلف رحمه اللّه انحصر الكراهة بقبر المؤمنين، و لعل ذلك لانصراف القبر في الخبرين بخصوص قبر المؤمن، و هذا مشكل، و على كل حال لا اشكال في الكراهة في التخلي على قبور المؤمنين.

هذا كله فيما لم يكن التخلي موجبا لهتك المؤمن، فيقال: بالكراهة و أما إذا كان موجبا

لهتك المؤمن،

فيحرم التخلي على قبره، لان المؤمن محترم حيا و ميتا، لا يجوز هتكه.

التاسع عشر: استصحاب الدراهم البيض،

بل مطلقا إذا كان عليه اسم اللّه، أو محترم آخر، إلّا أن يكون مستورا.

أقول: لم نجد فيما بايدينا من الاخبار على رواية تدل على كراهة استصحاب الدراهم البيض في خصوص ما إذا كان عليه اسم اللّه.

نعم ما رواها غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام (انه كراه أن يدخل الخلاء و معه درهم ابيض، إلّا أن يكون مصرورا) «1».

كما ترى تدل على كراهة الدراهم البيض فيما يدخل بيت الخلاء و اطلاقها يشمل ما إذا لم يكن عليه اسم اللّه أو غيره من المحترمات، و على كل حال تدل الرواية على كراهة الدخول في الخلاء و معه درهم بيض، و اطلاقها يشمل ما إذا كان عليه اسم اللّه أو محترم آخر أو ما لم يكن عليه محترم منقوش.

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 17 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 376

و اما غير الأبيض من الدرهم أو غير الدرهم، فلا دليل على كراهته، إلّا أن يقال بعدم الفرق بين الدرهم البيض و غير البيض، و هو مشكل، نعم لو ترك استصحاب غير البيض رجاء يثاب عليه إن شاء اللّه.

العشرون: الكلام في غير الضرورة إلّا بذكر اللّه،

أو آية الكرسي، أو حكاية الاذان أو تسميت العاطس.

أقول: اما كراهة الكلام في الجملة يدل عليها ما رواها صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: (أنه قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يجيب الرجل آخر و هو على الغائط أو بكلمة حتى يفرغ) «1».

و ما رواها أبو بصير (قال: قال: لي أبو عبد اللّه عليه السّلام لا تتكلّم على الخلاء فان من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة) «2».

و اما اختصاص المؤلف رحمه

اللّه الكراهة بغير حال الضرورة، فإن كان من باب إنّ الضرورات تبيح المحضورات فليس ممنوع و محظور حتى ترتفع، و ان كان المراد من الضرورة صورة العسر و الحرج فأيضا بعد كون الحكم الكراهة فليس من قبل الشارع الزام حتى يرتفع بدليل لا حرج.

نعم يمكن ان يقال بأنا نستفيد من مذاق الشرع رفع طلب الفعل أو المنع من الترك حتى مع تجويز الترك في الاول، و تجويز الفعل في الثاني المعبّر بالمستحب و المكروه في صورة الضرورة بحيث يوجب هذا الفهم لعدم امكان اخذ الاطلاق من الروايتين، لان من يدع واجبه و حرامه للعسر و الضرورة يدع عن مستحبه و مكروهه قطعا، و مع فهم مذاق المتكلّم لا يمكن أخذ الاطلاق بل ينصرف كلامه إلى غير مورد الضرورة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 2 من الباب 6 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 377

فصل: في المستثنيات

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 379

فصل فى المستثنيات و أما المستثنيات:

الأوّل: التكلّم بذكر اللّه

فانه لا يكره لما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بذكر اللّه و انت تبول، فان ذكر اللّه حسن على كل حال، فلا تسام من ذكر اللّه) «1».

و ذكر صاحب الوسائل رحمه اللّه في الباب، روايات تدل على أن ذكر اللّه حسن في كل حال «2»، و يمكن أن يستدل بها على جواز الكلام بذكر اللّه في الخلاء، لان النسبة بين هذه الاخبار و الخبرين الدالين على كراهة الكلام تكون عموما من وجه و مادة اجتماعهما ذكر اللّه في الخلاء، فمقتضى عموم الاخبار جوازه و حسنه، و مقتضى اطلاق الخبر الثاني من الخبرين كراهة الكلام حتى بذكر اللّه، و اما رواية الأولى من الروايتين فلا اطلاق لهما يشمل الكلام بذكر اللّه، لان فيها قال: (نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان يجيب الرجل آخر و هو على الغائط أو بكلمة حتى يفرغ)، فموردها التكلم مع الناس لا بذكر اللّه، فلم يبق إلّا الرواية الثانية من الروايتين، و بعد كون الكلام بذكر اللّه مادة الاجتماع فلا اشكال في كون شمول الاخبار الدالة على ان ذكر اللّه حسن في كل حال، اظهر لمادة الاجتماع فيؤخذ بها و تكون النتيجة عدم كراهة ذكره تعالى حتى في بيت

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 1 و 3 و 4 و 5 من الباب 7 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 380

الخلاء.

الثاني: عدم كراهة قراءة آية الكرسي،

يدل عليها ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده و ينتهي السند بمحمد بن عذافر عن عمر بن يزيد (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

عن التسبيح في المخرج و قراءة القرآن، قال لم يرخص في الكنيف في أكثر آية الكرسي و يحمد اللّه و آية) «1».

و رواه الصدوق رحمه اللّه باسناده عن عمر بن يزيد إلّا أنه قال: (أو آية الحمد للّه رب العالمين)، تدل على عدم ترخيص قراءة القرآن في الكنيف إلّا آية الكرسي و حمد اللّه و آية بناء على نقل الشيخ رحمه اللّه و آية الحمد للّه رب العالمين بنقل الصدوق رحمه اللّه.

و ظاهرها من باب عدم ترخيص غير آية الكرسي، و حمد اللّه، و آية الحمد للّه رب العالمين و ان كان عدم جواز غيرها من القرآن، لكن بعد دلالة الرواية التي رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته أتقرأ النفساء و الحائض و الجنب و الرجل يتغوط القرآن فقال يقرءون ما شاءوا) «2».

نقول بالكراهة لان النهي في رواية عمر بن يزيد يحمل على الكراهة بقرينة جواز المستفاد من رواية الحلبي.

الثالث: حكاية الاذان،

يدل على عدم كراهتها ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: له يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر اللّه على كل حال، و لو سمعت المنادي ينادي بالاذان و انت على الخلاء فاذكر اللّه عزّ و جلّ، و قل كما يقول المؤذن) «3».

و ما رواها أبو بصير (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إن سمعت الاذان و انت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن، و لا تدع ذكر اللّه عزّ و جلّ في تلك الحال، لان ذكر

______________________________

(1) الرواية من الباب من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 8 من الباب من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 1 من الباب 8 من أبواب

احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 381

اللّه حسن على كل حال ثم ذكر حديث موسى على نبينا و آله و عليه السلام كما سبق) «1».

و ما رواها سليمان المقبل المدني (قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام لأي علّة يستحب الانسان إذا سمع الاذان، ان يقول كما يقول المؤذن، و ان كان على البول و الغائط فقال: لان ذلك يزيد في الرزق) «2».

الرابع: تسميت العاطس

يمكن ان يقال بجوازه بلا كراهة بل استحبابه من باب مطلق الذكر و إلّا لم يرد خبر فيما بأيدينا يدل عليه بالخصوص.

نعم ما رواها مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام (قال: كان أبي يقول:

إذا عطس أحدكم و هو على خلاء فليحمد اللّه في نفسه) «3»، يدل على الامر بالتحميد لمن يعطس في الخلاء و ليست مربوطة بجواز التّسميت للعاطس آخر.

***

[مسئلة 1: يكره حبس البول أو الغائط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يكره حبس البول أو الغائط و قد يكون حراما إذا كان مضرا و قد يكون واجبا كما إذا كان متوضأ و لم يسع الوقت للتوضي بعدهما و الصلاة و قد يكون مستحبا كما إذا توقف مستحب أهم عليه.

(1)

أقول، اما كراهة حبس البول، فيدل عليها ما في الرسالة الذهبية للرضا عليه السّلام (و من اراد ان لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول و لو على ظهر دابة) «4».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(2) الرواية 3 من الباب 8 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(3) الرواية 9 من الباب 7 من أبواب احكام الخلوة من ل.

(4) الرواية 1 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 382

و ما رواها في فقه الرضا عليه السّلام روى (إذا جعت فكل، و إذا عطشت فاشرب، و إذا هاج بك البول فبل، و لا تجامع إلّا من حاجة و إذا نعست فنم فان ذلك مصححة للبدن) «1» و فقه الرضا حجيّته محل إشكال، و اما الرسالة الذهبية فلم يحضرني فعلا حجّيتها و عدم حجيتها، فان تم اعتبارها و صارت الرواية حجة تدل على كراهة حبس البول، و

اما كراهة حبس الغائط فلم نجد دليلا عليه إلّا أن يقال بكراهته بتنقيح المناط لوجود ما هو المناط في البول فيه و هذا غير معلوم.

و اعلم ان الكلام في كراهة جسمهما يكون فيما لم يكن الحبس موجبا للضرر، و إلّا لو كان حبسهما موجبا للضرر على صاحبه، فيحرم الحبس، كما انه فيما لا يكون حبسهما مضرا قد يجب الحبس مثل ما إذا كان متوضئا و لو لم يحبسهما لم يسع الوقت للتوضي و الصلاة بعدهما فيجب الحبس، لكن في صورة عدم الضرر و الا لو كان الحبس مضرا يجوز بل يجب البول و الغائط و رفع الحصر و لو لم يتمكن بعدهما للوضوء و يتنزل الامر بالتيمم كما انه قد يستحب الحبس فيما لا يكون مضرا إذا توقف حفظ مستحب أهم على حبسهما فقد ظهر مما بيّنا ان اطلاق كلام المؤلف رحمه اللّه فيما يكون الحبس واجبا أو مستحبا ليس بتام بل موردهما عدم الضرر في حبسهما.

***

[مسئلة 2: يستحب البول حين إرادة الصلاة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: يستحب البول حين إرادة الصلاة و عند النوم و قبل الجماع و بعد خروج المني و قبل الركوب على الدابة إذا كان النزول و الركوب صعبا عليه و قبل ركوب السفينة إذا كان الخروج صعبا.

(1)

أقول: لم أجد مدركا لاستحباب البول حين إرادة الصلاة، و قبل الجماع، و قبل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 20 من أبواب احكام الخلوة من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 383

الركوب على الدابة و السفينة.

و أما عند إرادة النوم، فيدل عليه ما رواها الاصبغ بن نباته (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: للحسن إلا اعلمك اربع خصال تستغنى بها على الطب قال: بلى قال:

لا تجلس على الطعام إلّا و أنت جائع، و لا تقم عن الطعام إلّا و أنت تشتهيه و جوّد المضغ و إذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب) «1».

و اما بعد خروج المني فلما ورد من فائدة الاستبراء بالبول بعد خروجه، راجع الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء من ل و الباب 35 من أبواب الجنابة من ل.

***

[مسئلة 3: إذا وجد لقمة خبز في بيت الخلاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إذا وجد لقمة خبز في بيت الخلاء يستحب اخذها و اخراجها و غسلها ثم اكلها.

(1)

أقول: يدل عليه ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال: دخل أبو جعفر الباقر عليه السّلام، الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فاخذها و غسلها و دفعها إلى مملوك معه، فقال تكون معك لآكلها إذا خرجت فلما خرج عليه السّلام قال للمملوك اين اللقمة؟ فقال:

أكلتها يا بن رسول اللّه فقال عليه السّلام، انها ما استقرت في جوف أحد إلّا وجبت له الجنة.

فاذهب فانت حرّ فانّي اكره ان استخدم رجلا من أهل الجنة) «2».

و ما رواها في عيون الاخبار باسانيد يأتي في اسباغ الوضوء عن الرضا عن

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 20 من أبواب آداب المائدة من ل.

(2) الرواية 1 من الباب 29 من أبواب احكام الخلوة من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 384

آبائه عن الحسين بن علي عليهم السّلام (انه دخل المستراح فوجد لقمة ملقاة فدفعها إلى غلام له و قال يا غلام اذكرني بهذه اللقمة إذا خرجت فاكلها الغلام، فلما خرج الحسين بن علي عليهما السّلام قال يا غلام اللقمة؟ قال اكلتها يا مولاي، قال انت حرّ لوجه اللّه، فقال رجل أعتقته؟ قال: نعم سمعت رسول اللّه

صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول: من وجد لقمة ملقاة فمسح أو غسل منها ثم أكلها لم تستقر في جوفه إلّا أعتقه اللّه من النار و لم اكن لاستعبد رجلا اعتقه اللّه من النار) «1».

هذا تمام الكلام في احكام الخلوة و الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على نبينا محمد و آله و سلم تسليما كثيرا.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 39 من ل، ج 1، ص 254؛ العيون اخبار الرضا، ص 208.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 385

الفهرس

الخامس من المطهّرات:

الانقلاب 7

فى الرّوايات الواردة في طهارة الخمر اذا صار خلًّا 9

فى صيرورة الخمر خلًّا بالعلاج 11

فى وجه طهارة انقلاب الخمر خلًّا بالعلاج 13

فى اشتراط طهارة الخمر بانقلابه خلًّا عدم وصول نجاسة خارجية فيه 14

فى ما يكون للنّجس الثاني اثرا زائدا 15

العنب او التّمر المتنجّس اذا صار خلًّا لم يطهر 16

فى عدم طهارة الخمر اذا زال سكره 17

فى طهارة بخار البول و الماء المتنجّس 19

فى وقوع قطرة خمر فى حبّ الخل 20

فى ما تمسّك به على طهارة قطرة الخمر المصبوبة فى الخلّ 22

فى الجواب عن ما تمسّك به على طهارة قطر الخمر المصبوبة فى الخلّ 23

فى ما وقع قطرات من الخمر فى الخلّ 25

فى سراية النّجاسة اذا لاقى النّجس مع شي ء آخر 27

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 386

فى انّ الانقلاب غير الاستحالة 28

فى ما اذا تنجّس العصير بالخمر 29

في انّ تفرّق الاجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة 31

فى الماء الواقع فيه الدّم 33

اذا شكّ فى الانقلاب بقى على النّجاسة 34

السّادس من المطهّرات:

ذهاب الثلثين فى العصير العنبى 35

هل يكون التقدير فى الثلث او الثلثين بخصوص الوزن او بخصوص الكيل 37

فى قوله عليه السلام ثلاثة دوانيق، احتمالان 39

فى رواية ابن ابى يعفور و رواية عمّار السّاباطى 40

فى الرّوايات الّتي استدلّ بها على كون العبرة فى التّثليث يكون بالكيل 41

فى انّ ذهاب الثلثين يكون بأمور 43

فى ما اشترط فى قبول قول ذى اليد 45

فى عدم الفرق فى ذهاب الثلثين بين ان يكون بالنّار او بالهواء 46

فى تطهير الآلات المستعملة فى طبخ العصير بالجفاف 47

فى ما اذا كان فى الحصرم حبّة او حبّتان من العنب فعصر و استهلك 49

اذا صبّ العصير الغالى قبل ذهاب ثلثيه فى الّذي ذهب ثلثاه 50

فى ما اذا صبّ العصير الغالى قبل ذهاب ثلثيه فى العصير الغالى الآخر الّذي لم يذهب ثلثاه 51

فى ما اذا ذهب ثلثا عصير من غير غليان 52

فى وجه عدم نجاسة العصير من غير غليان 53

فى العصير التّمري او الزّبيبى 55

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 387

فى ما اذا شك فى الغليان يبنى على عدمه 55

فى ما اذا شكّ فى انّه حصرم او عنب يبنى على انّه حصرم 56

فى عدم البأس بجعل الباذنجان او الخيار او نحو ذلك فى الحبّ 56

فى ما يجعل فى الحبّ الزبيب ليصير خلًّا لا للعلاج 57

فى ما اذ زالت حموضة الخلّ العنبى 57

فى السّيلان و هو عصير التّمر 58

السّابع من المطهّرات:

الانتقال 59

فى انتقال دم ماله نفس كالانسان الى جوف ما لا نفس له كالبقّ 60

فى ما ذا وقع البقّ

على جسد الشّخص فقتله 61

فى انّ الدّليل يدلّ على طهارة دم ما لا نفس له 62

الثّامن من المطهّرات:

الاسلام 64

فى ما يتّصل ببدن الكافر الّذي اسلم 65

فى ما يمكن ان يكون وجها لطهارة ما يتّصل ببدن الكافر الّذي اسلم 66

هل تطهر محلّ النّجاسة الخارجيّة، الّتي زالت عينها، باسلام الكافر أم لا؟ 67

هل يطهر باسلام الكافر ثيابه الّذي لاقاه حال الكفر؟ 68

فى عدم الفرق فى الكافر الأصليّ و المرتدّ 69

فى المرتدّ الفطرىّ و الملّى 70

يقع الكلام فى المرتدّ الفطريّ فى جهات 71

فى انّ المرتدّ الفطرى مأمور باتيان الواجبات 73

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 388

فى قبول اسلام المرتدّ الفطرى و طهارته و وجوب قتله مع الامكان 74

فى كفاية الحكم باسلام الكافر اظهار الشّهادتين منه 75

فى ترتيب آثار الاسلام مع المنافقين 76

فى قبول اسلام الصّبي المميّز 77

فى عدم الوجوب على المرتدّ الفطرى تعريض نفسه للقتل بعد التوبة 77

التّاسع من المطهّرات:

التبعية 79

فى تبعيّة والد الكافر له فى الاسلام 80

فى وجوه الّتي استدلّ بها على تبعيّة الاسير الغير البالغ للمسلم 81

فى تبعيّة آلات تغسيل الميّت من السدّة و غيرها حيث تطهر مع تطهير الميّت 83

فى تبعيّة اطراف للبئر و الدّلو و امثالها للبئر فى التّطهير 84

فى القول فى ثياب النّاضح 85

فى تبعيّة الآلات المعمولة لطبخ العصير على القول بنجاسته 86

فى تبعيّة يد الغاسل و آلات الغسل فى تطهير المتنجّس 86

فى تبعيّة ما يجعل فى العنب او التّمر للتخليل 87

العاشر من المطهّرات:

فى زوال عين النّجاسة من جسد الحيوان 89

فى احتمالات المحتملة فى

المسألة 90

فى دعوى السّيرة على مطهّرية زوال عين النّجاسة من جسد الحيوان 91

فى بعض الرّوايات الّتي تكون مؤيّدة للسّيرة 92

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 389

فى تأييد السّيرة بما ورد فى بعض الرّوايات 93

فى حكم زوال عين النّجاسة عن بواطن الانسان 94

فى دعوى نجاسة الباطن بملاقاته مع ظاهر النّجس 95

فى الثّمرة بين القول بعدم نجاسة باطن الانسان و القول بنجاسته 97

فى ما إذا شكّ فى كون شي ء من الباطن او الظّاهر 97

فى انّ مطبق الشفتين من الباطن 99

فى ما يتمسّك على عدم كون مطبق الشّفتين من الظّاهر 101

فى بعض الاخبار الواردة فى التّطهير عن النّجاسة الخبثيّة 102

الحادى عشر من المطهّرات:

استبراء الحيوان الجلّال 105

فى روايات الواردة فى استبراء الحيوان الجلّال 106

فى انّه هل الجلّال هو مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة بتغذّى العذرة او مختصّ بحيوان معيّن 107

فى انّ الجلّال هل هو خصوص الحيوان المتغذّى من عذرة الانسان او مطلق النّجاسة 108

فى مدّة الاستبراء 110

فى وجه كفاية ذهاب اسم الجلل 111

فى وجه اعتبار مضيّ المدّة المعيّنة فى الاخبار 113

الثاني عشر من المطهّرات:

حجر الاستنجاء 115

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 390

الثالث عشر من المطهّرات:

خروج الدّم من الذبيحة بمقدار المتعارف 116

الرّابع عشر من المطهّرات:

نزح مقادير المنصوصة لوقوع النّجاسات المخصوصة فى البئر 117

الخامس عشر من المطهّرات:

تيمّم الميت بدلا من الاغسال عند فقد الماء 118

فى الاخبار الّتي ورد فى وجوب تيمّم الميت عند تعذّر غسله 119

السّادس عشر من المطهّرات:

الاستبراء بالخرطات بعد البول 121

فى الاخبار الّتي ورد فى الاستبراء بالخرطات

122

السّابع عشر من المطهّرات:

زوال التّغير فى الجارى و البئر بل مطلق النّابع 124

الثامن عشر من المطهّرات:

غيبة المسلم مطهّرة لبدنه او لباسه او فرشه او غير ذلك 125

فى ما يستدلّ به على كون غيبة المسلم مطهّرة لبدنه، و لباسه 126

فى انّ ظاهر حال المسلم هو تنزيهه من النّجاسة 127

فى اعتبار شروط الّتي تكون غيبة المسلم مطهّرة لبدنه و لباسه 128

المراد من المسلم الّذي تكون غيبته من المطهّرات هو خصوص المسلم البالغ او هو يشمل غير البالغ أيضا 128

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 391

فى الحاق الظّلمة و العمى بالغيبة 129

فى انّه ليس من المطهّرات، الغسل بالماء المضاف 130

فى انّه ليس من المطهّرات، ازالة الدّم بالبصاق 131

فى جواز استعمال جلد الحيوان الّذي لا يؤكل لحمه بعد التّذكية 132

فى ما يستدلّ به على جواز استعمال جلد غير المأكول بعد التّذكية 133

فى ما يؤخذ من الجلود من ايدى المسلمين او من اسواقهم 134

ما عدا الكلب و الخنزير من الحيوانات الغير المأكول قابل للتّذكية 135

فى انّ السّباع و المسوخ و الحشرات قابل للتزكية أم لا؟ 136

فى الاخبار الّتي ورد في جلد السّباع 137

الكلام فى دلالة هذه الاخبار الّتي ورد فى جلد السّباع 138

فى ما قيل فى المسوخ من السّباع 140

فى عدم قابليّة المسوخ و الحشرات للتّذكية 141

فى استحباب غسل الملاقى فى جملة من الموارد مع عدم تنجّسه 141

فى استحباب الرّش بالماء فى موارد 142

فى استحباب المسح بالحائط او بالتراب فى موارد 142

فى الاخبار الواردة فى طهارة ابوال البهائم 143

فى ملاقات الفارة الحيّة مع الرّطوبة

144

فى الفرق بين مصافحة الذّمى و النّاصبى و اثرها 145

يستحبّ النّضح اذا لاقى لباسه او بدنه الكلب او الخنزير بلا رطوبة 146

فى ما اذا اصابه العرق الجنب من الحلال 147

فى ما شكّ فى ملاقاته لبول الفرس و البغل و الحمار 148

فى ما شكّ فى ملاقاته للبول و الدّم و المنيّ 149

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 392

فى ما لاقى الشّي ء مع الصفرة الخارجة من دبر صاحب البواسير 150

فى استحباب الرّش الماء فى معبد اليهود و النصارى و المجوس اذا اراد الصّلاة فيه 150

فى مصافحة الكافر بلا رطوبة 151

فى مسّ الثعلب و الارنب 152

فصل:

فى ما اذا علم نجاسة شي ء يحكم ببقائها ما لم يثبت تطهيره 155

فى طرق ثبوت تطهير المتنجّس 156

فى ما يمكن هو وجها لحجيّة قول الوكيل 157

فى وجه حجّية قول الحجّام 158

فى غسل المسلم المتنجّس، بعنوان التّطهير 159

فى تعارض البيّنتين فى التطهير و عدمه 160

فى ما اذا علم بنجاسة شيئين فقامت البيّنة على تطهير احدهما الغير المعيّن 161

فى ما اذا طهّر احد المتنجّسين ثمّ اشتبه عليه 162

فى البحث عن خبر زرارة الوارد فى الاستصحاب 163

فى الايراد على كلام الشّيخ (ره) 164

فى ما قيل من التعارض بين صدر الخبر و بين الذّيل 165

فى ما اذا شكّ بعد التّطهير و علمه بالطّهارة فى زوال عين النّجاسة و عدمه 166

فى ما اذا علم بنجاسة شي ء و شكّ فى انّ لها عينا أم لا؟ 167

الوسواسى يرجع فى التطهير الى المتعارف 168

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 393

فصل:

فى حكم

الاوانى 171

فى عدم جواز استعمال الظّروف المعمولة من جلد نجس العين 172

فى جواز استعمال ظروف المغصوبة و عدمه 173

فى ما اذا كان الوضوء او الغسل من الاناء المغصوب و يتصوّر لها صور 174

انّ الميزان فى الحرمة هو صدق التّصرف فى المغصوب 175

فى اخذ الماء بالاغتراف تدريجا عن الإناء المغصوب 176

فى ما اذا كان اخذ الماء بعنوان الاغتراف دفعة لا تدريجا 178

فى ما اذا كان الوضوء او الغسل من الإناء المغصوب بنحو الارتماس 179

فى اوانى المشركين و ساير الكفّار 180

فى أوانى المشركين المتّخذة من غير الجلود 181

فى روايات الواردة فى ثياب الّتي تكون تحت ايدى الكفّار 182

فى روايات الّتي تكون بظاهرها معارضة لذلك الرّوايات 183

فى اوانى الكفّار المتخذة من الجلود 184

فى ما بأيدى الكفّار و المشركين من غير الآنية 185

فى جواز استعمال اوانى الخمر بعد غسلها 186

فى بعض الاخبار الواردة على عدم جواز استعمال الآنية الخمر المأخوذة من الأشياء الرّخوة 187

فى قابليّة الظّرف للتّطهير ظاهره و باطنه 189

فى حرمة استعمال اوانى الذّهب و الفضّة فى الأكل و الشّرب 190

فى الرّوايات الواردة فى النّهى عن استعمال أوانى الذّهب و الفضّة 191

فى حرمة استعمال اوانى الذّهب و الفضّة فى الغسل و الوضوء و تطهير النّجاسات 192

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 394

فى تحريم جميع استعمالات اوانى الذّهب و الفضّة 193

فى تحريم تزيين المساجد بالذّهب و الفضّة و كذا وضع آنيتهما على الرّفوف 193

فى الاحتمالات الواردة فى الاخبار المطلقة النّاهية عن آنية الذّهب و الفضّة 194

فى ما قيل بانّ حقيقة استعمال الشّي ء هو

إعماله فى ما يعدّله 197

الكلام فى جواز بيع آنية الذّهب و الفضّة و شرائها و صياغتها و اخذ الاجرة عليها و عدمه 198

فى تحريم الصّفر او غيره الملبّس بالذّهب او الفضّة 199

لا بأس بالمفضض و المطلّى و المموّه بالذّهب او الفضّة 200

فى الرّوايات الواردة فى إناء المفضّض و المطلّى و المموّه 201

فى انّ المتصوّر من المفضّض و المطلّى هى على صور 203

فى حكم الإناء المطلّى و المفضّض و المموّه بالذّهب او الفضّة 205

فى عدم تحريم استعمال من الذّهب او الفضّة مع غيرهما 205

فى تحريم الممتزج من الذّهب و الفضّة و ان لم يصدق عليه اسم احدهما 206

فى عدم تحريم غير الاوانى اذا كان من الذّهب او الفضّة كاللّوح و الخلخال مثلا 206

فى الاخبار الواردة فى جواز ان يكون غير الاوانى من الذّهب او الفضّة 207

فى انّ المراد من الاوانى ما يكون من قبيل الكاس و الكوز و الصينى و الفنجان و القدر و امثالها 209

صدق اسم الآنية لمثل كوز القليان و ظرف الغالية و الكحل و امثالها مورد للاشكال 211

فى الايراد و الجواب عن ما قاله المؤلّف من جواز كون ظرف التّعويذ فضّة 212

لا فرق فى حرمة الاكل و الشّرب من آنية الذّهب و الفضّة باىّ نحو كان 213

فى انّ المستفاد من بعض الاخبار كون عنوان المحرّم هو نفس آنية الذّهب و الفضّة 214

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 395

فى انّ حرمة آنية الذّهب و الفضّة تدور مدار الاستعمال 215

فى تفسير النّهى الوارد على ذوات الأشياء من الجامدات و المائعات 217

فى افراغ ماء فى

آنية الذّهب و الفضّة بقصد التّخلص 219

فى ما اذا انحصر ماء الوضوء او الغسل فى آنية الذّهب و الفضّة 220

فى القول بوجوب الافراغ اذا انحصر ماء الوضوء او الغسل فى آنية الذّهب او الفضّة 221

فى ما اذا كان ماء الوضوء او الغسل فى احدى الآنيتين و لا يمكن الافراغ و كان الماء منحصرا 222

فى ما اذا كان الماء فى آنية الذّهب او الفضة و لا يمكن الافراغ و لكن لم يكن الماء منحصرا 223

فى ما اذا صارت الآنية الذّهب و الفضّة مصبّا لغسالة الوضوء او الغسل 224

فى عدم الفرق فى الذّهب و الفضّة بين الجيّد و الرّدى 225

فى ما اذا توضّئ او اغتسل من اناء الذّهب او الفضّة مع الجهل بالحكم او الموضوع 226

فى عدم المنع اذا كانت الآنية من غير الذّهب او الفضّة و ان كانت اعلى و اغلى 226

فى عدم البأس بما صنع من الذّهب المعروف بالفرنكى و كذا القضّة المسمّاة بالورشو 226

فى جواز استعمال اوانى الذّهب او الفضّة فى الاكل و الشّرب فى حال الاضطرار 227

فى دوران الامر فى حال الاضطرار بين استعمال آنية الذّهب او الفضة او استعمال المغصوب قدمهما 227

فى حرمة اجارة نفسه لصوغ الاوانى من الذّهب او الفضّة 228

فى وجوب كسر آنية الذّهب و الفضّة على صاحبهما 228

فى وجوب كسر الآنية الذّهب و الفضّة على غير صاحبه، يتصوّر له صور 229

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 396

فى ما اذا شكّ فى آنية انّها من الذّهب و الفضّة أم لا؟ 230

فصل:

فى احكام التّخلى 233

فى الاخبار الواردة على وجوب ستر العورة

عن الناظر المحترم فى حال التخلي 234

فى وجوب ستر العورة عن الغير 236

فى حرمة النّظر الى عورة الغير 237

فى عورة الرّجل و عورة المرأة 238

فى ما يقال بانّ حدّ العورة ما بين السّرة و الرّكبة 239

هل يكفى فى السّتر، ستر لون البشرة فقط أم لا؟ 240

فى عدم الفرق فى حرمة النّظر بين عورة المسلم و الكافر 241

المراد من النّاظر المحترم من عدا الطّفل الغير المميّز و الزّوج و الزّوجة 242

فى عدم وجوب ستر العورة على كلّ من المالك و المملوكة عن الآخر 243

فى عدم جواز نظر المالك الى عورة مملوكته اذا كانت مزوّجة او محلّلة او فى العدة 244

فى عدم وجوب ستر الفخذين و لا الأليتين 244

فى عدم الفرق بين افراد السّاتر 245

فى عدم وجوب السّتر فى الظّلمة المانعة من الرؤية 245

فى عدم جواز النّظر الى عورة الغير من وراء الشيشة 246

فى عدم جواز الوقوف فى مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير 246

فى ما اذا شكّ فى وجود النّاظر المحترم و عدمه 247

فى ما اذا رأى عورة و شكّ انّها عورة حيوان او انسان 248

فى ما اذا شكّ ايّها عورة من يجب الغضّ عنها او لا يجب الغضّ عنها 249

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 397

فى ما اذا رأى عضوا من بدن الانسان و شكّ انّه عورة او غيرها 251

فى عدم جواز النّظر للرّجل و الانثى الى دبر الخنثى 252

لو اضطرّ الى النّظر الى عورة الغير كما فى مقام المعالجة 254

فى تحريم استقبال القبلة فى حال التّخلى 254

فى عدم

الفرق فى الحرمة بين الابنية و الصّحارى 255

فى الاخبار الواردة فى حرمة استقبال القبلة فى حال التخلّى 256

فى اشتمال بعض الاخبار على بعض المكروهات 257

فى الاستقبال و الاستدبار المحرم حال الخلوة 258

المشهور هو ترك استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم البدن و العورة كليهما 259

هل يحرم استقبال القبلة المنسوخة اى بيت المقدّس و استدبارها حال التخلّى أم لا؟ 261

هل التّحريم مخصوص بحال التخلّى فقط او تعمّ حال الاستبراء و الاستنجاء 261

فى ما اذا دار الامر بين ارتكاب الاستقبال او الاستدبار، لاجل الاضطرار 263

فى ما اذا اضطرّ بين واحد من الاستقبال و الاستدبار و بين ترك السّتر مع وجود النّاظر المحترم 263

فى ما اشتبه القبلة بين اربع جهات 264

لو اشتبه القبلة بين جهتين متقابلتين 266

فى ترك اقعاد الطّفل للتّخلى مستقبلا و مستدبرا 267

يتحقّق ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرّد الميل الى احدا الطّرفين 268

فى من تواتر بوله او غائطه مراعات ترك الاستقبال و الاستدبار 269

عند اشتباه القبلة بين الاربع لا يجوز ان يدور ببوله الى جميع الاطراف 269

فى ما اذا اختار احد الاطراف للتخلّي 270

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 398

فى ما اذا اشتبهت القبلة هل التّخير بين الجهات الاربع، تخيير بدويّ او استمرارىّ 271

فى انّ التّخيير هنا بدوىّ لا استمرارىّ 272

فى ما اذا علم ببقاء شي ء من البول فى المجرى يخرج بالاستبراء فالاحتياط بترك الاستقبال او الاستدبار فى حاله اشدّ 274

فى تحريم التخلي فى ملك الغير بدون اذنه 274

فى تحريم التخلي على قبور المؤمنين 275

انّ المراد بمقاديم البدن، الصّدر و البطن و الرّكبتان

276

فى عدم جواز التّخلى فى مثل المدارس الّتي لا يعلم كيفيّة وقفها 277

فصل:

فى الاستنجاء 281

فى وجوب غسل مخرج البول بالماء مرّتين 282

فى ما قاله المحقّق الهمدانى (ره) 283

فى عدم اجزاء غير الماء فى تطهير مخرج البول 284

فى بعض الاخبار الّتي قد يقال بدلالتها على اجزاء غير الماء فى تطهير مخرج البول 285

فى تخيير المكلّف فى تطهير مخرج الغائط بين تطهيره بالماء و بين المسح بالاحجار و الخرق 286

فى روايات الواردة فى كفاية المسح بالاحجار فى تطهير مخرج الغائط 287

فى تعيّن الماء فى الاستنجاء من الغائط فى صورة التّعدى 288

فى صور المتصوّرة اذا تعدّى الغائط عن المخرج 289

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 399

يقع الكلام فى الاقوال و الاحتمالات 290

فى انّ الغسل بالماء فى تطهير مخرج الغائط افضل 291

فى ما اذا تعدّى الغائط عن المخرج على نحو الانفصال 292

هل يجزى فى تطهير مخرج الغائط بالاحجار هو مجرّد ما يحصل به النّقاء 292

فى ما تمسّك به على كفاية مجرّد النّقاء 293

فى بعض الاخبار الدّالة على كفاية مجرّد النّقاء 294

فى بعض الاخبار ما تدلّ على اشتراط ثلاثة احجار فى الاستنجاء 295

فى حمل اعتبار ثلاثة أحجار فى الاستنجاء على المورد الغالب 297

هل يجزى ذو الجهات الثلاث من الحجر 298

هل يجب الاقتصار فى تطهير المخرج بالمسح بخصوص الحجر و الخرق او يتعدّى بكلّ قالع 299

فى ما يستدل به على جواز المسح فى تطهير المخرج بمطلق القالع 300

فى انّه هل يشترط من القالع ان يكون بكرا 301

لو مسح المخرج بالنّجس او المتنجّس لم يطهر بعد

ذلك الّا بالماء 302

يجب فى الغسل بالماء ازالة العين و الاثر 303

فى عدم جواز الاستنجاء بالمحترمات 305

فى دعوى الاجماع على حرمة الاستنجاء بالرّوث و الرّمة 306

فى جواز الاستنجاء بكلّ قالع و حصول الطّهارة به 307

فى الاستنجاء بالمسحات اذا بقيت الرّطوبة 308

فى اشتراط عدم كون الرّطوبة المسرية فى القالع 308

فى ما اذا خرج مع الغائط نجاسة اخرى كالدّم 309

فيما اذا خرج من بيت الخلاء ثمّ شك فى انّه استنجى أم لا؟ بنى على العدم 310

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 400

فى عدم وجوب الدّلك باليد فى مخرج البول عند الاستنجاء 311

فى ما اذا مسح مخرج الغائط بالارض ثلاث مراّت 312

فى جواز الاستنجاء عند الشكّ بما كونه عظما أو روثا 313

فصل:

فى الاستبراء 317

فى الاخبار الواردة فى كيفيّة الاستبراء 318

يقع الكلام فى جهات: الجهة الاولى فى كيفيّة الاستبراء 319

فى ما قاله المؤلّف فى كيفيّة الاستبراء 320

فى كيفيّة الاستبراء التى هو مقتضى الجمع بين الاخبار الواردة فيه 321

هل يكفى فى تحقّق الاستبراء احدا الكيفيات المذكورة فى الكتب الفقهيّة أم لا؟ 323

فائدة الاستبراء و اثره هو الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة و عدم ناقضيّتها بعده 324

كلّما حصل القطع بنقاء المجرى فهل هو فى حكم الاستبراء أم لا؟ 326

فى عدم كفاية الظّن بعدم بقاء شي ء من البول فى المجرى 327

من قطع ذكره يصنع ما ذكر فى ما بقى 327

يحكم على الرطوبة المشبهة بالنّجاسة و النّاقضيّة مع ترك الاستبراء 328

فى عدم لزوم المباشرة فى الاستبراء 328

فى ما اذا خرجت رطوبة من شخص و شكّ شخص آخر

فى كونها بولا او غيره 329

اذا شكّ فى الاستبراء يبنى على عدمه 329

اذا شكّ من لم يستبرأ فى خروج الرّطوبة عدمه 330

اذا علم انّ الخارج منه مذى لكن شكّ فى انّه خرج معه بول أم لا؟ 330

فى ما اذا بال و لم يستبرأ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول و المنيّ 331

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 401

فى ما اذا كان خروج البلل المشتبه بين البول و المنيّ بعد الاستبراء 332

فصل:

فى مستحبّات التّخلّي و مكروهاته 337

فى استحباب الطّلب المكان المرتفع للبول او موضعا رخوا 338

فى استحباب تقديم رجل اليسرى عند الدّخول فى بيت الخلاء 339

فى استحباب ستر الرّأس 339

فى استحباب التّسمية عند كشف العورة فى بيت الخلاء 341

فى استحباب الاتّكاء فى حال الجلوس على رجله اليسرى 342

فى استحباب الاستبراء بالكيفية التى مرّت 342

فى استحباب التنحنح قبل الاستبراء 342

فى استحباب قراءة الادعية عند دخول بيت الخلاء 343

فى استحباب التّحميد بالمأثور عند رؤية الماء 345

فى استحباب الدّعاء بالمأثور عند الاستنجاء 346

فى استحباب الدّعاء بالمأثور عند الفراغ عن الاستنجاء 347

فى استحباب مسح يده اليمنى على بطنه عند القيام عن محلّ الاستنجاء و الدّعاء بالمأثور 347

فى استحباب الدّعاء بالمأثور عند الخروج عن بيت الخلاء او بعده 348

فى استحباب تقديم استنجاء الغائط على استنجاء البول 349

فى استحباب الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى 350

فى استحباب ان يعتبر و يتفكّر فى انّ ما سعى و اجتهد فى تحصيله كيف صار اذيّة عليه و رفع هذه عنه 351

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 402

فصل:

فى مكروهات التخلي 352

فى الرّوايات الواردة فى مكروهات حال الاستنجاء 353

فى كراهة استقبال الشّمس و القمر حال الاستنجاء 355

فى كراهة استقبال الرّيح بالبول و الغائط 357

فى كراهة الجلوس للتخلّى فى الشّوارع 358

فى كراهة الجلوس للتخلّي فى المشارع و هى مورد الماء 359

فى كراهة الجلوس للتّخلى فى منزل القافلة 360

فى كراهة الجلوس للتّخلى فى دروب المساجد 361

فى كراهة الجلوس للتخلّي فى دروب الدّور 361

فى كراهة الجلوس للتخلّي تحت الاشجار المثمرة 362

فى كراهة البول قائما 362

فى كراهة التخلي فى الحمام 363

فى كراهة البول على الارض الصّلبة 363

فى كراهة البول فى ثقوب الحشرات 364

فى كراهة البول فى الماء خصوصا فى راكده 364

فى كراهة التطميح بالبول فى الهواء 364

فى كراهة الأكل و الشّرب حال التّخلى 366

فى كراهة الاستنجاء باليمين و باليسار اذا كان عليه خاتم فيه اسم الجلالة 367

فى كراهة طول المكث فى بيت الخلاء 370

فى كراهة التخلي على قبور المؤمنين اذا لم يكن هتكا و الّا كان حراما 371

فى كراهة الكلام فى بيت الخلاء فى غير الضّرورة 373

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 4، ص: 403

فصل:

فى المستثنيات 374

فى عدم كراهة قراءة آية الكرسى فى بيت الخلاء 375

فى كراهة حبس البول او الغائط 376

فى استحباب البول حين إرادة الصّلاة و عند النّوم و عند الجماع 377

اذا وجد لقمة خبز فى بيت الخلاء يستحبّ اخذها 378

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.